الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخرج لارس فون ترير يصنع سمفونية سينمائية عن نهاية العالم

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2022 / 5 / 17
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


المخرج لارس فون ترير يصنع سمفونية سينمائية عن نهاية العالم

"ميلانكوليا" ثاني أفلام لارس فون ترير وأُنتاج عام 2011 ، عرض للمرة الأولى خلال مهرجان كان ، يتناول الفيلم موضوع نهاية العالم من خلال حكاية شقيقتين . يتألف الفيلم من قسمين يحمل أولها اسم (جوستين ) عنواناً له ، ويحمل الثاني إسم ألاخت (كلير) على أسماء الشقيقتين في الفيلم . يفتتح بالمقدمة الآسرة بصرياً وسمعياً بسلسلة مشاهد فائقة البطء وعلى وقع موسيقى ريتشارد فاغنر ، السلسلة تتألف من ستة عشر لقطة , تكشف أحلام جوستين ، في اللقطة الافتتاحية ، صورة مقرّبة لجوستين وعينيها مغمضتان وهالة وحشية حول وجهها ، ثم تفتح عينيها ببطء . يقترب الكوكب الأزرق( ميلانكوليا ) من الأرض، جوستين الحزينة تنظر بينما تسقط الطيور ميتة خلفها ، حصان أسود لم يعد قادراً على الوقوف، وأم تحمل طفلها وهي ألاخت (كلير) تصارع الأرض التي تغرق قدميها فيها ، إنها نهاية كل شيء وبداية الفيلم . يظهر الموت بأشكال أخرى ، مثل الصورة الكابوسية المذهلة للطيور النافقة وهي تسقط من السماء في الخلفية بينما يظهر وجه جوستين الخالي البارد في لقطة قريبة . شقيقتها كلير (شارلوت) ، تركض في ملعب الجولف وساقيها تغرقان ، تقف جوستين بمفردها بينما تطير الحشرات لأعلى ، كلير وابنها يقفان في وسط ملعب الجولف مع ثلاثة أجرام سماوية في السماء ، جوستين تنظر إلى الضوء المنبعث من أصابعها ثم تطفو في مجرى مائي ، ما سبق هي الأشياء التي تشعر بها جوستين وبقدراتها على الإدراك ، هذه المقدمة لفيلم المخرج الدنماركي (لارس فون ) ومجموعة من اللقطات القاتمة والسريالية التي تشبه الرسم والتي يتم تصويرها بالحركة البطيئة ، هي مقدمة غاية في التنفيذ لموضوعات السمفونية السينمائية في تجسيد الموت والدمار . وما يكمل مشهد الأحلام الغريبة هو القطعة الموسيقية الرائعة والمؤرقة لفاغنر والتي تضخم الحزن الذي تم تصويره في اللقطات وطوال الفيلم بأكمله .
في مقدمة فون ترير السينمائية "الكآبة" أو الكوكب المدمر (ميلانكوليا )، وهو استعارة يتم نقلها بشكل مرئي وأكثر جمالًا عندما تستحم جوستين ، العروس اليائسة واللامبالية دائمًا . في القسم الأول لدينا العرس بدءاً من توجه جوستين إلى القصر العائلي الفخم والمنعزل، حيث يقام الاحتفال وسط صخب العائلة والأصدقاء، لكن العروسين سيصلان متأخرَيْن لأن السيارة "الليموزين" المبالغ في طولها تعجز في الالتفاف وسط طرق الغابات ، ولكن هذا التأخير الذي يقلق الجميع في الانتظار لا يبدو أنه يثير قلق العروس نفسها، فهي منشغلة البال بعِدة أمور يبدو أن زواجها أقلها أهمية، أما الأكثر أهمية فهي نهاية العالم إذ نراها تتمسك بما بات البعض يتوقعه من اصطدام حتمي لكوكب آت من الفضاء الخارجي يدعى "ميلانخوليا" - الكآبة .
جوستين أيضًا بأنها محاصرة بشكل رهيب مع اقترابها من الزواج ولا تريد حقًا الاستمرار في ذلك ، وكل من في العرس في حالة غريبة ، الأب غير آبه بابنته العروس، والأم تشهر بصراحة رفضها وكرهها للزواج والطقوس الاجتماعية وحتى رب عملها يلاحقها من أجل إتمام مشروع مهني . تحاول ألاخت كلير (تشارلوت غاينسبورغ) أن تتابع أختها العروس وهي التي نظمت واستضافت العرس الباذخ في قصرها الكبير وهي الوحيدة العالمة بمرض أختها . من الواضح الآن أن جوستين ليست سعيدة بحفل الزفاف . تحاول جوستين التحدث إلى والدتها لتقول إن شيئًا ما يسيطر عليها ربما الخوف من التجربة .
يجلس الضيوف على الطاولات وينتظرون الخبز المحمص . والدا الأختان المطلقان موجودان ، ومن الواضح للجميع أنهم لا يحبون بعضهم البعض . والدهم (جون هيرت) في حالة سكر بالفعل ، يثرثر ، ثم والدتهما (شارلوت رامبلينج) تفسدالمراسيم بانتقادها الشديد لمؤسسة الزواج وازدراءها له. على الرغم من أن جوستين تبتسم كثيرًا وتبذل جهدًا للتنقل بين الضيوف ، إلا أن كلير تعرف أن هناك شيئًا ما يزعج أختها المتقلبة المزاج التي عانت من نوبات اكتئاب كثيرة . " ميلانكوليا " هو فيلم درامي من تأليف وإخراج لارس فون ترير ، وبطولة كيرستن دانست وشاروليت غينسبورغ ، وكيفر ساذرلاند ، وهو فيلم يتناول الاكتئاب والضغوط البيئية التي تساهم فيه . يسلط البطلان الرئيسيان الشقيقتان جوستين وكلير الضوء على مظهرين مختلفين للاكتئاب. الفيلم مقسم إلى جزئين. يقدم الجزء الأول من الفيلم الشخصيات ويركز على حفل زفاف جوستين وشخصيتها. هي شابة تعاني من مشاعر التعاسة والوحدة والحزن. تحاول جوستين إغراق اكتئابها وراء حفل زفاف باهظ الثمن. على الرغم من أنها تحاول قمع عواطفها ، إلا أن هذا لا يكفي . بدأت مشاعرها الاكتئابية تطغى عليها ، مما أدى إلى أن يكون يوم زفاف فاشل . الجزء الثاني من الفيلم يعرض جوستين في حالة اكتئاب شديدة. ومع ذلك ، فإن محور القصة يتحول الآن إلى ألاخت كلير . في تحول الأحداث ، أصبح العنوان ( ميلانكوليا ) مرادف الى اسم كوكب يختبئ وراء الشمس ومرادف الى ألكآبة . يعتقد العلماء أن الكوكب ستضرب الأرض أثناء مسارها وتدمر الجنس البشري. يرتبط الكوكب بحياة كل من الشخصيات ، بمعنى أن كلاهما يرى نهاية العالم والحتمية بشكل مختلف تمامًا. من وجهة نظر كلير ، فإن الأخبار المتعلقة بدور ة الكوكب ميلانكوليا هي بمثابة تذكير دائم لكيفية اقتراب الموت منها وعائلتها ، مما يجعلها تشعر بالقلق والاكتئاب . على العكس من ذلك ، جوستين ، كانت تنتظر تلك اللحظة التي سيتم خلاصها من قلقها و إكتئابها . بالنسبة لها ، كان الموت هو الطريقة الوحيدة التي ستتعافى من فراغها ، وقد رحبت بهدوء بنهاية البشرية. بالنسبة إلى كلير ، أيقظ اقتراب الكوكب عندها شعورًا بالقلق ومشاعر عدم الجدوى. يذكرنا هذا الفيلم أن الموت سيأخذ كل واحد منا في مرحلة ما من حياتنا. ما يجعله غير عادي بشكل خاص بالنسبة لفيلم يدور حول اليأس من ناحية الروعة المرئية. كما يوضح المصور السينمائي للفيلم "مانويل ألبرتو كلارو " فإن بعض الصور للفيلم قد رسمها فون ترير بتفاصيل رسام . ومن منظور خارجي ، يصور هذا الفيلم كيف يمكن للاكتئاب أن يظهر بشكل مختلف ويزود المشاهد بنظرة فاحصة على هذا المرض العقلي ..
مرت الأشهر ، وأصبحت كلير مهووسة بالكوكب الذي يقترب. في حين أن زوجها جون واثق من أنه سيكون مشهدًا خلابًا وجميلًا ، تشعر كلير أن مقالات الإنترنت قد تكون صحيحة بشأن الاصطدام . جوستين يستهلكها الاكتئاب الآن . وتصبح عاجزة في الاعتماد على نفسها ويتم إرسالها لتكون تحت رعاية كلير . تركز الكاميرا على كلير التي تكافح من أجل التعامل مع الاكتئاب الموهن لشقيقتها الآن ومخاوفها المتزايدة وعلى الرغم من أن زوجها أقسم على عكس ذلك . مع اقتراب الكوكب(ميلانكوليا ) ، يتعامل كل منهما مع الحدث بطريقة مختلفة. كلير تصيب بالذعر وتضع خطط طوارئ . جون (زوج كلير ) غير قادر على مواجهة عائلته بعد وعوده العديدة . ينتحر لانه غير قادر على التعامل مع ما هو آت. تؤكد كلير أن الكوكب يقترب الآن من الأرض . وجدت جون ميتًا في الإسطبلات ، و أطلقت حصانها للركض لتخلق عذرًا لتقول إن جون ذهب لركوب الخيل. كلير تشعر بالذعر الآن وتتحرك لتركض للقرية ، لكن لا يوجد مكان للهرب. لقد عادت واقترحت يأسًا أن يتوجه الثلاثة الباقون إلى الشرفة ، ويتناولون بعض النبيذ أثناء الاستماع إلى الموسيقى . تجد جوستين أنها طريقة لا طائل من ورائها وتسخر من الفكرة . يرى الصبي ابن كلير الحصان بمفرده ويدرك أن شيئًا ما قد حدث لوالده . يقول إن الكوكب قد يضرب ألارض بالفعل وأن جون قال إنه في هذه الحالة لن يكون هناك مكان للاختباء. أخبرته جوستين أنها تستطيع أن تبني له خيمة سحرية . بعدها يجمعون العصي وينصبوا خيمة بدائية ويجلسون كلهم بالداخل . جوستين هادئة وتنتظر لحظة إصطدام الكوكب ونهاية العالم ، في حين تكون شقيقتها كلير مرعوبة وتبكي بشكل هيستيري. يعتقد ابنها أن الخيمة سحرية ويغمض عينيه . يجلس بداخله جوستين وكلير وليو الصغير بالفعل، متشابكي الأيدي، بينما يصطدم ميلانكوليا بالأرض ويدمرها . هناك تقريبا 10 ثوانٍ من الصمت مع شاشة سوداء قبل نزول تترات النهاية .
يوحي لنا المخرج (لارس فون ) بأن الكآبة لا تتعلق بالسياسة أو بالعالم الأكبر، بل إنها تتعلق بالخوف . والألم والرهبة العارمة التي تصاحب الاكتئاب ؛ والدوي الذي يغمر الجمهور مشابه تمامًا لبداية التدمير . تفصح الشخصيات الرئيسية في الفيلم عن هواجس وخوف فون ترير ذاته ، كاشفا ما يعتريها من قلق وخوف . من الواضح أن التجربة الحياتية لفون ترير أثرت في رؤيته السينمائية بشكل أو بآخر، فبعد اصطدامه ومعاناته مع الاكتئاب، انطلق يُعبر عن هذه المأساة من خلال "ثلاثية الاكتئاب" التي رصد فيها معاناة مريض الاكتئاب، ففي أكثر من حوارقرأته له يُشير المخرج الدنماركي فون ترير إلى أنه فيلمه يعبر عن حالة عاشها وعانى منها وهي ألكآبة . وكشف بأنه في الفترة التي سبقت كتابة "ميلانكوليا"، كان يُعالَج من إحدى نوبات الاكتئاب . وأخبره طبيبه أن مَن يعانون من الاكتئاب هم الأكثر هدوءا في مواجهة المواقف المتطرفة في الحياة، لأنهم يعيشون تحت وعي دائم بأن كل شيء قد انتهى بالنسبة لهم، لا شيء يخسرونه، ولذلك فهم أكثر استعدادا للنهاية الحقيقية ، وتلك الحقيقة رسمها في الفيلم ، حينما تنهار كلير تماما عند قرب حدوث الكارثة بينما تكون أختها المصابة بالكآبة أو الميلانكوليا كانت أكثر تماسكا، ويؤكد هذا على نظرية أن المرضى العقليين يواجهون الكوارث الخارجية بسهولة أكبر لأنهم أكثر اعتيادا على الصدمات والاضطرابات النفسية الشديدة .
إستطاع المخرج لارس فون ترير تحويل فكرة وجود كوكب في مسار تصادمي مع الأرض إلى استعارة لاكتئابه ، وهو قصيدة غنائية لنهاية العالم - عالم يكره فون ترير بوضوح ، حيث أن الرأسمالية تسمم كل شيء . إن الرؤية بغيضة بقدر ما هي مليئة بالكراهية ، لكن اندماج الشكل والمضمون مثالي لدرجة أنه يطل على السمو . لا شكّ أنّ الفيلم مرآة لفلسفة المخرج فون ترير عن الحياة والموت والطبيعة والأنسان ، ويمرر أفكاره على ألسنة شخصياته ، "لا يوجد حياة في مكان آخر غير الأرض"، "الأرض شريرة، تستحق أن تُدمر، لا أحد سوف يفتقدها ". إن العجز والخوف والألم والشعور الدائم بـ "نهاية عالمهم" الوشيك ، وهي طبيعة المشاعر التي يمر بهاالأشخاص المصابون بالاكتئاب ، يصرح فون ترير أن فكرة الفيلم جاءت من محلله النفسي ، الذي أخبره أن "الحزينين عادة ما يكونون أكثر اتزانًا من الناس العاديين في المواقف الكارثية ، لأنه ليس لديهم ما يخسرونه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في حوار لـ-العربية ENGLISH-.. أندرو تيت الملقب بـ-كاره النسا


.. هل يعاني علم المصريات من الاستعمار الثقافي؟ • فرانس 24 / FRA




.. تغير المناخ.. تحد يواجه المرأة العاملة بالقطاع الزراعي


.. الدكتورة سعاد مصطفى تتحدث عن وضع النساء والأطفال في ظل الحرب




.. بدء الانتخابات التمهيدية الخاصة بالمرأة في الحسكة