الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات مصرية من القنال

عطا درغام

2022 / 5 / 19
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


نشأت علي البر الغربي للقناة ثلاث مدن مصرية مرتبطة اقتصاديًا بالنشاطات المتعلقة بحركة الملاحة بها، ورغم حداثة المجتمعات الثلاثة إلا أنها تمايزت رغم اندماجها الكلي بباقي مدن الوطن لتعرضها لثلاث حروب متتالية 56 و67 و 73 أكسبتها ويلات وآلام هذه الحروب الثلاث خصوصية ورونقًا.
قدمت المدن الثلاث أو المحافظات الثلاث السويس والإسماعيلية وبورسعيد شهداء وأبطالًا لا حصر لهم ، وفي هذا الكتاب يورد المؤلف شهادات موثقة لأبطال شاركوا في المعارك، ومازالوا علي قيد الحياة يحملون في ذاكرتهم تفاصيل أيام مجيدة في تاريخ الأمة من الخيانة أن نتجاهلها أو نسدل عليها الستار.
ويوضح الكاتب سبب جمع هذه الحكايات "الشهادات" فضلًا عن التوثيق، ظاهرة واضحة لكل مراقب للمجتمع المصري منذ أكتوبر وحتي الآن وهي ظاهرة تمتع من لا يستحق بأموال وجاه ونفوذ وحرمان من يستحق من هذا كله.
واتبع الكاتب في تناوله منهج طرق جمع الحكايات الشعبية الأكاديمي، وذلك بإسناد كل حكاية إلي راويها باسمه وسنه ووظيفته وبلده وتاريخ تسجيلها معناه الاحتفاظ لكل راو بلهجته التي حكي بها نصه دون تدخل في الصياغة ولا حتي بالحذف.
وهذا يعني فضلًا عن التوثيق للأجيال القادمة تقديم كتاب بعيد عن التقريرية الجافة والخطابية الجوفاء، وذلك يُعين نقل الأداء كما هو بكل صدق المشاعر والأحاسيس الحميمة مباشرة من الراوي إلي المتلقي بتدفق ملحوظ يحمل حيوية الحكاية الشعبية بكل مواصفاتها الفنية المعروفة، كما يحمل أبعادًا إنسانية عميقة لا يمكن إغفالها علي أية حال
وتطابقت الحكايات مع الحكاية الشعبية والاختلاف الوحيد أن القاعدة في جمع الحواديت الشعبية من شروطها أن يكون الراوي أميًا لا يعرف القراءة والكتابة، أما الحال في الكتاب فمختلف حيث نجد الرواة من هم حرفيون ونجد من هم متعلمون كانوا يشغلون مناصب عليا..ودون هذا الاختلاف الوحيد تقترب الحكايات هنا من الحكاية الشعبية في طغيان المشاعر الذاتية للراوي سواء كانت دينية أو معتقدات شعبية موروثة، فنتأمل حديث الراوي"محمود طه" في قصة "اللوز بتاعهم" عن جثة الشهيد "إبراهيم سليمان" ، وكذلك حديث" محمود عواد" في قصة" في المنشور جمجمة" عن الكائن النوراني الغامض الذي رآه عند عبوره القناة للضفة الشرقية للقيام بعمليته.
وعن متن الحكايات فيُشير الكاتب إلي بعض الملاحظات من أهمها:
الملاحظة الأولي: إن أبطال القصص "أصحابها كافة من المدنيين ليس من بينهم عسكري واحد، وكان ذلك عن قصد منه، فالعسكريون وظيفتهم الدفاع عن الوطن،أما المدنيون فمتطوعون بغير مقابل وإن دربتهم عناصر من القوات المسلحة كما في حالة"محمد مهران" وزملائه في مواجهة عدوان 56 ،وكما في حالة "منظمة سيناء بالسويس"ولهذا السبب- وقد اقتصر علي رصد بطولات المدنيين- وغفل عن أحداث تمرد الشرطة "بلوك النظام"ضد القوات الإنجليزية بالإسماعيلية في 25 يناير 1952 .
الملاحظة الثانية: إن المتأمل لتفاصيل الحكايات سرعان ما يكتشف أن صورة صورة المواطن المصري وسلوكياته مختلفة كل الاختلاف في حالة الحرب أو الأزمة عنها في حالة الاسترخاء.فهو في الحرب معطاء وفي الاسترخاء أناني، في الحرب إيجابي ومشارك وفي الاسترخاء سلبي ومنسحب ، في الحرب شجاع ومقدام وفي الاسترخاء خانع ومسالم، في الحرب متحمس وفي الاسترخاء فاتر وهكذا..إلخ
الملاحظة الثالثة:المتأمل لطرد السرد كما جاءت بمتن الحكايات يلاحظ الرواة بشكل خاص ، وربما المصريون بشكل عام حكاءون من الطراز الرفيع. حكاءون بالفطرة ربما تفوقوا علي الحكائين المحترفين في بعض حكاياتهم الواردة .
الملاحظة الرابعة: كثيرًا ما ذكر الفدائيون في حكاياتهم شهداء شاركوهم المعركة، وذكروا أسماءهم بالكامل أحيانًا ،ولم يتذكروا أسماء كثير منهم في كثير من الأحيان.إن هؤلاء المجهولين لهم حضور قوي في المعركة، وفي الحكايات لكثرتهم من جهة ولما قاموا به من أعمال جليلة من جهة أخري
الملاحظة الخامسة: من أخذ ومن أعطي؟!.من أخذ من الوطن ومن أعطاه..من أخذ من الجموع ومن أعطاهم، هذه قضية كبيرة تستحق الدراسة وتركيز الإعلام علي نماذج لا تستحق وتجاهله لأبطال مثل "إبراهيم الرفاعي"و الشهيد"الدالي" و باقي ذكري" صاحب فكرة استخدام خراطيم المياه في اخترافق خط بارليف وتطويره، و"سيد زكريا" الذي استشهد بعد أن أذاق العدو مرارة الهزيمة، ولم نعرف عنه شيئًا حتي حكي عنه جندي إسرائيلي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 1995.
الملاحظة السادسة: تكرر حديث الفدائيين عن وطنية بدو سيناء التي لا تشوبها أي شائبة وذكروا أسماء بعضهم وما تعلق بهم من أحداث وبطولات شاركوهم إياها، وهذا مما يدعو للتعجب من الإعلام المصري التي أخذت في الفترة الأخيرة تشوه سيناء بلا هوادة، وهذا يحتاج إلي تصحيح ومراجعة .
ويتناول هذا الكتاب تسعة عشر شهادة تاريخية يرويها شهود عيان من منطقة القناة:) بورسعيد- السويس- الإسماعيلية) ممن شاركوا في الأعمال الفدائية ضد العدوان الثلاثي 1956 وحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر وهي: ( من السويس أحمد عطيفي محمد علي ومحمود عواد حماد إبراهيم ومحمود أحمد طه علي ومحمد أحمد غزالي(كابتن غزالي) وعبد المنعم قناوي وفتحي محمد عوض الله وعبد الحميد كمال) – ومن بورسعيد: (محمد مهران عثمان ومحمد أحمد هلال وعلي حسن عوض زنجير وفوزي أبو الطاهر حماد وعلية حامد الشطوي وأحمد محمد هلال – ومن الإسماعيلية أحمد محمد أبوزيد وزكريا أحمد محمد غزالي ) مما يجعله كتابًا غير تقليدي لا يعتمد علي الوثائق بل الشخصيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة