الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة وعاظ السلاطين الأبدية

حسام علي

2022 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بداية لابد من ذكر الاستاذ الكبير الراحل الدكتور علي الوردي وأفضاله في مؤلفاته لكتب عديدة قيمة، عكست واقع المجتمع العراقي بكل جرأة، ومنها مؤلفه وعاظ السلاطين.
يقول الاستاذ الوردي: الواعظون لا يهتمون لو كان المغني يغني للخليفة فتهتز على صوته بطون الجواري، ولكنهم يهتمون كل الاهتمام اذا رأوا صعلوكاً يغني لنفسه أو لأهل قريته من الفقراء والمساكين. ويبدو لي أن هذا هو دأب الواعظين عندنا اليوم، فهم يتركون الطغاة والمترفين يفعلون ما يشاؤون، ويصبون جل اهتمامهم على الفقراء من الناس، فيبحثون عن زلاتهم وينغصون عليهم عيشتهم وينذرونهم بالويل والثبور في الدنيا والاخرة.
وسبب هذا التحيز في الوعظ، فيما أعتقده، راجع الى أن الواعظين كانوا ولا يزالون يعيشون على فضلات موائد الاغنياء والطغاة، فكانت معائشهم متوقفة على رضا أولياء الامر، وتراهم لذلك يغضون الطرف عما يقوم به هؤلاء من التعسف والنهب والترف، ثم يدعون الله لهم فوق ذلك بطول العمر.
ويخيل لي أن الطغاة وجدوا في الواعظين خير معوان لهم على إلهاء رعاياهم وتخديرهم. فقد انشغل الناس بوعظ بعضهم بعضاً، فنسوا بذلك ما حل بهم على أيدي الطغاة من ظلم.
فالواعظ حين يعظ الناس بأتباع المثل العليا وبتطهير نفوسهم من أدران الحسد والانانية، إنما يطلب المستحيل كما أسلفنا. إذ لا يستطيع أن يفعل ذلك إلا النادرون من الناس. أما بقية الناس وهم الذين يؤلفون السواد الاعظم منهم، فيبقون في حيرة من أمرهم وقد انتابهم الوسواس.
فالناس حين يذنبون حتى بأبسط الذنوب، ينتهز الواعظ الفرصة، دون أن يدعوهم للإصلاح والتغيير، فيهتف بالناس قائلا: أنكم أذنبتم أمام الله فحق عليكم البلاء، والواعظ بذلك يرفع مسؤولية الظلم الاجتماعي عن عاتق الظالمين ويضعها على عاتق المظلومين أنفسهم، فيأخذون بالاستغفار والتوبة ليل نهار. والظالم يقضي أوقاته كلها، في عيشة مترفة وكأنه أحد الخلفاء العباسيين.
وبهذه الطريقة يستريح الطغاة، فقد أزاح الواعظين عن كواهلهم مسؤولية تلك المظالم التي يقومون بها ووضعوها على كاهل ذلك البائس المسكين.
لقد تغافل الواعظين، وأمام مرأى الناس أجمعين، ما يقوم به الطغاة من سرقات ولصوصيات كبرى، ينهب أموال الأمة ويبذرها على ملذاته الخاصة وملذات أبنائه وأعوانه ونسائه الكثيرات، دون أن يقف بوجهه أحد من هؤلاء المساكين وينبهه أو يعلن له أن ما يقوله لم يعد يخدعنا.
هكذا هي الحياة التي نحياها كل يوم للاسف، لقد حكم الطغاة البلدان، أجيالا متعاقبة، فاعتاد سكانه بدافع المحافظة على حياتهم الخاصة أن يحترموا الظالم ويحتقروا المظلوم وكذلك، ما زاد الطين بلة، فقد هرب المفكرون والمثقفون والمتعلمون بعيداً، ليؤسس كل واحد منهم لمملكته الخاصة، ويحيا لوحده دون صخب وضوضاء، وعلى حد المثل الشعبي الدارج الذي يقول: يا روح ما بعدچ روح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE