الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصرية الجدل الأخلاقى مع النساء وقانون - ازدراء الحرية -

منى نوال حلمى

2022 / 5 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


---------------------------------------------------------------
قضية المرأة لها تياران . الأول يتهم أصحاب القضية من النساء والرجال بأنهم لا يقيمون اعتبارًا للعادات والتقاليد وحسن الأخلاق .
و الثانى يأخذ موقف الدفاع عن نواياه الحسنة التى تهدف إلى تحرير النساء ، دون المساس بالعادات والتقاليد وحسن الأخلاق .
هذا الجدل لا يُثار عند الحديث عن تحرير فئات أو قطاعات أخرى غير النساء، أو عند الحديث عن تحرير الشعوب والأوطان بصفة عامة.
قد يثير تحرير الوطن جدلًا سياسيًا أو اقتصاديًا أو ثقافيًا، لكنه لا يثير الجدل الأخلاقى الذى يقترن فقط بشكل جوهرى بقضية تحرير النساء .
ما هذه الحساسية المفرطة تجاه العادات والتقاليد ، وهذا القلق المتضخم والخوف الشديد المزمن على حسن الأخلاق ، حين تقترن الحرية بالنساء ؟؟.
لماذا لا يرى البعض حرية المرأة إلا مرادفة للانحلال والإباحية وإثارة الفوضى؟.
إن التخوفات الأخلاقية المثارة تجعلنا نتساءل ، ما العلاقة بين طموح المرأة إلى الحرية والمساواة والعدل ، بضياع الأخلاق ؟.
من مقولات الفيلسوف نيتشه 15 أكتوبر 1844 - 25 أغسطس 1900 ، أحد فلاسفتى المفضلين : " ان الأخلاقيات أكثر الوسائل فعالية لقيادة البشرية من أنفها ". وهو أيضا قائل المقولة الثورية الرائعة : " ليس هناك ظواهرأخلاقية ، هناك تفسيرات أخلاقية للظواهر ".
إن الفضيلة أو الأخلاق الحسنة ، كما أراها يجب أن تتناغم مع المنطق ومع اشتياق البشر للعدالة والحرية ، فى تفاعل مع حركة الحياة المتجددة .
وكذلك فإن العادات والتقاليد الموروثة ، ليست سجنًا للإنسان الذى صنعها، وهى ليست كلمة نهائية فى قاموس الحياة دائمة التغير، لا بد أن يظل الباب مفتوحًا دائمًا لخلق عادات وتقاليد جديدة ، أصلح على مخاطبة طاقات الإنسان واحتياجاته ، التى تزداد وعيا.
إن أصحاب الجمود والتزمت يروجون دائمًا بأن العادات والتقاليد هى بمثابة القوانين الطبيعية التى لا تقبل التغيير. والحياة دائمًا تكذّب هذا المنطق، فهى تأتى على مدى عصورها بتقاليد جديدة .
إن الارتباط العضوى الحصرى دائم التكرار بين تحرير المرأة من جهة ، والخوف على محاسن الأخلاق والفضائل من جهة أخرى ، يعنى عدة أمور .
أولًا: هو يعنى أن المرأة فى نظر البعض ، ليست إلا الكائن القاصر العاجز عن تمييز السلوك القويم، وأنها الكائن المدنس الذى تحركه غرائزه دون ضابط ، وأنها كائن عابث، إذا تُرك لحال سبيله فسوف ينشر الفسق والشرور والفتن . وبالتالى هى كائن خطر لأنها تحرض الرجال على ممارسة الرذائل ، وتثير فيهم أحقر الشهوات . أحقًا النساء بهذه القوة والرجال بهذا الضعف؟. على الرغم وكما يقول جبران خليل جبران 6 يناير 1883 - 10 أبريل 1931
" على أكتاف النساء قامت الحضارات ".
ثانيًا: يعنى أن السياق الرئيسى الذى تتحرك فيه أخلاقنا وتقاليدنا هو أساسا السياق الغرائزى الجسدى .
وثالثًا: هو موقف يدل على عدم توازن فكرى ، حيث تتضخم أمور معينة شكلية ، ويتم تجاهل أمور أخرى جوهرية .
نتساءل ، ألا تسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية غير العادلة ، لعدد كبير من النساء فى المدن والريف، خدشًا للعادات والتقاليد ، ويمكنها افساد محاسن الأخلاق ، بالانزلاق الى انحرافات أخلاقية متعددة ؟؟.
إن ضياع محاسن الأخلاق، للنساء أو للرجال ، هو نتائج غياب الحرية ، وليست كما يعتقد البعض من انتاج مناخ الحرية .
ان الأخطاء التى نرتكبها بحريتنا واختياراتنا المستقلة ، أفضل من الأفعال الصائبة المفروضة علينا .
هذا أعتقد ما قصده البرت أينشتين 14 مارس 1879 - 18 أبريل 1955، حين قال :
" كل شئ عظيم صنعه انسان حر ".
إن المرأة الحرة هى الأكثر قدرة على الفعل المسئول الذى ينهض بها وبمجتمعها، وكذلك الرجل الحر هو الأكثر قدرة على التحكم فى غرائزه الهوجاء ، التى تؤذيه وتضر بغيره.
لا خوف على الأخلاق والفضيلة من الحرية، وإنما الخوف كل الخوف من الوصايا الأخلاقية التى تُستخدم لخنق أنفاس الحرية، وإرهاب أصحاب قضايا التحرر والتغيير. إن منطق الهجوم على الحريات «خاصة حريات النساء» بدعوى الحفاظ على محاسن الأخلاق ، هو منطق ضد محاسن الأخلاق نفسها وضد حركة الحياة.
حدث فى القرن التاسع عشر قيام أحد الناشرين المتشدقين بالفضيلة بطبع مؤلفات كل من موليير ولافونتين وراسين، فى طبعة خاصة " بالعائلات الفاضلات " . لكن المحاولة فشلت ، لأن الأفكار التى تعمّد الناشر حذفها حتى لا تفسد أخلاق الناس كانت موجودة سلفًا فى نفوس هؤلاء الناس.
المقصود من الواقعة ، أن الذى يتصور فساد الأخلاق لأن النساء يتحررن، إنما تكمن المشكلة فى داخله هو وليس فى التحرر وليس فى النساء، وعليه أن يحل مشكلته بعيدًا عن تقدم الحياة وعن طموح النساء للعدل والحرية.
إذا كنا نريد عالمًا جديدًا أخلاقيًا، فعلينا تحرير الأخلاق نفسها من السجن الضيق الشكلى غير الأخلاقى الموروث ، وعلينا إعادة تعريف الشرف و الفضيلة والحرية ، وتغيير النظرة إلى المرأة الحرة أو التى تنادى بالتحرر.
ليست هناك قضية مثل قضية تحرير المرأة، تمس جذور المشكلة الأخلاقية ، وتكشف عن تناقضاتها وأقنعتها .
وهنا أقترح تشريع قانون جديد عاجل اسمه قانون " ازدراء الحرية " ، الذى يحمى الأفكار المغردة خارج السرب ، طالما أنها سلمية ، لا تهدد ، ولا ترهب ولا تسفك الدم .
قانون " ازدراء الحرية " سيصنع حائط صد ، لمنْ يأكل عيش ، ليشتغل وصيا علينا ، فى آرائنا ومعتقداتنا وابداعاتنا . يعطل مسيرة النساء الأحرار ، والرجال الأحرار ، والوطن الحر الذى نحلم به .
الشعب المصرى ، لابد أن يكتب عقد اجتماعى جديدا ، بينه وبين حب الحرية ، وضمانها للجميع ، كالماء والخبز والصحة والتعليم والهواء .
" الحرية " هى مجد الحياة ، خلودها ، هى الصحة النفسية والعضوية ، وهى جوهر السعادة والانتماء للوطن .

-----------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر