الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصورة الإلهية بنظر الماديين

حسام علي

2022 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


في كتابه المتين "الدوافع الى المادية" أشار الاستاذ مرتضى مطهري الى وجهة نظر "اوغست كونت" حول الخالق، قائلاً: إنَّ الصورة الالهية التي كان يتصورها الناس آنذاك والتي كانت تعلل وقوع أي حدث أو فعل وتطوراته، الى وجود رغبة الله دون مقدمات في التدبير. حين كان يمثل في خيالهم، الموجود الخيالي المهول أو الساحر الذي يمد سحره من عالم الغيب فيصيب به من يشاء في عالم الطبيعة، دون حساب.
فعلى سبيل المثال، عندما كان يصاب أحد الأشخاص بالحمى، فأنه كان ينسب ذلك الى فعل الله للانتقام من ذلك الشخص بسبب سوء تصرفه أو عمله أو بسبب إضماره حقداً لأخيه أو ما شابه، ولكن بعد أن تقدم العلم وعُرف أن مرض الحمى لم يسببه الله بل كان بسبب نوع خاص من الميكروبات، هنا بات على الله أن يتراجع خطوة – في نظر الناس الماديين – مقابل التقدم العلمي الذي حصل. وعلى هذا المنوال فان كل تقدم كان يصيب أي نوع من العلوم ويفسر في ذات الوقت علة جديدة، فأنه سيحتم إزاحة خطوات أخرى متتالية عن الله، الى الوراء.
ولما تكشّفت للغالبية العظمى وخصوصاً المفكرين والواعين منهم، إن كل تلك العلل لم تكن من أفعال الله بالمرة، توجب إذن – في هذه الحالة – إقالة الله من منصبه الرفيع وإنهاء خدماته الى الأبد. لذلك أخذ هذا الاسلوب الفكري بالتوسع أكثر فأكثر، حتى صوّر الحياة ببعدها المادي فقط، آخذاً بنظر الاعتبار ضرورة اللجوء الى متعها الحسية الظاهرة والملموسة والترويج لها. ومعللاً في نفس الوقت، في حال عدم إمكانية نيلها والتلذذ بها على أكمل وجه من قبل البعض، فأنهم سوف يلجأون مرة أخرى الى تلك القيم المعنوية، بعدما لم يعد لهم لا حول ولا قوة إلا أملاً بها.
بمعنى أن الخطأ الذي وقع فيه " أوغست كونت " ومَنْ ناصره، أنهم أوكلوا مجموع الآثار والظواهر المجهولة العلة الى الله، وكان أن حلّ كل إكتشاف علمي جديد محل كل ظاهرة كانت مجهولة، وبهذا بدأت تضيق دائرة الوظيفة الالهية – في نظرهم – الى الحد الذي تنصل الناس عن إلههم تماماً فيما بعد. ذلك أنهم تصوروا أن الله يمكن أن يقف الى صف كل العلل التي كانت في نظرهم مجهولة، أو ربما أمست معلومة لاحقاً، فلا فرق.
ولهذا فإن ما دعى اليه الاستاذ المطهري وأشار له: “إنّ التصور الالهي الصحيح هو أن ننظر الى الكون من أوله الى آخره جميعاً كوحدة متناسقة خلقها الله، لا أن نركِّز على جزء من هذه الوحدة فنتساءل من الذي صنعها، أهو الله أم الطبيعة؟ فاذا لم نعرف العلة بوضوح نسبناه الى الله، أما لو عرفنا علته، قلنا هو مخلوق للطبيعة ولا شأن لله تعالى به ".
لذا فإن على الانسان أنْ يتقبل ذهنياً وبشكل مرضي أنَ لله صورة تمثل له رمزاً أبدياً للخالق الحميم الرؤوف المحب للعدالة والمساواة، المانح للحرية والاستقلالية الفكرية في تفسير مطلق الأمور، وهو القادر على توفير الأمان والطمأنينة، والساعي الى إنبات الحب وإبذار الألفة والمبارك لوجودهما دائماً، فيعمل على سيادة كل هذه الحالات من أجل أنْ يعم العالم السلام والخير والمحبة. دون أن يرد الى أي مسمع أن يقابل عدم الامتثال أمام تحقيق إرادة الله هذه، أي شكل من أشكال المحاسبة أو العقاب المتعدد والمختلف الصنوف، والتي تتضاعف أحياناً بشكل أكبر من حجمها الحقيقي ولعدة أسباب، منها الأساليب المتلونة في تقديمها أو عرضها، تبعاً للاختلافات الفكرية لدى بعض السادات، وطرقهم في التفسير والاسناد، ناهيك عن رسوخ تقاليد وشعائر دينية لم تعد تمت لأصل الدين وغايته بصلة ولا لأصالة الوجود أو عللها. فيصير بعض ما جاء على لسان هؤلاء الدعاة من لغة التهديد والوعيد، طريقاً سهلاً يضطر الانسان الى النفور بعميق وجدانه إلى ولوجه، ودخوله دائرة التردد والحيرة وربما يصل به الأمر الى مستنقع الشك في أصالة الوجود وعدم قبوله أية معلولات مهما بلغت درجة مصداقيتها ومهما سعت من خلالها الى تخفيف حدة شكّه أو منعه لو جاز ذلك.
فلغة الوعيد تلك، تدفع الانسان الى شنّه ثورات ضد المفاهيم التي توارت خلف الاساليب المظللة لحقيقتها، عندما يجد نفسه أحد الضحايا الملزمون لتنفيذ العديد من الوصايا المتهافتة عليه دون مبرر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار