الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيرانوفيليا : الجمهورية الإيرانية قطب تاريخي وحضاري متميز

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2022 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


فرضت الجمهورية الإيرانية الإسلامية قواعد جديدة في العلاقات الدولية ، سعيا منها لضمان الإستقلالية الذاتية، وتجاوز مفهوم القطب الأميركي الواحد الذي نشأ بعد اجتماع بريست وإعلان الكومنولث . وهذا ما يتجسد عمليا ، حيث استطاعت طهران تحقيق انتصارات دبلوماسية وسياسية فذة خلال الأيام القليلة الماضية ، لتشمل الأواصر الجديدة دولا كانت على خلاف معها مثل العربية السعودية .

ربما أكون الأول في التعبير عن مكانة إيران من خلال مفهوم "إيرانوفيليا" ، جريا على نظرائه ، مثل روسوفيليا وأوكرانيفيليا ، والذي يفيد حبُّ تاريخ وثقافة وحضارة إيران العريقة والخلاَّقة . إن تنزيل هذا المفهوم الحديث ، ممكن إلى أبعد حد ، لتوفر الشروط الموضوعية التي تسمح بأجرأته وتفعيله على كل المستويات وفي كل المجتمعات العالمية . لأن إيران تملك من الإرث التاريخي والمادي الاَني والقوة الإقتصادية والسياسية ما يجعلها تشغل مكانة سامية لدى كل الشعوب والدول .

هذا يقتضي بادئ ذي بدء ، على مستوى المغرب العربي تحديدا ، تملك شبكة إعلامية واسعة وجماعات ضغط ومنظمة علاقات عامة لتقديم الصورة الحقيقية عن الجمهورية الإيرانية لدى شعوب هذه البلدان . عدد من المغاربة على سبيل الذكر ، لا يفرقون بين الشيعة كمذهب ديني والشيوعية كفكر أيديولوجي . ولا أركن للمجاز إن قلت؛ أن هذه الفئة الواسعة من المغاربة تجهل أن القراَن هو المرجع الأول في المذهب الشيعي .

اتهم المغرب ، كما نُشر في وثائق ويكيليكس ، طهران بمحاولة جعله قاعدة لنشر التشيع في البلاد العربية وإفريقيا ، وهي إدعاءات فقط، لكن إيران لا تملك القوة الدعائية والإعلامية للرد على هذا الإتهام أمام المغاربة حتى يدركوا كنه الملف . العقل الجمعي المغربي يختزن أرشيفا مزيفا من المعطيات الخاطئة التي أسس لها الإعلام المغربي الموجه ، في محاولة من الدولة الإنحياز للطرح الأميركي- الغربي المعارض لإيران ومحور المقاومة ، من قبيل أن حزب الله يدعم جبهة البوليساريو بالصواريخ والتدريب ، وأن إيران تهدف لإعادة الإمبراطورية الفارسية أو الإمبريالية الإيرانية والقمر الشيعي المتكامل.

كانت إيران إبان حكم الشاه بلدا صديقا للمغرب ، وأحيانا حليفا كما كان مع الحلف الإستخباراتي "نادي السفاري" ، لكن مع الثورة الخمينية سنة 1979 ، وثبت إيران خارج منطقة السيطرة الأميركية ، وأضحت مستقلة القرار، إسلامية المرجعية وخمينية الفكر ؛ بما يتوافق مع تاريخ البلد وقيَّمه ونواميسه الطبيعية بعيدا عن الأمركة والإستيلاب الثقافي والإستعمار الناعم والمالينتشية .

الموقف المغربي المعزز للمحور الأميركي -الإسرائيلي ، يتسم بالتحامل على إيران والتوسل بالمرجعية الغربية ، ما يجعل قرارات القصر العامر الكيالة للتهم المغرضة دون قيمة قانونية . وما يعتبره المغرب اَنيا توددا ودعما مباشرا لأميركا في حربها السياسية ضد إيران ، سيغدو انتكاسة في السياسية الخارجية التي يقودها ناصر بوريطة ، الذي سيجد نفسه في المستقبل المنظور أمام قطب جديد تتزعمه موسكو وبكين وطهران .حينها لن تخرج الرباط من قنينة الهيمنة الأميركية ، ولن ترفع طهران ، في إطار المعاملة بالمثل، السدادة عن المغرب حتى يفقد كل موارده واوراقه إقليميا وحتى داخليا (قضية الصحراء مثلا) .

ما يقوي فرضية انعدام الموضوعية في السياسة الخارجية المغربية ، هو الموقف الإزدواجي (الإنفصامي) للرباط مع إسرائيل ، حيث جرى توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين الجانبين ، وتعهد المغرب بترميم الاَثار اليهودية وطنيا ، وتمكين المغاربة من إكتشاف الديانة اليهودية ، ما يعني ضمنيا غض الطرف عن اعتناقها ، على نفس الخط الذي يترأس فيه الملك المغربي لجنة القدس ويعلن دعمه للقضية الفلسطينية ، لكنه دعم سياسي صوري ، وراءه برغماتية التمتع بالوصاية على الأقصى كرمز ديني ، وهو نفس المنوال الذي تسير عليه الأردن في صراعها مع السعودية من أجل حمل لقب "خادم ثاني الحرمين" .

في هذا الصدد ، تدرك الساحة الفلسطينية جيدا ، ومعها فصائل المقاومة في الضفة وغزة ، التوازنات والمصالح الدولية الداعمة والمعارضة للمقاومة والتحرير . وهذا ما تبدَّى خلال الإحتفال يوم الجمعة الأخيرة من رمضان ، بيوم القدس العالمي ، الذي مهد له سماحة الخميني ، حيث قدم قادة حركة حماس والجهاد الإسلامي الإمتنان للجمهورية الإيرانية الإسلامية على موقفها المشرف ، سياسيا وعسكريا وشعبيا ، في دعم وتأييد القضية الفلسطينية في إطار مشروع متكامل ومتعدد الجوانب يروم إنهاء الإحتلال الإسرائيلي وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس .
إن جنوح المغرب لتطهير البلد من المذهب الشيعي ، كما تجلى من خلال التضييق على حزب "الرساليون التقدميون " ، يقوم على سببين : المعارضة السياسية المطلقة لإيران على اعتبارها مركزا لهذا المذهب الإسلامي ، والحذر من هذا الفكر الديني الفقهي والعقدي الذي يهدد "إمارة المؤمنين" من جانب الشرعية ،أي أسس التصور التأصيلي للخلافة في المنظومة الإسلامية .

إن زعم تهديد التشيع للأمن القومي للمغرب ، هو فرط في الحساسية المذهبية ، لأن إيالة الأدارسة التي أمِرت على المغرب ، كانت تتبنى الولاية لاَل البيت النبوي ، ورغم حرص السلطات المغربية على رفض تقديم الإحصائيات الواقعية حول عدد الأفراد الشيعة وطنيا ، إلا أن عددهم يقدر ،حسب تقارير لوزارة الخارجية الأميركية سابقا ، بما يناهز عشرات الاَلاف ، إلا أن العدد الحقيقي يبقى مبهما في ظل تشبث الشيعة بالتقيَّة . فيما يخص البنيات التنظيمية الشيعية في المغرب ، فسبق أن أُعلن عن تيار "الرساليون التقدميون " ، الذي قدم نفسه كتيار علماني يساري ينهل من المرجع الشيعي اللبناني حسين فضل الله . هذا التيار الشيعي التقدمي انبثق عن "الخط الرسالي" بعد انهيار الشبيبة الإسلامية .

أما الكيان المُجهض الذي يدعو نفسه "لجنة الشيعة" في الجمعية المغربية للحقوق والحريات الدينية ، والتي سبق أن أدانت حزب الله اللبناني في إطار مساندتها للسلطات المغربية في حملة الإغتيال المعنوي لإيران وحزب الله بتهمة دعم البوليساريو ، فهي هيئة غير واضحة المعالم والأهداف ، ولا يمكن اعتبارها على أية حال تعبيرا عن الموقف الشيعي الرسمي في المغرب .

تظل إيران من سدنة البيت النبوي ، وسيخلُد فضلها في التذكير بمأساة كربلاء ، كما سيكون التوليف بين المذهبين السني والشيعي أكبر تحالف في التاريخ المعاصر، لأنه سيوحد أمما وشعوبا على غرار الإتحاد الأوروبي وباقي التكتلات السياسية والعسكرية والدينية .


الجمهورية الإيرانية الإسلامية التي يعود تاريخها إلى حوالي سبعة اَلاف سنة قبل الميلاد ، وما حوته من حضارات وديانات وثقافات ، تشكل في مجموعها رأسمال مادي غني وفريد ، يجعلها قطبا جديرا بالإكتشاف والإرتباط والإستثمار .

تقود إيران ثورة إقتصادية وسياسية هائلتين ، ورغم العقوبات الإقتصادية إلا أنها صمدت كمحطة مركزية في العالم ، جعلتها تبسط شروطها المشروعة في مفاوضات فيينا ، وهي تعيد حاليا العلاقات الدبلوماسية مع السعودية والإمارات ، في إطار شراكة استراتيجية كبرى ، تمهد لمرحلة ما بعد التدخل الروسي في أوكرانيا ، الذي يأذن بإنبعاث القطب الجديد ، كما توضح بجلاء في تعزيز الروبل الروسي واليوان الصيني ، ورفض السعودية الطلب الأميركي بالرفع من إنتاج النفط وما استتبعه من سن قانون "نوبك" الأحادي الذي سينضاف إلى قانون "جاستا " المجحف .


إن الجمهورية الإيرانية الإسلامية أرض سلام وتاريخ وحضارة ، وهي الحليف الموثوق لجميع الدول ، فقط يجب التخلص من الهيمنة الأميركية -الإسرائيلية حتى تتمكن الدول العربية من الرؤية بعين حيادية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يجب التفريق بين ايران الشعب والثقافة والتاريخ وبين
المتابع ( 2022 / 5 / 26 - 20:45 )

نظام عصابات فاشية الول ي الفقيه
ان النظام الحالي في ايران عدو لكل ماهو ايراني وانساني انه عدو مباشر لشعب العراق وشعب اليمن وشعب سوريا كما انه عدو لاخوتنا اليهود مواطني اسرائيل الدولة العصرية الدمقراطية

اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا