الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين القضايا الاستراتيجية في القطب الشمالي والتوترات الجيوسياسية في منطقة البلطيق 1

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 5 / 27
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يبدو أن تدهور البيئة الاستراتيجية الذي تسببه روسيا سيظل العامل الرئيسي في السياسات الدفاعية لبلدان الشمال على المدى الطويل. من القطب الشمالي إلى بحر البلطيق ، تنشر موسكو قدرات هجومية ودفاعية مثيرة بشكل خاص ، بما في ذلك بناء وتحديث القواعد الجوية والطائرات والصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى.

اشتهرت دول شمال أوروبا بنموذجها الاقتصادي والاجتماعي أكثر من قدراتها العسكرية . وقد أعادت هذه الدول التفكير في سياستها الدفاعية وتحالفاتها في هذا المجال منذ عدة سنوات. في الواقع ، أدت التوترات المتجددة بين روسيا والغرب، بعد التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا سنة 2014 إلى تدهور ملحوظ في البيئة الاستراتيجية لبلدان شمال أوروبا.

تتشكل دول الشمال ، من الدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد المجموعة الجغرافية الأولى لشمال أوروبا.
نتيجة لتعاون قوي في الماضي وقضايا جيوسياسية مشتركة ، تم تشكيل ما سمي بالتعاون الدفاع الشمالي المكون من دول الشمال الخمس في عام 2009. والغرض منه هو زيادة التعاون العسكري والمادي بين الدول ، وإجراء مناورات مشتركة ، والمشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ، وتحسين الحوار العسكري متعدد الأطراف مع المنظمات الدولية مثل الناتو أو الاتحاد الأوروبي. وتواجه بلدان الشمال الأوروبي الآن قضايا رئيسية مثل التحكم في التدفقات الاستراتيجية في القطب الشمالي ودول البلطيق ، أو إدارة الحدود في شمال أوروبا ، حيث تحتل القوة الجوية مكانة مركزية. في الواقع - في هذا السياق من التوترات المتزايدة ، والذي لا يزال بعيدًا عن النزاع المسلح المباشر - فإن إدارة المجال الجوي ، وإنشاء أنظمة دفاع مضادة للطائرات والتدريب المشترك على الطيران ، تحظى باهتمام متجدد في الشمال.
إن زيادة ميزانية الدفاع الروسية متواصلة ، والتغييرات في وضع وتموضع روسيا في القطب الشمالي وفي جيب "كالينينغراد"- Kaliningrad-، والسيناريوهات التي تستند إليها التدريبات العسكرية الرئيسية ، والحوادث الجوية والبحرية ، بل وحتى التحذيرات المتكررة من الانضمام إلى الناتو من فنلندا والسويد التي ظلت تلوح بها موسكو ، كلها عوامل أثارت قلق السياسيين الشديد في بلدان الشمال الأوروبي. ولذلك وافقت، تلك الدول، على محاولة احتواء التهديد الروسي في منطقتي البلطيق والقطب الشمالي ، اعتمادا بشكل كبير على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ، اللذان ظلا يلعبان دورًا رائدًا في إدارة القضايا في شمال أوروبا.

فقد ظلت منطقة الشمال تشكل مفترق طرق جيوستراتيجي على خلفية مفترق طرق المصالح العدائية. ورغم أن دول الشمال الأوروبي تتمتع بقرب جغرافي وثقافي ، إلا أنها ظلت متأثرة ،في سياساتها الأمنية والدفاعية، بمسارات تاريخية مختلفة شكلت تمثلاتها للتهديد الروسي ولعلاقاتها مع موسكو. ضمن هذه المنطقة المحورية على المستوى الجيوستراتيجي ، تتعدد صور التحالف و مصالح الفاعلين الدوليين الرئيسيين المتعارضة. روسيا ، التي تزيد من نفوذها في القطب الشمالي ومنطقة البلطيق ، تجبر اليوم دول الشمال على زيادة تعاونها في الشؤون الدفاعية ، وتؤكد أهمية القوة الجوية في إدارة مثل هذا الصراع.

إن هاجس التهديد الجوي في شمال أوروبا ظل حاضرا رغم تداعيات المصالح الفردية. وقد أدى هذا الوضع بكل عضو من أعضاء "التعاون الدفاع الشمالي" الى نوع تخصص قوات الدفاع في كل دولة . وهكذا ، ركزت السويد جهودها على قوتها الجوية ، وفنلندا على مدفعيتها ، والنرويج على أسطولها البحري ، والدنمارك على قواتها الاستكشافية. بالإضافة إلى ذلك ، تستند المجموعة على نموذج "الجيل المشترك للقوات" ، الذي يدعو إلى فكرة أن كل دولة تحتفظ بمجموعة قدراتها ولكنها تشترك في تنظيم مشترك للوجستيك والتدريب لدعم القوات. ومع ذلك ، وراء آفاق التعاون الإقليمي الفعال المدعوم بسياسة تقوم على تجميع القدرات ، والتعاون الثنائي أو متعدد الأطراف ، والتدريب العملي الدائم ، لا تتفق دول الشمال بخصوص الأولويات الاستراتيجية.

وإذا كانت مصالح هذه الدول ورؤيتها الجيوسياسية يمكن أن تختلف أحيانًا في منطقتهم الجغرافية ، فإن هذا لا يخلو من عواقب على خياراتهم للسياسة الخارجية والدفاع. تركز فنلندا ، التي تشعر بالقلق من استعراض القوة الروسية التي تشترك معها في حدود برية شاسعة ، اهتمامها بشكل أساسي على الجبهة الشرقية وبحر البلطيق. في هذا السياق ، أعلن المبعوث الشخصي لفلاديمير بورتن ، "سيرجي ماركوف" ، خلال مقابلة إعلامية، منذ يونيو 2014 ، أن عضوية فنلندا المحتملة في الناتو يمكن أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.
هذا التمثل الفنلندي للتهديد تشترك فيه السويد جزئيًا ، والتي تهتم قبل كل شيء بالوضع في بحر البلطيق والتزام قواتها في الخارج. وفي مواجهة العدوان الجوي المتزايد من موسكو ، تمتلك الدولة معدات متطورة مثل طائرات "جريبن" – Gripen - المقاتلة المنتجة محليًا ، لكنها تفتقر إلى نظام دفاع قوي (صواريخ أرض-جو ، منظومة تنسيق القوات ، الخدمات اللوجستية ، إلخ). وتحقيقا لهذه الغاية ، تخطط ستوكهولم لاستثمارات كبيرة لدفاعها الجوي متوسط المدى وطلبت 60 طائرة متعددة المهام في عام 2014 ؛ أول طائرة يتم تسليمها في غضون عام 2022.
أما النرويج وأيسلندا فاهتمتا بالدرجة الأولى بالوضع في القطب الشمالي. ومن الأولويات الإستراتيجية لأوسلو ، تحديث أنظمة الدفاع الجوي متوسطة المدى - NASAMS II - وتحسينها بإضافة صواريخ بعيدة المدى، وإقامتها حول القاعدتين الجويتين في "أورلاند" و"إيفينيس". بالإضافة إلى ذلك ، حصلت النرويج على 52 طائرة من طراز - F-35 Lightning II - (لتحل محل F-16) وخمسة -P-8 Poseidon - (لتحل محل P-3 Orion). ويمكن تجهيز - P-8 Poseidon - بأسلحة هجومية بما في ذلك التوريدات وصواريخ كروز والقنابل والألغام. وبالتالي ، فإنه سيجعل من الممكن تحسين المراقبة بشكل كبير في منطقة (غرينلاند ، أيسلندا ، المملكة المتحدة) والتي تعتبر استراتيجية خاصة للسيطرة على شمال الأطلسي.

أخيرًا ، تشترك الدنمارك في مصالحها بين القطب الشمالي (تخضع "جرينلاند" للسيادة الدنماركية) ومنطقة البلطيق ، والتي تتعلق مباشرة بحدودها الوطنية. لذلك هناك قلق كبير من جانب هذه الدول في مواجهة التهديد الروسي، ولكن في مجالات مختلفة.
فهل الولايات المتحدة و"الناتو" ضامنان لمصالح دول الشمال؟

منذ صيف 2012 ، أعلن الجنرال "ماكاروف" - رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية - أنه يعتبر مجموعة "التعاون الدفاع الشمالي" تهديدًا لروسيا. وفي أبريل 2015 ، أصدر وزراء دفاع دول الشمال الأوروبي الأربعة (ووزير خارجية آيسلندا) بيانًا وصفوا فيه "عدوان روسيا على أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم غير القانوني" وبأنه "أهم تحد للأمن في أوروبا". وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية والدفاعية ، فإن دول الشمال تدرك أنها "دول صغيرة" تعتبر الولايات المتحدة الحليف الرئيسي لها ، وبالتالي سعت جاهدة للحفاظ على الالتزام الأمريكي في الهيكل الأمني لدول الشمال الأوروبي وأوروبا.

إن مفهوم "أوروبا الدفاع" لا تعني الدفاع عن أوروبا فحسب. في الواقع ، يبدو أن هدفها المحدود حاليًا هو القدرة على بناء قدرة تدخل الاتحاد الأوروبي في إدارة الأزمات الدولية. اليوم ، بالنسبة للعديد من البلدان ، يشير "الدفاع عن أوروبا" إلى الناتو ، المسؤول عن الدفاع الجماعي لمعظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك ، فإن 21 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي هي أيضًا أعضاء في الحلف الأطلسي. لا تلتزم دول الشمال الأوروبي في مجموعة "التعاون الدفاع الشمالي" فحسب ، وإنما تشارك في العديد من هياكل التعاون المكملة من حيث المجالات التي تغطيها (مجلس القطب الشمالي) ، أو الضمانات الأمنية (الناتو) ، أو عبر القيم (الناتو ، الأمم المتحدة ، الاتحاد الأوروبي) التي تمثلها. ويتم تعزيز هذه العلاقة القيمة مع الشركاء الاستراتيجيين في أوروبا وعبر المحيط الأطلسي من خلال مزامنة التدريبات وأحداث التدريب لتحسين إمكانية التشغيل البيني. في هذا السياق ، لا يُنظر إلى مجموعة "التعاون الدفاع الشمالي" بأي حال من الأحوال على أنها بديل للسياسة الأمنية ، بل على أنها دعم لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي والعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة. إن تعزيز الشراكة بين الشمال والأطلسي هو أيضًا هدف استراتيجي لـتلك المجموعة ، والذي يشجع دول عدم الانحياز عسكريًا على الاقتراب من مثل هذه المؤسسات.

منذ تسعينيات القرن الماضي ، لم تعد فنلندا والسويد تدعيان أنهما محايدتان ، لكنهما تدعيان موقف "عدم الانحياز العسكري". انعكاسًا لهذه التحديات الجديدة ، شارك البلدان في "فعاليات تدريب منطقة البلطيق" في عامي 2014 و 2015 ، حيث تدربوا خلالها مع القوات الجوية لحلف شمال الأطلسي. وهذا يشير إلى التسارع في عملية بدأت منذ ما يقرب من 20 عامًا ، وهي دخول عالم الشمال بأكمله ، بما في ذلك الدول المحايدة ، في مجال الدفاع الأطلسي.

من الحرب العالمية الثانية إلى عام 2006 ، اعتمدت أيسلندا على الوجود الأمريكي لضمان حماية أراضيها. منذ ذلك الحين ، تناوبت دول الناتو على تنفيذ مهام استطلاع جوي منتظمة. بالنسبة للدنمارك ، تعتبر عضوية الناتو ، فضلاً عن الرغبة في الحفاظ على علاقة ثنائية وثيقة مع الولايات المتحدة ، تعد من المحاور الرئيسية لسياستها الدفاعية. إنها الدولة الاسكندنافية الوحيدة التي تنتمي إلى كل من الناتو والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك ، فيما يتعلق بسياسة الأمن والدفاع ، اختارت "كوبنهاغن" الابتعاد عن الاتحاد من خلال التذرع بشرط عدم التقيد في معاهدة "ماستريخت" في 1993. أخيرًا ، تحتفظ النرويج ، وهي حليف تاريخي في الناتو ، بعلاقة مميزة جدا مع الولايات المتحدة.

بشكل عام ، شاركت دول الشمال في التحركات الدولية الكبرى ، والمشاركة في العمليات العسكرية في البلقان وأفغانستان والشرق الأوسط وأفريقيا ، أو دعم لاجئي الحرب. تؤكد هذه الآثار في العمليات الدولية طموحات بلدان الشمال الأوروبي لزيادة جهود التعاون ، وتجنب الانغلاق في نموذج إقليمي محدود اقتصاديًا.

وفقًا لدراسة أمريكية حديثة ، فإن الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى ، وتكامل أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي ، والحرب الإلكترونية ، والطاقة النووية هي المجالات الأربعة الرئيسية التي تهم القوة الجوية [14]. اليوم ، تعد الاستراتيجية الروسية لإنشاء قدرة منع الوصول الممتد من القطب الشمالي إلى البحر الأبيض المتوسط والجمع بين هذه التحديات العسكرية الأربعة مقلقة بشكل خاص لحلف الناتو ، وتؤكد الأهمية الاستراتيجية للأراضي الشمالية في إدارة التهديدات الجوية في شمال أوروبا.
_______يتبع التوترات الجيوسياسية على حدود دول الشمال ___________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على