الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل إيران كانت بها أغلبية سنية ثم تحولت لشيعة؟

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2022 / 5 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


سوف أجيب عن السؤال بطريقة بانورامية في العادة لتقريب الفكرة، فتاريخ الدول غالبا يجري تزويره لمصالح سياسية ودينية أو انحيازات عاطفية ونفسية من المؤرخين، وسوف أستعرض لحضراتكم الإجابة من منطقة محايدة تماما

أولا: كافة بلاد خراسان وما وراء النهرين كانت أغلبيتها شيعة وزرادشتيين في العصرين الأموي والعباسي، الثورة العباسية نفسها كانت ثورة شيعية والشعب الإيراني كان يشكل معظم جمهور أئمة الشيعة الإمامية (الإثنى عشر) بسبب غزوات الأمويين ضدهم وحملات القتل والتنكيل الموجهة لآل البيت، فكل من يهرب من الشام والعراق ويكون منتميا لآل البيت يجد له ملجئاً في بلاد ما وراء النهرين حتى شكلوا قوة سياسية وعسكرية كبيرة هي التي حشدت للثورة العباسية بعد ذلك سنة 132 هـ، وبالتالي فوجود الشيعة راسخ في إيران منذ دخول الإسلام لهذا البلد وبدء حملات التبشير

ثانيا: بعد ضعف الدولة العباسية في عصرها الثاني تقاسم البويهيون والسامانيون السلطة والنفوذ في إيران، السامانيون سلطة سنية بينما البويهيون سلطة شيعية، لكن لا يعني ذلك أن الشعب كان سني أو شيعي، لأن غالبية شعب إيران حتى نهايات العصر العباسي كان ذو أغلبية (زرادشتية وشيعية معا) لكن السلطات التي تحكمهم كانت تفعل ذلك بقوة السلاح، شبيه عندما كان يحكم الشام حكام سُنة برغم أن غالبية سكان الشام حتى نهاية القرن 19 كانوا مسيحيين، وكذلك حكام مصر كانوا سُنة برغم أن غالبية سكان مصر حتى نهاية العصر الفاطمي كانوا مسيحيين..

ثالثا: بعد سقوط الدولتين البويهية والسامانية حكمت إيران دولتين على التوالي هما الغزنويين والسلاجقة الأتراك، وكلاهما كانت سلطات سنية، وفي عهد هؤلاء تم اضطهاد الشيعة والزرادشتيين معا وفرض المذهب السني في العديد من أجزاء إيران لكن لم يحصل بعد على الأغلبية، ويكفي العلم أن كافة كتب التكفير ضد المذاهب والأديان الأخرى غير السُنة ظهرت في هذا العصر (الغزنوي والسلجوقي) من ضمن هذه الكتب "الفرق بين الفرق" لعبدالقاهر البغدادي و "الملل والنحل" للشهرستاني، فكان أصحاب هذه الكتب يكتبون ضد المذاهب والأديان الأخرى بغرض سياسي اجتماعي وهو القضاء على كل ما يخالف مذهب السنة بالعموم الذين كان هو مذهب الخليفة العباسي وكل أمراء الغزنويين والسلاجقة الأتراك..حتى الإمام الغزالي كتب كتابه "فضائح الباطنية" الذي يقصد به الشيعة الإسماعيليين بأمر الخليفة العباسي "المستظهر بالله" واعترف بذلك في مقدمة كتابه..

رابعا: الوجود الشيعي (العربي) الذي كان يشكل غالبية أنصار الأئمة الإثنى عشر كان موجود في (محيط الخليج) على ضفتيه الشرقية والغربية، فالضفة الشرقية منطقة الأهواز بإيران ولا زالت غالبية هذه المنطقة شيعية عربية إلى اليوم، بينما الضفة الغربية في الأحساء والبحرين ولا زالت غالبية هذه المنطقة شيعية عربية إلى اليوم، وسبب تمركز (العرب الشيعة) في هذه المنطقة أنها كانت بعيدة عن نفوذ الأمويين ولم تشكل مطمعا سياسيا لبني أمية لقُرب هذه المنطقة من البحر، والأمويين كسائر العرب الأوائل كانوا يخافون من البحر حتى أنهم عندما دخلوا مصرا بنوا مدينة بعيدة عن البحر هي "الفسطاط" لتكون بديلة للإسكندرية، ونفس الشئ فعلوه في تونس حين استبدلوا قرطاجة بالقيروان وأنطاكية الساحلية بدمشق ..

خامسا: أما الوجود الشيعي (الفارسي والتركي) فهو تأثر بالشيعة العرب الذين اخترقوا الهضبة الإيرانية وبلاد خراسان خلال العصرين الأموي والعباسي بفعل جهود الأئمة الشيعة الإثنى عشر والتحريض على بني أمية ونشر مظالم آل البيت، علما بأن الفروق وقتها بين السنة والشيعة لم تكن واضحة والمذاهب لم تتشكل عقائديا بعد والذي كان يحدث هو صراع سياسي بين القبائل الحاكمة..حتى أن اثنين من أشهر وأكبر أئمة المذهب السني (أبو حنيفة ومالك) كانوا من أنصار "محمد النفس الزكية" الشيعي الذي ثار ضد أبي جعفر المنصور وقتل سنة 145هـ

سادسا: لم يدخل الفرس والترك كلهم المذهب الشيعي لكن حتى من دخلوا المذهب السني تأثروا بالشيعة، ولا زال الإسلام السني بين (الفرس والترك) حتى الآن محب لآل البيت وقريبا من الشيعة جدا بفعل ما حدث في العصرين الأموي والعباسي والتحالفات التي حدثت بين هذه الشعوب وأنصار آل البيت الأوائل، حتى يمكن القول أن سُنة فارس والأتراك الآن هم شيعة لكن بمعنى آخر اصطلح عليه لاحقا (بالصوفية) والمتبحر في أدبيات هذه الشعوب وموقفها من آل البيت تجده متطابقا بشكل غريب ومشتركا مع المذهب الشيعي في جوانب دينية كثيرة..علما بأن هؤلاء هم من نشروا الدين الإسلامي والمذهب السني في الهند والسند وإلى اليوم تجد سنة باكستان والهند يحتفلون بآل البيت عادي، وعمران خان زعيم باكستان السابق في تصريحاته كان يٌشبّه نفسه بالحسين الثائر..وعلى نفس المنهج يسير أردوجان حتى أن الأخير اتهم بالتشيع من كثرة ذكره وترضيه على آل البيت في حواراته..

سابعا: الإسلام المُعادي للشيعة هو عربي قبائلي صرف مصدره الأمويين الأوائل، فهؤلاء هم من وضعوا أحاديث تكفير الشيعة وقتلهم في التراث أشهرهم حديث "قال رسول الله يأتي قوم آخر الزمان يقال لهم الرافضة اقتلوهم بأنهم مشركون" وغيره مئات الأحاديث التي يستدل بها اليوم على وجوب قتل الشيعة ولو في المساجد مثلما يحصل حاليا في أفغانستان، وهذا العداء قبلي عشائري موروث منذ الصراع القديم بين (البيت الأموي والبيت الهاشمي) في الجاهلية، وكتب التاريخ تحكي لنا أن هناك خصومة موروثة بين الهاشميين والأمويين من قبل الإسلام هي التي حملت معظم بني أمية على حرب الرسول والصحابة وآل البيت إلى ما قبل فتح مكة بأيام سنة 8 هـ ، فبني أمية كانوا ينظرون للدعوة الإسلامية على أنها (مُلك هاشمي) يجب الاعتراض والقضاء عليه في مهده..

ثامنا: الأغلبية "الشيعية الزرادشتية" تأثرت وانخفضت منذ الغزو المغولي في القرن 13 م كان المغول يقتلون كل شئ وملايين الناس سقطوا ضحايا في عمليات إبادة جماعية ضخمة سجلها التاريخ، وفي تقديري أن معظم سكان إيران تم القضاء عليهم في هذا العهد بفعل الحرب والأمراض والمجاعات..خصوصا الزرادشتيين الذين بدأوا بالهجرة الجماعية للهند بالخصوص حيث كانت تقاوم بنجاح غزوات التتار ولم ينجح المغول أبدا في الوصول لعمق شبه القارة الهندية..

تاسعا: لكن الأغلبية الشيعية عادت مرة أخرى على يد ملوك المغول بالخصوص "محمود غازان وأخيه محمد أوليجايتو" ولمن يقول أن هؤلاء سنة ..هذا غير صحيح، غازان كان ملكا مغوليا شيعيا ومنذ سنوات طرحت دراسة علمية تؤكد ذلك في سياق الرد على أكاذيب ابن تيمية في اللقاء معه تحت عنوان "حقيقة لقاء ابن تيمية بسلطان التتار محمود غازان" أما أخيه أوليجايتو فالمشهور أنه كان ملكا مغوليا سنيا لكنه تشيع لاحقا، فالدولة المغولية التي حكمت إيران في هذا العهد القرنين "13، 14" كانت شيعية باستثناء تيمور لنك الذي كان سنيا على المشهور لكنه لم يضطهد الشيعة، فحافظ على الوجود الشيعي ولم ينهيه من إيران، وفي رأيي أن عصر تيمور لنك بدأ فيه الوجود السني في ارتفاع وزيادة لدرجة أنه صار يماثل الوجود الشيعي، علما بأن تيمور من أًصول تركية، فالرجل كما قلنا لم يكن من عنصر يعادي الشيعة وبالتالي فتسننه لم يكن عدائيا ضد المذاهب الإسلامية الأخرى، بل كان سياسيا حتى أنه حارب العثمانيين والخوارزميين وهؤلاء كانوا أتراك سنة مثله..

عاشرا: جاء الصفويون وشنوا حملات إبادة ضد سنة إيران وخراسان بدافع ديني، وأكثر من سقطوا ضحايا على يد هؤلاء هم أئمة (الأحناف والشافعية) وبعض الكتب الطائفية ضد الشيعة ظهرت في هذا العصر بفعل جرائم الصفويين ككتاب شرحت دوافعه قبل ذلك في محاضراتي وهو "شم العوارض في ذم الروافض" لإمام الأحناف في زمنه "الملا علي القاري" وهو فقيه أفغاني حنفي كان يحكي في هذا الكتاب بعض من جرائم الصفويين التي رآها وكان يتحسر على أئمته الذين قتلهم الصفويون، ومنذ هذا التاريخ بدأت إيران تعود مرة أخرى للأغلبية الشيعية خصوصا وأن غزوات الصفويين كانت تستهدف سنة الفرس والبلوش والأفغان والهند والأتراك..إلخ في المقام الأول، ولم تقترب من سنة العرب في شبه الجزيرة ربما لعوامل سياسية وجغرافية خشوا فيها من هلاك جيوشهم في الصحراء..وهو نفس العامل الذي منع الإسكندر الأكبر والمغول والصليبيين من غزو صحراء العرب وحمل أهلها على ترك الإسلام والمذهب السني..

حادي عشر وأخير: هذا المقال يحكي رأي مختلف عن الشائع يقول أن إيران لم تحدث فيها أغلبية سنية أبدا، وما يقال في ذلك مخالف للأدلة والوثائق التاريخية ويُطرح في مقام الانفعال الطائفي والسياسي غالبا، وأقصى ما حدث هو تعادل نسبة سكان إيران بين السنة والشيعة في عصر تيمور لنك الذي حفّز الصفويون للقضاء على هذا التعادل وإعادة نفوذ أسلافهم الشيعة في بلاد ما وراء النهرين، وأختم بأن المقال ليس له أي بعد سياسي أو طائفي بل هو بحث علمي بحت لا علاقة له بانحيازات سياسية أو مذهبية، وصاحبه متبرأ تماما من المذاهب ويراها خرافة ويسمى نفسه (مسلما وكفى) وأن العبرة عند الله بالعمل الصالح لا بالإسم والمذهب والعنوان، قال تعالى "لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" [الأعراف : 43] فدخول الناس الجنة وفوزهم في الآخرة هو فقط (بالعمل) ليس بهذا سني وهذا شيعي، أو هذا مسلم وهذا مسيحي..بل القرآن يثبت في عشرات الآيات أن هذه المعايير أرضية بشرية لا علاقة لها بالدين الأصلي الذي بعث به الأنبياء..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي