الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا مظفّر النّوّاب / وداعا شاعر -البذاءة.-

الطايع الهراغي

2022 / 5 / 29
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


"وماذا بعد؟؟ سرت في اتّجاهك العمر كلّه، وحين وصلتك انتهى العمر"
(مظفّـر النّـــوّاب)
"طلبت المستقرّ بكلّ أرض// فلم أر لي بأرض مستقرّا"
(أبــو العتاهيـة)
"بِم التّعلّل لا هل ولا وطن / ولا نديم ولا كاس ولا سكن"
(أبو الطّيّب المتنبّي)

سلام إليك / سلام عليك/
إليك كلّ السّلام / عليك ما ثبت من السّلام
سلام يلاحقك في المنافي البعيدة وفي المنافي القريبة /
يترجّاك أن لا تموت قبل أن نموت وتموت /

حزني عليّ/ وحزني عليك
قبل الرّحيل / ويوم الرّحيل/
وبعد الرّحيل/ إذا كنت فعلا رحلت
بذيء شعرك وقبيح
تماما كما يشتهي الطّيّبون
وجماله في قبحه
فما احتجنا يوما مكسّرات لهضمه
لم أصدّق بعدُ-وأنّى لي أن أسلّم-؟؟ أنّ الطّائر المهاجر المحاصر بالأحزان على مدن قد تهاوت فرادى وعواصم حقّـا قد رحل.
فكان أن تأخّرتَ عنّا وكان أن تأخّرتُ عنك.
أمّا الآن وقد ضمّك قبر، وقد تُبعث حيّا فسلام منّي إليك.
ويقتلنا السّؤال وهو يأبى إلاّ أن يطارد السّؤال: لماذا؟ كم توسّلنا إليك أن تؤجّل سفرك النّهائي وأن لا يركبك جنون الإبحار قبل أن ترتّب لك مع عدوّك الموت احتفالا ؟. وقبل أن تسترق لنا مواعيد هناك في منفى من منافي الحانات القديمة لتتجنّب تهمة الارتداد، خيانة موصوفة لوطن استبدّ بك وأطبق عليك حصارا من الكلّ المناحي والجهات، أفقدك تمثّل الأبعاد فأسكنته حيث لا تطاله الغربان النّاعقة ولا تنهشه الكلاب السّائبة؟ هو زادك وزوّادك الوحيد في رحلاتك الطّويلة في سباق المسافات الطّويلة . وطن تتوسّده كلّما عنّ لشيطان الشّعر أن ينيمك ليمطرك بوابل من البذاءات كم أنت في حاجة إليها ساعة يهزّك الحنين إلى الكفر بالمألوف من القيم والقمم ، هي سلاحك في تعريّة حكّام همْ في التّاريخ فضيحة وعلى التّاريخ لعنة. كلّ من اعتلى منهم الكرسيّ وخلا وحده بعرش كشّر على أنيابه وأدار ظهره للأعداء ولنزال شعبه استعدّ وانتشى.
لسبب ما أٌشيع – في بلد يعتاش على الإشاعات هوايته المفضّلة- خبر وفاتك مرارا. و لعلّة ما تمّ تكذيب الخبر مرارا. لعلّه ضرب من المقاومة والمخاتلة ممّن راهن دوما على أنّه إذا لم يكن من الموت بدّ فمن العجز والعيّ أن تذهب إليه صاغرا. ولِم لا يكون نبأ موتك إشاعة نبعد بها شبح الموت أكثر ما يمكن انتصارا لمن من أصدقائك أرادها نكالة بالأعداء من بني جلدتك من عربان لا مكان لأشجان العروبة في قواميسهم ؟؟
وأخيرا تمكّن الموت – هذا الزّائر الثّقيل من اختطاف شاعر"البذاءة" مظفّر عبد المجيد النّوّاب. شاعر طوّقته المحن فاستعذبها وبها تدثّر في مكابدة غوائل الزّمان، لفظه هذا الذي لم يُتّفق على أنه وطن. لفظته المنافي التي خُيّل إليه أنّها احتضنته. إليها حمل العراق في رموش العين كحقيبة سفر وارتحل . كان يدرك تماما منذ وصل العراق بعد اغتراب طويل أنّ العمر به مضى . لم تباغته المنيّة، ومع ذلك لم يترك وصيّة على عادة الطّيّبين من شعرائنا. ألم يقل درويش وهو يودّع أهل لبنان " لا تكتب وصيّتك الأخيرة والسّلاما"؟؟ لم يوص أحدا برثائه. فبعض الرّثاء مذلّة.
..................................................................................................
تُرى أيّ شعر لن يخجل من رثاء من استهلك عمرا يرثي عالما بحاله.؟ رثى ومدح أحبّة ومدنا بالمجان، وعرّى عورات الحكّام بدون مقابل، اسكثر عليهم أن يتلذّذوا فظاعتهم ويتبجّحوا بأنّ شاعر البذاءة تفضّل عليهم بلاذع الهجاء ولكن بمقابل. ليس للشّعر إلاّ أن يدبّج جميل المراثي في القصائد. وليس للقصائد إلاّ أن تتراثى . وليس للّغة إلاّ أن تبكي مَن صنع من عالم البذاءة كونا شعريّا لا مكان فيه لحذلقة بليدة ومديح مريح وبلاغة ركيكة ميّتة كجثّة هامدة .شاعر الحلّ والتّرحال استوطن المنافي وتزوّجها هربا من وطن اعتقد أنّه هو والاستبداد توأمان، ولمّا عاد بعد أن أضنته مشقّة السّفر -غير متعب إلاّ من نفسه- وجد الاستبداد قد احتلّ كلّ البقاع وأقام في كلّ مكان، وما وجد وطنا في أيّ مكان . شاعر طوّحت به المنافي وأنهكته. نالت منه كما نال منها. مناف اختارها البعض حينا إكراها وأحيانا طوعا. فباتت لهم ملاذا واختيارا. وعاشها النّواب اضطرارا مبعدا عن وطن يمتدّ من الماء إلى الماء، سجنا يجاوره سجن ينفتح على سجن يتربّع في مدخله سجّان، وطن يرفل فيه البغي في الحرير ويستجدي فيه الشّعراء حلم وطن كلّما زاد بعادا التصق بنا وزاد منّا اقترابا. كلما نأى رتّلته مرارا في السّرّ ومرّة في العلن بصوت فيروزيّ ملائكيّ كنائس القدس ومآذن القدس وأزقّة يافا وحيفا وحانات بغداد وأسوار مدينة السّلام.
وطن فيه يتوحّد أبو ذر اللاّجئ إلى خيام الفقراء منذ أيقن أنّ الجوع أبو الكفّار، و بعد أن لطّخت عورة عمرو بن العاص وجه التّاريخ وغيفارا الذي لم تسعه حدود الدّولة، ضاقت عنه فلبس الثّورة واحتضنته الثّورة، الإمام علي بعد أن انفضّ عنه شيعته وتعلّلوا في الحرب بحرّ الصّيف وقرّ الشّتاء، اعتاشوا على موائد معاوية فارتضوا عليّا إماما وتشيّعوا لمعاوية خليفة والشّاعر لوركا الذي تنبّأ بإعدامه فكتب "وعرفت أنّي قتلت"، وطن يتسامر على أنغامه الحسين وفيه يستذكر محنة كربلاء والمسيح وهو يتلو آيات التّـسامح بين الأديان، البصرة وجميلة بوحيرد.
امتطى مظفّر صهوة الزّمن المستحيل وأوغل في تعقّب عذابات الرّحيل. هجّر معه الوطن في حقيبة ومضى .من منفى إلى منفى أبعد يستجدي بلدا يرتّل أحزانا، اعتقد أنّه بترتيلها يشيّد لا محالة نقيضها. ولمّا عسر القبض على الضّدّ واستحال وطلّق الضّدّ مثيله تلاشت الأتراح وفقدت بريقها الأفراح.
...........................................................................................
طاف وغرّب وشرّق .وعادت الرّوح متسلّلة إلى حيث يجب أن تكون، وبلاد العرب العاربة كحالها لم تتغيّر.تغيّرت أسماء الحكّام وعهرهم باق.
عاد هذا الذي طلب المستقر بكلّ أرض عساه يجد في أرض ما مستقرّا. لمّا خاب مسعاه عاد- كما تؤوب الطّيور المهاجرة- إلى نقطة التّكوين، وحطّ الرّحال في بقعة ما حيث تتجمّع أحزان العراق، البلد الذي أمضى عمرا يتغنّى بآلامه كأنّه لم يبرح غابات نخيله ساعة السّحر وما فارق محافله وسجونه وحاناته ومآسيه.قفل راجعا أملا في أن يولد من جديد في عراق جديد. ولكنّ العراق كان أكثر إنهاكا من عذابات شاعره. شاعر يتسوّل وطنا ووطن يفتّش عن وطن.
ما وسعته الدّنيا وضاقت به الآفاق .لعن الجميع ولم يستثن أحدا .هجّن واقعا هجينا بطبعه.عرّى أنظمة وهتك أعراضها .فألف شكر له. ما راودته الأوهام يوما وما حجّ إلى حائط مبكى.ما تصالح مع غير الفقراء والمشّردين والثّكالى .احتلّوا أوطانا فأسّس مدنا إليها يأوي وعنها يدافع.ما أغراه غير عرش الشّعر . ما ارتضى غيره بديلا. شيّد مملكة الوقاحة الشّعريّة الجميلة فترنّم بشعره من ذبحهم القبح والوقاحة والعيّ والغباء.
مظفّر شاعر عذريّ إذا ما تأمّلنا شعره مليّا. أليس يموت منه الهوى إذا من العراق دنا / وتحييه الصّبابة والهوى إذا ما فارقه ومضى؟.
.................................................................................................
مظفّر الشّاعر الشّيوعيّ الذي آمن باكرا بالمشاعيّة ظلّ الدّهرَ يرفض أن يقاسمه عاشق عشق وطن يفنى الزّمان وما هو بفان .كلّ شيء مشاع إلاّ نخيل العراق وحسان العراق ومواويل العراق والأشعار التي بها يكتوي كلّ متيّم بالحنين إلى "خرابات" العراق .فالقدس هي العراق، ولا شام في غياب العراق، ودمشق هي أذرعة العراق، ومصر التي في السّجون تنشد :موعدنا حيث شاعرنا في العراق.
يُخيّل لي أنّه فعلا قد ارتدى هذه المرّة جبّة الموت ورحل .إذن فلتبكِه القصيدة ولتتبارزْ في تأبينه الأشعار ولتقدّمْ جنازته المواويل .
.........................................................................................................
مظفّر وداعا . وكلّ منّا يودّع فيك بعضا منه. تعساء نحن بواقعنا ، سعيد أنت في عالمك الجديد. شيّعك المتيّمون بك من ديار أحبّة إلى ديار الأحبّة حيث يستقبلك رفاق من كلّ العصور ما بدّلوا تبديلا.
فهذا المتنبّي ينام "ملء شواردها " يندب أمصارا كم بها من المضحكات ولكنّه ضحك كالبكا . وهذا رهين المحبسين شيخ المعرّة يهمس في أذنيك أنّ مذاهبهم قول زور من السّفهاء فــ"هذا بناقوس يدقّ والآخر في صومعته يصيح". وهذا اللّعين أبو نوّاس يدمغك بموّاله العجيب "داوني بالتي كانت هي الدّاء". وهذا البيّاتي يسألك عن أخبار "الذي يأتي ولا يأتي".وهذا غسّان كنفاني بلحّ عليك في ما أنت متأكّد منه، الخيانة ليست وجهة نظر، إنّها "ميتة حقيرة " لو كان الأنذال من أنفسهم يخجلون.
مظفّر رجاء بلّغ آهاتنا لروزا الحمراء والنّسر المحلّق غيفارا. بلّغ سلامنا لمحمّد الدّرّة، شيرين أبو عاقلة، محمود درويش، سميح القاسم ، الطّاهر الحدّاد، نوّال السّعداوي. لا تغتمّ. فهم يعرفون متى ينثرون السّلام على غيرهم من الرّفاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري