الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة والفن

نورالدين ايت المقدم

2022 / 5 / 29
التربية والتعليم والبحث العلمي


خطاطة:
مقدمة:
1. تعريفالسياسات العمومية
2. البدايات الأولى للتشكيل بالمغرب
العرض:
واقع حال السياسات العمومية في ترويج الفن التشكيلي:
1. على مستوى التمويل.
2. على مستوى التكوين
3. على مستوى الإنتاج والتسويق
4. على مستوى التنظيم والتقنين
5. على مستوى المنشآت الثقافية
الخاتمة:






مقدمة:
تعتبر الثقافة بكل مكوناتها (أدب، مسرح، تشكيل، سينما، صناعة الكتاب، موسيقى، رقص …) مكونا أساسيا من مكونات هوية وحضار ة الأمم والشعوب، فهي يمكن أن تعكس إما قوتها أو ضعفها، كما تعبر عن تفردها وشخصيتها، ناهيك عن مدى مساهمتها في المشترك الإنساني. فكل الأمم المتحضرة تسعى إلى تشجيع الفعل والصناعة الثقافية وذلك كمظهر من مظاهر المدنية والتقدم لأن الإنسان وإن كان يعيش بالحاجيات المادية فإنه يتطور ويتقدم ويتمدن بتغذية الحاجات الروحية والعقلية.
وعليه نتساءل عن حال بلادنا في مجال الفعل الثقافي وبالخصوص في ترويج فن التشكيل؟ وماهي أثر السياسات العمومية في هذا المجال؟.
1. تعريف السياسات العمومية:
يقصد بالسياسات العمومية في المجال الثقافي كل الاجراءاتوالخطوات والبرامج والاليات التي تسخرها الدولة لجميع مكوناتها (حكومة، مؤسسات منتخبة، معاهد عليا ومتخصصة، اللقاءات والمهرجانات …) للنهوض بالثقافة ونشرها وتطويرها سواء على مستوى التمويل، الإنتاج والتسويق، أو الاعتناء والتثمين كموروث حضاري يساهم في حفظ الذاكرة ناهيك عن دوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة على المستوى السياحي، وهكذا سنعالج الموضوع من خلال 5 مستويات أساسية:
2. البدايات الأولى لفن التشكيل بالمغرب:
دخلت الفنون التشكيلية العصرية إلى الفضاء الثقافي المغربي عن طريق الفرنسيين واإوسبان في بداية القرن العشرين. وقد سمح احتكاك المغاربة بالتجارب الفرنسية والإسبانية، في البداية، بظهور فنانين فطريين، وعصاميين. ومع إنشاء مدرسة الفنون الجميلة بتطوان سنة 1945 ،ومدرسة الدار البيضاء سنة 1950تمكن بعض الشباب من اكتساب تكوين في الرسم وفنون التصوير. ثم انطلقت حركة تشكيلية شبابية بعد الإستقلال حاولت مجموعة منها إدخال الفنون التشكيلية في المؤسسات التعليمية والفضاءات الثقافية، بل وحملوا معهم أسئلة الأصالة والحداثة في أعمالهم، وكيفيات استثمار الموروث البصري في لقاءاتهم وندواتهم ورسوماتهم. 38 حيث لعبت الفنون التشكيلية دورا رياديا في دخول الثقافة المغربية إلى الحداثة، حيث أصبحت أسماء مغربية، منذ أواخر الخمسينات، حاضرة في المنافسة الوطنية والدولية، أمثال الغرباوي والشرقاوي وبلكاهية والمليحي وشبعة والشعيبيةوآخرين، حيث أثاروا انتباه المهتمين باإلبداع التشكيلي من العالم العربي وباقي أنحاء العالم. وقد شهد المغرب في العقد الأخير حركية مؤسسية وفنية حول الفنون التشكيلية، على صعيد بنيات التكوين، وقاعات العرض، والتواصل. و عملت وزارة الثقافة على إعادة تنظيم مدرسة الفنون الجميلة
واقع حال السياسات العمومية في ترويج الفن التشكيلي:
1- على مستوى التمويل:
بالرغم من الدور الحضاري والاقتصادي للثقافة، إلا أن استقراء بسيط لميزانية وزارة الثقافة والمجالسالمنتخبة يبين أن هذه الأخيرة كانت دائما ضعيفة وهزيلة مقارنة مع باقي الميزانيات. وكل وزراء الثقافة الذين تعاقبوا ظلوا يشتكون من ضعف الموارد المخصصة لهم من قبل وزارة الاقتصاد والمالية، وآخرهم كان هو الوزير "المهدي بن سعيد" الذي صرح أمام لجنة التعليم والثقافة بمجلس النواب أثناء تقديمه للميزانية الفرعية لوزارته أن ميزانية التسيير بلغت سنة 2021، 390 مليون درهم. كما أوضح أن ميزانية الصناعة الثقافية ومنها الفن التشكيلي، تبلغ 60 مليون درهم، بينما 20 مليون درهم للمسرح ، 11 مليون درهم للكتابة والنشر، 12 مليون للموسيقى والفنون، 8 مليون للفنون التشكيلية،و9 مليون للجمعيات الثقافيةوالمهراجانات، وقال كذلك أنه لا يكننا النهوض بالصناعة الثقافية بميزانية 60 مليون، معتبرا أن المبلغ لا يمكن أن يبني ملعبا لكرة القدم بوزان
وقد استدل الوزير على أهمية التمويل بالنسبة للصناعة الثقافية بكون حلقة واحدة مسلسل مغربي تكلف 30 مليون سنتيم. فيما حلقة واحدة من أفلام "نيتفليكس" تكلف 20 مليون درهم ويمكن تصل إلى 50 مليون درهم. والأدهى من ذلك فمكانة الثقافة لم تأخذ من تصريح السيد رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان بتاريخ 11 أكتوبر إلا حيزا صغيرا لم يتجاوز بضعة أسطر حيث قال «وفي المجال الثقافي ستعطي الحكومة الأولوية لإدماج ثراثنا الثقافي في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنات والمواطنين، وتحقيق تنمية واسعة للإنتاج الثقافي واستثمار التعددية الثقافية في مختلف تعابيرها …"
2- على مستوى التكوين:
شهد المغرب في العقد الأخير حركية مؤسساتية وفنية حول الفنون التشكيلية، على صعيد بنيات التكوين، وقاعات العرض، والتواصل. و عملت وزارة الثقافة على إعادة تنظيم مدرسة الفنون الجميلةبتطوان، وترميم فضاءات وأروقة العرض التابعة لها، ووضعت آلية لتسهيل إقامة الرسامين المغاربة في مدينة الفنون بباريس في إطار التعاون الدولي، وأطلقت عملية تواصلية واسعة بشراكة مع بعض المراكز ّ الثقافية الأجنبية تحت عنوان : "ليلة الأروقة"، كما تم تخصيص بعض الجوائز التشجيعية.ومع ذلك، فإن نسبة قليلة من المواطنين وفي طليعتهم الشباب، لا يتفاعلون مع هذا الفن.ولهذا، يمكننا استنتاج الدور الأساسي والمحوري الذي يلعبه الفن التشكيلي في الصناعة الثقافية فلا يمكن ضمان إنتاج ذو جودة في غياب أو نقص المعاهد والمدارس العليا المتخصصة في تكوين مختلف المتدخلين في الفعل الثقافي. ويوجد في المغرب 118 رواقا لعرض الأعمال التشكيلية رواقا، تشرف عليه وزارة الثقافة و 95 قاعة ورواق نتيجة مبادرات خاصة. إضافة إلى بعض الفضاءات التي تخصصها المراكز الثقافية لهذا الغرض، وكذا الأبناك، وبعض الفنادق. كما تمت تهيئة بعض البيوت القديمة في مراكش، بالأساس، و تحويلها إلى فضاءات لعرض أعمال تشكيلية.
وهكذا إذا استثنينا المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ISADAC ، ومعهد الفنون الجميلة بتطوان، وبعض المعاهد التابعة للوزارة أو بعض الجماعات الترابية ومعاهد سينمائية ممدودة تابعة للقطاع الخاص، لا يمكن الحديث عن شبكة قوية ومتنوعة خاصة بالتكوين في المهن الثقافية، وذلك على عكس الدول المتقدمة التي نجد فيها معاهد ومؤسسات جامعية خاصة بالتكوين في مختلف هذه المجالات من مسرح ، سينما، تشكيل، موسيقى … وذلك بالعشرات إن لم نقل بالمئات.
وحتى المؤسسات الجامعية ككليات الأدب التي كان يجب أنتساعد في التخفيف من هذا الخصاص لازال دورها محدودا مع الأسف.
3- دعم الإنتاج والتسويق:
لازال مختلف الفاعلين في المجال الثقافي يشتكون من ضعف الإنتاج والتسويق للمنتوج الثقافي ولا سيما فن التشكيل بالمغرب، نستشهد هنا برأي الفنان والناقد التشكيلي إبراهيم الحَيْسن الذي وصف البنية التحتية بالإرتجال وعدم وضوح الرؤيةويردُّ ذلك إلى العوامل الآتية :
أولاً- ضعف الدرس الجمالي بالمدرسة المغربية وخواء مناهج تدريس مواد التربية الفنية والفنون التشكيلية والتطبيقية وانعدامها بالجامعة.
ثانيّاً- غياب المنشورات والدوريات والمجلات واللقاءات السمعية والبصرية التي تعنى بقضايا التشكيل ومتابعته عدا تجارب معدودة البعض منها انطفأ بسرعة!
ثالثاً- معضلة النقد التشكيلي الذي لا يزال عموماً في المغرب مرتبطاً بالاجتهادات الفردية لنقاد قلائل يعدُّون على أصابع اليد الواحدة، يكتبون في الفن بعشق وبأناة وبحس احترافي من دون أي تحفيز مادي أو معنوي.
رابعاً- السوق الفنية في المغرب المطبوعة بالفوضوية والعشوائية والتي أمست مرتعاً لمحترفي النصب والاحتيال وتزييف القطع الفنية وبيعها للمغفلين، هذا من دون الحديث عن الفراغ القانوني وقلة الدعم والرعاية والمنح التكوينية، والزبونية في الاقتناء المؤسساتي وغيرها.
وسط هذا الوضع المأزوم والمعطوب، يظل الحديث عن المنجز التشكيلي في المغرب – وفق الحيسن-حديثاً موسوماً بالكثير من اللبس والغموض والتحفظ بسبب العوامل المذكورة، وبسبب الاستلاب والوهم الذي لا يزال يشغل مساحات واسعة من مخيال غالبية الفنانين التشكيليين المغاربة وتفكيرها على أكثر من صعيد.
التنظيم والتقنين:
لازال معظم الفاعلين في المجال الفني والثقافي يشتكون من خصاص على مستوى تنظيم المهن في هذا المجال، وحاجة التشريع والمنظومة القانونية للتطوير والتجويد، (الجدل الدائر هذه الأيام حول BNDA مكتب الوطني لحقوق المؤلفين) قبله بطاقة الفنان، ثم التغطية الصحية والإجتماعية للفنانين وهذا مؤسف لأنه يضر بصورة هؤلاء ومكانتهم الرمزية في المجتمع كصناع للرأي والفرجة.
4- المنشآت الثقافية:
أما من ناحية الثقافة التشكيلية، فيلاحظ اهتمام كبير بإبداعات الرسامين المغاربة، واحتضان لافت من طرف النقاد والمثقفين، يظهر ذلك من خلال الكتب والندوات والمجلات بالعربية و الفرنسية التي تعنى بالإتجاهات الإبداعية المغربية، حيث نعثر على كل الحساسيات والنزعات الفنية؛ إضافة إلى أن الفترة الممتدة من 1999 إلى 2013 ً شهدت انخراطا أكبر لمؤسسات الرعاية والإحتضان من طرف مؤسسات وطنية مثل، صندوق الإيداع والتدبير، وبنك المغرب، ومؤسسة "أونا"، والمكتب الشريف للفوسفاط، والتجاري وفا بنك، بحيث تمكنت هذه المؤسسات من امتلاك مجموعات معبرة للإبداع التشكيلي المغربي. وشهد هذا العقد، أيضا، افتتاح دور للمزاد العلني، وظهور فئات غنية جديدة تهتم بالإبداع التشكيلي، وهو ما ساعد على تنشيط حركة الرسم، وتكثيف مناسبات تداول اللوحات والإبداعات، وتوسيع دائرة التواصل حول الممارسة التشكيلية الوطنية.
ورغم ذلك فإن شبكة صالات العرض والمعارض الكبرى المنهيأة للعرض والاستقبال الزائرين حسب مواصفات ومقاييس دولية لازالت ضعيفة في هذا المجال، بل هناك مدن مع الأسف لا تتوفر ولو على منشأة ثقافية في المستوى.

خاتمة:
ويظهـر أن مجـال الفنـون التشـكيلية لـم يتمكـن مـن خلـق جمهـور واسـع، بـل اقتصـر علـى نخـب وفئـات محـدودة للغايـة. ويعـود ذلـك بالأسـاس إلـى انعـدام سياسـة التقائيـة بيـن وزارة الثقافـة ووزارة التعليـم والاتصـال، وغيـاب التربيـة الفنيـة فـي منظومـة التكويـن، كمـا يعـود الـى محدوديـة انتشـار التعبيـرات الفنيـة الحديثـة فـي مختلـف أوسـاط المجتمـع المغربـي؛ إذ مـا يـزال أغلـب المغاربـة يتفاعلـون مـع الأبعـاد الجماليـة للمنتوجـات التقليديـة فـي حياتهـم اليوميـة، وفضـاءات وجودهـم المختلفـة، ولكـن المجهـودات التـي بذلـت فـي مجـال الفنـون التشـكيلية العصريـة لـم تجـذب سـوى فئـات قليلـة مـن الأوسـاط الميسـورة أو المثقفـة.
وحتى لا نكون عدميين، لا يمكن أن ننكر المجهودات التي تبذلها بلادنا لتطوير الفعل الثقافي ووضع سياسات عمومية قادرة على تجاوز الخصاص المسجل في هذا المجال.
إلا أنه رغم ذلك لازال الطريق أمامنا طويلا، ولا يمكن لأي مشروع أو نموذج تنموي أن يستقيم دون جعل الولوج للثقافة عملية ذات أولوية من خلال الإستثمار في البنيات التحتية والتجهيزات والمواهب
وبما أن النموذج التنموي الجديد جاء لتجاوز مختلف أشكال الخصاص الاقتصادية والإجتاعية والثقافية، فقد ركز التصور الذي أعدته اللجنة على أهمية الرأسمال اللامادي وأهمية استثمار التعدد الثقافي باعتباره رافعة للإنتاج والحوار والتماسك الإجتاعي .
نستنتج من كل ما سبق أن التنمية في مفهومها الشامل تتحقق بالتكافل بين العديد من المكونات: اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وبيئية، لذا فعلى بلادنا التي تصبو للتطوروالتقدم بإعمال نموذج تنموي جديد،وأن تتوفر على سياسات عمومية في المجال الثقافي، تضع الفعل الثقافي في مجال الأولويات سواء على مستوى التمويل، البنيات التحتية، أو الإنتاج الثقافي خاصة أمام التحولات التي يعرفها العالم حيث لم تعد الثقافة مرتبطة بالهوية والموروث الحضاري بل وسيلة للتنمية والتماسك الاجتماعي، والربح الاقتصادي والسياحي والتموقع جيوسياسي.

من إنتاج الاستاذة رشيدة الفاضل
















الإحالات:

1. تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ص:37 2020.
2. خطاب وزير الثقافة أمام لجنة التعليم والثقافة بمناسبة تقديم الميزانية الفرعية للوزارة بمجلس النواب برسم سنة 2022.
3. تصريح السيد رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان بتاريخ 11 أكتوبر 2021.
4. تقريرCESحول تصوره للنموذج التنموي الجديد. ص: 69.
5. ملخص الوثيقة الخاصة بالنموذج التنموي الذي أعدته لجنة بنموسى.
6. https://www.independentarabia.com/node/18911/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9قافة/التشكيل-المغربي-بين-ضعف-الدعم-وانحسار-النقد-وفوضى-السوق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل