الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 62

ضياء الشكرجي

2022 / 5 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلنا مِنَ البَيِّناتِ وَالهُدى مِن بَعدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الكِتابِ أُلائِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلعَنُهُمُ اللّاعِنونَ (159) إِلَّا الَّذينَ تابوا وَأَصلَحوا وَبَيَّنوا فَأُلائِكَ أَتوبُ عَلَيهِم وأَنَا التَّوّابُ الرَّحيمُ (160)
وكما بُيِّنَ آنفا هذه طفرة فجائية ثانية. ومعروف أن المقصود «الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلنا مِنَ البَيِّناتِ وَالهُدى» هم یهود ومسیحیو الجزيرة آنذاك، لادعاء محمد أن كتبهم تشهد له بالنبوة وتشهد بأن ما أنزل عليه حق، لكنهم يتكتمون على ذلك، ومن استحقوا أن يكونوا ممن «يَلعَنُهُمُ اللهُ»، وكأن لعن الله لهم غير كاف فـ«يَلعَنُهُمُ اللّاعِنونَ» من المسلمين والملائكة، فلعن الله لهم يعني سلب الرحمة عنهم وتعذيبهم، ولعن اللاعنين يعني دعاؤهم عليهم بلعن الله لهم، وهذا ما نسمعه عبر مئات السنين في خطب الجمعة. لكن في الآية (159) يرد استثناء «إِلَّا الَّذينَ تابوا وَأَصلَحوا وَبَيَّنوا»، أي الذين أصبحوا مسلمين واتبعوا محمدا وقرآن محمد ودين محمد، فيقول الله حسب القرآن عنهم «فَأُلائِكَ أَتوبُ عَلَيهِم وأَنَا التَّوّابُ الرَّحيمُ»، أما من يبقى على دينه فيجب مقاتلته في الدنيا حتى يصبح مسلما أو يدفع الجزية، وهو في الآخرة «في نارِ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها أَبَدًا» لأنهم «شَرُّ البَرِيَّةِ» كما في سورة البينة، وهذا ما توضحه الآية اللاحقة. ثم هناك كما في الكثير من آيات القرآن القفز من ضمير المتكلم الجمع (أنزلنا) إلى الضمير الغائب المفرد (يلعنهم)، ثم ضمير المتكلمم المفرد (أتوب)، وهذا ضمن آيتين من واحدة وثلاثين كلمة فقط.
إِنَّ الَّذينَ كَفَروا وَماتوا وَهُم كُفّارٌ أُلائِكَ عَلَيهِم لَعنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجمَعينَ (161) خالِدينَ فيها لا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذابُ وَلا هُم يُنظَرونَ (162)
إذن الذين لم يؤمنوا بالإسلام، والذين يصطلح عليهم القرآن مصطلح «الَّذينَ كَفَروا»، كما يصطلح على المسلمين «الَّذينَ آمَنوا»، يستحقون لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ثم يكون مصيرهم الخلود في هذه اللعنة، والتي تفسر معناها العديد من آيات القرآن بأنها تعني الخلود الأبدي في نار جهنم، بلا انقطاع، وبلا تخفيف للعذاب، لا لشيء إلا لأنهم لم يقتنعوا بمحمد رسولا، والقرآن كتابا منزلا من الله، والإسلام دينا فرضه الله على بني الإنسان في كل زمان من بعد تأسيس الإسلام، وفي كل مكان في الكون، في حال اتخذ الإنسان في يوم ما كوكبا آخر سكنا له. وسنشير في مواقعها إلى الآيات التي تدل بدون أي لبس أن مصطلح «الَّذينَ آمَنوا» في القرآن يعني المسلمين، ومصطلح «الَّذينَ كَفَروا» يعني غير المسلمين.
وَإِلاهُكُم إلاهٌ وّاحِدٌ لّا إِلاهَ إِلّا هُوَ الرَّحمانُ الرَّحيمُ (163)
كيف يتفق ما سبق هذه الآية مع كون الله «هُوَ الرَّحمانُ الرَّحيمُ»، فأين الرحمة من العذاب الخالد في نار جهنم لكل من لم ينطق بـ «أَشهَدُ أَلّا إِلـاـهَ إِلَّا اللهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَّسولُ اللهِ»، حتى لو آمن بالأولى أعمق وأنقى الإيمان وشهد بها، لا تشفع له دون إقراره بالثانية، فهي الأهم عند مؤسس الإسلام.
إِنَّ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَالفُلكِ الَّتي تَجري فِي البَحرِ بِما يَنفَعُ النّاسَ وَما أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِن مّاءٍ فَأَحيا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِها وَبَثَّ فيها مِن كُلِّ دابَّةٍ وَّتَصريفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ لَآياتٍ لِّقَومٍ يَّعقِلونَ (164)
إن كل ذلك لآيات وأدلة للكثير من الناس على وجود الخالق المبدع المتقن، واليوم اطلع الإنسان على الكون بما لا يقارن بمعلومات الإنسان عنه وقت نزول أو تأليف القرآن، فالذي يطلع على ما توصل إليه العلم فيما يتعلق بولادة الكون منذ الانفجار الكبير، يجد الله، يجد ذلك الخالق القدير الحكيم المبدع المتقن، لكن القول بأنها «آياتٌ لِّقَومٍ يَّعقِلونَ»، يعني نفي العقل عمن لا يؤمن، والواقع ينفي ذلك، بل يرينا أن الكثيرين من ذوي العقول الفذّة والنتاجات العلمية المدهشة لا يؤمنون بالخالق، بل لهم تفسيرهم العلمي لولادة الكون وتطوره وتوسعه. فمن الصعب جدا وصف هؤلاء بأنهم «قَومٌ لّا يَعقِلونَ». أفلا يعلم الخالق العليم بخلقه أن من الذين لا يؤمنون، والذي ينعتهم القرآن المنسوب إليه بـ«الَّذينَ كَفَروا» هم من ذوي العقول، وليسوا «قَومًا لّا يَعقِلونَ»، وهم من ذوي العلوم، وليسوا «قَومًا لّا يَعلَمونَ»، وأن منهم من يناضل من أجل العدالة ويدافع عن المظلومين، من أي دين كانوا، وليسوا «قَومًا ظالِمينَ»، وألا يعلم الخالق العليم بخلقه أن الكثير من «الَّذينَ آمَنوا» هم «قَومٌ لّا يَعقِلونَ»، ومنهم من هم «قَومٌ لّا يَعلَمونَ»، ومنهم الذين «يُفسِدونَ فِي الأَرضِ وَيَسفِكونَ الدِّماءَ». لا ريب إن الله عليم بأحوال الناس، وإنما يدخل بعدله وإحسانه ورحمته «الَّذينَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ»، سواء «الَّذينَ آمَنوا»، مع إيمانهم بدين ما، أو آمنوا به دون الإيمان بأي دين، أو من الذين لم يؤمنوا أي «الَّذينَ كَفَروا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ»، وليس فقط «الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ»، و«الَّذينَ آمَنوا» به وإن كانوا من «الَّذينَ كَفَروا» بنبيه ورسوله، إن كان هناك ثمة نبي ورسول؛ كل أولئك ممن يوجب عدل الله وتوجب رحمته أن يدخلهم فيما أعد من ثواب ونعيم للمحسنين، وللصالحين، بقطع النظر عما اقتنعت به عقولهم، وما لم تقتنع به، لأن الاقتناع وعدم القدرة على الاقتناع أمران جبريان على الأعم الأغلب، ويمتنع على الله أن يعذب مخلوقيه من البشر على أمر غير اختياري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت