الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاشة كان السينمائي - إسقاطات سياسة على الفيلم الروسي- زوجة تشايكوفسكي -

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2022 / 5 / 30
الادب والفن


شاشة كان السينمائي
إسقاطات سياسة على الفيلم الروسي" زوجة تشايكوفسكي "

علي المسعود

أثار الفيلم الروسي "زوجة تشايكوفسكي" للمخرج كيريل سيريبنيكوف، الذي عاد إلى المهرجان شخصيًا هذا العام وشارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان السينمائي الدولى فى دورته الخامسة والسبعين جدلا واسعا، بعد قبوله في المسابقة على أساس أنه لم ينل أي دعم أو تمويل روسي، ولكون مخرجه معارض روسي ، وسبق وان تم القبض عليه ووجهت إليه تهمة اختلاس أموال عامة وحُكم عليه في يونيو 2020 بالسجن مع وقف التنفيذ ، قضى ما يقرب من عامين تحت الإقامة الجبرية في موسكو ، لكن المخرج المنشق كيريل سيريبرينكوف - أطلق سراحه حديثًا من إقامته الجبرية التي أمر بها بوتين ، وبالتالي تجنب عقوبة السجن 6 سنوات التي طالب بها الادعاء ، ويعيش منذ إطلاق سراحه في المنفى في ألمانيا.
بينما يتبنى المهرجان موقفًا واضحًا تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا، فإنه استثنى هذا الفيلم الروسي من المقاطعة، نظرًا لكون مخرجه معارضًا للحرب . في حالات مثل هذه عادة ما تُطرح التساؤلات حول إذا ما كان مستوى الفيلم هو السبب في تواجده في المسابقة أم موقف المخرج السياسي . "زوجة تشايكوفسكي" الفيلم تدور حكايته حول الملحن الشهير تشايكوفسكي مع الشابة الجميلة والثرية "أنتونينا ميليوكوفا" التي تزوجها لإخفاء مثليته الجنسية . وسبق وان نقل حكاية الملحن الشهير (جايكوفسكي) وعلاقته مع (لأنتونينا ميليوكوفا ) الى السينما ، في الفيلم البريطاني "عشاق الموسيقى " عام 1971 من إخراج كين راسل ، وكانا كل من ريتشارد تشامبرلين وجليندا جاكسون يلعبان دور الزوجين المعذبين . بالإضافة إلى فيلم سوفياتي لإيغور تالانكين عن سيرة تشايكوفسكي في عام 1969 . حيث تلقى ترحيباً حاراً لدراما القرن التاسع عشر . الفيلم أمام تجربة إنسانية بين امرأة عاشقة بشكل هستيري واعمى للموسيقار الروسي تشايكوفسكى وتعانى كثيرا من اللامبالاة والأهمال العاطفى والجسدى ، تبادر هي للاعتراف بحبها وتسعى وراء من تحب ، ثم تسعى بكل الطرق لتوفير المال المطلوب لإتمام الزواج، ولا تتنازل عن زوجها مهما كلفها الأمر ، مع ملاحظة تنويه المخرج الى واقع حال المرأة في القرن 19 حين عند أشارة المخرج في بداية الفيلم إلى أن المرأة آنذاك لم تكن تملك الكثير من الحقوق، مثل التصويت في الانتخابات ، أو في جواز السفر كانت تُضاف على جواز زوجها. لكننا سريعًا ما نجد أننا أمام نموذج مختلف للمرأة في هذا العصر ،
في فيلم المخرج " سيريبنيكوف" وهو صاحب موهبة كبيرة، تتكرس فيلماً بعد فيلم، كأحد الأصوات المهمة في السينما الروسية المعاصرة، يضعنا في قلب هذا الاضطراب العاطفي وهذه العاصفة الهوجاء مستخدماً لغة سينمائية وجمالية رهيبة. ستصمد في ذاكرتنا لفترة طويلة، وكلها تدور حول أنتونينا ومعاناتها في الإذعان إلى واقع ليس حقيقياً، واقع يعيش ويتطور في ذهنها ، يمكن القول بأن زواج الملحن الروسي العظيم "بيوتر إيليتش تشايكوفسكي" أنتونينا ميليوكوفا في القرن التاسع عشر كان بمثابة كارثة بكل معنى الكلمة . الفيلم سيناريو واخراج الروسي كيريل سيريبرنيكوف . أليونا ميخائيلوفا البالغة من العمر 26 عامًا مذهلة للغاية في دورها الرئيسي أنتونينا. إنها تسد الثغرات غير المنطقية في شخصيتها بذكاء ، من حالات اليائس والهشاشة المدمرة للذات ، كل هذه المشاعر وأكثر لن تصل إلى المشاهد إلا من خلال التمثيل والأداء المتميزين لإبطال الفيلم وخاصة الممثلة الروسية اليونا ميليكوفا التى جسدت شخصية الزوجة العاشقة بجنون لزوجها . أما الملحن تشايكوفسكي الذي يفضل رفقة الرجال تم تصويره على أنه عبقري مضطرب وذو كاريزماتي ، وتننفيذه رغبة الشابة الثرية في الزواج طمعاً بالمال وحلاً لمعاتاته .
إفتتاحية الفيلم في موسكو وبالرجوع إلى عام 1872 ، نجد تشايكوفسكي يلعب الممثل " أودين لوند بيرون" دوره كرجل مهذب و أنيق ، وهو نجمًا صاعدًا في المشهد الكلاسيكي الروسي ، وأنتونينا طالبة مغرمة ومفتونة به وبشكل جنوني تمامًا ، في محاولة يائسة للتعرف النجم الصاعد (تشايكوفسكي) تشتري دليلاً لكتابة رسائل الحب ، وتتتبع عنوانه الشخصي ، وتقنعه بزيارتها في غرفتها التي يتم ترتيبها وتنظيفها مسبقًا . تشبه المراحل المبكرة من علاقتهما بالمزحة . أنتونينا ميليوكوفا امرأة شابة جميلة ومشرقة ، ولدت في الطبقة الأرستقراطية في القرن التاسع عشر في روسيا. يمكن أن يكون لديها أي شيء تريده ، ومع ذلك فإن هوسها الوحيد هو الزواج من بيوتر تشايكوفسكي الذي يقابل ذالك الهوس بالتجاهل . ومع ذلك ، إستمرت في محاولاتها وأرسلت له رسالة حب ، وأوضحت له أنها حصلت على مهر قدره 10000 روبل سيأتي من بيع البعض من أرض الغابات التي تمتلكها عائلتها . أولا ، تشايكوفسكي يغريه المال ويغريه صدق حبها وإفتتانها به ، تهدد أنتونينا بالقتل إذا لم يتزوجها ، ويزداد هوسها وافتتانها بالتملك . وافق الملحن أخيرًا على هذا الارتباط ، بعد أن عرض عليها "حب الأخ" في مقابل خاتم الزواج . يبدو أن تشايكوفسكي لم يحب امرأة في حياته أبدًا (هذا صحيح ، لكنه لم يذكر السبب) . في مراسيم محدودة غابت فيها الفرحة تم الزواج ، وكما وصفته أختها بأنها( تشعر وكأنها جنازة أكثر من كونها حفل زفاف) .
ومنذ البداية ، يكشف عن هذا الاتحاد بأنه محكوم عليه بالفشل . وقد أثر على أبداع الملحن تشايكوفسكي ووجد نفسه مغمورًا بالقلق وغير قادر على التأليف . الزواج لا يساعده على الابداع بل يجره إلى ألانحدار . ولذا لم يقترب من زوجته أنتونينا أبدًا وحتى لاينام معها ، عندما تأخذ الأمر على عاتقها ، تلهث برغبة وهي تقترب منه في السرير فأنه يتراجع عنها وهو في حالة من الرعب . لا يوجد فيه أي تفاهم وأي شكل من أشكال الرومانسية ، علماً أن المخرج قرر إحاطة القصة بقدر هائل من الحب والعناية والشاعرية في تجسيده لمسألة نفسية وعاطفية معقدة . تكمن المشكلة في أنه حتى لو ذهب المشاهد إلى عدم معرفة أن تشايكوفسكي (الذي يؤديه أودين بيرون) كان مثليًا ، وبالتالي فإن فكرة الزواج من امرأة بأكملها يمكن أن تكون مجرد مهزلة كاملة ، الفيلم لا يخلق أبدًا أي توتر دائم بين الزوج والزوجة - أو بين أنطونينا وأي شخص آخر تتعامل معه ، بما في ذلك محامي الطلاق الذي بدأت معه علاقة مسيئة بعد انهيار الزواج ، ينوه المخرج في مطلعه أنه ينقل الأجواء التي كانت سائدة في روسيا في نهاية القرن التاسع عشر، لا سيما في ما يختص شروط عيش المرأة المتزوجة دينياً، والمعاناة التي كانت في انتظارها إذا قررت الطلاق. مع ذلك لا يحمل الفيلم نفساً نسوياً ولا يركب موجة الانتصار للمرأة . فيلم "زوجة تشايكوفسكي" رسم صورة لأنتونينا ميليوكوفا (أيلونا ميخايلوفا) التي تزوجت بيوتر إيليتش تشايكوفسكي (أودين بيرون) لثلاثة أشهر، بعد وقوعها في غرامه بالرغم من مثليته الجنسية. هي شابة شديدة التدين تدرس الموسيقى، وهو فنان مشهور ينبذ العلاقات الاجتماعية. الفيلم يصوّر تفاصيل هذا الزواج الكارثي بينهما . العذاب" هي بالتأكيد الكلمة االمناسبة التي تصف زوجة تشايكوفسكي والتي تصور العلاقات الأكثر جنونا والمرهقة من وجهة نظر أنتونينا ، حتى عندما تزداد جنونها بمرور السنين .
تتميز السيرة الذاتية التي تبلغ مدتها ساعتان أو أكثر درامية ، ببعض المشاهد التي تقابل فيها الرومانسية لموسيقى تشايكوفسكي بحركات الكاميرا المتدفقة التي تلتقط الحركة في تابلوهات مرتبة ببراعة . المخرج سيريبرينكوف غزير الإنتاج يقود طاقم الممثلين ، تصدرته ألينا ميخائيلوفا في دور أنتونينا ، مع الممثل المسرحي اودين بيرون بدور بيوتر إليتش جايكوفسكي هوممثل اميركي(المولود في مينيسوتا) يعيش في موسكو ، اشتهر في روسيا بلعب شخصية الدكتور فيل ريتشاردز في المسرحية الهزلية الطبية الشهير ( المتدربون ) ، وهو أيضًا من الناحية الفنية فيلم جيد من حيث الأداء والالوان والازياء، بما في ذلك التصوير الرائع الذي قام به "فلاديسلاف أوبيليانتس" . يلتقط المخرج الألم في لقطات طويلة ومتواصلة ، الكاميرا تدور مع تغير النهار إلى الليل وتزداد حياة أنتونينا سوءًا ، في منزل ريفي خارج كييف ، حيث تتلقى رسالة يحاول فيها الملحن التخلص منها نهائيًا ، تم تصويره جزئيًا بواسطة ضوء الشموع ويشبه لوحة مفصلة من القرن التاسع عشر في استخدامها للون والظل والفضاء . المخرج "كيريل سيريبرينيكوف " وهو أحد أبرز رموز الثقافة في بلاده ، في هذا الفيلم يتعقّب التراث الروسي السينمائي، تراث لا يخلو من شاعرية وتفكيك خفايا الطبيعة البشرية بشغف وإصرار، وبضربات متتالية على وتر المشاعر. لدرجة أن إيجاد أفلام تنافس "زوجة تشايكوفسكي" في صناعة مثل هذه الروعة، تحدّ في ذاته . برأي بشكل مخيب للآمال تمامًا ، فشل الفيلم فقط في التركيز بشكل مباشر على قدرات تشايكوفسكي الموسيقية. وأكتفى بالتمسك بحكاية أنتونينا ، التي أمضت بضعة أشهر فقط بجانب الملحن العبقري قبل أن تصاب بانهيار عصبي ومن ثم تهرب ، لم تتح للمخرج أبدًا الفرصة للكشف عن عبقرية " تشايكوفسكي " الحقيقية ، مشهد أفضل يحدث في منتصف الفيلم ، عندما تركت أنتونينا زوجها في محطة قطار لما قد يكون آخر مرة ، لأنهما لم يبقيا بعدها معًا على الإطلاق. تتبعها الكاميرا ذهابًا وإيابًا عبر المنصة ، ثم داخل المحطة ، حيث نرى مجموعة من الجنود تنعكس صورتهم على النافذة ، ومن الواضح أن أحدهم ينجذب إلى العروس الشابة . للحظة ، نلقي نظرة على ما كانت عليه حياة أنطونينا لو لم تتمسك برجل أفلت منها إلى الأبد ، وختم على روحها بالخراب . لحظة اللقاء الأول الذي يتحول حباً وهوساً من جانبها، حتى المشهد الذي ستبوح فيه بأسرار فؤادها، وصولاً إلى الفقدان التدريجي لعقلها ووعيها.
في عام 1893 ، توفي تشايكوفسكي بسبب الكوليرا ، وتحاول الأرملة التي "عبدته" شق طريقها عبر جحافل المعزين الذين أتوا لتقديم احترامهم النهائي. عندما وصلت أخيرًا إلى نعشه - ودفعت عبر حشد من الناس ، تشق طريقها إلى الطابق الثاني ، وفجاءةً قفز الملحن من نعشه وطالب زوجته بمغادرة الغرفة. "ما هو الهدف من هذا المشهد ومن هذه الكوميديا التراجيدية ؟! . تنبع صدمة أنتونينا من حقيقة أن زوجها الراحل على قيد الحياة الآن ، بل من المفاجأة أنه غير سعيد برؤيتها .
فيلم "زوجة تشايكوفسكي" للمخرج كيريل سيريبرينكوف هو الفيلم الوحيد الذي يدخله مخرج روسي في مهرجان كان لعام 2022 وقد تحدث المخرج الروسي المنفي كيريل سيريبنيكوف عن الحرب في أوكرانيا بعد العرض الأول لفيلمه" زوجة تشايكوفسكي " في مهرجان كان السينمائي يوم الأربعاء 18 مايو . أدان المخرج المنفى كيريل سيريبنيكوف، الحرب الروسية على أوكرانيا في كلمته عقب عرض فيلمه "زوجة تشايكوفسكي، في مشهد مؤثر، بكى المخرج الروسي كيريل سيريبنيكوف عقب عرض فيلمه ـ وقال المخرج الروسي : " إن الثقافة قادرة على وقف الحرب، مؤكدا على اقتراب نهايتها وأن العالم سيعيش في سلام"، رافعا شعار "لا للحرب" . وبخصوص فيلمه قال مخرج الفيلم كيريل سيريبنيكوف خلال المؤتمر الصحفي " إن الفيلم تجربة مهمة بالنسبة له، واستغرقت قصته وقتا طويلا في تطوير تفاصيلها الدرامية".
المخرج وهو كاتب السيناريو سيريبـريـنـيكوف لا يقدم لنا تشايكوفسكي وإبداعاته ومسيرته الفنية ، لكنه يقدم لنا زوجته، ومن خلالها نتعرف على بعض التفاصيل عن هذا الموسيقار . يقول المخرج شارحاً: "في روسيا، تشايكوفسكي قامة كبيرة لم تتعذب ولم تعش حياة شخصية . حياته الشخصية بقيت مجهولة لدى الروس كافة". يمكن أن نسقط على الفيلم قراءات سياسية عدة، فهو في الختام استعارة للسلطة. هناك مَن يرى أن العلاقة بين الزوجين شبيهة إلى حد بعيد بعلاقة روسيا بشعبها ، فهي علاقة قوة لا تطمح إلا للإستعباد" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا