الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طواحين الشرق السياسية بلا دقيق.

مظهر محمد صالح

2022 / 5 / 30
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


1- تمهيد :
هالني ما يكتبه المفكر السياسي العراقي الكبير ابراهيم العبادي في اعمدة اسبوعية تتصدر النشر الوطني العراقي وهي تلهب ذاكرتي التي اشبعت بعلم الاقتصاد السياسي على مدار نصف قرن ونيف من ازمنة الشرق بسجونها ومعتقلاتها وحروبها وصراعاتها وانتهاء بديمقراطيتها المنغمسة بعقدتي الغلبة والغنيمة في الدولة الموازية. فغالباً ما تقودني تلك الكتابات التي يتناولها الكاتب الكبير في اسبوعيته المعهودة كي اترك قلم الاقتصاد الداكن واخط بقلمي شييء من الاجتماع السياسي الشديد التلون وانا اتامل عبق ما يكتبه ابراهيم العبادي بنسق فكري وحجية منطقية تدخل القلب قبل العقل ، وتتسع في الوقت نفسه مداركها الحيوية لتحمل على كفيها لعبة الشرق كله في طبق (الاجتماع السياسي )كي ارسم خرائطي المشرقية في تتبع مستقبل النظام السياسي الذي يحاكي الحياة الديمقراطية الفتية كبنية فوقية مازالت ماضوية تتخبط حول حدود مستقبلها.

2-النفط افيون السياسة .
امسى العامل الخارجي ،كمتغير (مباشر )في ادارة نواقص السيادة وفك الانسداد السياسي في بلادنا (بكونه سياق خضعت له الدورات الانتخابية الماضية ) متغيراً غائبًا الى حد ما او متغيرا (غير مباشر ) بعد ان استبدل اولوياته صوب الصراع على حافات الجغرافيا السياسية لاوروبا شرقا واهمال كيانات تخوض في نواقص سيادتها وتطلب مساعدة من ينتشلها . فما يهم العامل الخارجي في القضية السياسية الداخلية اليوم في بلادنا هو ضمان التدفق المستمر للسلعة الستراتيجية السياسية وهو النفط الخام. ومقابل ذلك فان تكاثر الايرادات النفطية سيغدو (افيون العراق السياسي الداخلي في قبول الانسداد الى اجل غير مسمى او بلوغ وليد دولة هجينة التكوين ) .وسيظل التماهي مع العامل الخارجي شبه الغائب لهاثاً بلا امل طالما ان طاقة التصدير النفطي تعمل باقصاها في تشغيل دواليب العالم الصناعي .فضمان تدفق النفط هو الدور الوحيد المصمم لها اليوم ( خارجيا) وتوفير عوائد ريعية عالية يتم التصارع على تقاسمها دون فقدان القدرة على سد فاتورة الغذاء وهو الدور الوحيد (الداخلي ) المسموح لها من حيث الاهمية النظمية . فاسعار النفط والامن الغذائي هما في معادلة متوازنة خارجية تختزل الانسداد وتذهب به الى مرحلة النسيان وتعلقه الى امد غير محدود في اولويات الفاعل الخارجي. وهكذا فان الانسداد السياسي في ظل استبدال اولويات المتغير الخارجي سيجعل من العسير بلوغ التشكيل الديمقراطي المنشود الذي ارتهن اليوم معلقاً على فوهة براميل النفط المصدر لاستدامة دواليب الصراع بين دول الشرق والغرب.

3- التجانس السياسي و الضد النوعي.
ستبقى اصعب التجانسات السياسية هي داخل الطيف الديني او المذهبي او القومي الواحد واسهلها تجانسا عندما تقسم المصالح السياسية بين المشارب ذات النوع المكوناتي السياسي الضدي .فالتصلب في درجات الانسجام من عدمها يعود الى عقدة التسيد او التفرد في الزعامة القبلية احيانا والروحانية احياناً اخرى او الاثنين معا في المعادلة المجتمعية المشرقية . فالتوازن بين القبائل المنفصلة في المعتقدات والاصول لبلوغ التفاهمات السياسية وادارة توازناتها في الديمقراطية الشرقية هي اكثر يسراً من التفاهمات الذاتية التي يتزعمها نوع ديني او مذهبي او قومي واحد متصلب في عقدة الزعامة القبيلية او الزعامة الروحانية …. فهي واحدة من اخطر مشكلات ممارسة الحياة الديمقراطية بعقدها الشرقية وسيادة قيم ما قبل الدولة .فعندما تغلب المعتقدية وعقدة التفوق والجذر القبلي فانها ستوفر مجتمعةً سايكولوجيا سياسية هي ( التَسيُد الروحي او الاصولي )على النوع العرقي او المذهبي او القومي الواحد نفسه دون تنازل .وهكذا تبقى الديمقراطية المشرقية بحاجة ماسة الى ممارسات طويلة وتطبيقات عميقة داخل افرع الشجرة المذهبية او القومية السياسية الواحدة حتى تتخلى عن (هيراركياتها )الاحادية الموروثة في الفردانية و قبل ولوج المجتمع الديمقراطي التعددي وتوازناته وحتى قبل قبول الاخر من الضد السياسي النوعي .
4- محاكاة الديمقراطية المشرقية الموازية لنموذج ( فيمار).

في مجتمع تؤدي فيه الدولة الموازية دورها الفاعل بقيادات مستبدة متشرثمه عبر سلطات التوازي ،هو الانموذج المشرقي الذي يحاكي انموذج فيمار في المانيا التي مهدت لولادة النازية في الغرب ولكن بلباس دولة الغنيمة والقبيلة والعقيدة والتمسك بالغلبة في الشرق .اذ تقاد الدولة الموازية بقوى محركة شديدة الاستبداد وتعد الفاعل الجوهري والزاحف للبديل الديمقراطي وولادة المستبد كي يُعبد صنماً سياسيا في بلاد تمتلك الاستعداد لقبول المولود الجديد جراء مراس الدولة الموازية وغلبتها على مشاعر امه لم تفهم من ادارة الدولة الديمقراطية الا القدرة على الانفلات من شروط التنمية الديمقراطية نفسها و الاستقطاب في حواضن الدولة الموازية التي تستظل بالاستبداد والنفوذ المجتمعي والعشائري والمناطقي والاولغارشي. فاذا خرجت المانيا النازية بشخص واحد مستبد قادها الى الهزيمة فبلادنا مرشحة باكثر من مستبد يقودها الى تفكيك الدولة الرسمية الواحدة وخلق دويلات الطوائف باكثر من مستبد. فلامناص من الحفاظ على هذه الديمقراطية وإعادة لحمتها .فالمستبد القادم سيقود اجزاء من دولة رسمية مفككة لا سامح الله.
فلبنان على سبيل المثال تتحول من دويلة الطوائف الديمقراطية الى دويلة الدكتاتوريات الطائفية .
فلا ادري كيف افسر الانفصام الديمقراطي التناحري الراهن … فالحنين لدكتاتور يقمع الاخر بالاخر بات خلاص تلك الديمقراطيات التي خذلت جماهيرها بحزمة سياسية بائسة احلاها هي العيش فقرا وعوزا ومستقبل مجهول شديد التفكك.
فالتعددية الديمقراطية المتناحرة ولدت زعامات متناحرة في القبيلة الواحدة سياسياً .فاخطر ما بالفشل الديمقراطي هو ولادة دكتاتور على راس كل مجموعة ديمقراطية فاشلة…. (فالنظام الديمقراطي التعددي الهش ) انتهى الى تجمعات مخذولة هشة يتزعمهم (دكتاتور ) هو رمز قوتهم وقهرهم وحامل عبء معول التفكيك لاواصر ما بعد الديمقراطية.
انها لبنان باتت دويلة الدكتاتوريات الطائفية والعرقية بدلا من دولة الطوائف الديمقراطية وهو النموذج القبلي الاسوء في سُلم التفكك الذي تتسلقه ديمقراطيات شرق المتوسط .
5- طواحين المشرق السياسية تبحث عن (دنكشوت ).
لم اكن اعرف ان رواية الكاتب الاسباني ثيربانتس 1547-1616 ميلاديةحول العبقري الفارس (( دنكشوت)) الذي حارب طواحين الهواء بسيفه قد تاثرت بالرواية العربية الاندلسية من الفرسان الجوالين كعنترة بن ابي شداد وغيره… ليحصد دنكشوت فخرا واهما ومجدا حصيلته مقارعة طواحين الهواء باوهام القوة التي احرزها ذلك الفارس الخيالي .
فالدنكشوتيه المشرقية في العصر الرقمي الراهن قد تلونت سيوفها بالوان باهتة ، فكل لون يدعي دنكشوتيه سيريالية متميزة عن الاخر لبلوغ اهداف الماضي فحسب .فمازالت
طواحين الشرق تدور بسعادة في رياح الماضي ولا تمتد الى الحاضر او المستقبل وهي تطحن اللاشيء من الدقيق .
فعبر عقدين مضافين من عقود التنمية الاربع الضائعة لم تخرج بلد ما ببن النهرين من ثوب دنكشوتيتها التي رسمتها جداول اعمال كرست الكلفة العالية دون العائد حتى وان كان فخرا كاذباً لتحصد الخسارة دون محصلة اسمها الربح في عصر رقمي شديد الاندفاع نحو المستقبل . فالربح الوحيد الذي جنته امتنا المشرقية هو الانتصار على طواحين الهواء التي بداءت هذه المرة تدور عكس عقارب ساعاتنا وهي تمزق اللاشي من دقيق تذروه رياح الماضي . انها قصة التنمية الضائعة في دهاليز الشرق بين (دنكشوتية )الماضي وظلام المستقبل.
(( انتهى)).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة