الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين القضايا الاستراتيجية في القطب الشمالي والتوترات الجيوسياسية في منطقة البلطيق 3

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 5 / 31
العولمة وتطورات العالم المعاصر


منطقة القطب الشمالي: فضاء التعبير عن التحديات الاستراتيجية لبلدان الشمال


بسبب العلاقات الوثيقة بين منطقتي القطب الشمالي والبلطيق ، امتدت التوترات الإقليمية بين روسيا والغرب إلى المناطق القطبية ، لا سيما في المجالات الأمنية والعسكرية. ومع ذلك ، على عكس منطقة البلطيق ، فالتوترات هناك تعتبر منخفضة الحدة. لا يُنظر إلى المنطقة على أنها بؤرة محتملة للمواجهة العسكرية المباشرة ، لكنها يمكن أن تشكل مسرحًا للمواجهة في حالة اندلاع صراع روسي غربي في مكان آخر من العالم.

المصالح الاستراتيجية الروسية في القطب الشمالي في مواجهة وجود حلف الناتو

على الرغم من تدهور علاقاتها مع الدول الغربية والقيود الاقتصادية التي تحد من قدرتها على العمل ، تواصل روسيا عرض سياسة طموحة في منطقة القطب الشمالي من خلال تنفيذ استراتيجيات إنمائية متماسكة. إن إعادة عسكرة حدودها القطبية الشمالية وتطوير شبه "جزيرة يامال" - Yamal - يشهدان على هذا الرهان ، من بين أمور أخرى. فعلى الصعيد الدولي ، تعتبر روسيا منطقة القطب الشمالي وسيلة لإعادة تأكيد هيبتها ومكانتها كقوة عظمى. وتحقيقا لهذه الغاية ، ظلت تعلن أنها تفضل الحوار والتعاون الدولي على المواجهة ، وهو تناقض ملحوظ مع الوضع في منطقة البلطيق. لذلك ، فإن موقفها العسكري الإقليمي قد أكثر دفاعية منه هجوميًا على الصعيد الكلامي، على الرغم من أنه ينطوي أيضًا على مخاطر التصعيد. في الوقت الحالي ، ترتبط المخاطر الأمنية في منطقة القطب الشمالي بشكل أساسي بتصاعد التوترات بين حلف الناتو وروسيا في سياقات أخرى ، لا سيما الأزمة الأوكرانية.

منذ استعادة السيطرة على وجودها العسكري في القطب الشمالي في عام 2007 ، أعادت موسكو إطلاق دوريات قاذفاتها الاستراتيجية على حدود الناتو. وتقوم القاذفات التاكتيكية - Su-34 - المضادة للسفن وطائرات - MiG-31- الاعتراضية بدوريات منتظمة على حدود الدول الأعضاء في الناتو. وفي مايو 2010 ، طاردت أربع طائرات تابعة للناتو ، وطائرتان من طراز- F-16 Flighting Falcons من القوات الجوية النرويجية واثنتان من طراز Tornados القوات الجوية الملكية ، قاذفتان روسيتان استراتيجيتان من طراز- Tu-160 - كانتا تقومان بمهمة استطلاع ومراقبة القطب الشمالي والمحيط الأطلسي. و في 14 فبراير 2018 ، دخلت 11 طائرة مقاتلة روسية من طراز - Su-24 - في تشكيلات قتالية لمحاكاة هجوم على رادارات - Vardø - التي تمولها الولايات المتحدة في الأراضي النرويجية.
وحسب الخبراء في الاستراتيجية أن الناتو برز – بشكل واضح- كمرشح طبيعي لتوفير الهيكل الأمني الذي يحتاجه القطب الشمالي. فأعضاء الناتو يغطون نصف - 50٪ - منطقة القطب الشمالي ، كما أن أربعة من الدول الخمس التي لها ساحل قطبي أعضاء فيه. ويشارك الحلف في التدريبات العسكرية في القطب الشمالي ، والتي لا تشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي ولكنها تساهم في تصاعد التوترات والتصعيد المحتمل للنزاع.

وبالتالي ، فإن إعادة "عسكرة" المنطقة القطبية الشمالية وتسليحها من طرف روسيا، يظل جزءًا من مفهوم " الدفاعي الأساسي" ، لكنه يهدف علنًا إلى ردع المحاولات المحتملة للتأثير على الدول المجاورة، وجميعها أعضاء في حلف الناتو.
تزايد العسكرة واستعراض القوة الجوية.

فهناك تحدد أربع قضايا رئيسية تحدد أهمية منطقة القطب الشمالي:

- تعديل الطرق البحرية بسبب الاحتباس الحراري ،
- الاهتمام المتزايد بالموارد ،
- التنازع على الحدود الإقليمية ،
- رد فعل روسيا على وجود الناتو.

في الواقع ، إن القطب الشمالي منطقة نمت أهميتها الاستراتيجية فيما يتعلق بذوبان الجليد الناجم عن تغير المناخ ، ضمن رؤية إنشاء طرق جديدة صالحة للملاحة بين القطب الشمالي والمحيط الهادئ. ومع ذلك ، فإن جاذبية القطب الشمالي الحالية لا تقتصر على هذه الممرات المائية الجديدة ذات الأهمية التجارية والسياحية والعسكرية. تطالب فروسيا وكندا والدنمارك والنرويج تطالب بتلال "لومونوسوف" - Lomonosov Ridge - وهي سلسلة جبلية تحت البحر تعبر القطب الشمالي الجغرافي ومن المحتمل أن توفر إمكانية الوصول إلى موارد الطاقة الهائلة. ومع وجود أكثر من 80٪ من منطقتها الاقتصادية الخالصة (EEZ) الواقعة ضمن الدائرة القطبية الشمالية ، تعد النرويج لاعبًا رئيسيًا في الحفاظ على السلام والاستقرار والأمن في الشمال. في حين أنها الدولة الوحيدة في حلف الناتو التي تشترك في الحدود البرية والبحرية معا مع روسيا ، وبالتالي فإن أراضيها ضرورية للمراقبة والاستخبارات والوجود العسكري الاستراتيجي في القطب الشمالي.

كما أن روسيا يجب أن تحتفظ بالسيطرة على أحد معاقلها الاستراتيجية الرئيسية التي تغطي المنطقة الغربية من القطب الشمالي ، وشبه جزيرة "كولا" ، وحدود بحر "بارنتس" – Barents - والبحر الأبيض ، حتى "نقطة الاختناق" في - GIUK Gap. وتعد شبه جزيرة "كولا" موطنا لترسانة الدفاع الروسية المضادة للطائرات والسفن (أنظمة الدفاع المتنقلة طويلة المدى - S-300 و S-400 - أو متوسطة المدى - P-800 Oniks و Kalibr-NK.

قررت روسيا بناء عشر محطات رادار للدفاع الجوي وأعلنت عن رغبتها تثبيت صواريخ - إس 400 -المضادة للطائرات في أرخبيل "نوفايا زيمليا" - Novaya Zemlya - وفي ميناء "تيكسي". ومنذ سنة 2014 ، أعادت روسيا فتح 14 قاعدة جوية (معظمها كان خارج الخدمة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي) ، بما في ذلك ست قواعد عسكرية جديدة على طول طريق البحر الشمالي. ومنها ثلاثة مستقلة تمامًا ومجهزة بصواريخ طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى. أما القاعدة الرئيسية هي قاعدة "ناغورسكوي" - Nagourskoye - الجوية ، وهي منشأة عسكرية في أقصى شمال العالم. ومنذ سنة 2015 ، يمكن لأرخبيل "فرانسوا جوزيف" - François-Joseph - أن يستوعب المباني الجديدة لاحتضان طائرات - ميج 31 و سو 34 - مما سيجعل السواحل الأمريكية في متناول القاذفات الروسية. كما تم تشغيل قاعدة -Temp- ، في جزيرة - Kotelny- ، منذ سنة 2015 لاستيعاب الطائرات ذات الجسم العريض مثل -Ilyushin Il-76 - ، كما هو الحال مع - Rogachevo - ، في أرخبيل - Novaya Zemlya. أما القواعد الأخرى في - Cape Schmidt- و –Zvyodny- في جزيرة "Wrangel" فهي قيد الانتهاء. إن العديد من هذه القواعد الجوية قادرة على نشر طائرات القاذفات مثل - Tu-95MS - و Tu-160 - خارج القطب الشمالي و في السواحل الأوروبية. وفي نهاية سنة 2017 ، أعلن وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويغو" - Sergueï Choïgou - أن عملية إنشاء البنية التحتية العسكرية في القطب الشمالي "اكتملت تقريبًا".
من الواضح أن قاعدتي القوات الجوية الأمريكية في "ألاسكا وثول" – Alaska ، Thulé- في "جرينلاند" - Groenland - وهما أقل استعدادًا بكثير للقضايا الاستراتيجية في القطب الشمالي - هما القاعدتان الجويتان الأمريكيتان الوحيدتان في منطقة القطب الشمالي. وتم دمجهما معا في نظام الدفاع العالمي ضد الصواريخ الباليستية (BMDS) التابع للولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك ، تشارك قاعدة "ثول" الجوية في نظام الإنذار المبكر الباليستي (BMWES) ، والذي يوفر التحكم بالأقمار الصناعية والتعرف على الظروف الفضائية في القطب الشمالي. وحافظت الولايات المتحدة وكندا على نظام الإنذار المبكر الخاص بهما تحت قيادة موحدة: قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية (NORAD). في هذا السياق ، وجب على حلف الناتو التصرف بحذر وواقعية وضبط النفس لحماية مصالحه الأساسية في القطب الشمالي وإدارة المنافسة مع روسيا بعناية لتجنب العواقب المزعزعة للاستقرار.

من جانبها – في نطاق مواجهة العسكرة المتزايدة للقطب الشمالي من قبل موسكو - وجب على دول الشمال الأوروبي تعزيز التعاون مع حلف الناتو والولايات المتحدة. إن محاكاة الهجمات وانتهاك المجال الجوي والمخارج الاستراتيجية المتعددة هي اليوم مجرد استفزازات ، لكنها قد تصبح حقيقة واقعة في المستقبل.

على سبيل الختم

يبدو أن تدهور البيئة الاستراتيجية الذي تسببه روسيا سيظل العامل الرئيسي في السياسات الدفاعية لبلدان الشمال على المدى الطويل. من القطب الشمالي إلى بحر البلطيق ، تنشر موسكو قدرات هجومية ودفاعية مثيرة بشكل خاص ، بما في ذلك بناء وتحديث القواعد الجوية والطائرات والصواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى. في هذا السياق ، حتى لو ظل الشريك الأمريكي مركزيًا ، تمامًا كما يظل نهج حلف الناتو منظمًا لمعظم سياسات الدفاع في بلدان الشمال الأوروبي ، يجب على "التعاون الدفاعي الاسكندنافي" - NORDEFCO - التعبئة وتنظيم خططه للاستجابة عند الحاجة إلى ذلك.
ويرى خبراء الاستراتيجية أنه من خلال التدريب المشترك ، وتجميع المعدات ، وتعزيز التعاون مع الهيئات الدولية الكبرى ، تقدم دول الشمال الآن حلًا جويًا حقيقيًا. هذا مع وجوب الحفاظ على هذه القوة الجوية للسعي وراء مصالحهم ، والدفاع عن أراضيهم ، ومصداقية رد فعلهم على التهديد الروسي.
إن القضايا التي تواجه بلدان الشمال الأوروبي في منطقة البلطيق والقطب الشمالي هي جزء من قضايا أوسع تشمل أوروبا بأكملها. مثل التعاون بين دول الشمال الأوروبي ، يعاني الدفاع الأوروبي من عدم وجود رؤية جيوسياسية مشتركة ، والتي تشكل اليوم عقبة رئيسية أمام الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية. وقد أصاب من قال إن تكتشف أوروبا حاليًا تكتشف أنها في وضع "قزم عسكري" في عالم يعيد التسلح يعود إلى التسلح بضراوة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را