الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن والمدرسة

نورالدين ايت المقدم

2022 / 6 / 1
التربية والتعليم والبحث العلمي


مدخــــــــــل:
تعيش المدرسة العمومية اليوم مجموعة من الاختلالات والإشكالات المرتبطة بالتحديات الراهنة، تحديات العولمة الرقمية، فغالبا ما تتفق أغلب الدراسات المنجزة على أن المدرسة لا تستجيب لمتطلبات عصرها ولا تساير التحولات الاجتماعية والاقتصادية العامة للمجتمع، ما يجعل الفاعل السياسي في موضع تساؤل حول السياسات التربوية الناجعة التي ينبغي نهجها والكفيلة بربط هذه المدرسة بواقعها الاجتماعي والاقتصادي...
ولعل أشكال قضية المدرسة العمومية –بالمغرب- تحديدا هو اشكال تولد وصاحبها منذ الاستقلال وتكرس بالأيديولوجيات المختلفة لكل مرحلة على حدى في ارتباط علائقي بين السياسي والمتقف إن من يريد فهم الإشكال العميق للمدرسة لابد وأن يربطها بتاريخها باعتبارها جهازا أيديولوجيا مؤسساتيا لا يخلو من مفارقة إشكالات العلاقة السابقة، وعموما فالمجتمع المغربي بدأ يعرف مجموعة من الإصلاحات التي تعتبر أساسية، وتهدف إرساء أسس المجتمع الدمقراطي الحديث، خصوصا مع بداية الألفية الثالثة التي حملت وعودا وآمال أنعشت الساحة الحقوقية والثقافية المغربية، لكن سرعان ما تعرض هذا المشروع الطموح للانتكاسية والتراجع بسبب مجموعة من العراقيل الموضوعية والذاتية منها ما هو داخلي وخارجي "ذلك أن كل تلك التحولات الحداثية الناجمة عن اندراج المغرب في بنية النظام العالمي أولا، وعن تحولات المجتمع المغربي الديمغرافية والمورفولوجية، وما تطرحه تلك التحولات من تحديات ثانيا، لم ترافق بتحديد فعلي لمحتوى مؤسسات التنشئة الاجتماعية، للقيم والقواعد والذهنيات والاستعدادات النفسية والفكرية اللاشعورية المنتجة للسلوك الفردي والجماعية،.. وهويتنا الحالية في مرحلة انتقالية تتميز بتراجع القديم تراجعا لا يفقده كل نفوذه وسلطته على النفوس والسلوكات والاختيارات، وبظهور الجديد وتقدمه تقدما لا يقوى معه على تكييف القديم وهضمه واستيعابه والهيمنة عليه" .
ومنه تتزاحم إبدالات الراهن مع إبدالات التقليد، ما يخلق نوعا من الاصطدام وتباين السلوك بين أفراد المجتمع المغربي المركب، هنا تطرح قضية المدرسة كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية وأدوارها التي يجب أن تلعبها في تكوين الفرد وتهذيب الذوق وتحسين السلوك بالتربية على المواطنة والسلوك المدني كقيم إنسانية كونية تراهن عليها سياسية منظومتنا التربوية، فكيف يمكن التفكير في هذه العلاقة اليوم، علاقة المدرسة والقيم، أو بالأحرى ما السبيل الذي سيساهم في ترسيخ ثقافة القيم الجمالية في الناشئة اليوم داخل مدرستنا، نظرا لما يعرفه هذا الجانب من انتكاسية سواء داخل المدرسة كميكرو اجتماعي أو في المجتمع كمكرواجتماعي. ?
 المدرسة لأجل المتعلم:
لاشك أن كل الخطابات التي تهم المدرسة اليوم تجعل من المتعلم في صلب المؤسسة، بل إن هذه المؤسسة خلقت لأجل المتعلم؛ ومن وظائفها تنشئة الناشئة على قيم اجتماعية وطنية وكونية، ولعل هذا الخطاب ترسخ في تقليدنا الوطني منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2000 " ينطلق إصلاح نظام التربية والتكوين من جعل المتعلم بوجه عام، والطفل على الأخص، في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية، وذلك بتوفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصقلوا ملكاتهم، ويكونون متفتحين مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة.
وإن بلوغ هذه الغايات ليقتضي الوعي بتطلعات الأطفال وحاجاتهم البدنية والوجدانية والنفسية والمعرفية والاجتماعية، كما يقتضي في الوقت نفسه نهج السلوك التربوي المنسجم مع هذا الوعي، من الوسط العائلي إلى الحياة العملية مرورا بالمدرسة" .
يتمركز الفعل التربوي إذن على المتعلم لإكسابه استقلالية ذاتية في تمثل المعارف والمحيط وتأهيله للانخراط الإيجابي في الحياة العملية والاجتماعية عموما، ومنه على جميع المتدخلين في العملية التربوية الوعي بهذه الحاجات والأبعاد لأجل تهيئ متعلم يتعلم مدى الحياة، لذلك أصبح التفكير الجديد والراهن في المدرسة من طرف المهتمين والباحثين والقائمين على قطاع التربية والتكوين بالمغرب يتوجه لإعادة النظر في مجموعة من المنطلقات والمسلمات التي تقوم عليها بنية المدرسة الوطنية من برامج ومناهج ونموذج بيداغوجي –أو قل- السياسة التربوية عموما، لذلك "تسعى المدرسة المغربية الوطنية الجديدة أن تكون: أ- مفعة بالحياة، بفضل نهج تربوي، نشيط يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي.
ب- مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة، والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن، مما يتطلب نسخ علاقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي" .
[...] وإعطاء المدرسة هامش المرونة والتكيف باعتبارها مؤسسة عمومية، مع صلاحية اعتماد صيغ بديلة كلما كانت الظروف الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية للموقع والسكان عائقا أمام المدرسة الابتدائية العادية.
[...] تدعيم الأشغال اليدوية والأنشطة التطبيقية في جميع مستويات التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي.
[...] تشجيع التعاون على أوسع نطاق بين المؤسسات التربوية والتكوينية والمقاولات والتعاونيات والحرفيين بالمدن والقرى، في إطار عقود للتمرس والتكوين بالتناوب... مع ضمان توافر الشروط البيداغوجية المطلوبة.
انفتاح مؤسسات التربية والتكوين على عالم الشغل والثقافة والفن والرياضة والبحث العلمي والتقني .
من هنا نستشف أن الفاعلين والقائمين على قطاع التربية والتعليم تنظيرا وتدبيرا بالمغرب استشعروا بوعي أهمية وضرورة تجديد النظرة إلى الفعل التعليمي – التكويني للمدرسة الوطنية في الآونة الأخيرة لتكون قادرة على مسايرة متطلبات الراهن وما يعرفه من تغيرات وتحولات محليا وعالميا، وهنا نطرح السؤال حول ما مدى تطابق طموح هذه النظرة الجديدة الموثقة في الميثاق ونتائجها علميا، وهنا نطرح السؤال حول ما مدى تطابق طموح هذه النظرة الجديدة الموثقة في الميثاق ونتائجها عمليا في واقع المدرسة وامتداداتها اجتماعيا؟
كما جاء مؤخرا مع تقرير النموذج التنموي الجديد أن معظم تلاميذ المدرسة الابتدائية لا يتقنون الكفايات الأساسية، بل إن التقييم والدعم المقدم للتلاميذ السلك الابتدائي لا يتم بشكل مستقل وبمعاييره الناجعة، كما ينتقلون من مستوى دراسي إلى آخر دون تمكينهم من امتلاك المهارات الأساسية... لذلك خلص التقرير إلى أن آلية الدعم والتقويم شبه منعدمة ما ينعكس سلبا على عدم تمكن التلاميذ من الكفايات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب، أضف إلى أن تلميذ المدرسة الوطنية عموما لا يتقن اللغات الأجنبية المدرجة بالبرنامج الدراسي، وليس لديه فرص لتطوير شخصيته عن طريف أنشطة لتنمية القدرات الفنية والجمالية مما ينعكس سلبا على مجال المواطنة والتربية على القيم.
إن هذا القلق الحاصل في حقلنا التعليمي والتربوي يزداد حدة عند مقارنته بنماذج دولية أخرى رائدة من خلال الوقوف على تأمل نقطة في غاية الأهمية "يتابع التلميذ المغربي تعليما مكثفا في المستوى الابتدائي وبمحتوى تعليمي كبير وشاسع ومتنوع وسعات تمدرس طويلة )36 ساعة في الأسبوع، وبعد مئات الساعات من التدريس والدخول والخروج وما يرافق ذلك من تنظيم سنوي من مدخلات ومخرجات على مستوى طيلة الموسم الدراسي ككل ... يصطدم المتأمل بنتائج غير مرضية في ما يخص ذلك الاكتساب للكفايات والقدرات التعليمية الأساسية مقارنة مع تجارب دولية أخرى ناجحة في نظامها التعليمي والتربوي ببرامج وزمن مدرسيين أقل من الذي عندنا في المغرب.
إن واقع مدرستنا اليوم ليس بخير، فهي لم تعد قادرة على مسايرة تحديات الراهن، بل أصبحت المدرسة مجال للعنف ولانحراف سلوك التلميذ عوض استقامته، فحتى التلاميذ النجباء في مسارهم الدراسي يراكمون عدة نقائص على مدى سنوات التمدرس الذي تلقوه في السلك الواحد أو عبر الأسلاك الثلاث، (الابتدائي- الإعدادي- التأهيلي)، خصوصا نقائص وتعثرات على المستوى الجمالي، والشخصي، والتواصلي، والاختيار والذوق، ما انعكس اليوم بشكل سلبي على شخصية مهندسنا وطبيبنا ومدراء الشركات بل وحتى على مدرسنا اليوم، لأن ثمة حقل مهم لم يتم إدراجه في منظومتنا التربوية، وإن تم التفكير فيه وهي مسألة التربية الفنية والثقافية، كبعد يهم الوجدان والروح والإحساس والذوق عند الكائن الإنساني، عموما وعند الطفل/ التلميذ خاصة، فمدارسنا اليوم فارغة من هذه الروح الجميلة وهي بذلك غير مفعمة بالحياة، بل إنها مقبرة الأحياء بدون روح جمالية تفاعلية إنسانية، مما يترتب عنه بروز كل الإشكالات الكائنة في المدرسة اليوم ومن بينها ما رصده تقدير النموذج التنموي الجديد- أبريل 2021 وما المدرسة بذلك إلا انعكاس لأزمة مجتمعية تتلخص في أزمة النموذج الواحد، فمثلا طريقة التفاعلات الاجتماعية اليوم على صعيد الثقافة المغربية هي نمطية موحدة واحدة على مستوى جميع المجالات، خصوصا أمام الثورة التقنية والتواصلية المعولمة اليوم التي نصبت ذاتها كأداة للمعيرة خصوصا في الوساطة التفاعلية والتواصلية بين الفرد والعالم الخارجي، الشيء الذي يستوجب اليوم إعادة التفكير تربويا في استثمار مقولة "المغرب المركب" وما تحمله من معاني ودلالات محليا وجهويا اعترافا بتعدد الأبعاد الثقافية والهوياتية في هذه الجغرافية بعيدا عن التنميط الأحادي الممركز والمدمر للهوية المغربية المتعددة الروافد، ولعل هذا ما جعل الكل تائها في ما تسوق له عولمة العقل الإعلامي- التقني في غياب تأهيل حقيقي للفرد/ المواطن، تربويا، وتعليميا وجماليا للانخراط بشكل إيجابي وفعال في هذه الثورة الثالثة" . الراهنة في مسار حركية تاريخ الحضارة الإنسانية.
ولعل أمام هذه التحديات العولمية اليوم ما جعل التقرير العام الذي أعدته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد يطمح إلى إحداث نهضة حقيقية للمنظومة التربوية، فالمدرسة المغربية يجب أن تمكن كل متعلم من اكتساب المهارات الأساسية لضمان اندماجه الاجتماعي، ودعم نجاحه الأكاديمي والمهني... كما يجب –يضيف التقرير- أن تصبح هذه المدرسة بوثقة لتكوين شباب متفتح يطور ذاته ويصنع مستقبل المغرب، من خلال تلقينه بالقيم الإنسانية الراسخة في الهوية المغربية وفكر منفتح وقدرة على التأقلم مع التحولات السريعة التي يعرفها العالم".
وقد أبرز التقرير أنه:" يتطلب تحقيق هذا الطموح تجاوز الأزمة الثلاثية الأبعاد التي يعيشها النظام التربوي المغربي "أزمة جودة التعلمات... أزمة ثقة المغاربة إزاء المؤسسة التربوية وهيئتها التعليمية، أزمة في مكانة المدرسة التي لم تعد تلعب دورها في الارتقاء الاجتماعي وتشجيع تكافؤ الفرص" .
من هذا المنطلق تظهر أهمية طرح السؤال والوعي بعمق الاختلالات التي تتخبط فيها منظومتنا التربوية، والتي تسعى إلى تسليط الضوء على جزء من هذه الاختلالات التي نعتبرها عائق حقيقي أمام أزمة المدرسة والمجتمع اليوم، لماذا؟ لأنه حينما نتحدث عن المدرسة فنحن نتحدث عن الطفل وعندما نهتم بهذا الطفل فحتما نصنع المستقبل، وصناعة المستقبل هو خلق مجتمع دينامي منخرط بشكل فعال في تحديات المعرفة والسيادة والريادة مع روح عصره، لذلك "فالأطفال في ظل تحديات هذا العصر، يحتاجون لأن يمتلكوا العديد من المهارات، ولا يكونوا مجرد ببغوات يرددون ما يمليه الآخرون عليهم من معلومات، يجب أن يكونوا مفكرين ناقدين، يمكنهم فهم المعلومات والتحليل والمقارنة، وتقديم الاستدلالات وتوليد مهارات التفكير العليا..." .
لذلك لتحقيق الغاية المستقبلية السالفة الذكر انطلاقا من هذا المسعى التربوي المدرسي يتوجب ضبط مجموعة من مكونات الحياة المدرسية وإرساء فلسفة تربوية متكاملة ومنسجمة مع أبعاد الذات الإنسانية باعتبارها جسد ونفس وعقل وروح.
فالتأمل في وضع فلسفة تربوية تستهدف البعد الوجداني والعاطفي والعقلي للفرد/التلميذ، وإنزالها بشكل فعلي في مختلف أنشطة التعلم وأنشطة الحياة المدرسية تستلزم الانفتاح على المحيط الاجتماعي في الجانب الذي سيساهم في ترسيخ ثقافة الذوق الجمالي والإنتاج الفني والتكوين الحرفي في مجالات الفنون، لأن مسألة الفنون والتربية عليها، أو التربية بالفن مسألة غائبة في منظومتنا التربوية اليوم أكثر من ماضينا، ومن هنا نعتبر هذه المسألة، أي مسألة التربية على الفن وبالفن الغائبة في مدارسنا اليوم عائق جوهري يحول دون تحرير أزمة منظومتنا التربوية اليوم، وهي أزمة تعمقت وتتعمق بابتعاد المجتمع عموما عن ثقافة الفنون من جهة وبغياب التربية على الفنون في المدرسة خاصة، ما أنتج لنا إنسان ذو البعد الواحد ومنه نمطية المجتمع ككل كما سلف ذكره.
 المدرسة والفن:
عندما نتحدث عن الفن كحقل يل على الجمال والممتع، والإبداع وتهذيب الذوق والاختيار عند الإنسان عموما، يصبح الفن بذلك إذن موضوع للتربية والتعلم ما دام الإنسان ككائن متعدد الأبعاد لا يستقيم وجوده الفردي والاجتماعي بل والحضاري إلا بالاعتناء بهذا الجانب فيه وترسيخه كبعد ماهوي لاستقامة مفهوم الكائن الإنساني، وتمكينه من المشاركة الفعالة والفعلية في سيرورة وجوده، ولعل الدول الحديثة والراهنة فهمت مدى أهمية التربية على الفنون لأجل خلق متعلم/مواطن متفتح ومتوازن وخلاق وفق مبادئ السلوك المدني وقيم المواطنة، والمسؤولية الأخلاقية والمدنية، والانخراط في التفاعل الثقافي داخل مجتمعه بإنتاج وتطوير خيراته الفنية والجمالية خدمة للهوية الثقافية التي نشأ فيها، وهذا المكسب لن يتأتى إلا داخل المؤسسة التعليمية أولا، ولعل هذا ما حث منظمة اليونسكو، في المنتدى الدولي في مارس 2006 بلشبونة بالدعوة إلى ضرورة اهتمام قطاع التعليم دوليا بالتربية الفنية لتجويد قضايا المجال التربوي عموما وتمكين المدرسة من مسايرة تحديات تحولات القرن الراهن.
كما تكررت الدعوة إلى ذلك من طرف اليونسكو عبر مواصلتها التفكير في مجال التربية الفنية وأهميتها، وفي علاقة بمخرجات ندوة منتدى لشبونة عام 2010 في ماي في منتدى دولي ثان في الموضوع بكوريا الجنوبية" .
لذلك فالدفاع عن الحق في التربية والمشاركة الفنية هو دفاع عن الحق الكوني للإنسان وحق الطقل على المشاركة في الحياة الثقافية والفنية لتطوير قدراته الإبداعية والفيزيائية وتحقيق التوازن بين أبعاده الحسية والروحية والمعرفية والوجدانية- العاطفية حتى لا يسقط الفرد في اللاتوازن شخصي...
فإذا عدنا إلى مدخل القيم في منظومتنا والذي يفيد الصفة التي تجعل الشيء مطلوبا ومرغوبا فيه من الناحية الذاتية أو ما يتميز به الشيء من صفات تجعله يستحق التقدير كثيرا أو قليلا كالحق والجمال والخير والعدل من زاوية موضوعية ، نجده يستحضر هذا الجانب الفني في مجال تربية وتعليم الناشئة بالمدرسة، وخصوصا في ترسيخ الغايات التالية:
-" ترسيخ الهوية المغربية الحضارية والوعي بتنوع وتفاعل وتكامل روافدها،
- التفتح على مكاسب ومنجزات الحضارة الإنسانية.
- تكريس حب الوطن وتعزيز الرغبة في خدمته.
- تكريس حب المعرفة وطلب العلم والبحث والاكتشاف.
- المساهمة في تطوير العلوم والتكنولوجيا الجديدة.
- تنمية الوعي بالواجبات والحقوق.
- التربية على المواطنة وممارسة الدمقراطية.
- التشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الاختلاف.
- ترسيخ قيم المعاصرة والحداثة.
- التمكن من التواصل بمختلف أشكاله وأساليبه.
- التفتح على التكوين المهني المستمر.
- تنمية الذوق الجمالي والإنتاج الفني والتكوين الحرفي في مجالات الفنون والتقنيات (...) .
وغايات أخرى تصب في اتجاه المسؤولية والانفتاح واعمال العقل وممارسة المواطنة وترسيخ السلوك المدني... ما يعكس أن هذا التفكير في غايات التمدرس هو تفكير يجد مرجعيته في إطار الإيمان بمفهوم الدولة المدنية الحديثة... لكن وفي علاقة بواقع مدرستنا يحضر السؤال لدى كل متمعن ومتتبع لإشكاليتنا هذه من جهة، وعند كل مهتم بالمجال التربوي عموما لواقع مدرستنا المغربية اليوم، والذي يمكن إجلائه بصيغة مختصرة، حول السؤال التالي: هل نجحت منظومتنا التربوية في تحقيق هذه الغايات وترسيخها كمخرجات متضمنة في المتعلمين كأجيال اليوم والغد؟؟ إلى أي حد نجحت مدرستنا في تحقيق غاياتها وأهدافها العميقة والفنية في المجتمع المدرسي؟
ولاشك أن الجواب العام الذي فرض نفسه والمتداول من طرف المجتمع عموما ومن طرف أهل الاختصاص ومدبري الشأن التربوي، هو أن المدرسة لم تعد تحقق هذه الغايات بالشكل المرضي، والذي ينبغي أن يكون والمسطر له. ولعل هذه النقطة جزء من أزمة المشاكل التي تعيشها المدرسة المغربية اليوم.
ولعل هنا يأتي اهتمامنا بقضية الفن والتربية الجمالية الشبه غائبة في تدريسنا وتعليمنا اليوم أكثر فأكثر، اضف إلى ذلك التفاوت الخطير بين المدرسة والمهن الموجودة في عالم سوق الشغل اليوم كعالم سريع التحول.
فمدرستنا الوطنية هي مدرسة تستقي مرجعها إن صح القول من الابدال الوضعي الذي يمجد العقل التقني على حساب البعد الوجداني والفني وهي لا تدري ذلك لكون والمدرسة في الأخير هي امتداد للمجتمع، وهذا الأخير يعترف بمهن المهندس والطبيب والتقني الخ... كمهن تجد أساسها في التوجيه المدرسي تحت مقولة "مدرسة النجاح"، وبذلك نمجد هنا وهناك الشعب الرياضية والفزيائية والتكنولوجية... وما دون غير ذلك فهو مجال الفاشلين والضعفاء والمنحرفين، لذلك فشعب الفن من موسيقى ومسرح وتشكيل هي شعب لا جدوى منها بل هي شعب وتوجهات أولئك المتعلمين الذين يوجدون في آخر مراتب التحصيل والاجتهاد الدراسي، وبذلك نجد هذه المسارات والشعب الفنية تصاحبها نظرة دنيوية من طرف المجتمع عموما، ومن أهل التلاميذ الذين يسلكون في مثل هذه المسالك الفنية خصوصا لأننا اعتدنا منذ الاستقلال على الأقل كثقافة اجتماعية على أن النجاح في المجتمع، وفي الدولة هو ذلك التقني الذي تملك خيرات وكفايات العقل التقني من علوم الحساب والهندسة كعلوم حديثة وضعية تقوم عليها الدولة المدنية والاقتصاد والحديث، وهذا ما قتل اجتماعيا- ثقافيا في مدرستنا أهمية الفنون وأهمية الثقافة الجمالية، ودورها في التربية على القيم، وصقل شخصية متفردة، ومتوازنة وجدانيا.
لذلك لابد من تعبئة الجهود والوسائل وكل ما يمكن أن يساهم من موارد تقنية وبشرية ومادية لإنجاح تفعيل التربية الفنية، وانطلاقها في المدرسة المغربية، كحق وواجب تربوي إنساني كما تؤكد عليه مرجعيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات حقوق الطفل الدولية.
فبالعودة إلى المناخ الحقوقي في مرجعياته الفلسفية والقانونية، وإلى الندوات الدولية لمنظمة اليونسكو في مجال توطين وترسيخ الحق على التربية الفنية كان الهدف منه هو التفكير في بناء الإنسان باعتبار إنسانية الإنسان مكتسبة وليست طبيعية تحتم على الفرد والمجتمع وعلى الدولة والمدرسة تطوير القدرات الإبداعية والثقافية والفزيائية للفرد المتعلم لأجل خلق نوع من التوازن بين بعده الحسي والروحي، وبين المعرفي والوجداني... ومنه أهمية الحق في التعلم مدى الحياة أيضا، باعتبار الفرد شخصا متعدد الأبعاد لا يستقيم وجوده الفردي والجماعي إلا بالانخراط الفاعل في العالم الثقافي الذي يشكله ويتبنين من خلاله. ومنه تنمية التعبير عن التنوع الثقافي في السوق الثقافية العالمية باعتبار الفن منطلق للتمظهر الثقافي، ووسيلة لتبليغ الثقافة والاعتناء بالهوية المجتمعية (المغربية).
لهذا لابد للمدرسة المغربية أن تفكر في تفعيل التربية الفنية والثقافية عبر تنزيلها وفقا للمثلث الديداكتيكي الفني: [والذي سنفصل فيه لاحقا عبر كتابات وأبحاث مستقبلية تصب في هذا المجال]، المشاهدة، (أي انخراط المتعلم في مشاهدة أعمال فنية مختلفة من مسرح، وسينما، وتشكيل...) ثم الممارسة (دخول المتعلم في مرحلة الفعل الفني عبر تعلمه بالممارسة) ثم التأويل (أي الاهتمام بمجال فني من اختياره وميولاته، كهوية أو كإبداع فني ثقافي).


ختـــامـــا:
يمكن تبرير قولنا بضرورة تفعيل التربية على الفنون في المدرسة المغربية اليوم نظرا لغياب حياة جمالية داخل أسوار هذه المدرسة، مقارنة بسنوات الثمنيينات والتسعينات من القرن الماضي وما تنفسناه من فنون ,وإن كانت بسيطة لكنها أشعرتنا على الأقل بإحساس جميل أطلق العنان للخيال والأمل فينا , كنسيم ذلك الصباح في ربيع مزهر … فكانت مدرستنا تشجع على المسرح المدرسي والرسم والأناشيد استعدادا وفرحا بالأعياد والمناسبات الوطنية... ولعله ما رسخ ذوقا فنيا عند جيل الثمانينات والتسعينات... ومنه سنفهم "أن للذوق والخيال تربية، وللصحة وللفهم تربية، وللأخلاق تربية، ومن أهداف هذا الضرب من التربية العمل على صقل وتثقيف سائر ملكاتنا الحسية والعقلية بأتم قدر ممكن من التناغم والتوافق" . ومنه تستقيم الأبعاد الفردية والاجتماعية على حد سواء، وتتكامل، وهاهنا يقول "جون ديوي":" ... أنظر إلى أطوار التاريخ الأولى، تجد الفنان منغمسا إلى أذنيه في اهتمامات الناس، ينتج الفن الذي يؤدي مهمة حيوية في حياتهم الجارية، فالبناء يبني لهم المعبد والمثال ينحت التماثيل للمعبد، والمصور يرسم رسومه على جدران المعبد، والموسيقي والشاعر ينغمان الأنغام والأناشيد التي يترنم بها المتعبدون، أفرأيت إذن- إلى أي حد كان الفنان والناس وحدة واحدة؟ ويعيشون خبرة واحدة؟... فالفنون على اختلافها تخدم أغراض الناس الرئيسة من تعبد، وحفلات في اللحظات الهامة..." .



لائحــــــــــــة المراجـــــــــــــــع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟