الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعتقد والعقل

علي الرديني

2022 / 6 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كان هناك مجلس في عمل سابق كنت فيه تطرق زملائي الى موضوع عبادة الهندوس للبقر وكيف ممكن لهؤلاء ان يعبدوا حيوانا وهم يعرفون
انه كائن ادنى منهم في سلم التطور ، فأين عقولهم لكي ترشدهم الى سخف هذا الاعتقاد ؟!
فأجبتهم حسب اطلاعي على علم الاجتماع وعلم النفس الديني ان ليس للعقل محل في المعتقدات الا لتبريرها وتزينها ووضعها في قوالب منطقية يخيل لهم ان حقيقية فالعقل يتبع في الأمور الإيمانية ما هو اسبق عليه .
والحقيقة ان الهندوس لا يعبدون البقر بشكل مباشر بل يتقربون بها الى الهة ويعتبرونها رمزا للعطاء والرزق.
وقد راينا كثير من اصحاب الشهادات الجامعية وأستاذة الجامعات وحتى العلماء متساوون في الاعتقاد مع بائع الخضار والعمال الذين ليس لهم حظ في الدراسة والتعليم يؤمنون ايمانا جازما بالقصص أسطورية وحكايات خيالية دينية وهذا دليل ان مصدر المعتقدات وجذورها وتكوينها مختلف عن القضايا الفلسفية والعلمية ، فمصدر الاولى العاطفة والشعور النفسي ومصدر الثانية هو العقل والكفة ترجح في كثير من الأحيان للعقيدة ، بها نشأت الحضارات وبها ايضا أسقطت حاضرات ودول ومن أقوى المؤثرات في الفن والأدب والسياسة والعمران وحتى الفلسفة ، ويجعل من أناس اصحاب أموال ومركز اجتماعي رفيع وسلطة عالية ان يضحوا بهم جميعا ويتعرضوا للعذاب والتنكيل في سبيل دين اعتقدوا بصحته وانه مال السعادة الابدية والأجر الكبير في الحياة الآخرة .وبه سفكت كثير من الدماء وذبح الناس وهجروا وفي نظر فاعل هو جهاد في نصرة الحق وفي نظر المفعول به ظلم له لانه صاحب حق .
فالإيمان حاجة نفسية مغروسة في النفس البشرية مرتبطة باللاواعي وبعنصري اللذة والالم ( السعادة ) وهما محركان للرغبة وبالرغبة تكون للمعتقدات والاراء قيمة بحسب قوتها او ضعفها سواء كان هذا المعتقد دينيا او اجتماعياً او سياسيا كالمعتقد الشيوعي الذي قام مقام المعتقد الديني في بعض الدول ووعد الجمهور بتحقيق أملهم في إقامة دولة المثالية يسعد فيها كل الناس بدل جنات النعيم في حياة بعد الموت .والأمل هو اللذة التي يرجو الانسان فيها تحقيق ما يتمناه ويرغب به او ينتظر ما يقضي ألمه ويفرج عنه ولا قيمة لحياة الانسان بدون أمل ، والسعادة الابدية عنوان الأمل الذي تمنحه الأديان .
وبفضل الإيمان يصبح الخيال حقيقة لا شك فيه فيسير الناس ويجمعهم عليه ويصبح سر قوتهم وتماسكهم فلا يفيد برهان عقلي ولا حجة فلسفية في هدمه ولا إقناع أصحابه للعدول عنه وكل من يستخدم العقل لنقد المعتقدات فهو آثم شرير يسعى لضلال الناس وإدخالهم النيران .
وما ان يدخل المعتقد تحت النقد العقلي بشكل حر حتى تضعف سطوته ويصبح مشكوك في أمره لذا يحرم اتباع كل دين الخوض فيه وجلب الشك حوله الذي هو من وساوس الشيطان .
ولا يعني ان المؤمنين لا يستخدمون العقل لكنه موجه لدفاع عن معتقداتهم واقناع مخالفيهم بحشد كثير من الحجج التي يرونها منطقية واقتباسات من كتب علماء الدين ومفسريهم وأبيات شعرية لشعرائهم.
كما عمل علماء اللاهوت المسيحين في القرون الوسطى على التوفيق بين الفلسفة الأفلاطونية والارسطية وبين معتقداتهم املين في ايجاد ادلة عقلية قاطعة والحقيقة لا دليل عقلي علمي يقيني ملموس على اي ديانة مهما بلغت عظمتها .
كما ان العلم لا يستطيع ان يدحض المنطق الديني بشكل نهائي لانه لا يستطيع اختراق حجب الغيب ، والغيب هو اساس المعتقدات الدينية .
والعقائد الدينية تحمل ثقلا وراثيا وقيمة حضارية كبيرة يعتز بها أصحابها وليس من السهولة التخلي عنها وان ضعف إيمانهم بها .كما بينا العقائد ليست مرتبطة بالمعرفة العقلية كما هو ارتباطه بالحالة النفسية وخاصة اللاشعررية منها التي تسير الانسان كما يسير اللاشعور العضوي حياتنا العضوية من دورة دموية ودقات القلب والتنفس وغيرهم .
تزول الأديان وتتغير كأي شئ في هذه الحياة الدنيا المعرض للزوال والذي يبقى ما بقى الانسان هو الروح الدينية اما المواضيع الدينية فهي في تغير مستمر حسب حاجات الانسان وظروفه وآماله فما يلبث ان يترك معتقد وينتقل لآخر ولو بعد دهور طويلة الا وجد وهما قدسه وفخمه وبتالي يكون ما اراده في مخيلته كالهة والأبطال ورموز اخرى تستعبده في النهاية وتستعبد الأجيال من بعده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب