الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض إرادة ومشيئة إله الكون

هيبت بافي حلبجة

2022 / 6 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد تعرضنا جزئياٌ لهذا الموضوع في حلقات متفرقة سابقة ، وها نحن نود أن نطرح أسس وأسسيات ومجال والمقصود من إرادة ومشيئة إله الكون :
المقدمة الأولى : في المجال الحقيقي لهذه الإرادة ولهذه المشيئة ، وهو المجال الأهم ، والذي فيه يتوضح لنا جلياٌ مبنى السؤال التالي ، أي محل موضوع إرادة ومشيئة الإله ، فهل حقيقة إن العلاقة مابين الإنسان والأرض وهذا الإله المفترض هي العلاقة البنيوية الأولى والوحيدة في الكون وفي الخلق وفي علية وغائية الإله والإنسان والأرض، وكذلك العلاقة مابين الإله والنبي والإنسان ، أم إنها ، في حال وجودها وهي كاذبة بالمطلق ، هي العلاقة الأخيرة السخيفة ، وإن الإله لم يكن وليس إلا حاجة بشرية ، وإن النبوة لايمكن إلا أن تكون كاذبة وعاقرة ، وإن الإنسان ليس إلا كائناٌ مثل النبات والحيوان والشجر والورد من نتاج هذه الأرض ، ومن نتاج الطبيعة الموازية لها . تلك الطبيعة التي من السخافة إن يكون الإنسان أصلاٌ إلا رقماٌ سطحياٌ تافهاٌ في محدوداتها مثله مثل الدينوصورات ، سيما في محل مفهوم الطبيعة في المعتقد الإسلامي من زاويتين : عدد الكائنات الحية ، وموضوع المسافة الكونية .
أي إن هذا المجال الفعلي يطرح محل إرادة ومشيئة الإله من زاويتين : الأولى إن الأرض تبدأ من حيث إن الإنسان هو من إحدى كائناتها ، من بين ملايين بل بلايين نوع من أنواع هذه الكائنات . والثانية إن الأرض وكذلك المجموعة الشمسية ليس إلا جرماٌ عديم الذكر إذا ما قورن بالمسافة الفضائية ضمن مجرتنا ، درب التبانة ، ناهيكم عن المجرات القريبة والمجرات المفترض وجودها في نهاية الكون ، أو في حافة الكون .
فمن الزاوية الأولى : يزعم المعتقد الإسلامي إن العلاقة المقدسة هي مابين الإله والنبي والإنسان والأرض ، وإن الكائنات الأخرى ليست إلا أشياء مسخرة بطبيعتها للإنسان ، لكن عند التدقيق في هذا الموضوع نشاهد إن الأمر مختلف تماماٌ ، فثمت عدد لانهائي ومأهول وغير محدود من أنواع الكائنات الأخرى ، من جراثيم وميكروبات وفيروسات وبكتيريات وأشجار من سرو وصفصاف وأزهار وورود وفهود وثعالب وفئران وديناصورات وقرود وبلابل وصقور ونسور وعصافير ، ناهيكم عن الإختلافات النسبية لكذا صنف ضمن نفس النوع ، ناهيكم إن لكل منطقة جغرافية أشجارها وثمارها وحيواناتها ونباتاتها الخاصة بها . فهل من المعقول أن يخلق الإله كل هذه الأشياء أم إن الطبيعة ، وحسب كل منطقة جغرافية ، وحسب بيئة كل أحوال جوية وشروطها الخاصة ، والخاصة بها وحدها دون غيرها ، هي التي تنتج إنتاجاٌ من بنيتها هذا الكم الهائل من الكائنات الحية ، وهذا التنوع اللامحدود في أصنافها وأنواعها ، وهذا هو مبدأ البناء الذاتي للطبيعة ، ذلك المبدأ الذي يتماهى كلياٌ مع إرادة ووعي الطبيعة ، أي إرادة ووعي خاصية الطبيعة في الأرض ، دون أن نقع في نفس المغالطة وهي تقزيم الطبيعة إلى مستوى الأرض أو تحويل الأرض إلى ممثل للطبيعة الكلية . ومن هنا تحديداٌ ندرك المبدأ الثاني للطبيعة في الأرض : وهو مبدأ التفسخ ، ضمن شرط وجودي وهو إن التفسخ ، في وعي الطبيعة ، ليس إلا إعادة بناء ، فلاموت على الإطلاق كما يزعم المعتقد الإسلامي ، ومن هنا ومن الأساس والأدق القول : إن التفسخ ليس إلا محاولة لإعادة بناء وفق أسس جديدة وطبقاٌ لإمكانيات متاحة وجودياٌ . لذلك فإن ربط هذه السيرورة بإله مزعوم ليس إلا حاجة بشرية قد حدثت في مرحلة بدائية من عمر هذا الإنسان المؤقت وجوده على الأرض فلاضرورة تقتضي ذلك ، أي لاضرورة أقتضت ولادته ولاضرورة تقتضي إستمراريتها ، وهكذا فإن الإنسان الذي خلق مفهوم هذا الإله سيزول يوماٌ وكأنه لم يكن .
ومن الزاوية الثانية : وأما موضوع المسافة الزمنية ، فإن أرضنا تبدأ مع مجموعتنا الشمسية ، والشمس هي على بعد حوالي ثمانية دقائق ضوئية فقط ، والضوء يسير بسرعة 300000 كم في الثانية ، أي إن الضوء يقطع مسافة 10 بلايين كم في السنة الضوئية الواحدة .
وإذا ما تجاوزنا هذه المجموعة فنحن في مجرتنا ، درب التبانة ، أي في الفضاء مابين النجمي بالنسبة لنا ، والنظام الشمسي الذي يلي مجموعتنا الشمسية هو ألفا توروس ، ثلاثة نجوم ، تبعد عنا أربعة سنوات ضوئية . ثم نجم ابسيلون أريداني الذي يبعد عنا عشرة سنوات ضوئية ، وأما نجم جليزا فيبعد عشرين سنة ضوئية ، واما كوكب بلاريفون فيبعد خمسة وستين سنة ضوئية ، ونجم الشيطان ـ رأس الغول ـ فيبعد مائة سنة ضوئية .
وأما سحابة نجم الجوزاء فتبعد عنا 1300 سنة ضوئية ، وهي عبارة عن مصنع نجمي ضخم حيث ولادة النجوم ، ولادة كون المستقبل . ثم سديم رأس حصان عملاق الذي يبعد أربعة آلاف سنة ضوئية . ثم سديم السرطان الذي يبعد ستة آلاف سنة ضوئية . ثم سوبرنوفات مستعرة ، وثقوب سوداء ، ثم سحابات أبراج تبعد سبعة آلاف سنة ضوئية ، ثم سحابات نجم ضخم أسطع ملايين المرات من شمسنا تتحول فيما بعد إلى ثقب أسود جديد .
وهكذا نصل إلى حافة مجرتنا بعد خمسة وعشرين ألف سنة ضوئية ليبدأ بعدها فضاء مابين المجرات ، حيث نحتاج إلى ملايين السنوات الضوئية ثم مليارات السنوات كي نصل إلى حافة الكون .
فسحابة ماجلان الكبرى ، وهي قريبة عن مجراتنا تبعد 260 ألف سنة ضوئية . وأما مجموعة أندروميدا ، سوبرنوفا ، فتبعد مليوني ونصف سنة ضوئية . ثم مليارات من المجرات ، وسحابة الدولاب الهوائية فتبعد سبعة وعشرين مليون سنة ضوئية . ثم سحابات ضوئية ساخنة جداٌ أسطع من مائة مجرة مجتمعة تبعد ملياري سنة ضوئية .
ثم مجرات صغيرة ساطعة جداٌ تبعد عنا ثمانية مليار سنة ، وسحب متراقصة هائلة من الغاز قد تكون السبب في ولادة مجرات هنا وهناك . وأما حافة الكون فتبعد عنا ثلاثة عشر ونصف مليار سنة ضوئية . أي إذا حدث أمر ما هناك فلن نلاحظ حدوثها إلا بعد مرور ثلاثة عشر ونصف مليار سنة ضوئية ، أي قد تكون مجرتنا قد إختفت عن الوجود .
وهنا يتوجب أن نمايز مابين ، مفهوم الفضاء ومحتوى النقطة الفضائية وهذا أمر خارج سياق هذه الحلقة ولاعلاقة لنا بها في طرحنا هنا ، ومابين مفهوم المعتقد الإسلامي عن الفضاء والسماء والأرض والإنسان ، وحينما ندقق في آيات النص الإلهي ندرك بيسر إنه مدون من قبل شخص أرضي يجهل تماماٌ موضوع حجم الكون ، لذلك :
فمن جانب : إن النص الإلهي يعتقد إن الأرض هي ممثل الكون ، إنها هي المركز الفعلي للوجود ، ليس من الناحية الجغرافية فقط ، إنما من الناحية الوجودية ، أي هي العلاقة مابين الإله المسكين والنبي ومن ثم الإنسان ، لذلك يؤكد إله الإسلام للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة ، فهو لايعرف غير الأرض فهو لايعرف سحابة ماجلان ، ولاسديم السرطان ، ولاتلك التي تولد النجوم ولا تلك التي تولد أكوان المستقبل ، ولا الثقوب السوداء ، ولاحتى الشمس ، بل ولا حتى القمر ، بل حتى إنه لايعرف الأرض أيضاٌ ، ولايدرك ظواهرها ، فهاهو يزعم في سورة الرعد الآية 13 : ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفة ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء . ولقد أرسل فعلاٌ صاعقة إلى مسجد في بنجلاديش فقتل الإمام ومعه أثني عشرة مصلي . ثم لو كان الرعد يسبح بحمده ويرسله لمن يشاء ، فلماذا وضع المسلمون مانع الصواعق فوق المسجد النبوي .
ومن ناحية ثانية : إن النص الإلهي يعتمد جهلاٌ على الرؤية البصرية للإنسان من الأرض ، فالأرض هي المركز ، وإن القمر والشمس والنجوم والسماء ليست إلا متممات ومخلوقات تابعة للأرض ، فالإله قد خلق القمر للبعد الأرضي الوجودي ، وكذلك الشمس ، وأما النجوم فهي تزين سماء الأرض ، وترصع الآفاق لنا فقط ، وهي موجودة في طبقة واحدة في السماء ، والسماء ليس إلا غطاء يحضن الأرض من الأعلى ، فالسماء هي سماؤنا ، سماء الأرض ، سماء الإنسان . لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر والا الليل سابق للنهار كل في فلك يسبحون ، فما علاقة الشمس بالقمر إلا إذا كنا نجهل حقيقة الكون ، ثم أممكن أن يسبق الليل النهار إلا إذا كنا نعتقد إن الليل ، مثل النهار ، شيء محدد ثابت كالحجر كالشجر ، والكارثة هي فيما ورد في الويب سايت الإسلام سؤال وجواب : إن الشمس لايمكن أن تطلع بالليل لإن يصير الليل نهاراٌ ، فالليل وقت طلوع القمر ، ولاينبغي للقمر أن يطلع بالنهار ، لإن النهار وقت طلوع الشمس !!! .
ومن ناحية ثالثة : إن النص الإلهي يعتقد إن الأرض مسطحة بطبيعتها ، مسطحة على مدار ثابت ، والشمس تغرب وتشرق من جهة ثابتة ، والشمس تغيب في عين حمأة ، والشمس تجري لمستقر لها وذلك تقدير العزيز العليم ، وإن الإله يأتي بها من المشرق فأت بها من المغرب ، فبهت الذي كفر ، فلو كان إله الإسلام يدرك حقيقة كوننا لما قال : فأت بها من المغرب ، فهو يقول ذلك لإن المغرب حسب تصوره ، كما المشرق ، جهة محددة ثابتة .
المقدمة الثانية : بعدما رأينا مدى القلق والجهل والتعارض في محلي إرادة إله الإسلام ، من الأساس أن نرى موضوعة الإرادة والمشيئة الإلهيتين ، فبعض من الفقهاء يرى إن الإرادة هي نفس المشيئة ، وإن المشيئة هي نفس الإرادة ، ولافرق مابين ، أراد الإله أو شاء الإله . في حين يرى البعض الآخر إن الإرادة شيء والمشيئة شيء آخر :
فمن زاوية أولى : يعتقد البعض إن إذا شاء الإله أمراٌ تحقق وكان ، وإذا لم يشء لايتحقق وماكان ، فالمشيئة تتحقق وجودياٌ في الأشياء فورتحققها ، هي ، لدى الإله سلباٌ أم أيجاباٌ ، أي إذا شاء الإله أن يتحقق هذا الشيء فسوف يتحقق في الحال ، وإذا شاء الإله ألا يتحقق هذا الشيء فإنه لن يتحقق أبداٌ . في حين إن الإرادة الإلهية ، وحسب هذا البعض ، ليست شرطاٌ لوجود الشيء أو لتحققه في الحال أو متأخراٌ ، فإن الإله يريد بكم اليسر ولايريد بكم العسر ، فهنا إرادة الإله لاتتحقق كما هي لإن بعض البشر يريد لنفسه العسر ، وكإن أصحاب هذا الرأي يشترطون على إرادة الإله شرطاٌ خارج إرادة هذا الإله ، فالإله يريد الخير لكل البشر لكن البشر يرتكبون المعاصي والآثام ، ويقترفون الشر . ويعاب على هذا الرأي في :
إن هذا الرأي لايوضح أبداٌ المعيار الإلهي الصريح للمفارقة مابين الإرادة والمشيئة ، أم ينبغي علينا أن نستنتج ذلك من مضمون الآيات مثلاٌ ، أو من نتائجها ، أو حسب منطوقها كالآية ، ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها ، فنقول إن هذه كانت مشيئة الإله .
ومن زاوية ثانية : يحاكي هذا الرأي الرأي السابق في مبناه ويتفارق عنه في التالي : إن الإرادة الإلهية تتطابق في مدلول أمر معين محدد في حده الخاص وهو إذا قرر الإله أمراٌ فهو يقرره وفقاٌ لإرادته وليس وفقاٌ لمشيئته ، مع الإدراك إن المشيئة تتمتع بمجال لاحد فيه ولاحصر له من الإرادات ، فإذا قلنا هكذا أراد الإله أي إنه قرره على هذه الصورة دون غيرها ، فشاءت إرادته أن يكون الأمر كما حصل أو كما سيحصل ، في حين إن المشيئة تكون مثل إستراتيجة الإله في الأشياء ، فالموت هو مشيئة الإله في الوجود البشري ، في حين إن يموت فلان من البشر في اليوم الفلاني هو أمر يتعلق بإرادة الإله . ويعاب على هذا الرأي :
إنه لايحدد الفيصل الموضوعي مابين الإرادة والمشيئة في علاقتهما بمفهوم القضاء والقدر ، إلا إذا أدركنا ، نحن من زاويتنا ، إن للمشيئة قدرها ، كما إن للإرادة قدرها ، وهذا ما لايتجرأ على قوله أصحاب هذا الطرح لإننا سنكون ، حينها ، أمام إمكانية التناقض مابين هذا القدر وذاك القدر .
ومن زاوية ثالثة : يعالج أصحاب هذا الرأي الموضوع بالشكل التالي ، المفارقة مابين الإرادة الإلهية ومابين المحبة الإلهية ، فالأولى تأتي بالمعنى الحرفي للمشيئة ، فمتى شاء الإله تحقق ، والمشيئة تتضمن هنا ما يحب الإله وما لايحبه ، فلقد شاء أن يخلق أشياء يحبها مثل الإنسان والنجوم والكواكب والأشجار ، وشاء ان يخلق أشياءاٌ لايحبها مثل الإبليس والشياطين . في حين إن المحبة الإلهية لاتتضمن إلا ماهو من الأشياء الحسنة ، الأشياء التي هي مضمونها حسن . ومن هنا يؤكد أصحاب هذا الرأي : ثمت إرادة إلهية كونية ، وإرادة إلهية شرعية ، فالأولى تتعلق بالمشيئة والثانية تتعلق بالإرادة .
ويضربون مثلاٌ على المفارقة مابين الأثنتين : أية إرادة تنطبق على إسلام أبي جهل ، فلقد شاء الإله ألا يؤمن وأن يكفر فقد كفر ، وهذه هي ، حسب رأيهم ، الإرادة الإلهية الكونية ، وبما إنه لم يؤمن فهذه هي الإرادة الإلهية الشرعية . وكذلك إسلام أبي بكر الصديق ، فلقد شاء الإله أن يؤمن ، فقد آمن وهذه هي الإرادة الكونية ، وبما إنه آمن فهذه هي الإرادة الشرعية .
ويعاب على هذا الرأي : ثمت مصادرة في منطوق العلاقة مابين الإرادتين ، فإذا شاء الإله أن يكفر أبو جهل فكيف له أن يؤمن ويسلم ضمن محتوى الإرادة الشرعية ، فلو تسنى له أن يؤمن لدل ذلك على إن الإرادة الكونية باطلة لإنه عاكسها وعارضها في أسها وجوهرها .
ومن زاوية رابعة : يميل هذا الإتجاه إلى الإعتقاد إن الإرادة ليست إلا تصوراٌ يتضمن الرغبة والقصد في الهدف والغاية ، وإذا ما تجاوزت الإرادة هذا الحد وأخذت بأسباب تحقيق هذا التصور فإنها لم تعد ذاتها بل تحولت إلى المشيئة ، فالمشيئة هي ، بأحرفها ، الإرادة مضافة إليها الأخذ بالأسباب ، لذلك :
من ناحية إن موضوع الرزق تحديداٌ متوقف على المشيئة ، يرزق الإله من يشاء بغير حساب ، وليس على الإرادة ، فلو توقفت على الإرادة لتحقق حدوث الرزق مباشرة .
ومن ناحية إن أصحاب النار تتوفر لديهم الإرادة فقط ولاتتوفر لديهم المشيئة ، فكلما أرادوا أن يخرجوا منها ، أي من جهنم ، لايستطيعون لإن الخروج يقتضي ، حسب هؤلاء ، الأخذ بالأسباب ، وهذه لم تعد ممكنة .
ومن ناحية ثالثة إن أصحاب الجنة تتوفر لديهم المشيئة فقط دون الإرادة ، ولهم فيها مايشاؤون وليس مايريدون .
يعاب على هذا الرأي : إن المشيئة لدى أصحاب الجنة تصبح مطلقة غير مقيدة وتتجاوز حدود المشيئة الإلهية ، ولاتقتضي هنا الأخذ بالأسباب ، وتحل محل المشيئة والإرادة الإلهية .
ومن زاوية خامسة : يعتقد أصحاب هذا الرأي إن الإرادة متوقفة على الإله والإنسان والجن ولافرق مابين إرادة الإله ومابين إرادة الجن والإنسان إلا في مكانة الإله نفسه ، ويفسرون الآيتين التاليتين بهذا الشكل : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها . الأحزاب 72 . فوجدا فيها جداراٌ يريد أن ينقض . الكهف 77 . : إن الجمادات قد عرضت عليها قدرة الإختيار مرة واحدة ، فأرتأين أن تخضعن لسنة الإله والكون دون وعي وحسب طبيعتها ، فالجدار ينقض من خلال سنن الكون ، وليس من خلال إرادة واعية أو إرادة حالية . وهذا هو عين موضوع الأمانة .
ويعاب على هذا الرأي : متى أرتأى الجماد أن يخضع لسنن الكونية ، قبل خلقه ، أم بعد أن خلق ، أم حين عرضت عليه الأمانة !!! .
ومن زاوية أخيرة : وأما بخصوص الآية ، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماٌ حكيماٌ ، سورة الإنسان الآية 30 . فيقول الإمام محمد سعيد رمضان البوطي ، إن هذه الآية لاتنفي ولاتصادر إرادة ومشيئة الإنسان كما يدرك من ظاهر النص ، لإن القصد الحقيقي منها : إن الإله قد شاء أن تكون لنا مشيئة ، فلولا إنه قد شاء لما كانت لنا مشيئة في الأصل والتأصيل والأصالة .
ويعاب على هذا الرأي : إن الآية لاتدل على حدوث ذلك في القدم ، إنما على حدوث ذلك في أية لحظة كانت ، ولو كان تفسير البوطي صحيحاٌ لكانت الآية على النحو التالي : وما تشاؤون إلا أن شاء الله . عندها يكون الإله قد شاء أن تكون لنا مشيئة .
نكتفي بهذا القدر ونعترض على تأصيل إرادة الإله ومشيئته بالآتي :
لكن قبل ذلك لامناص من أن نحدد ، ومهما يكن الأمر في خصوص الإرادة والمشيئة :
فمن ناحية إن المشيئة هي تعبير عن مجال مفتوح للإرادة ، أو هي تعبير عن الإرادة المفتوحة فيما يخص محل الإختيار .
ومن ناحية ثانية إن المشيئة تحتضن السنن الكونية أكثر بكثير مما تحتضنه الإرادة .
ومن ناحية ثالثة إن المشيئة هي تعبير عن الإرادة الإلهية الأزلية منذ المنذ ، أو تدنو من ذلك ، في حين إن الإرادة تدنو من الرغبة الإلهية في حدوث أمر ما .
لذلك سنعترض على حجم التناقضات في النص الإلهي بخصوص المشيئة ومن ثم الإرادة . ثم نعترض على المشيئة الإلهية بوصفها الإرادة الإلهية الأزلية . ثم نعترض على الإرادة الإلهية بوصفها حدوث حدث حادث . ثم نعترض على دلالات السنن الكونية وعلاقتها بالمشيئة الإلهية .
أولاٌ : لإن النص الإلهي مدون بعقلية بشرية وذهنية أرضية ، ولإن كاتب هذا النص لايعي حقيقة ما يقول ، فإنه ، أي النص الإلهي ، ركيك في المبنى والمعنى ، ومليء بالتناقضات . فهاهو يقول : ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير . سورة المائدة الآية 40 . أي طالما له ملك السماوات والأرض ، وطالما هو على كل شيء قدير ، فيحق له أن يعذب أي شخص كان ، أو أن يغفر لمن يكون ، يعذبه لمجرد المشيئة أو يغفر له دون النظر في أفعاله وحسناته وسلوكه وأخلاقه ، إذ لاضابط يحدد المشيئة الإلهية ولاحد يحد حدودها ، فهي مطلقة تعريفاٌ وغير مقيدة .
ثم والله يرزق من يشاء بغير حساب . سورة البقرة الآية 212 . فهو مطلق المشيئة في أن يرزق أي شخص رزقاٌ بغير حساب ، بدون أي شرط أو أي جهد أو أي سبب .
ثم قال كذلك الله يفعل ما يشاء . سورة آل عمران الآية 40 . ولو شاء الله ما أقتتلوا ولكن الله يفعل مايريد . سورة البقرة الآية 253 . ولو شاء ربك مافعلوه . سورة الأنعام الآية 112 . ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاٌ . سورة يونس الآية 39 . ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة . سورة هود الآية 118 .
وهكذا نبدي المآخذ التالية على موضوعة هذه النصوص :
المأخذ الأول : من الواضح ومن المؤكد إن المشيئة الإلهية ، حسب هذه النصوص ، ليست ثابتة في معيارها ، ولاتتمتع بأية منهجية سواء موضوعية ، سواء أخلاقية ، سواء غائية .
المأخذ الثاني من الواضح ومن المؤكد إن الإرادة الإلهية وكذلك المشيئة الإلهية قد تتغير في أي منذ ، وبدون أي سبب ، ومجرد لمجرد ، فهل هذا الفعل الإلهي يناسب ويؤائم ويوازي ويحاكي مضمون السنن الإلهية الكونية .
المأخذ الثالث من الواضح ومن المؤكد إن إله الكون يعتقد جهلاٌ إن الإنسان هو مركز الوجود الإنطولوجي ، هو مركز العالم ، هو مبعث الخلق ، هو أس الحياة الأبدية ، فبعده ، أي بعد الإله ، يأتي الإنسان متربعاٌ على عرش السماء ، لإنه ممثل الإله . ولقد رأينا خطل هذا التصور في ومن الزاوية الأولى في المقدمة الأولى .
المأخذ الرابع من الواضح ومن المؤكد إن إله الكون يعتقد جهلاٌ إن الأرض هي مركز الكون ، فالسماوات كلها هي تابعة حسابية للأرض ، هي مكملة لها وخلقت لأجلها . ولقد رأينا خطل هذا التصور في ومن الزاوية الثانية في المقدمة الأولى .
ثانياٌ : وفيما يخص موضوع المشيئة فلدينا المآخذ التالية :
المأخذ الأول : وتتعلق بالآية ، وماتشاؤون إلا أن يشاء الله . سورة التكوير الآية 29 . ومهما يكن من أمر تفسير هذه الآية ، سواء حسب البوطي أم حسب الآخرين أم حسب الذين يقولون إن مشيئة الإله تصادر مشيئة البشر ، فإنهم جميعاٌ ، والآية تدل على ذلك ، إن للبشر مشيئة خاصة بهم ، أي إن لكل إنسان مشيئته الخاصة به .
وفي الأصل ، إن من مقومات المشيئة إنها تفرض شروطها على الوجود وعلى الكون ، فالمشيئة ، تعريفاٌ ، تسري وتتحكم في الوجود كما إنها تحدد أسس الكون ، أي إنها تحدد سنة الوجود والكون ، بعكس الإرادة ، وهذه هي مفارقة قاتلة ، التي من خلال الرغبة الكامنة فيها ، ومن خلال القصد في الهدف والغاية ، تسعى أن تحقق ما تصبو إليه .
ماذا يعني هذا ، ذاك يعني تماماٌ إن المشيئة محققة في الوجود والكون ، وقد تحققت ، وحددت معالم الوجود والكون ، في حين إن الإرادة لاتحقق ذاتها ولاتستطيع فعل ذلك لإنها محددة بالرغبة الكامنة فيها وبتلك الوسائل التي من الممكن ومن خلالها أن تحقق ما تصبو إليه .
ومن هنا لاتوجد مشيئة للبشر ، لهم إرادة لكن لامشيئة ، فلو كانت لهم مشيئة ، لأصبحوا شركاء إله الكون في تحديد أسس الوجود والكون ، لأصبحوا شركاء في الخلق .
المأخذ الثاني : في خصوص العلاقة مابين المشيئة ومضمون الرزق ، والله يرزق من يشاء بغير حساب . سورة البقرة الآية 212 . الله يرزق مايشاء لمن يشاء بغير حد ، الله يعطي مايشاء لمن يشاء كيفما شاء متى شاء ، وهنا يقترف إله الكون المغالطات التالية :
المغالطة الآولى : إذا كانت المشيئة الإلهية مطلقة بالنسبة للإله ، فإن محلها بالنسبة للإنسان مقيدة ، والمقيد في المطلق يقيد المطلق ، والمطلق لايكون مطلقاٌ إلا مع ذاته ، أو مع الذات المتماهية أو الموضوع المتماهي معه في الكينونة ، والحال إن الإنسان ليس متماهياٌ مع الإله ، كما إن مضمون الرزق ليس متماهياٌ مع المشيئة الإلهية .
المغالطة الثانية : إذا كانت المشيئة الإلهية مطلقة بالنسبة للإله ، فإن محلها في الأشياء ، ومضمون الرزق من الأشياء ، مقيدة ، فهل يستطيع أن يمنح الإله الخلود لأبي جهل ، أو أن يمنح عدد لانهائي من الصواريخ لأبي لهب ، أو أن يمنح الجنة كلها للشيطان ، أو أن يمنح الجهنم كله للرسول ، طالما لايوجد حد أو رقيب أو معيار أو ضابط أو مقياس لمشيئته .
المغالطة الثالثة : وبالتطابق مع أس الآية السابقة ، وطالما إن الإله لايأخذ بأسباب الرزق ، وطالما حسبه إن الرزق من المشيئة الإلهية ، فإن هذه المشيئة إعتباطية جزافية عفوية ، لذلك لايمكن لنا نحن البشر أو غيرنا في هذا الكون أن نرتكن إلى هكذا مشيئة فاقدة للمصداقية . ولعل الأمر الساطع على هذا الوضع هو : ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها ، وغداٌ سيقول : ولما قضى أبو فهمي منها وطراٌ زوجناها لأبي توني .
المأخذ الثالث : بالنسبة لمنطوق المشيئة وطبيعتها ، نحن إزاء فرضين أثنين ، إما إنها ثابتة بالمطلق ، أو إنها متغيرة ومتحركة بالمطلق . فإذا كانت ثابتة فإن كل النصوص التي إحتوت على مضمون المشيئة الإلهية أصبحت لاغية وباطلة وعاقرة . وإذا كانت متغيرة ومتحركة ، فماهي القاعدة الإلهية ، الكونية أو الشرعية ، التي تحرك المشيئة الإلهية بهذا الإتجاه أو بذاك الإتجاه . ومن الواضح إن إله الكون عاجز عن تفسير هذا الأمر ، بل إنه يتمادى في إبراز عجزه من خلال قوته الوهمية ومشيئته العقيمة الساذجة .
المأخذ الرابع : طالما إن مشيئة الإله تتحرك إعتباطياٌ في كل الإتجاهات ، وإنها تتغير حسب لاشيء ، يبقى السؤال الجوهري : إزاء هكذا تغيرات فكيف تتغير السنن الكونية ، وهل فعلاٌ لن تجد لسنة الإله تبديلاٌ ، سنرى ذلك بعد قليل .
ثالثاٌ : وفيما يخص موضوع الإرادة فلدينا المآخذ التالية :
المأخذ الآول : إن الإرادة الإلهية ينبغي من حيث الأصل أن تكون تامة وكاملة وكلية في محل موضوعتها ، وهذه الإرادة إما أن تكون أو ألا تكون ، ومتى كانت تحققت وجودياٌ موضوعتها ، وإذا لم تكن فلاشيء . لكن الإشكالية العظمى في تصور النصوص الإلهية ، إن الإرادة الإلهية رغبوية مزاجية إرتجالية ، لذلك قلنا عنها إن الإرادة الإلهية تتعلق بحدوث حادث يحدث ، وهكذا إرادة هي مثل الإرادة البشرية تصبو إلى تحقيق رغبة مع مفارقة إن الإرادة الإلهية ، من حيث تعريفها ، لا تأخذ بالأسباب ، في حين إنها بحكم الضرورة في الإرادة البشرية .
المأخذ الثاني : إن الإله ، في فرض وجوده وهو فرض كاذب ، لايحتاج إلى إرادة ، بل الأدق في القول إن الإله لايملك إرادة ، لسبب بسيط هو لو كان يملكها لحدثت أمور متجددة ، تلك الأمور والقضايا التي إما إنها تجدد المشيئة وحتى السنن الكونية وهذا دليل على إن هذا الإله كان يملك مشيئة خاطئة فيرقعها ، إما إن الإرادة هي توأم المشيئة وكلاهما توأم السنن الكونية وهنا يبرز السؤال الجوهري هو متى حدث هذا التوافق ، وكيف حدث ، مع العلم إن النصوص الإلهية تكذب هذه الفرضية ، وتناقض الأساس من حيث المبنى والمعنى .
المأخذ الثالث : إن وجود الإرادة لدى الإله هو تصور بشري محض ، ومقارنة سخيفة ، ومقاربة تافهة ، لإنها تدل على إن هذا الإله يحتاج إليها ، فإما يحتاج إليها لغيره ، أو لنفسه ، فإذا كان يحتاج إليها لغيره فإن الإرادة تصادر ذاتها لإن هذا الغير بحكم إنه مخلوق ، فإنه لم يكن وقد كان ، فتكون الإرادة لم تكن وقد أصبحت ، وإذا كان يحتاج إليها لنفسه ، فهو يحتاج إلى ، وطالما يحتاج إلى إلى ، فهو ليس إلهاٌ .
المأخذ الرابع : إذا كان الإله يريد لنا اليسر ولايريد لنا العسر ، حسب النص الإلهي الآية 185 سورة البقرة . فما الذي يمنعه من ذلك ، وما الذي يمنع إرادته من أن تحقق ذلك !! ، أم إن إرادته ناقصة ، أم إن إرادته رغبوية !! . لكن قد تتضح الصورة أكثر وتبرز البشاعة في الفكر الإلهي ، والسخافة في منطقه ، وعقم تهديده ، وسطوة تبجحه : ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ، يعذب من يشاء ، يعذب من يشاء ، ويغفر لمن يشاء ، يغفر لمن يشاء ، والله على كل شيء قدير . سورة المائدة الآية 40 .
رابعاٌ : وفي موضوع السنن الكونية الأزلية ، وفي الأزل كان الإله ، ثم الإله ، ثم ثم هو ، ثم السنن الكونية والمشيئة والإرادة . أي كان هو بدون سنن كونية ، بدون مشيئة ، بدون إرادة . والنصوص الإلهية تؤكد على ذلك لإنها عائدة لنا فقط ومرهونة بوجودنا ونحن لسنا إلا مخلوقات ، خلقنا فيما بعد ، ولم نكن أزليين . أي إن الإله لاسنن له ولامشيئة ولاإرادة ، وطالما نحن موجودن في الفعل فإن كان الإله موجوداٌ ، هو الآخر وهذه فرضية كاذبة ، فإن الكون ، كوننا ، قد ولد ، قد تكون غصباٌ عن هذا الإله ، وعن سننه فيما بعد ، وعن مشيئته ، وعن إرادته . وإلى اللقاء في الحلقة الثامنة والعشرين بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر