الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النهضة الفكرية من خلال التطور الاقتصادي تحصين لهويتنا الجماعية

خليل اندراوس

2022 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



المجتمع المتطور وصاحب القوة في عصرنا الحالي هو ذلك المجتمع الذي يمتلك القوة الاقتصادية القائمة على التطور العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي كبنية تحتية للمجتمع، ومن خلال ذلك وبعلاقة جدلية يمتلك القوة في البناء الفوقي للمجتمع، ونعني بذلك القوة السياسية والثقافية والحضارية والقوة العسكرية، وهذه القوة وخاصة في امريكا تستغل استراتيجيا من اجل فرض الهيمنة الامريكية على العالم وخاصة على المجتمعات الفقيرة في امريكا اللاتينية، افريقيا وآسيا وبما في ذلك المجتمعات الاسلامية وغير الاسلامية فاقدة القوة الاقتصادية، وكنتيجة لذلك فاقدة قدرتها على التأثير السياسي والحضاري والثقافي المؤثر على الساحة الدولية او في منطقة الشرق الاوسط، حيث خلت الساحة لإسرائيل وامريكا لكي تلعبا الدور الاساسي والحاسم في علاج قضايا المنطقة من منطلق الحفاظ على المصالح الامريكية والاسرائيلية، وفرض الهيمنة الامريكية على المنطقة.

عالمنا المعاصر يتجه بخطى متسارعة نحو المزيد من توظيف الأعمال الذهنية، والمتراكمات المعرفية والمعلوماتية، في الحياة الاقتصادية المادية للمجتمع، مما يؤدي إلى تغيير الكثير الكثير في البناء الفوقي للمجتمع، من ثقافة، وسياسة، وأدب وفن، بل مجمل الوعي الجماعي للمجتمع، وهذا بدوره يؤدي إلى تغيير الكثير الكثير من أنماط الحياة المختلفة. فالتطور العلمي التكنولوجي والمعلوماتي يحتل يوما بعد يوم مجالات وأرضا بكرا لم توطأ من قبل.
ولذلك كشعوب عربية عانت من الاستعمار على مدى مئات السنين، وبعد ذلك عانت وتعاني من أنظمة الاستبداد القبلي، والديني والوراثي، والبعيدة كل البعد عن الدمقراطية والمشاركة الجماهيرية في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، من خلال تهميش المؤسسات المختلفة المختصة في إدارة شؤون الدولة، تفرض على الشعوب العربية، ومؤسساتها وأحزابها، تغيير الكثير الكثير من رؤيتها لأرض الواقع، وطريقة التعامل مع الكثير من المعطيات والمستجدات وتفاصيل ومفردات الوجود الانساني.
فعالمنا المعاصر يموج ويمور بالمفاهيم والأفكار والتطور العلمي والمعلوماتي، والتي بالمطلق لا تنبع من الأرض العربية، إلا نادرا، ولذلك نجد أنفسنا، ننشغل بمشاريع سخيفة وسطحية.
فما نحن بحاجة إليه هو التركيز على التطور الاقتصادي المادي، والتربية العقلية والعلمية، وإثراء عالمنا السياسي والثقافي والفني، من أجل خلق عقلية جديدة ترى العالم المعاصر على حقيقته والتعامل معه من منطلق جدلي، من خلال عملية الابداع والتلقي الايجابي، لأن هذا العصر فيه الغث والسمين، الإيجاب والسلب، فلذلك نحن بحاجة إلى عملية فرز دقيقة وشفافة على أساس عقلاني علمي جدلي، وهذا لا يمكن أن يحدث من خلال انسلاخنا عن عصرنا، وتقوقع عقولنا والعودة السلفية الرجعية إلى الوراء.

لا يستطيع العقل أن ينتج فكرا فاعلا ومؤثرا، ما لم يجد غذاءه الكافي من الواقع المادي المعاش ومن الواقع الاقتصادي الاجتماعي لهذا المجتمع أو ذاك. ففي مثلث العقل، الفكر، المعرفة، تمثل المادة المعرفية، الواقع المادي قاعدة المثلث. ولذلك من أجل أن لا تكون الأفكار مجرد تصورات، وتخمينات، وخيالات ذاتية، وهذا ما ينتجه الفكر الجماعي العربي، ولذلك ليس صدفة أن الغالب على الثقافة العربية المعاصرة التراثيات والايديولوجيات السياسية الرجعية "السلفية" مقابل ضمورها في المعرفة العلمية والعلوم الاجتماعية.

فالذي نحن بحاجة إليه اليوم إذا، هو استئناف مسيرة النهضة الفكرية والانطلاق منها دون إفراط أو تفريط، من خلال عملية جدلية للتلقي والإبداع، فلا شيء يبدأ من فراغ. فكل الأمم لا يمكن أن تحقق أي نوع من الصحوة أو الانطلاق نحو واقع جديد أفضل، إلا من خلال تراكم متصل بالماضي، يتعامل مع الحاضر، ويبني للمستقبل من أجل تحقيق الانعطاف النوعي.

فنحن بحاجة الى ثورة ثقافية علمية جدلية متماسكة تعتمد على مفاهيم المادية الجدلية للتاريخ، تتواصل مع حاضر الواقع العربي، وتبني من أجل مستقبله الأفضل، وتقرب هذه الأمة العربية – الإسلامية نحو أفق الحقيقة الإنسانية وبالتالي التلاؤم مع تلك الحقيقة والالتزام المبدع والخلاق معها. لذلك وجب علينا أن نزحزح ونضع جانبا عبء الأجوبة المتكررة والشعارات الزائفة ونطرح بديلا لذلك أسئلة كبرى تفرضها ضروريات الواقع العربي المعاش، والتي تطرحها أي نهضة أصيلة، منبثقة من واقعها المادي الاقتصادي الاجتماعي الثقافي من أجل خلق واقع جديد، أكثر دمقراطية وعلمانية، وأعلى ثقافيا وأدبيا وعلميا. فلنتحرر من الأجوبة الجاهزة، الكثيرة التي تملأ رؤوسنا، وتمنع عنا الهواء والنور ولنستنشق هواءً جديدا فأسئلة النهضات الجديدة عبر التاريخ كانت شرطها ألا تكون لها إجابات جاهزة لكنها بطبيعتها حافزة على إجابات مقبلة تغير التاريخ وغني عن البيان أن طرح أسئلة كهذه يحتاج الى مناخ أهم مقوماته حرية الرأي والتخلص من الآراء المسبقة، والذاتية والعصبية القبلية والعائلية والدينية.

والثورة الأصلية هي التي تعرف كيف تبني فوق ما سبق من بناء، وأصالة، وتقدم، أما الهدم من خلال طمس وتشويه الحقائق وخاصةً ما يخص عصر النهضة في مطلع العصر الحديث فلن ينتج غير ما نحن فيه، بل يعيدنا الى التخلف أكثر فأكثر وهذا ما يريده الغرب الاستعماري والحركة الصهيونية لكي يسهل عليهما السيطرة على شعوب المنطقة من خليجها الى محيطها.
فقط من خلال امتلاك فكر عقلاني علماني جدلي متحرر، نتمكن من فهم التغييرات الأساسية التي تطرأ على عصرنا كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم، وبالتالي تحدث التغييرات السريعة على ملامح عصرنا، وأوضاعه السياسية والاقتصادية والثقافية، خصوصا وأن عالمنا العربي يتعرض لغزو ثقافة الخواء والفراغ والابتذال، والمظاهر والشكليات، ثقافة تخلو من المضامين الانسانية التي تحصّن الذات وتعمّق الهوية وتبني الجسور مع الآخر.
حياتنا الاجتماعية تتعرض للكثير من التسميم، من خلال سلوكيات وعلاقات الاستهلاك، والانتهازية والفردانية والمظهرية والكذب والنفاق والخداع، وتقلب المواقف، والسطحية، وبعيدا عن المساءلة وعن مراجعة الذات، وبعيدا عن تحصين الذات والمجموع، وبعيدا عن وضع رؤيا مستقبلية لغدٍ أفضل.
لذلك نحن بحاجة إلى نماذج ومؤسسات وحركات تسعى من أجل المشاركة الشعبية الواسعة والمتجددة والفاعلة وخلق أدوات للنمو والانجاز، وتحديد الأهداف ووضع أساليب وممارسات تحقيقها، والتطور العقلاني الجدلي المثابر، لكي نتغلب على مفاهيم اليأس والإحباط والغيبيات والأوهام والعودة السلفية إلى سراب الماضي.
وبرأيي، هذه الرسالة، أي نشر الفكر الماركسي المادي الجدلي، يجب أن يكون مهمة أساسية أمام الأحزاب الشيوعية هنا وفي عالمنا العربي، من أجل حماية شعوبنا من ديكتاتوريات "الكهنة" والفكر السلفي الأصولي الرجعي ومن الفكر البرجوازي الرجعي، ومن انتهازية البرجوازية الصغيرة.

علينا ان نحصن هويتنا الجماعية، من خلال رفض كل تصنيف قبلي او طائفي او عائلي ومن خلال تقبل الآخر وبناء جسور التواصل والحوار الحضاري مع الشعوب الاخرى، وهذا يخلق الارضية المناسبة لافشال سياسات معاداة العرب والسياسات العنصرية.

فالمطلوب من الشعوب العربية ومؤسساتها الثقافية والفكرية والسياسية صحوة معرفية عقلية تحليلية نقدية مبنية على الفكر الجدلي والمفهوم المادي للتاريخ، لذاتها أولا لواقعها أولا، ولما فيها وحاضرها ولحقائق عالمنا المعاصر ثانيا فلا صحوة بدون فكر جدلي متقبل ومبدع، وبدون عقل، ولا صحوة بلا معرفة حقيقية للذات.
وفي النهاية، فالثقافة السائدة في الغرب وفي اسرائيل والتي تعكس مصالح طبقة رأس المال العسكري والمالي، لا تتعامل مع وقائع عالمنا المعاصر، الا من منظور مصلحة هذه الطبقة وعلى حساب شعوب الدول النامية والفقيرة وعلى رأسها الشعوب العربية.

فالمطلوب تجاوز الثقافات والموجات العابرة الى ثقافة الأصول الفاعلة في قضايا العصر، لكي نؤسس أصولنا الجديدة على أساس علمي حضاري جدلي من خلال عملية التلقي والإبداع الإنساني مستفيدين من الفكر الثوري لتطور المجتمع الإنساني، ومن خلال الاستفادة العميقة والواسعة لمفاهيم وقوانين المادية الماركسية الجدلية التاريخية. لأن هذا العصر لا يتساهل مع الثقافات المتجمدة وغير القادرة على مراجعة ذاتها وتشخيصها ونقدها على أساس علمي جدلي تاريخي فالتاريخ يصنعه نشاط الجماهير الشعبية، والنضال الطبقي هو قوة التاريخ المحركة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير