الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهت الانتخابات: الأزمة مستمرة

سعد الله مزرعاني

2022 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



نتابع في مقالة ثانية نتائج ودروس المعركة الانتخابية التي حصلت في 15 أيار الماضي (المقالة الأولى، «الأخبار» 21 أيار الماضي). العنوان يستبق إلى أنّ الأسباب التي ولَّدت الأزمة الطاحنة التي تضرب لبنان واللبنانيين، لن تجد لها علاجاً بعد هذه الانتخابات. ذلك أن تلك الأسباب الخارجية والداخلية، مستمرة على تفاعل وتداخل سلبيَّين، وربما في مستوى من التعفّن والفشل داخلياً والإصرار والتصعيد خارجياً، أكبر وأخطر.

ينبغي التكرار، أوّلاً، أن السياق الطبقي الاجتماعي للأزمة – الصراع قد فرض أولوية، لم تتمكن أدوات وآليات المنظومة السياسية التحاصصية الطائفية، من السيطرة عليها بالكامل. نقيض ذلك كان سيبدو غير عادي وغير طبيعي بسبب فداحة الخسائر وشمولية التضرر. لكن الأدوات والآليات المذكورة المترسخة والمجرَّبة والمعمّمة قد أدّت دوراً غير بسيط في احتواء الكثير من أشكال الاحتجاج الشعبية. في السياق، بلغت حملة شدّ العصب الطائفي والمذهبي ذروتها في الأسابيع الأخيرة التي سبقت الانتخابات. لم يدفع ذلك، على خطورته واستثنائيته، قوى اليسار الجذري والديموقراطي نحو بناء تيار سياسي وطني واضح الأهداف والأولويات والخطة والقيادة من أجل تقديم بديل للبنانيين، متماسك وجدّي، في مرحلة الانهيارات والفشل والأزمات، أي مرحلة الانعطافات الممكنة والضرورية والإنقاذية. بُذلت جهود لهذا الغرض. لم تنجح بسبب الفئويات المخلّة بشروط العمل الجبهوي والوطني العام، خصوصاً في مرحلة التحولات الكبرى. نزل محتجّون متضررون إلى الساحات، بأعداد ضخمة، وبعفوية غالبة. لكن التربص الخارجي، الذي واكب تفاقم الأزمة وأسهم في تغذيتها ودفعها إلى الاستعصاء والانفجار، كان حاضراً، من أجل الاستغلال والاستثمار مستنداً إلى خبرة وإمكانات وقوى وأساليب قادرة ونشيطة ومجرّبة. هذه مسألة أساسية ينبغي التوقف عندها كأهم وأبرز درس ينبغي استخلاصه بعد أن كشفت تجربة السنوات الثلاث السابقة، وكذلك الانتخابات، تواضع المحصلات والمكاسب الشعبية قياساً على الممكنات التي كانت متاحة فيما لو اعتمد مسار آخر للمواجهة الشعبية الواسعة: برنامجياً وتعبوياً وإدارياً وانتخابياً. هذا الأمر مطروح بقوة الآن خصوصاً أن الانتخابات قد كشفت بأن القوى السلطوية التقليدية ما زالت تمسك بزمام الأمور في خلافاتها وفي اتفاقاتها، فيما «نواب الثورة» تتجاذبهم مؤثرات متنوعة، ولا يجمعهم توجه واحد وبرنامج مشترك وخطة عمل موحدة... ولا، أساساً، مشروع وطني عام.


الاستنتاج الطبيعي إذن، أنّ تيار المعارضة المنشود ينبغي أن يكون مستقلاً ومتحرراً من التأثيرات الخارجية الصاخبة، التي طبعت مرحلة طويلة من الاحتجاجات وكل المرحلة التمهيدية للانتخابات وصولاً إلى تحديد الأولويات والشعارات واللوائح، عبر تدخل سافر ووقح، روّج له إعلام نشيط ومأجور (هل «اشتلق» المراقبون الأوروبيون على تلك الفضيحة؟)!
التغيير، في ظروفنا الاستثنائية والعصيبة الراهنة، ليس نزوة أو ترفاً، خصوصاً عند تعاظم الأزمات والتناقضات والمخاطر، وتداخل المؤثرات المحلية والوافدة وتعدُّد اللاعبين. إن التغيير سيكون، بالضرورة، ثمرة مشروع متكامل، بديل وجدي ومعبئ للقوى المتضررة: بالبرنامج والشعارات والأولويات الملموسة، والخطط الناجحة. هذا الأمر ينبغي أن يبدأ منذ الآن: بشكل منطقي وواع ومثابر وبعيد عن الارتجال والفئوية والتسرع والتفرّد، في امتداد ذلك لم يفت الأوان بعد، بالنسبة لقوى التغيير ذات الخبرة والتجربة والتاريخ، كي تراجع مواقفها، بشكل جدّي ومسؤول، لاكتشاف الاختلالات والأخطاء، خصوصاً بشأن الأهداف والأدوار الخارجية وفي مقدمها الدور الأميركي الذي منه يبدأ التقييم والاستنتاج والتصحيح.
تتصل المسألة الثانية، ذات الأهمية الكبرى، بموضوع المقاومة ضد العدو الصهيوني. تعطيل المقاومة هدف كبير بالنسبة للعدو الصهيوني وحُماته الغربيين والمطبّعين، القدماء والجدد. استندت قيادة المقاومة، في تأمين شرعيتها وحماية ظهرها، في مرحلة الإدارة السورية للبنان، إلى النفوذ الحاسم، في لبنان، لتلك الإدارة. في المرحلة اللاحقة استندت قيادة المقاومة، إلى توازنات النظام السياسي اللبناني، وخصوصاً إلى الخلل والاختلال في بنيانه، الناجمَين عن التحاصص الطائفي الذي تُدار عبره شؤون السلطة والبلاد عموماً. تبلورت تباعاً معادلة مقايضة ضمنية، ما بين شرعنة سلاح المقاومة، وبين استباحة البلد من قبل متحاصصين، امتشقوا بوحشية مدمرة، سيف العبث والنهب والفساد، مستفيدين من آليات النظام نفسه وبحكم تبعية أطرافه تقليدياً للخارج، ودائماً، بحكم تعطيل المحاسبة والمساءلة بالاقتران ومخالفة القانون والدستور. قاد ذلك، تباعاً، إلى الأزمة الكارثية الشاملة المفتوحة على أسوأ الاحتمالات: استهدافاً للبلد عموماً، وللمقاومة ضد العدو الصهيوني، بالدرجة الأولى.


المعادلة التي بدت «ذهبية» لفترة تحولت، واقعياً، إلى كارثية في السنوات الأخيرة: المقاومة اضطرت إلى الدفاع عن منظومة النهب والفساد، وصولاً إلى قمع بعض الاحتجاجات الشعبية، ما بات، بسبب تعاظم الأزمة، شديد التكلفة على المقاومة سياسياً وشعبياً. إن ضراوة الفساد والنهب وانعدام أي شعور بالمسؤولية من قبل السلطة، وضخامة التصميم الخارجي على العقوبات وعلى إفلاس البلد وإثارة الفتن فيه، جعل الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تدفع الثمن باهظاً دون رحمة أو نهاية.
أريد للانتخابات في 15 أيار أن تكون مرحلة فاصلة لجهة نزع الشرعية، رسمياً، عن المقاومة، تسهيلاً لإغراقها بالمشكلات الداخلية المتراكمة في الداخل والمغذاة من الخارج: سياسياً وأمنياً واقتصادياً. لم تتمكن القوى التي أدارها السفراء والمبعوثون الأميركيون وبعض حكام الخليج، من تحقيق انتصار حاسم في حرب تنتمي إلى «الجيل الرابع» من الحروب «الناعمة» التي تعتمد على إنهاك الخصم وإغراقه بالمشكلات من كل نوع بصراعات وبقوى محلية، وفق المثل الشائع «من دهنو قليلو»! لكن الأزمة ما زالت مفتوحة. وهي أزمة مستعصية على الحلول بسبب فشل «الصيغة» اللبنانية وعجز وفئوية أطرافها، وبسبب الضغط الخارجي الذي تراجع، نسبياً، تحت تأثير الأزمة الأوكرانية. المقاومة مدعوّة إلى مراجعة هذا الوضع الذي سيلحق بها وبالبلاد إضراراً أكبر من تلك التي وقعت حتى الآن: سياسياً ومعنوياً وشعبياً وأمنياً. لن يكون ذلك، بالطبع، من خلال الاستمرار في المعادلات والسياسات السابقة التي تركّزت على عوامل السلاح والتمذهب والتوازنات الطائفية! والبدء، ينبغي أن يكون، حكماً، من لقمة العيش وحبة الداء إلى الماء والكهرباء والمدرسة!


تقييم الانتخابات، هو في الواقع، تقييم لمرحلة كاملة من التاريخ اللبناني المعاصر: بكل ملابساته وصراعاته وتمايزاته وتسوياته وانتصاراته. إنها لحظة الحقيقة بالنسبة إلى الجميع، من أجل عقد جديد، ومقاربات جديدة، وعلاقات جديدة لإنقاذ لبنان وشعبه ووحدته وكرامة أبنائه. وللحفاظ على الإنجاز الأكبر الذي سطّره شعبه بالدم والتضحيات والبطولات في مواجهة المحتل الصهيوني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر