الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 66

ضياء الشكرجي

2022 / 6 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصاصَ فِي القَتلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ وَالأُنثى بِالأُنثى فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أَخيهِ فَاتِّباعٌ بِالمَعروفِ وَأَداءٌ إِلَيهِ بِإِحسانٍ ذالِكَ تَخفيفٌ مِّن رَبِّكُم وَرَحمَةٌ فَمَنِ اعتَدى بَعدَ ذالِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَليمٌ (178) وَلَكُم فِي القِصاصِ حَياةٌ يّا أُلِي الأَلبابِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ (179)
الآية 178 من المتشابهات، أي مما يمكن فهمهما على مَعنَيَينِ وأكثر. الإسلام، كما الديانتان الإبراهيميتان السابقتان له، يرى أن قصاص القاتل هو القتل، وما نسميه بلغة العصر بحكم الإعدام، وما تعبر هذه الآية بالقصاص. وعبارة «كُتِبَ عَلَيكُم»، والتي تعني الفرض أو الواجب الديني، يمكن أن تفهم بمعنيين، إما أن أصل القصاص، أي إعدام القاتل ليس حقا بل هو واجب، أو يمكن أن تعني أنه إذا ما اقتصصتم من القاتل، فكتب عليكم القصاص على النحو المذكور في هذه الآية أي «الحُرُّ بِالحُرِّ، وَالعَبدُ بِالعَبدِ، وَالأُنثى بِالأُنثى». وهنا يتعدد فهم المقصود بذلك، إما ولكون قيمة العبد دون قيمة الحر، وقيمة المرأة دون قيمة الرجل، حسب معايير العرب آنذاك، والتي لم يصححها الإسلام، إلا بشكل محدود جدا، بل أبقاها على ما هي عليه، خاصة فيما يتعلق الأمر بالمرأة. المعنى الأول الذي إن صح يدان به القرآن، هو أن القاتل إذا كان حرا، لا يقتل إلا إذا كان المقتول حرا مثله، ولا يقتل إذا كان المقتول عبدا، بينما القاتل إذا كان عبدا، فيقتل في كل الأحوال، سواء كان المقتول حرا أو عبدا مثله، وسواء كان رجلا أو امرأة. وهكذا إذا كان القاتل رجلا، فلا يقتل إلا إذا كان المقتول رجلا مثله، أما إذا كانت المقتولة امرأة فلا يقتل الرجل بالامرأة، أما الامرأة فتقتل بقتيلها سواءً كان رجلا أو امرأة مثلها، وإذا كانت القاتلة امرأة غير حرة أي أمة (عبدة)، فهي تقتل في كل الأحوال إذا كانت قتيلتها مثلها امرأة أمة، وتقتل بكل تأكيد، إذا كان قتيلها رجلا، عبدا مثلها ومن قبيل الأولى إذا كان حرا، لكن لا ندري ماذا لو قتلت امرأةٌ أَمَةٌ امرأةً حرةً، فلعله يمكن هنا أن تحل قاعدة أن الأمة لا تقتل بالحرة، بل بمثيلتها الأمة. والمعنى الثاني الذي إذا صح يبرأ به القرآن على الأقل في هذه القضية من التمييز، وهو المعنى الذي يمكن أن نفهمه أيضا من هذه الآية، عندها يمكن أن يفهم من الآية أنه إذا كان القاتل حرا، لا يجوز قتل عبد مكانه، إذا كان المقتول عبدا، بل يقتل القاتل نفسه وإن كان حرا، ولو كان المقتول عبدا، ولا يقتل العبد إلا إذا كان هو القاتل، كذلك إذا كان القاتل رجلا، لا يجوز قتل امرأة مكانه، إذا كانت المقتولة امرأة، بل يقتل القاتل نفسه، وإن كان رجلا، ولا تقتل الامرأة إلا إذا كانت هي القاتلة، وهذا المعنى ما تؤيده القاعدة القرآنية، وهي نفسها القاعدة وفق معايير العدالة المتجردة «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِّزرَ أُخرى»، وهذا الحكم سار مفعوله في عقوبات الدنيا وفي عقوبات الآخرة، فلا يجوز معاقبة شخص على جريمة غيره في الدنيا، ويمتنع أن يعاقب الله بعدله إنسانا على ذنب غيره. بما أن المعنيين في هذا النص (المُتشابِه) فمن قبيل الأولى إنصاف القرآن لنأخذ بالمعنى الذي ينفي التمييز بين الرجل والمرأة من جهة، قاتلا أو قتيلا، وبين الحر والعبد من جهة أخرى، قاتلا أو قتيلا، ولكن لا نقول يُدان بل يُنتقَد القرآن، لأنه جعل نصا بهذه الخطورة من المتشابهات، ويحتمل معنيين أو أكثر، ولم يجعله من المحكمات ذا معنى واحد واضح غير قابل للتأويل أو سوء الفهم. والفهم الآخر ليس غريبا كل الغرابة عن القرآن، خاصة ونحن نعلم أنه فضل الرجل على المرأة في كل شيء تقريبا.
وحكم قتل القاتل، إذا أخذنا بالمعنى الذي لا يميز بين قاتل وقاتل، ولا بين مقتول ومقتول، ليس خاليا من ثمة استثناء، ولكن القضاء لم يكن متطورا كما في عصرنا الحاضر، كان لما يسمى بولي الدم، أو ولي القتيل، الأقرب فالأقرب من ذويه الذين على قيد الحياة، حق في اتخاذ قرار العفو عن القاتل، ذلك بنص «فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أَخيهِ فَاتِّباعٌ بِالمَعروفِ وَأَداءٌ إِلَيهِ بِإِحسانٍ ذالِكَ تَخفيفٌ مِّن رَبِّكُم وَرَحمَةٌ»، ففتح باب العفو عن القاتل في حالات تستوجب العفو، هو تطبيق لمبدأ العفو كمبدأ أخلاقي إنساني، ومبدأ الرحمة الإلهية التي تتجسد هنا بما أسمته الآية «ذالِكَ تَخفيفٌ مِّن رَبِّكُم». ثم جرى التحذير والنهي عن التراجع عن العفو، بأن يتراجع نفس الذي عفا، أو بادر فرد آخر من ذوي القتيل أو من عشيرته بقتل القاتل بعد العفو عنه، فهنا تقول الآية: «فَمَنِ اعتَدى بَعدَ ذالِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَليمٌ»، ولا تأمر الآية بمعاقبة الفاعل هنا دنيويا، بل توعدته بالعذاب الأخروي.
ثم الآية التالية تبين علة حكم القصاص، أي الحكم بإعدام القاتل، بقول «وَلَكُم فِي القِصاصِ حَياةٌ يّا أُلِي الأَلبابِ»، بمعنى أن هذه العقوبة هي رادعة أكثر من كونها انتقامية، وربما نفهم هذا، لكون الوسائل الأخرى لردع المجرم ومنع الجريمة المعروفة في الدول المتحضرة اليوم لم تكن معروفة وقتذاك، ولذا الذي يرى وسيلة أخرى لمنع جريمة القتل أو الحد منها، لا يمكن نفي صفة «أُولِي الأَلبابِ»، فأكثر الدول الحديثة المتحضرة وذات القوانين المتقدمة في تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة لا تعمل بعقوبة الإعدام، بل أصبح من شروط الدول الديمقراطية المراعية لحقوق الإنسان ألا تعمل بعقوبة الإعدام. إذن وصف القبول بفكرة أن في القصاص حياة بذوي العقول والألباب قد يكون صالحا لذلك الزمان، لكن لا يمكن سريان مفعوله على زماننا. أما ختم الآيتين بعبارة «لَعَلَّكُم تَتَّقونَ» تشير إن من التقوى، أي من الإيمان المعمق أن يكون الإنسان مطيعا لأحكام الله، أعجبته أو لم تعجبه، اقتنع أو لم يقتنع بها. هذا المبدأ يكون صحيحا كليا، إذا ثبت أن الحكم صادر عن الله، مطلق العدل، مطلق الحكمة، مطلق العلم، ومطلق الرحمة. أما كاجتهاد بشري لمؤسس الإسلام ومؤلف القرآن، فهو قابل للمناقشة والرد والنقد والتعديل، كأي اجتهاد بشري ليس مطلق الصواب، بل نسبي الصواب، وبالتالي كنتيجة نسبي الخطأ. وكون الإعدام وما تسميه الآية بالقصاص يكون رادعا عن ارتكاب جريمة القتل بقول «وَلَكُم فِي القِصاصِ حَياةٌ»، فالواقع ينبئنا أن جرائم القتل لا تحصل في البلدان التي ألغيت فيها عقوبة الإعدام، أكثر مما هو الحال مع البلدان التي ما زالت تعمل بهذه العقوبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل


.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال




.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع