الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياحة غراب في فضاء غير مرئي ..

احمد الحمد المندلاوي

2022 / 6 / 7
كتابات ساخرة


# خرج كعادته كل صباح الى ثنايا المدينة المكتظة بالناس،و ذات مبانٍ عالية في يوم ربيعي جميل؛ و لكن أفسده ضجيج المارين وأزيز العجلات و إنبعاثُ الغازات منها،لا سيما الدراجات النارية التي تكثر في هذه الكبيرة،حتى يشعر المرء أحياناً بالإختناق من تلوث الجو،صحيح جميل و ممتع و لكن مع آلام لا تحلو حتى جنّة الفردوس ،حثي الحنين الى الوطن والأهل يهدمان سعادة المرء..
السائرون ما بين من يهرع الى عمله ليباشر نهاراً جديداً،ومن يؤوب الى منزله بعد سهر الليل في معمله ليطوي نهاره،و آخرون لا يعلم سرائرهم الا الله،وهكذا الناس في هرج و مرج مع نداء الباعة ،و ما أكثرهم على الأرصفة أو تجوالاً..
..وهو يحمل في جيبه قلماً و دفتراً متواضعاً ليسجل فيه ما يراه طريفاً يجلب انتباهه في المهجر وسط هذه المدينة الواسعة و الشاسعة ،وكأن ليس في الدنيا غيرها من مدن،ولا يعلم من لغتهم الا القليل لتدبير أموره اليومية فقط من التسوق البيسط من غذاء أو ملبس...تبدو عليه علائم الغربة و الهجرة ،و هو يتأمل العودة الى بلاده مهما طال الزمن،وأن إشتعل الرأس شيباً فلابدّ من الإياب بانقشاع الغيمة السوداء و ببزوغ شمس الآمال،في تلك الربوع التي طالما تنفسنا من عبق نسيمها و ارتوينا من سلسبيل مائها إنه سِفر الوجود و جنة الحنين ..سارت به الذاكرة الى سنين الوداد والصفاء في تلك الديار ..ويردد مع ذاته الكئيبة أبيات أبو القاسم الشابي التي حفظها في الإبتدائية.. دعني من هذا فما أقوله و أتذكره يسري في دمائي ليل نهار بلا توقف مسرى الحياة..وها نفتتح نهارنا هذا و لندون في هذا السجل البائس ما نراه مناسباً،قد يحاسبني إن لم أكتب فيه شيئاً فهذا زاده اليومي،ولا لي صديق غيره في هذا الزمن الممل و الثقيل على القلب و الروح،و لكن ليس مفرٌّ من ذلك فهو المعبر الى السعادة ،و لكن متى؟؟..لستُ أدري؟كتيهان ايليا ..
إتكأ على اسطوانة مرمرية في البهو و لم يدرِ سبب وقوفه في هذه النقطة منتصف الطريق،فلاحظ أحد الوجوه،ولكنه يبدو و كأنه غريب نوعمّا،إذاً قد يكون هو الوالج الأول في دُفيتر ملاحظاتي هذا النهار،فإذا بنقطة سوداء برزت في أعلى جبهته،كبرت النقطة شيئاً فشيئاً بحجم الجوزة فإذا بغراب أحسحم أسود يخرج منها متجهاً بسرعة الى أحد الأشخاص ذي عيون جميلة أخذ ينقرهما بشدة يا للعجب و الشخص أخذ يفرك عينيه بشدّة بعدما أحس بان شيئاً غريباً داهمه،ولم يره..و لكنه يهشُّ شيئاً ما ، بدأ يتكلم مع نفسه:
- ما هذا يا إلهي؟؟..
واصفر لونه؛مع قطرات العرق،وأصابه الغثيان لحظات و مضت بسرعة،دون أن يحسَّ به أحد ،و لكل واحد منهم عالمه الخاص،فإذا به يسرع الخطى نحو أقرب مشفى للطوارئ و العلاج.
والغراب المشؤوم رجع الى وكره،ولكن بالمقلوب مقزِّماً نفسه حتى عاد حبّة سوداء ليدخل جحره ثانيةً،لمهمة جديدة أخرى بأمر من سيّده ،وهو مبسمر في مكانه و علتْ وجهه صفرة كأنه كان في مخاض، فاغراً فاهُ قليلاً ،وكأنَّه ينتظره إياب شيءٍ خرج منه،وليتركا المكان معاً !!،و لكني علمتُ أنَّ ذاك الشيء هو الغراب الجوّال الذي يسيح في فضاء غير مرئي،وأفسد على ذالك الشاب الأنيق متعة التجوال في هذه العاصمة الجميلة.
وما زال يتأمّل هذا المشهد و هو مُتكأ على تلك الاسطوانة المكسوة بقطع صغيرة من المرمر الداكن..و هو يهمهم مع نفسه المثقلة بأمور كثيرة،و آمالٍ مجهضة.
- أريد أن أتحدث مع هذا الرجل..وأخبره بما حدث له،ولكن كيف يتم ذلك و لا أجيد لغته،كما هو لا يجيد لغتي العربية.
غادر ذو الغراب المكان بتثاقل،وأنا قلتُ مع نفسي:
- لا عليَّ الّا أن أدوّن في هذا الدفتر المتواضع ما شاهدت هذا الصباح،و لكل شيء تفسير،و تعبير!!..
و لدى المساء و هو في شقته المتواضعة يعمل لنفسه عشاء متواضعا حيث لا يجيد فن الطبخ و لكن الضرورة تحكم عليه بإعداد طعامه لقلة ما في الجيب و غلاء المطاعم،رفع رأسه قليلا هنا كانت المفاجأة ليرى الغراب المشؤوم على سلك الكهرباء و كأنه يبغي التحدث معه..ولكن بطريقة عجيبة كأن تحت جناحه جهاز (بلوتوث) يتكلم من خلاله :
- نعم سمعت و رأيت تاملاتك الحزينة مع آلام الأنين يخرج من فؤادكم المحروم ،بلا جواب لذا زرتك مع أنسام هذا المساء،كي أخفف عن كاهلك ثقل المأساة.
- أنتم البشر ظلمتونني كثيرا بـ (نعيق الغراب،و غراب البين، و الشؤم..)،و لكنّي علمتكم أهم شيئ في حياتكم الدنوية،علمتكم جوهر البقاء،و لولاه لأصبحت الكرة الأرضية جبلاً من النفايات و الجيف ،و لـَمتُم بداء الجيف بدلاً من داء الكارونا و الهيضة و...
- بل ذكرني القرآن الكريم ،و نادى عمكم القاتل قابيل:
- أعجزتُ أن أكون...
- أنا صديقكم الأزلي و لكن بعض منكم استغلوني و استعمروني كما فعلت الدول اللاعظمى في استعباد الملل الضعيفة.و هذا ما فعل صاحبي بي؟؟؟و حلّق في هذا الليل البهيم مع أضواء المصابيح الى حيث لا أعلم .
- قلت مع نفسي :
- ما هذا بــ(غراب) قد يكون جنيّا في هيئة غراب.
- إذاً كم الحياة مملوءة بأعاجيب الامورة غرائبها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج