الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف قرن من الصراع في الصحراء الغربية 2

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


بعد عرض موقع نزاع الصحراء في خريطة الديناميكيات الإقليمية و دخول الجزائر على الخط، نتابع في هذه الورقة التحول الطارئ على قضية الصحراء في ثمانينيات القرن الماضي

نقطة التحول في ثمانينيات القرن الماضي

حاول الحسن الثاني تغيير ميزان القوى لصالح بلاده. إذا كان استمرار هذه الحرب - التي سمحت بتحقيق نوعا من الإجماع حول العرش - ضروريًا للنظام الملكي وقتئذ ، فقد يبدا أن طريقة أخرى لتسييرها ضرورية أيضا للتغلب على مجموعة حرب العصابات المؤيدة لجبهة البوليساريو خلال السنوات الأولى من الصراع. ثم اختار المغرب استراتيجية أخرى عسكرية ودبلوماسية وسياسية. في قمة منظمة الوحدة الأفريقية في نيروبي عام 1981، وافق الملك الحسن الثاني على مبدأ تقرير المصير لكسر عزلة بلاده على المستوى الدولي. كما أقام الجدار الدفاعي العازل في الصحراء الغربية لحماية المناطق المأهولة والغنية بالفوسفات من غارات العدو(1). وهكذا تحولت حرب العصابات التي كانت في صالح جبهة البوليساريو بين عامي 1975 و 1979 إلى حرب استنزاف ، بينما تم تدوين الخلاف في "جدول أعمال" القانون الدولي. في عام 1988 ، منحت "المصالحة" - بين الجزائر والمغرب- الرباط وسيلة لاستنفاد خصمها – البوليساريو- من خلال حرمانها من مزاياها التاكتيكية على الأرض ، وعبر التنافس معها على المستوى الدبلوماسي ومحاولة فك ارتباطها بالجزائر.
____ (1) أقيم بين عامي 1980 و 1987 من قبل الملك الحسن الثاني ، "جدار الرمال" ، الذي يبلغ طوله أكثر من 2000 كيلومتر ، ويتكون من حقول ألغام ، وسدود ، وخنادق ، ورادارات "Rasura" للمراقبة الدقيقة وغيرها و مداها يزيد عن 50 كيلومترًا ، وبوابات "نورثروب" – Northrop - الإلكترونية. ... وتم إعداده بمساعدة خبراء إسرائيليين وأمريكيين. _____________________________________________________________

حاول المغرب اجتذاب الصحراويين من جبهة البوليساريو من خلال تقديم ظروف مادية مواتية لهم واستخلاص العبر من النجاح السياسي أو الاجتماعي لبعض الصحراويين الذين مكثوا بالصحراء والذين قدمتهم الرباط كنماذج للمغرب للثناء على سياسته التنموية ودمج ساكنتها. فمباشرة بعد رحيل الإسبان في 1976سنة ، اتخذت الحكومة المغربية قرارًا بتثبيت إدارتها في ما أسمته وقتئذ "أقاليمها الجنوبية" ، وهي إدارة مماثلة كليا لتلك القائمة في كافة المغرب. كما نظمت الرباط انتخابات محلية وبرلمانية هناك. من خلال توسيع إدارته لتشمل الصحراء ، من خلال تنظيم الانتخابات وممارسة سيطرة وثيقة على الموارد والسكان ، اعتزم المغرب أولاً تحقيق إدماج الأرض وإدماج السكان في المملكة المغربية دون الالتفات للمجتمع الدولي وعدم الاكتراث بموفقي جبهة البوليساريو. والجزائر.

الحكم الذاتي مقابل تقرير المصير

في أيلول 1991 ، شُكلت بعثة الأمم المتحدة "لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية" - مينورسو - لمراقبة وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء في يناير 1992 ، لكن لم يكن من الممكن إجراؤه جراء عدم اتفاق طرفي النزاع حول كثلة الناخبين ومن له الحق في التصويت. وهكذا تعثرت عملية السلام. ولإعطائها زخما جديدا ، تم تعيين وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "جيمس بيكر" في سنة 1997 مبعوثًا خاصًا للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء. وخلال ثلاث مناسبات - في 2001 و 2002 و 2003 - اقترح خطط الخروج من الأزمة التي تم رفضها. في الواقع ، لم يكن أطراف النزاع مستعدين لإيجاد حل للأزمة في مقترحات "جيمس بيكر". كل ظرف ظل واحد متمسكا بمواقعه منطلقا من وضعية المنتصر على خصمه.
قُبَيْل وفاته ، اختار الملك الحسن الثاني حل الحكم الذاتي. واعتمد ابنه محمد السادس ، الذي خلفه في عام 1999 ، الحكم الذاتي كوسيلة لحل النزاع ، وبذلك استبعد ضمنيًا حق تقرير المصير. المغرب ، الذي يتأرجح منذ عام 1966 بين تقرير المصير والحكم الذاتي ، اقترح رسميًا منح الحكم الذاتي للصحراء الغربية ضمن المملكة المغربية. وباتخاذ هذا الاختيار ، فإنه حرم الأمم المتحدة من مهمتها في هذا الصراع: وهي تنظيم استفتاء على تقرير المصير.

بالمقابل ، تشبثت جبهة البوليساريو والجزائر بمبدأ تقرير المصير كأسلوب للتسوية، وذلك ارتكازا على أسباب أيديولوجية أساس التزامهما. بوضع معركة جبهة البوليساريو في دائرة إنهاء الاستعمار ودعم "الشعب الصحراوي" رسميًا في رغبته في تقرير المصير ، لم تتوقف الجزائر أبدًا عن تكرار ضرورة تنظيم استفتاء.

أما جبهة البوليساريو - من جانبها - فقد استعادت كل تجارب المقاومة في العالم الثالث ، وأصرّت على أن الصحراء الغربية تظل أرضًا تحت نير الاستعمار ولا يمكنها التخلي عن مطالبتها بمبدأ تقرير المصير.

إن هذه المواقف الصارمة، التي يهدف عبرها كل طرف إلى القضاء على خصمه، أدت إلى تكَلّس الصراع. بالنسبة لمختلف الجهات الفاعلة ، أي اقتراح جديد وأي عرض سياسي، أضحى من المرجح أن يلقى فشله. في ظل هذا الهوس بالفوز، راهن كل طرف، على دعم عدد قليل من البلدان ومؤسسات دولية معينة. استخدمت الجزائر على نطاق واسع عائداتها النفطية ونفوذها الدبلوماسي لحث الدول على الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ( مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا). أما المغرب ، فقد اعتمد على الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا لقيادة المجتمع الدولي للاعتراف بالصحراء كجزء لا يتجزأ من أراضيه.

بخصوص فرنسا ، لم يكن على المغرب أن يبذل جهودا كبيرة لاستمالتها إليه. إن الصحراء بالنسبة لفرنسا تقع تحت السيادة التاريخية للمغرب. وربما وضعت فرنسا نفسها بشكل غير مشروط إلى جانب الرباط سعيا وراء التكفير عن دنبها التاريخي عندما منحت للجزائر ،على طبق من ذهب، الصحراء الشرقية الغنية بالمحروقات والتي هي تاريخيا أرض مغربية.

في حين، كان الحصول على الدعم الإسباني للمغرب أكثر صعوبة. إن الحكومة الإسبانية ظلت متجاذبة بين رأي عام مؤيد إلى حد كبير للصحراويين الذين يناضلون من أجل استقلالهم من جهة، ومن جهة أخرى دعم المغرب ، الذي أصبح شريك تجاريا لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي. وعلاوة على ف الاقتصاد ، استخدم المغرب وسائل أخرى للحصول على دعم الطبقة السياسية الإسبانية في قضية الصحراء ، وذلك فتح وإغلاق أبواب الهجرة غير الشرعية من إفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال.

على الرغم من إصرار الرباط على ابعاد الأنظار عن إدارتها للساكنة والموارد الطبيعية في الصحراء الغربية، ظل الأمين العام للأمم المتحدة يكرر بانتظام تحذيره من الاستخدام غير المتناسب للقوة والاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية. كما استنكرت الأمم المتحدة في تقريرها بتاريخ أبريل 2015 ، سياسة الأمر الواقع التي نهجها المغرب في دمج الصحراء الغربية في ترابه الوطني ، بينما لا يزال وضع الصحراء الغربية موضوع عملية تفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة.

مطالب الشباب

في غمرة الانخراط في هذا الصراع من أجل النفوذ لجلب البلدان إلى دعم هذا الموفق أو ذاك، لم تعر الأطراف المتنازعة الاهتمام اللازم بالتغييرات التي تحدث في المنطقة ، مما ساهم في تعديل ملامح هذا الصراع "المستدام".
فقد بدا منذ سنة 2005 ، تشبع الأجيال الشابة في الصحراء بالتغييرات التي شهدها المغرب في نهاية تسعينيات القرن الماضي ، بفعل انفتاح النظام السياسي. وإن كانوا لا "يعترفون" بالسلطة المغربية ، فإنهم لا ينضمون إلى جبهة البوليساريو أيضًا، وتكون مطالبهم ذات طابع مدني ، حتى لو كانت تثير شبح تقرير المصير. للقيام بذلك ، يعتمدون على سجل مرجعي جديد ، وهو سجل حقوق الإنسان والحريات الفردية والسياسية والشرعية الدولية. وتظاهروا من خلال المطالبة بالشغل والحصول على السكن والتعبير عن شعورهم بالظلم والتهميش فيما يتعلق بإعادة توزيع الثروة في الصحراء. على الرغم من الطابع الاجتماعي والاقتصادي لاحتجاجاتهم ، ظلت الأسئلة السياسية بطبيعة الحال كامنة وراء المطالب الاجتماعية والاقتصادية. وشكّل بين المطالب السياسية واستنكار الظروف الاجتماعية والاقتصادية استراتيجية فعالة في الخطاب الاحتجاجي للجيل الجديد من النشطاء الصحراويين. فهي تستمد شرعيتها "الأيديولوجية" من التفاوتات الاجتماعية الصارخة، وغياب التوقعات بشأن مستقبل جزء كبير من الشباب الصحراوي ، وعدم كفاءة السياسات العامة التي نفذتها الدولة المغربية منذ سنة2005.

هذه المطالب المتعلقة بحقوق الإنسان، التي سبقت الانتفاضات التي لوحظت في عام 2011 ، غذّاها الربيع العربي أيضًا. وهم هذا التحول سكان الصحراء التي يديرها المغرب والصحراويون في مخيمات تندوف. ففي مارس 2011 ، طالبت الدعوة التي أطلقها "مجموعة شباب الثوار في تندوف" بإصلاحات وتغييرات في إدارة الدولة ("الجمهورية الصحراوية") والقضاء ، ووضع حد للفساد ، وإصلاح قانون الانتخابات وزيادة مشاركة الشباب في الحياة السياسية. ودعمت هذه المظاهرة "حركة خط الشهيد" – وتسمى " البوليساريو خط الشهيد" - المكونة من منشقين عن جبهة البوليساريو ومقرها في إسبانيا.

إن حركات العصيان ، كشفت بشكل جلي حقيقة أن الأنظمة والمؤسسات التي تم وضعها لتمثيل الصحراويين غير كافية. إن العرض السياسي للمغرب ، مثل عرض جبهة البوليساريو ، لم يعد يتوافق مع مطالب الصحراويين لاسيما الشباب منهم. هؤلاء لا يشعرون إطلاقا أن المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس) ، الذي أنشأه محمد السادس في عام 1992 يعكس طموحاتهم ومطالبهم. كما أنهم لم يعودوا واثقين في جبهة البوليساريو واختاروا طرقًا أخرى. هناك الآن انطلاق تجربة العمل السياسي للصحراويين والتفكير فيه بطريقة جديدة تمامًا من قبل النشطاء السياسيين والمواطنين ، في سياق يتم فيه تحرير التعبير تدريجيًا. فالرأي العام يؤثر الآن في صنع القرار. في الصحراء كما في كل مكان ، برز تصورا جديدا للسياسة يكرس ظهور المواطن الذي كان مغيبا. فلم يعد بإمكان المجتمع الدولي أن يغض الطرف عما يحدث في المنطقة. من خلال الإشارة إلى تأثيرات البيئة الإقليمية والدولية ، وكذلك التطور الداخلي الذي من شأنه التشجيع على مراعاة "شعب الصحراء" وأخذه بعين الاعتبار، وقد كشف تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2012 بالفعل عن هذا الوضع الجديد الذي أصبح يفرض نفسه.

أزمة صعب جدا الخروج منها

لقد حدثت تغييرات منذ 2011 ويجب أن تؤخذ في الاعتبار. لم تعد أشكال الاحتجاج كما كانت من قبل ، والمجتمعات المدنية أضحت – بشكل أو بآخر- تؤثر الآن في صنع القرار السياسي ، بما في ذلك القضايا الإقليمية.
إن الهجس الأمني حاضر بقوة، فالجماعات الإرهابية تعمل بشكل علني في هذه المنطقة حيث الحدود سهلة الاختراق وحيث تداول الأسلحة أضحى أمرا شائعا. وفرضت محاربة الإرهاب المتفشي على الصعيد الدولي ، تعاون دول المنطقة بشكل أكثر فاعلية ، لا سيما في مجال الاستخبارات. كما أن الواقع الحال يدعو بإلحاح ضرورة إغلاق ملف الصحراء لتجنب إعطاء الصحراويين المخضرمين الذين لديهم دراية جيدة للمنطقة فرصة للانضمام إلى صفوف الجهاديين بعد انسداد الأفق أمامهم. كما أنه من شأن تسوية قضية الصحراء الغربية أن تمنح كل من فرنسا وإسبانيا مساحة أكبر في حربهما ضد الإرهاب.

على الرغم من هذه الضرورات التي تدعو بإلحاح إلى نهاية الصراع بخصوص الصحراء الغربية ، فمن الصعب اليوم بمكان تصديق أن المفاوضات بين الأطراف المتنازعة يمكن أن تؤدي إلى حل قابل للتطبيق. فلا يمكن للمغرب أن يتفاوض على ما يعتبره أراضيه - وهي المنطقة التي يديرها منذ عدة عقود. أما بالنسبة للجزائر ، فإن استمرار هذا الصراع المنخفض الحدة لا يزعجها بلا داع، هذا إن لم تبرز جديدة ذات ارتباط بالمستجدات التي ستعرفها قضية "القبايل" في الجزائر وخارجها. ويبدو أن القائمين على الأمور يفضلون إبقاء الوضع الراهن في الصحراء ومعارضة فتح الحدود البرية ، لمعاقبة المغرب بشكل مضاعف.

وتبدو للكثير من المحللين ضرورة انخراط الولايات المتحدة أو فرنسا أو إسبانيا أو الاتحاد الأوروبي ، بنشاط للبحث عن مخرج من هذه الأزمة. ولا يتعلق الأمر بدعم هذا الطرف أو ذاك – فهذا لن يفيد في شيء - وإنما يتعلق الأمر بالتأثير على الأطراف في اتجاه تسوية من المرجح أن ترضي الأطراف، لأنه اليوم لا يشعر أي منهم بالهزيمة من أجل أن يستسلم. وهذا يتطلب إعادة الاهتمام بجدية بالصراع بخصوص الصحراء الغربية من طرف المجتمع الدولي الذي، يبدو، أنه قد تخلى عن كل أمل في تسوية نهائية لهذه المسألة.
_________________ يتبع ________________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية