الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


3-ألمرأة في الدخيل الجائر من التراث

محمد الأزرقي

2006 / 9 / 18
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


أشرت في الحلقة الثانية الی بعض ما ورد في مقالة معاصرة تشابه من حيث المغزی افکاراً تحدث عنها ابن البتنوني، وأفصح فيها عن نظرته الدونية للمرأة. نتابع في هذه الحلقة مناقشة بقية ما ورد في المقالة المذکورة، قبل الانتقال الی وجهة نظر اخری تکشفت لنا من خلال ما ورد علی لسان بعض النسوة المسلمات في الوطن العربي وفي الغرب. تقول المقالة إن المطلب الثاني تركز حول "حرية" المرأة في ممارساتها ونشاطاتها. والحرية هنا تعني الانعتاق من أي سلطان، وفق التصور الغربي. وإذا كان المطلب الأول يركز على "الحقوق" بوصفها نشاطاً، فإن الثاني يركز على "الحرية" بوصفها قيمة لا بد أن تحضر في كل النشاطات التي تمارسها المرأة. وتحت هذا المطلب تندرج كثير من القضايا الشائكة أبرزها حرية المرأة في التصرف بجسدها، الحرية الجنسية، والتحكم بالحمل وبجنس الجنين، والإجهاض، وتشكيل الجسد كما تشاء.
وکما اسلفت في الحلقة الأولی، فإن موضوع الجنس قضية بالغة الخطورة في رأي البتنوني ومن لفَّ لفه. وفي المقابل نجد موضوع منع تعدد الزوجات، هو ما ركزت عليه المؤتمرات وخاصة مؤتمر السكان ووثيقة بكين. يأتي هذا في زمن ازدهرت فيه فنون صناعة الجسد وفنون الاهتمام باللذة الجنسية ومستلزماتها، الإعلان، التجميل، الموضة، العطور، الملابس الداخلية والخارجية، الإكسسوارات، مسابقات الجمال، عروض الأزياء، فنانات ذوات أجساد، ...الخ. بکلمة اخری عالم أصبح فيه الجنس والجسد هما الثقافة السائدة في النموذج المثال الذي يراد عولمته بالتحالف مع العقل المادي الساعي لتعظيم اللذة والربح وتقديمهما على كل هدف آخر، بعد أن كان الجنس والجسد يخضعان للثقافة السائدة التي يساهم في تشكيلها الدين والعرف الاجتماعي.
وتمضي المقالة، کما هو متوقع، الی القول بأن الحرية الجنسية لا تقتصر على العلاقة الطبيعية، ذكر وأنثى، بل تتسع لتشمل اشتهاء المماثل والدخول معه في ممارسة فعلية ربما تؤدي إلى الاكتفاء به عن الشريك الطبيعي. الأمر الذي سيصل إلى الاعتراف به قانونياً كما في ألمانيا وبعض الولايات الأمريکية مثلاً، بالرغم من وجوده بكثرة في أمريكا وفرنسا والسويد واسرائيل. وتضيف المقالة، أن الإشكالية الجوهرية التي تنشأ عنها كل هذه الإشكاليات هو تعَمُّد التنظيمات النسوية العربية، حكومية وغير حكومية، تجاوز النسق الثقافي والديني الخاص بنا، وتبنّي النموذج الغربي للمرأة لتحقيق مكاسب خاصة بتأثير الإرهاب أو الإغراء الدولي، وتحدي معتقدات ومفاهيم الجماهير التي تبقى على الدوام مشدودة إلى ثوابت دينية، سواء متيقنة أم مظنونة أو موهومة، فضلاً عن نسقها الثقافي الذي يتميز بكثير من الخصوصية والتحفظ إزاء نقيضه الغربي الذي تلح النخب، الثقافية والسياسية، المنتمية إلى ثقافته على فرضه وتعميمه.
إن غياب المؤتمرات والتنظيمات النسوية العربية عن الاهتمام بشكل رئيس بموضوعات التربية والأسرة والعنوسة، حيث سجلت بعض الإحصائيات مثلاً أن في مصر 9 ملايين عانس، وصورة المرأة في وسائل الإعلام، خاصة أن هذه المؤتمرات لها صفة رسمية بمعنى أنها قريبة من مواقع القرار. وتتهم المقالة المؤتمرات والتنظيمات النسائية بتجاهل قضايا مشاكل الدعارة والبغاء المتنامية في العالم العربي، وخطاب المجلات النسائية الاستهلاكي، الذي ينشغل كلية بجماليات الفن لصناعة أجساد وفق المقاييس المحددة مسبقاً للجسد المثال في عالم يشكل فيه الجسد الأنثوي كل مقتضيات التوظيف في عالم المال. کما تشير المقالة الی أن قطاع الإنتاج لا يرى في المرأة سوى جسد، ومن ثم يشترط في الدرجة الأولى جمال الهيئة في معظم المهن التي تشغلها المرأة ليكون الجسد هو أداة التواصل بين المالك والزبون. إن غياب كل ذلك عن أجندة التنظيمات يؤكد اغترابها عن المطالب الحقيقية للمرأة لاستلابها لمرجعية مختلفة كلياً عن مرجعية مجتمعاتها. كما يؤكد على البعد الاقتصادي في "تحرير المرأة".
تختتم المقالة بأن هذا العبث الذي يصر على تغيير ملامح حياة العرب والمسلمين يجعل من أولوياتهم الحالية العودة إلى قضية المرأة وإعادة تأهيلها ومعالجة مشاكلها من سياق واقعها وثقافتهم ومرجعيتهم الدينية، والتأكيد على صناعة كوادر نسائية قادرة على العطاء والإبداع في المواقع الفكرية والاجتماعية وغيرها. تعترف المقالة ان التجاهل لمشاكل المرأة وغيابها أو تغييبها، بفعل عادات وتقاليد واجتهادات غير واعية، قد تسبب بإتاحة المجال لكثير من الاختراقات، وحدوث هذه التشوهات والالتباسات التي يعايشها العرب والمسلمون. وغني عن القول إن الحل لمشاكل المرأة لا يكون بالقوانين والقرارات "الرسمية" أو بتسييسها، لأنها مشاكل ثقافية واجتماعية مبنية على الوعي الديني والثقافي والاجتماعي.

عند التعرض لموقف مؤلف کنجيب محفوظ عن واقع المرأة العربية في الحلقة الثانية، بدا واضحاً ابتعاده الکامل عن الصورة السلبية المشينة التي قدمها إبن البتنوني کما جاء في الحلقة الأولی لهذه المقالة. وفي هذه الحلقة نری انه قد يکون من المفيد ان نتعرض الی موقف آخر بتناول ما تقوله النساء المسلمات، وبالذات اللواتي انخرطن في العمل السياسي عن واقعهن. يُقدم کتاب فاطمة الصمادي الذي راجعه ابراهيم غرايبة دراسة حول دور المرأة في الأحزاب السياسية الإسلامية من خلال حزبين إسلاميين، هما (حزب جبهة العمل الإسلامي) في الأردن و(حزب الله) اللبناني. تبحث المؤلفة هذه القضية من خلال آراء النساء أنفسهن. وقد جاء اختيار هذين الحزبين لانطلاقهما من الرؤية الإسلامية لمشاركة المرأة، ولأنهما يؤيدان مشاركة المرأة السياسية، ويستوعبان تنظيمياً العمل النسائي في القطاع النسائي. وکما هو معروف فإن الحزبين يحظيان بتأييد شعبي واسع في بلديهما، الأردن ولبنان. وتحاول المؤلفة الإجابة على أسئلة مثل، ما المعيقات التي تمنع أو تعطل المشاركة الفاعلة للمرأة في الحركات الإسلامية؟ هل هي فقهية أم اجتماعية أم سياسية؟ هل يؤثر الاختلاف المذهبي بين السنة والشيعة على المشاركة السياسية للمرأة؟ وهل يؤثر غياب الديمقراطية أو ضعفها على المشاركة السياسية للمرأة؟ هل كان للطائفية والحرب الأهلية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان أثر على مشاركة المرأة في العمل الإسلامي السياسي؟ وأي الحزبين، جبهة العمل الإسلامي وحزب الله، أكثر فاعلية في المشاركة السياسية للمرأة، وما أثر القيادة في الحزبين سلبا وإيجابا على مشاركة المرأة؟

إن كثيراً من الفقهاء القدماء والمعاصرين يعتقدون أن المرأة أعدَّت لتكون أمَا وزوجة، وأن شغلها للمناصب العامة تعطيل لوظيفتها الأساسية ومخالفة لحكم الشرع، الذي يوجب قعودها في البيت ويحرم اختلاطها بالرجال. ويستشهد هؤلاء بنصوص من القرآن والسنة النبوية والقاعدة الفقهية "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". وفي المقابل يوجد اتجاه آخر يمنح المرأة الحقوق السياسية إنطلاقا من قاعدة عامة في الشريعة الإسلامية وهي "المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات". لكن کلي الاتجاهين يتفقان على تحريم رئاسة المرأة للدولة. وتجدر الأشارة الی ان الفرق الاسلامية جميعاً قد اتفقت علی هذا الرأي، باستثناء الخوارج الذين اجاز فقهاؤهم تولي المرأة لكل الولايات العامة بما فيها الإمامة العظمى. ويعتبر كثير من فقهاء المذهب الشيعي الإمامي أن الإسلام أحلَّ المرأة مركزاً يوازي مركز الرجل في كل ما تشترك فيه طباعهما ومؤهلاتهما، مما يخولها المشاركة في العمل السياسي في حدود احترام التكاليف الشرعية التي تختص بها المرأة في زيها، ونمط علاقتها بالرجال وغيره. ولم يتناول فقهاء الشيعة القدماء مسألة تولي المرأة للحكم، وبالتالي لم يتعرضوا لشرط الذكورة في الحاكم. أما المعاصرون من الإمامية فقد ذهبوا إلى اشتراط الذكورة في الإمام الوالي.
تقول الصمادي ان الخطاب الإسلامي الفقهي تجاه المرأة يتسم بالثبات، بدلالة موقف إسلاميي الكويت، أو الذين ناصروا قضية النائبة التركية (مروة قاوقجي). إلا أن النظرة بالنسبة للمرأة تغيرت في فكر الإخوان المسلمين فأصبحت شريكة الرجل في الحقوق والواجبات، واعترف لها بحقوقها كاملة، ومنها الحق السياسي. ويرى الإخوان أن التفريق بين الرجل والمرأة إنما هو من الفوارق الطبيعية، واختلاف المهمة التي يقوم بها كل منهما في الأسرة والمجتمع. وتظهر التجربة الإيرانية حالة فريدة لأنها شكلت أول نجاح للإسلاميين في تكوين دولة تحمل رؤيتهم، إضافة إلى أن وضع المرأة منذ الثورة الإسلامية شهد تحولات كثيرة، سواء على مستوى التعليم أو الحجاب أو القانون أو المشاركة السياسية، ولم تكن المرأة بعيدة عن الثورة، كما شاركت وترشحت في الانتخابات.
بعد صدور قانون الأحزاب في الأردن عام 1992، تشكل حزب سياسي باسم "جبهة العمل الإسلامي". شكله نواب الحركة الإسلامية، وانطلق من إطار جماعة الإخوان المسلمين نحو إطار جبهوي أوسع. وقد شهد حضورا نسائيا تمثل في فوز نوال الفاعوري بعضوية مجلس الشورى لتكون أول سيدة في تاريخ الحركة تصل مراتب القيادة العليا. هذا وکانت جماعة الإخوان قد عبرت عن مشاركة المرأة السياسية من خلال دراسة حملت عنوان (المرأة المسلمة في المجتمع المسلم والموقف من مشاركتها)، وتعرضت لمشاركة المرأة في أربع قضايا هي الانتخابات واختيار المرأة في المجالس المنتخبة وتولي المرأة الوظائف العامة والحكومية والعمل عموما.
ووفقاً لرأي الصمادي فان الحركة الإسلامية ممثلة في حزب العمل الإسلامي أكدت على احترام مشاركة المرأة وحقوقها السياسية، إلا أن التجربة على أرض الواقع تواجه الكثير من العقبات. فالدكتورة نوال الفاعوري، إحدى أبرز أعضاء الحزب السابقين، تنتقد طريقة تعامل الحزب مع قضية المرأة واصفة إياها "بالفئوية والفردية ومحاصرة من يحمل وجهات نظر مختلفة". وألقت المهندسة أروى الكيلاني رئيسة القطاع النسائي في المؤتمر الأول الذي عقده الحزب كلمة ضمت عددا من المطالب النسائية داخل الحزب، وكانت هذه الكلمة محاولة لإقناع المؤتمر بنشاط القطاع النسائي وفعاليته تمهيدا للمطالبة بحصة أكبر داخل مجلس الشورى وأطر الحزب الأخرى، وقد أقر المؤتمر توفير الظروف المناسبة للارتقاء بالعمل النسائي، ونجح القطاع النسائي في زيادة حصته بمجلس الشورى لتصل إلى ستة مقاعد.
من المعروف أن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 شكل العامل الرئيسي في ولادة حزب الله، ولكنه ليس العامل الوحيد. وکما هو معروف فإن اسم الحزب مأخوذ من القرآن، وغلبت عليه الروح الثائرة المشبعة بالجهاد. کما ان منابع ثقافته متأصلة في القرآن والسنة والأحكام والفتاوى الصادرة عن الفقيه، مرجع التقليد. يرغب الحزب في إقامة دولة إسلامية متطلعا إلى إيران كمثال يحظى بإعجابه. وأعداء الحزب الأساسيون هم أميركا وإسرائيل وفرنسا والكتائب. والأمين العام للحزب الآن هو حسن نصر الله الذي يؤكد استمرار المقاومة وجديتها ومصداقيتها وهو الذي يقف وراء التأييد الرسمي للمقاومة. ويبدو ان الحرب الهمجية الدموية التخريبية التي شنها جنود الهولوکوست خلال صيف عام 2006 علی لبنان وشعبه وبناه التحتية ومرافقه، قد وطدت مکانة الحزب. کما أظهرت هذه الحرب ضعف الکيان الصهيوني ودمويته في آن واحد، وتواطیء النظام الأمريکي، الرسمي والأعلامي معه. يشكل الرجال داخل حزب الله النواة المقاتلة، بينما تشكل النساء الداخل الاجتماعي الذي يضمن استمرار وجود الحزب كحركة اجتماعية. وتنظر قيادة الحزب إلى الهيئات النسائية بالكثير من التقدير. ويتعدى عمل هذه الهيئات إلى العمل الإعلامي والسياسي المتمثل في الاعتصامات والمظاهرات، ويتوزع العمل بالهيئات النسائية لحزب الله على ثلاثة أقسام هي القسم الثقافي وقسم الشؤون الاجتماعية والعلاقات العامة والقسم الإعلامي.
إن نساء حزب الله يتأثرن بنموذجين نسائيين إسلاميين، هما السيدة فاطمة الزهراء لحديث الرسول "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة"، والسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، التي تساق قصتها وخطبتها الشهيرة التي عبرت فيها عن الظلم الذي لحق بالحسين وأصحابه وفساد ملك يزيد، للدلالة على عدم الحرج من وجوب مشاركة المرأة في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي. لم يقتصر دور المرأة على دعم المقاومين، بل عانت الاعتقال والتعذيب أيضا. ورغم أنه لم يسمح للنساء بالمشاركة في العمل العسكري إلا أنهن يشاركن في الخطوط الخلفية للمقاومة، ويقمن بعمليات رصد لتحركات العدو، ونقل السلاح والمعلومات، وجمع الدعم المالي، ونشر ثقافة المقاومة. كما تضع الهيئات النسائية مسألة دعم المرأة الفلسطينية على قائمة نشاطاتها. وبالرغم من نشاط النساء في حزب الله إلا أنهن غائبات عن مواقع صنع القرار. وتفسر نساء الحزب سبب غيابهن عن المجلس السياسي بأنهن لم يتصدين لهذه المسألة بعد، أما المجلس التنفيذي فإن كثرة المهام والمسألة الأمنية تعيق دخولهن إليه.
يبدو واضحاً ان لكل مرجع رأيه في موضوع المرأة من الناحية الفقهية. وتدعي قيادة الحزب أن مشاركة المرأة في أنشطته لم تنطلق من ظروف الاحتلال وإنما من المنطلقات الإيمانية والفكرية والفقهية. وفيما يتعلق بتعامل النص الديني مع المرأة يرى نصر الله أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويكون الاختلاف في فهم النص وتفسيره وتطبيقاته الخارجية في مختلف الأزمنة. أما الحديث فتوجد مشكلة في التثبت من صحة الرواية ونسبتها إلى النبي محمد. ومشكلة أخرى تتمثل في الفهم الصحيح لمتن الرواية ومضمونها بعد التأكد من صحة سندها، مما يعكس اختلافا في تحديد بعض القضايا المتصلة بالمرأة.
قامت الصمادي بدراسة ميدانية حول مشاركة المرأة في الحياة السياسية للحزبين. وكشفت الدراسة أن 12% من النساء في التجربتين لهن تجارب حزبية سابقة، كما بلغت نسبة الراضيات عن موقع المرأة في الجبهة 56%، بينما ارتفعت عند حزب الله إلى 86%. وترى نساء حزب الله بالإجماع أن القيادة تؤيد بشدة مشاركتهن، في حين تبلغ 20% في الجبهة، وترى 6% أن البيئة الاجتماعية تعارض عمل المرأة بالسياسة في حزب الله بينما تصل إلى 36%عند العمل الإسلامي. وتؤيد 68% من نساء العمل الإسلامي الترشح لمجلس النواب و60% من نساء حزب الله. وفي مجال المرأة المحجبة نجحت المرأة في تقديم صورة إيجابية بنسبة 93% في العمل الإسلامي و100% في حزب الله. أما بالنسبة للمعيقات فيرى نصف نساء حزب الله وجود معيقات أمام المرأة وتصل هذه النسبة إلى 96% في العمل الإسلامي، واشتملت الدراسة على مقارنات كثيرة حول عمل المرأة السياسي بين حزب الله والعمل الإسلامي.
لقد أظهرت الدراسة وجود اختلافات كبيرة بين الفقهاء في مجال المشاركة السياسية للمرأة. وقد انتقلت هذه الخلافات بطبيعة الحال إلى صفوف الحركة الإسلامية. ولكن مشكلة المرأة ليست في النصوص الدينية، وإنما في بعض المرجعيات الفقهية التي تفسر النص وتصدر أحكاما تأخذ صفة القطع والإلزام بناء على اجتهادات فقهية. وتبدو البيئة الاجتماعية المحيطة بالمشاركة السياسية ذات أثر كبير على دورها في الأحزاب. فهي لدى حزب الله في لبنان لا تعارض العمل الحزبي للمرأة لكنها لدى حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن تبدو مؤثرة على نحو سلبي وبوضوح كبير. وتبدو ثمة حالة من التفاؤل في صفوف النساء في كل من حزب جبهة العمل الإسلامي وحزب الله حول مستقبل العمل النسائي الإسلامي. وتتوقع نساء حزب جبهة العمل الإسلامي أن تزيد نسبة تمثيلهن في مجلس شورى الحزب.
وتتوقع الصمادي أن تتزايد مشاركة النساء في العمل الإسلامي، لكنها في صفوف حزب الله ستكون بوتيرة أسرع وأشمل بسبب وجود عوامل مساعدة كثيرة للعمل النسائي. وفي مقدمتها اقتناع قيادة الحزب بضرورة حدوث هذا التغيير. وتلاحظ المؤلفة أن قرار المشاركة النسائية جاء بمبادرة من رجال الحركة الإسلامية، وليس بمساهمات نسائية عملية وتنظيرية. غير ان الواقع بدأ يتغير، إذ كانت تجربة زينب الغزالي مميزة في صفوف جماعة الإخوان المسلمين بسبب ظروف السجن والتضييق التي وقعت على الإخوان المسلمين في مصر في ستينيات القرن العشرين.
وبهذا الصدد تجدر الأشارة الی أصوات الاحتجاج التي ارتفعت حديثاً عندما شهد "مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي احتضنته تركيا وبدأ جلساته بتاريخ 12/7/2006 تحت رئاسة المفكر الاسلامي الشيخ يوسف القرضاوي، قضية مثيرة. تمثلت القضية في اثارة ثلاثة وجوه نسائية مشاركة في المؤتمر حق المرأة في الترشح لمجلس أمناء الاتحاد الذي يضم كوكبة من العلماء من دول عدة. فعميدة كلية الدراسات الاسلامية والعربية للبنات في جامعة الأزهر، الدكتورة سعاد ابراهيم صالح، احتجت على العلماء بسبب حرمان المرأة من الترشيح لانتخابات مجلس الأمناء وتساءلت "هل ما زلنا ناقصات عقل ودين؟" ثم تحدثت عضو المجلس التنفيذي ولجنة الدراسات والاستشارات في الجمعية الوطنية لحقوق الانسان في السعودية سهيلة زين العابدين حماد واعتبرت أن من أهم اسباب ضعف الأمة حرمان المرأة المسلمة من حقوقها، مشيرة الى نساء في مجتمعات اسلامية يعانين من الظلم والقهر وسلب الحقوق. وطالبت العلماء بإقرار حقوق المرأة السياسية كاملة. وتساءلت هي الأخری "لماذا نحرم من الترشيح ولماذا لا ولاية للمرأة؟" والرأي الثالث في هذا الاطار طرحته اسماء بنت قتادة وهي زوجة الشيخ القرضاوي نفسه، فدعت لتغيير الخطاب الاسلامي تجاه المرأة، ووصفته بأنه "خطاب مرتبك ومتشنج". وحضت اسماء بنت قتادة على "كسر الوصاية والتهميش وسياسة الصفوف الاخيرة التي ترمى فيها المرأة." هذه القضية اضفت نقاشاً ساخناً على هامش الاجتماعات وفي جلسات غير رسمية.

واستکمالاً للصورة وجدنا انه لا بدَّ من متابعة موضوع المرأة في کتابات بعض النسوة المسلمات ممن نشأن في الغرب، أو تثقفن بثقافته عندما اخترنه أو اختارته عائلاتهن وطناً بديلا لأوطانهن الأصلية. ليس خفياً علی احد ان صور المرأة المسلمة حظيت بكثير من اهتمام الإعلام الغربي والعربي على حد سواء. فمن ناحية باتت صورة المرأة المحجبة رمزا لتحدي سيطرة الثقافة الغربية، وخاصة الأمريكية والتأكيد على الالتزام بالثقافة الأصلية. ومن ناحية أخرى تـُستخدم صورة المرأة المحجبة في بعض البلدان الغربية مثل فرنسا والدانمرك كرمز للثقافة البدائية والأصولية، مما يدعو إلى تحريم وجودها في مكان العمل أو التعليم. إلا أن النقاش الحالي يفتقد صوتا هاما وهو صوت المرأة المسلمة نفسها وكيف ترى وضعها في الإسلام وفي مجتمع إسلامي. وقد تناولت جوزيان كرسكولو أربعة أصوات نسائية في أربعة كتب جديدة تحاول ملء هذه الفجوة. كتابان منهما، وهما لفوزية أفضال خان ونعيمة روبرت، يدافعان فيهما بحماس عن الحياة طبقا لمبادئ الإسلام والشريعة. أما الكتاب الثالث فهو لإرشاد منجي، وهو ينتقد بشدة طريقة تفسير القرآن ويتهمها بالتضليل. وهناك كتاب رابع لداليا كوهين المر، وهو لا يركز على الوضع الديني للمرأة العربية والمسلمة في الغرب، بل يرکزبشكل خاص على حياتها ومشاكلها اليومية العامة. ويربط بين هذه الأصوات شيء واحد وهو رغبة هؤلاء النساء في إعادة تفسير الوضع الذي ولدن فيه وتوضيح حقوقهن وواجباتهن كنساء مسلمات دون تدخل صوت الرجل أو تدخل الإعلام الذي قد يكون متحيزاً ومتعصبا تارة، أو متحفظاً تارة أخرى. والسبب الأساسي كما تراه الكاتبات هو قوة الاستعمار الجديدة المتمثلة في نظام الرأسمالية غير العادلة، والتي شجعت على زيادة الهوة بين عالم فقير وآخر غني. كما يشرن الی استخدام هذه القوة الجديدة لمشكلة التعصب الديني قصد إبعاد الأنظار عن مشكلة الفقر في العالم.
تناقش فوزية أفضال خان آراء عدد من النساء المسلمات في كتابها "تحطيم الصورة التقليدية. المرأة المسلمة تتكلم". والکتاب يضم مجموعة من المقالات والأشعار والقصص القصيرة التي يربطها هدف واحد، هو الدفاع عن الإسلام والتأكيد على أنه كدين ليس مسؤولا عن تدهور وضع المرأة المسلمة. وهي تعتقد إن الطريقة التي يُفسر بها الأسلام من قبل بعض المتعصبين هي أحدی الأسباب. وتنضم نعيمة روبرت إلى جبهة المدافعات عن الإسلام ليس بوصفها امرأة ولدت مسلمة بل كمعتنقة للإسلام، وهذا في كتابها "من حكايات أخواتي، تقدير المرأة في الإسلام". وقد ولدت نعيمة في بريطانيا من أصل جنوب إفريقي وتربت في زيمبابوي ولم يكن الإسلام جزء من حياتها على الإطلاق حتى كانت زيارتها إلى مصر. تقول نعيمة روبرت انها في البداية نفرت من النساء المحجبات في مصر باعتبارهن رمزاً لسيادة الرجل وضعف المرأة. إلا أن لقاءها بإحدى هؤلاء المسلمات شجعها على معرفة المزيد عن الإسلام. وعندما سألت نعيمة إحدى المحجبات المصريات عن سبب ارتدائها للحجاب، خاصة وأن هذه المصرية كان لها وجه جميل، قالت لها السيدة المصرية إنها ترتدي الحجاب لأنها تريد أن يحكم عليها الناس لشخصها وليس لشكلها الخارجي. وكان هذا الرد بمثابة مفاجأة لنعيمة، وبداية رحلتها لاعتناق الإسلام، الذي كما يبدو واضحا في كتابها، رحلة لاعتناق إيديولوجية وأسلوب حياة جديد رأت فيهما نعيمة مخرجا من ثقافة الولع بالشكل الخارجي الذي تروجه الإعلانات والسينما في كافة أنحاء العالم.
أما داليا كوهين المر فقد جمعت في كتابها " الكاتبات العربيات"، قصصا قصيرة كـُتبت على مدار الخمس عقود الماضية لكاتبات عربيات من بلدان مختلفة. ويبدو في هذا العالم الذي تعرضه هذه القصص مجتمع مليء بالمتناقضات والعواطف. وهو عالم يتحدى الصورة المثالية التي رسمتها نعيمة روبرت. فهناك صور مختلفة للمرأة العربية التي تعاني الأمرين من جراء تعدد الزوجات أو الحد من حريتها في الزواج أو التعليم أو حتى الملبس. ثم تأتي إرشاد منجي في كتابها "مشكلة الإسلام اليوم" لتدعم هذه القائمة بأحداث من الواقع، خاصة جرائم قتل الشرف، والتي قد تستهدف نساء لم يرتكبن أية جريمة بل كن أنفسهن ضحايا لجرائم الاغتصاب. وتعبر ارشاد منجي عن رأيها في وضع الإسلام اليوم كديانة بقولها إنها "مسلمة رافضة" ترفض تفسير القرآن بصورة متعصبة. کما تدعو الکاتبة إلى إعادة إحياء ظاهرة الاجتهاد التي توقفت لأسباب سياسية منذ القرن الحادي عشر. وارشاد منجي من أصل هندي إفريقي. وهي ترى أن مشكلة الإسلام هي هيمنة الثقافة العربية على الإسلام كديانة وتتساءل مثلا لماذا تسيطر اللغة العربية على الديانة الإسلامية بالرغم من أن 80% من المسلمين هم من غير العرب. كما تقول إن ظاهرة جرائم قتل الشرف هي نتاج للثقافة العربية وليست جزءً من الديانة الإسلامية. ويتضح للقاریء النبرة العنصرية ومعاداة العرب في کتاب منجي، اضافة الی الفکر الأنثوي “feminst” المتطرف، وهما الأمران اللذان ضمنا لها مرکزاً متميزاً في جامعة ييل المرموقة في ولاية کنَتيکَت.
ولربما من المفيد ان نتعرض في ختام هذه الحلقة الی تجربة المرأة الغربية التي اعتنقت الأسلام، کما وردت في کتاب النرويجية المسلمة آن صوفي رولد الذي نشر عام 2001. تقول مؤلفة الكتاب إن دراستها هذه مميزة عن غيرها من الدراسات السابقة لأنها نقطة التقاء بين ثقافتين، وتتوسط بين طرفين هما الثقافة الغربية من جهة والثقافة الإسلامية من جهة ثانية. وهي منذ البداية تنفي عن نفسها تقديم دراسة نسائية عن المرأة في الإسلام بقدر ما تدرس تغيرات التفسير الإسلامي في خضم الصدام الثقافي بين الإسلام والغرب، وتصوير الإسلام دينا معادياً للمرأة، بينما يرى المسلمون أنه لم تكن هناك البتة قضية اسمها "قضية المرأة" مطروحة للنقاش قبل أن يبدأ الغرب تدخله في شؤونهم. وتؤكد الباحثة أن هذه الدراسة تلاحظ التغير الذي يحدث في أوساط الإسلاميين تجاه قضايا المرأة والجنسين في الإسلام، والذي يبرهن على قوة استمرار الرسالة الإسلامية. إذ هي ترى في التفسير عنصرا محافظا وخلافا لفهم الإسلام الذي يمكنه أن يتناسب مع الظروف المتغيرة في كل زمان ومكان.

ترصد رولد التغيرات التي يتجه إليها التشريع الإسلامي في تفسير النصوص الإسلامية في ضوء الصراع الثقافي بين الغرب والإسلام، الذي بدأ يؤثر على الطرفين منذ أصبح الإسلام واقعا داخل المشهد الأوروبي. فمن جهة يزداد عدد المسلمين الذين يصبحون مواطنين أوروبيين ويزداد عدد الأوروبيين الذين يتحولون إلى الإسلام، بما يشار إليه في الغرب بالتهديد الإسلامي. ومن جهة ثانية بدأ المسلمون في الغرب يتأثرون بطرق التفكير والحياة الأوروبية مما أحدث بعض التغير في فهم التشريع الإسلامي. وهذا تغير يعتمد على عوامل مثل طول المدة التي قضاها المسلمون في أوروبا ودرجة التواصل مع مجتمع الأغلبية. فالذين ينغلقون ضمن الجاليات الإسلامية يميلون عادة لإنتاج التفسيرات الثقافية الواردة من بلادهم الأصلية. أما من يختلطون بالأغلبية الأوروبية فتميل مواقفهم نحو التكيف مع المجتمع الجديد، ويكون التغير لديهم أسرع في خضم الاتهامات الموجهة ضد الإسلام بأنه دين يعادي المرأة. كما أن ازدياد نسبة التعليم بين أبناء الجيل الثاني والثالث من المسلمين المتشبعين بالثقافة الغربية من خريجي المدارس والجامعات الأوروبية يؤدي إلى وجود مسلمين (جدد) يسألون أسئلة جديدة مختلفة عن أسئلة الجيل السابق وتحتاج لإجابات جديدة ومختلفة يكون للثقافة الغربية دور فيها.
صنفت الباحثة شريحة المسلمين المقيمين في الغرب الذين درست آرائهم ضمن اتجاهات، اختارت منها أربعة رئيسة هي اتجاه الإخوان المسلمين والاتجاه السلفي وحزب التحرير الإسلامي، وهي منضوية تحت جناح منظماتها الأم في البلاد الإسلامية، واتجاه ما بعد الإخوان (كما أسمته الباحثة)، وهو الذي يضم المستقلين والمهتدين للإسلام والجماعات الإسلامية التي نشأت في أوروبا ردا على التأثير الأوروبي ومحاولة لتكيُّف المسلمين والسياق الثقافي الجديد الذي يعيشون. وهو الاتجاه الذي ترى فيه الباحثة أنه سيكون له الأثر في التغيير، لأن أفراده من المتعلمين ومن المهتدين للإسلام من الأوروبيين وأحيانا ذوي سلطة معينة في المجتمع الغربي، على خلاف الجيل الأول من المهاجرين العرب الذين يميلون للاهتمام بالحركات الأم وبسياسات بلادهم الأصلية أكثر من الواقع الذي يعيشونه في المهجر. وفي الکتاب تعريج على بعض المصطلحات البارزة في المشهد الإسلامي وأبرزها الأصولية، وهي تعني في السياق الغربي المؤمن بعصمة النص الديني. وعند إسقاط هذا المصطلح على الإسلام فربما يضم جميع المسلمين. وفي رأي الکاتبة إن هذا من المشكلات الأساسية التي تخلقها عملية ترجمة المفاهيم ونقلها من بيئة ثقافية لأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعترضتها شرطة الأخلاق.. امرأة تفقد وعيها وتنهار خارج محطة مت


.. مها أبو رسلان شقيقة شاب توفي تحت التعذيب




.. معرض --We Can صوت الأطفال النازحين من قطاع غزة


.. معلمات السويداء تشاركن في الصفوف الأولى للاحتجاجات




.. المحتجة إلهام ريدان