الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاب الرياض كانقلاب صنعاء صناعةٌ خارجية: 4/4

منذر علي

2022 / 6 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إنَّ ما جرى في الرياض كان ترقيعًا سياسيًا ونقلاً للأزمة من مستوىً إلى مستوىً آخر، وليس محاولة جادة لحل الأزمة السياسية التي تعصف باليمن. وبتعبير أوضح، لقد تم نقل السلطة من أيدي قيادة مهلهلة ومترددة وغبية وتابعة للمحور السعودي إلى أيدي قيادة لا تقل حماقة، ولكنها متنافرة وتابعة، بشكل مطلق، للمحورين السعودي والإماراتي، وأعني للدولتين الخليجيتين الغنيتين اللتين تخلَّصتا من تردد وعناد الرئيس السابق، وأحكمتا سيطرتهما المُشتركة على قيادة الدولة اليمنية عبر مجلس القيادة الرئاسي الجديد.
***
إذِنْ المستقبل ليس مُمَهَدًا، كما يبدو للمتفائلين، والوضع ليس مضطربًا فحسب، كما كان عليه الحال في ظل قيادة الرئيس منصور هادي، ولكنه أصبح مثيرًا للقلق ويُنذر بالمزيد من الكوارث. هذا هو حال اليمن في هذا الظرف، وهذا ما سيكون عليه حال اليمن في المستقبل المنظور، إذا لم تتوحد الفرق العسكرية والأمنية تحت قيادة عسكرية محترفة ووطنية واحدة، ولكن هذا، مع الأسف، لن يحدث، حيثُ صُمِمَت القيادة على هذا النحو المتنافر لكيلا يحدث، ولكي يسْهل للدولتين الخليجيتين التحكم بالشأن اليمني عن طريق التكوين الرئاسي المتنافر والتابع. إذْ كان يُفترض أن يجري توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في البَدْء، ثم يتم، بعد ذلك، الإتيان برئيس وطني كُفُؤٌ، ونائبيْنِ وَطَنِيَّيْنِ ُمقْتَدِرَيْنِ وَمُتَجَانِسَيْنِ، من خارج الوجوه القميئة المعروفة، ولكن هذا لم يحدث. هذه هي الأخطار الماثلة أمامنا التي ستبرز في الحِقْبَة المقبلة إذا لم يجرِ تلافيها بسرعة، من قبل الوطنيين الأحرار في اليمن.
***
وهنا قد يعترض آخر، ويقول: والله أنك أحزنتني، دعنا نتفاءل، يا أخي، ثم يضيف: ما قلتَه للتو، هي فرضيات، حتى لو كانت منطقية، فهي تبقى مجرد فرضيات ولا يمكن التأكد من صحتها إلاَّ بعد اختبارها. ثم يختتم اعتراضه، بسؤال: ما المعايير السياسية، يا تُرى التي تتَّبِعها في الحكم على هذه الجماعة أو تلك في تحديد كونها وطنية أو غير وطنية؟
وجوابي، هو: إنَّ المعايير التي أتَّبِعها وأحرص عليها لكي أفرِّق بين المواقف السياسية الوطنية ونقيضها، يمكنني تلخيصها في سبعة معايير جوهرية:
المعيار الأول: التمسك باستقلال القرار السياسي اليمني والاحتكام لإرادة الشعب اليمني دون غيره.
المعيار الثاني: التمسك بوحدة واستقلال وسيادة اليمن على كل أراضيه وبحاره وجُزره، والتعاون مع دول الإقليم، العربية والإسلامية، الآسيوية والأفريقية، ومع جميع دول العالم، ولكن بما لا يخل أو يؤذي اليمن ويضر بسيادته.
المعيار الثالث، التمسك بقيم الدولة الحديثة والامتناع المطلق عن قَبُول الحكم على أسس جهوية أو طائفية أو قبلية، وتحرير الدولة من الكهنوت، والرفض المطلق لكل أشكال الكراهيَة التي تخلط، بمكر، بين الحكام الطغاة والفاسدين، هنا أو هناك، وبين المواطنين وتسعى للتفريق بين أبناء الشعب اليمني.
المعيار الرابع: التمسك بالفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفصل الدين عن الدولة، واحترام عقيدة الشعب اليمني وطوائفه المختلفة، السنية والشيعية والزيدية، والاتجاهات الصوفية، وتشجيع الحِوار والتسامح بين المكوناتِ المختلفة، ومراعاة التباينات والخصوصيات الثقافية.
المعيار الخامس: التمسك بالمواطنة المتساوية بين اليمنيين بصرف النظر عن اللون، أو الجنس، أو العِرْق، أو المكانة الاجتماعية، أو الاعتبارات الجهوية والطائفية والقبلية.
المعيار السادس: التمسك بالحرية والديمقراطية، بما في ذلك، حرية الانتخابات النزيهة، وحرية الفكر والعقيدة، والتجمع النقابي، وكل ضروب النشاط السياسي، والفلسفي، والأدبي، والفني.
المعيار السابع: التمسك بالعدالة الاجتماعية والانتفاع بالثروات الوطنية بغية النهوض بالشعب على كل المستويات: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية ولاسيَّما النساء والفئات الوسطى والطبقات الشعبية.
هذه هي المعايير التي أنطلق منها للحكم على أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وهي المعايير التي لا أعتقد أنَّهم متمسكون بها أو حتى مدركين لأهميتها، مع أنّ رئيس مجلس القيادة، الدكتور رشاد العليمي، تحدث عن الدولة المدنية وعن أهمية العيش تحت مظلة القانون وغير ذلك مما جاء في خطابه الأول، وهذا موقف إيجابي يحسب له، غير أنَّ العبرة، في الأول والأخير، تكمن بالتناغم بين الأقوال والأفعال وليس بالأقوال وحدها.
***
هذه هي المعايير الجوهرية التي ينبغي اعتمادها لبناء الدولة المدنية الحديثة، والتمسك بها مجتمعة، هو ما يجعلنا نحكم، بشكل موضوعي على الأفراد والجماعات السياسية، وما إذا كانت هذه الجماعة وطنية، أم غير وطنية، تقدمية أم رجعية. والآن إذا قبلنا بهذه المعايير العقلانية كمقياس لحكم مجلس القيادة، يمكننا، عندئذ، أن نتفاءل عند اقترابهم منها، ونترك فرصة للتشاؤم عند ابتعادهم عنها. فهل ما نراه حتى الآن يدعو للتفاؤل أم للتشاؤم؟ أترك الإجابة لكم. هل اتفقنا؟ ربما!
***
لكن الاتفاق على هذه المعايير لا يعني أنْ نسترخي ونذهب إلى النوم وننتظر المكتوب، وإنما علينا أن نقوم بالمطلوب. وأعني أنَّ على اليمنيين الأحرار، من كل أرجاء الوطن، أنْ يقلعوا عن استدعاء أحقاد الماضي البغيض، واستئناف ثارات الجدود، وأن يكفوا عن التطلع إلى القِوَى الإقليمية وانتظار الحلول من خارج الحدود، وعليهم أنْ يلملموا شتاتهم ويوحدوا صفوفهم في إطار كيان وطني ديمقراطي تقدمي، عابر للجهات الجغرافية والطوائف والنزعات البغيضة، استقبالًا للتحولات المأمولة، أو استباقًا للتحولات الملغومة والكوارث المحتملة، وهي الأرجح، ومواصلة الكفاح من أجل استعادة الوطن، وبناء دولة العدل والحرية والتقدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة