الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنويريون يكيلون بمكيالين

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2022 / 6 / 10
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


في مثل هذه الأيام، قبل نحو عامين، وعلى خلفية مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأمريكية، أنطلقت في غير مدينة أمريكية وأوربية تحركات شعبية موجهة ضد تماثيل ونصب تمجد شخصيات قامت بأدوار إجرامية في تجارة العبيد، وقام ناشطون بتحطيم بعضها. حينها أنبرى بعض من ينسبون أنفسهم الى تيار التنوير في العالم العربي، الى أستنكار تلك التحركات، أنطلاقا من عدم جواز محاكمة الأمس بقيم ومفاهيم اليوم. أي أننا إذا كنا اليوم ندين العبودية والمتاجرين بها، فأنها لم تكن مدانة في حينها، أمر يعني أنه لا داع لقيام من وصفهم مدعو التنوير بـ (( الغوغاء )) بتحطيم الآثار التي تمثل تجار العبيد. وهنا يمكن التذكير بأن مدعي التنوير كانوا قد أحتفلوا بتحطيم تماثيل لينين، والنصب التي ترمز الى المرحلة السوفييتة خلال أنهيار الاتحاد السوفييتي، ورأوا في ذلك ثأرا أنسانيا من (( جرائم الشيوعية )). ولم يطالبوا حينها بـ (( ضرورة الحفاظ على الذاكرة التأريخية للإنسانية))، كما طالبوا عند تصدي الناشطين لرموز العنصرية والعبودية.

وتناسى الـ (( تنويريون )) في مجرى غضبهم من (( الغوغاء )) المناهضين للعنصرية، أن جريمة قتل فلويد وغيرها مما لا يحصى من جرائم عنصرية معاصرة ليست سوى امتداد لمفاهيم وقيم الأمس، وأن التصدي لتلك المفاهيم والقيم عبر التوقف عن تمجيد رموزها هو نضال ضد الجريمة، المنتعشة على خلفية عنصرية. وفات الـ (( التنويريون )) التمييز بين ضرورة الحفاظ على الذاكرة التأريخية للإنسانية، عبر الإبقاء على بعض النصب والتماثيل التي تشير الى حقب العبودية، في المتاحف التي تؤرخ لتلك الحقب، وبين الأحتفاء برموز العبودية عبر وضع نصبهم وتماثيلهم في الساحات والأماكن العامة، جنبا الى جنب مع رموز وشخصيات دعت وناضلت من أجل الحرية والمساواة بين البشر.

وفي مجرى دفاعهم الحماسي عن نصب رموز العبودية خلط مدعو التنوير بين مبادرة الناشطين ضد العنصرية، الى تحطيم ثماثيل بعض رموزها من تجار العبيد، وبين جريمة طالبان بتحطيم نصب بوذا في أفغانستان، وكذلك بالدعوات ذات الخلفية الطالبانية لتدمير منجزات حضارية وهندسية مثل الأهرامات في مصر، التي جرى أنجازها على أكتاف العبيد، وهي نتاج جهد العبيد وعرقهم وحياتهم، مع علمهم التام أن لأ أحد يفكر بإزالة مثل هذه المنجزات والمعالم سوى أعداء الأنسانية. في المقابل رأينا أن ألمانيا والأنسانية لم تخسر شيئا بغياب تماثيل هتلر، كما لم يخسر العراق من إزالة ثماثيل صدام حسين، فمثل هذه الأعمال ليست أنجازات فنية تستحق التغاضي عنها لما تحمله من قيم جمالية، وهي لا تعدو كونها محركا لدعم التوجهات الأجرامية الموجهة ضد الإنسانية. أما المنجزات التي تحققت في أزمنة حكمهم، فهي ليست لهم بل لمبدعيها من فنانين ومهندسن وشغيلة، ويتعين الحفاظ عليها وصيانتها.

جميل أن يكون للمثقف التنويري موقف متميز في المنعطفات الإجتماعية وأن يتعامل بوعي متقدم مع الأحداث، على أن لا يققد البوصلة التي يشير قطبها دائماً باتجاه كل ماينسجم وما يدفع باتجاه تعميم قيم الحرية والمساواة، وقبر كل ما يثير نوازع الكراهية وإهانة الأنسان واستعباده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تناقض المتنورين
د. لبيب سلطان باحث أكاديمي عراقي كاليفورنيا ( 2022 / 6 / 11 - 20:51 )
الأستاذ الفاضل
اجد في مقالتكم تناقضا فهي مقالة افتراضية فالتنويري والمتحضر والليبرالي لايمكنه ان يناقض نفسه كونه غير مجبر على ذلك مثلا التظاهر على جريمة قتل فلويد وازالة نصب العبودية ثم يكتب ضدها ، عكس المؤدلج الذي تملي عليه ايديولوجيته اتخاذ مواقف متناقضة مثل الأدعاء بشيئ وكتابة او ممارسة النقيض اوايجاج تبريرات غالبا نقرأها بعبارات مثل - صحيح..ولكن- ..مثلا في مقالاتكم والكثير من المتمركسين العرب في تبريرالحرب العدوانية لبوتين على اوكراينا وفيها موقف متناقض كون اليسارضد الحروب العدوانية التوسعية
ويبدو ان مقالتكم هذه جاءت لتقول لنا لسنا وحدنا نتناقض فها هو احد التنويريين والليبراليين ايضا يتناقض وهم ايضا ويكيلون بمعيارين ولو قام احدهم بذلك فعلا فهو مؤدلج مثلكم وليس تنويريا او ليبراليا وعليه اجد كأنكم من خلال مقالتكم تريدون الرد بالقول لست وحدي هكذا وهو امر لن يعفي عن مسؤولية تناقض المواقف مثلما يدعي بوتين يقول لست وحدي من قام بالغزو
فهاهي امريكا غزت العراق وافغانستان وكذلك ما نقراه من تبريرات المتمركسين العرب في تبريراتهم لهذه الحرب القذرة ولن ينظر عاقل لها لولم يكن مؤدلج


2 - د. لبيب سلطان
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 6 / 11 - 23:29 )
السيد الباحث الأكاديمي المحترم
عنوان المقال هو (( تنويريون يكيلون بمكيالين )) وليس (( التنويريون يكيلون بمكيالين ))، أي أنه لا يستهدف كل التنويريين، وأنما هو يستهدف فئة محددة هي تلك التي تنتمي أنت إليها يا دكتور، الفئة التي تتبنى أيديولوجيا الدفاع عن الجرائم التأريخية للمنظومة الرأسمالية، وتظللها بألوان بهيجة. فلا أحد ينكر وجود تنويريين حقيقيين يتعاملون مع الواقع دون أنحيازات إيديولوجية محددة، وهم محط إحترام وتقدير. وهؤلاء وقوفوا الى جانب الحراك الشعبي الذي أستهدف أجتثاث الأرث العبودي للرأسمالية، ولم يدينوه، لكن هناك من يشاركوك ذات المنطلقات، وقفوا من الحراك موقف الأستنكار، وهاجموه تحت مبررات من قبيل أنه لا يمكن محاكمة الأمس بمعايير اليوم ومفاهيمه، وأن تدمير نصب تجار ومستغلي ومضطهدي العبيد، يعتبر تدميرا للذاكرة الأنسانية التي ينبغي الحفاظ عليها.
مع الأحترام.


3 - ألتنويري واحد ام مفهوم
د. لبيب سلطان باحث أكاديمي عراقي كاليفورنيا ( 2022 / 6 / 12 - 00:39 )
استاذنا العزيز
اذا كانت مقالتك تستهدف رأي احد من يدعي التنوير فلا قيمة لها كونها تستفرد بشخص وهو ليس امر مقالة عامة ولكني فهمت انك اردت تناول من يدعي التنوير والليبرالية كونهم يكيلون بمكيالين وهو امر فيه تجني وعقبت عليه انه ربما وخز ضمير بدء يشعر به من يبرر لحرب بوتين العدوانية باننا لسنا نحن فقط من نبرر ونتناقض بل هم ايضا التنورون و الليبراليون وارجو ان لايثير تعليقي زعلكم لأني فقط مهتم بنقاش الأفكار وعليه بقيت اسأل كل السادة الذين قرأت لهم على هذا الموقع ورأيتهم قد نظروا لتبرير حرب بوتين في مقالتهم : ماهي الأسس الفكرية والأنسانية التي بنيتم عليها مباركتكم لحرب بوتين ؟ ولليوم لم يجب احد بما فيهم حضرتكم وأرجو منهم ومنكم الأجابة عن سؤالي بمقالة فيها هذه الأسس وعلاقتها بالماركسية مثلا ولكم مني فائق التقدير والأحترام


4 - السيد المحترم لبيب سلطان
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 6 / 14 - 17:54 )
لولا اللقب العلمي الذي تلحقه باسمك لما كلفت نفسي عناء الرد على تعليقك الثاني، الذي كررت فيه ما ورد في التعليق الأول، وخضت فيه كما الأول في موضوع لا علاقة له بهذا المقال. والمحزن في الأمر انك لم تكتف باقحام موضوع أخر وقضية أخرى تحرف النقاش باتجاه آخر، بل استخدمت في هذا أسلوبا يحتقر الأمانة العلمية التي ينبغي أن يتحلى بها الباحث الأكاديمي، فاطلقت أحكاما جزافية، صنفتني فيها كمؤيد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومدافع عن غزو روسيا لأوكرانيا. وهذا للأسف ليس كذبا محضا وسافرا فقط بل تشويه للحقائق، لا يليق بالباحثين.
وأضح أنك تتابع مقالاتي، ولابد أنك قد أطلعت على أثنين منهما، أحدهما عنوانه: أوكرانيا .. حرب رأسمالبات متنافسه، وهذا رابطه
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=751871
والثاني: عنوانه متحاربون تحت راية إيديولوجية واحدة .. ولكن. وهذا رابطه https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=758144
ايتبع


5 - 2السيد المحترم لبيب سلطان
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 6 / 14 - 17:56 )
وفي كلا المقالين تأكيد على أن روسيا بنظامها الحالي هي جزء من المنظومة الرأسمالية العالمية السائدة في غرب أوربا والولايات المتحدة، وأن الصراع بين الطرفين هو كما كان دوما بين الضوار الرأسمالية، صراع مصالح ومناطق النفوذ، استخدمت فيه على مدى تأريخ الرأسمالية أشد الوسائل فتكا وأبادة للبشر الشجر الحجر كما حدث في هيروشيما وناكازاكي. ولهذا السبب فلسنا بوارد الرقص على طبول روسيا أو أمريكا والناتو الحربية. وإيهام الرأي العام بان ثمة طرف فيهما يخوض حربا عادلة، ضد طرف يخوض حربا عدوانية. وحقيقة مسؤولية الطرفين عن مأساة أوكرانيا تنبه لها حتى بابا الفاتيكان حين قال أنها ما كانت لتحدث لولا نباح الناتو على أبواب روسيا. فكيف أكون منحاز إلى بوتين كما زعمت يا دكتور؟ وهل البابا منحاز هو الآخر، ومؤيد للحرب الروسية؟


6 - السيد المحترم لبيب سلطان 3
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 6 / 14 - 17:59 )
الرقص على طبول الحرب ليس من مهام أصحاب الرأي الحر، بل واجبهم كشف أسباب الحروب، وتبصير الرأي العام بدوافع كل طرف من أطرافها، لتطويق أثار النشاط غير النبيل لكتاب يهيجون الرأي العام لصالح طرف من أطرافها من منطلقات إيديولوجية بحتة، ويرفعون في ذات الوقت شهادات براءة زائفة من أية إيديولوجيا، فيما هم يروجون للإيديولوجيا المبنية على نظرية نهاية التأريخ، وأن قدر البشرية هو الخضوع لمراكز القوة الرأسمالية الغاشمة، التي تزعز الأستقرار، وتثير النزاعات في كل أنحاء العالم حفاظا على ما تعتبره حقوقا منتزعة، على الآخرين الآقرار بها.


7 - السيد المحترم لبيب سلطان 4
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 6 / 14 - 18:01 )
أنت يا دكتور لابد تعلم أن الجهة التي تلقى الحطب في نيران الحرب (( دفاعا عن القانون الدولي، ودرءا للتوسع والعدوان وضم أراضي الغير بالقوة )) هي من دعمت وما زالت احتلال أسرائيل، لأراضي عربية، واعترفت بالضد من القانون الدولي، الذي تزعم الدفاع عنه، بحق المحتل في ضم الأراضي التي يحتلها بالحرب والعدوان، كما في القدس والجولان. ومع هذا تجد هذه القوة الغاشمة، كتابا وأكاديميين حقيقيين أو مزعومين يعتمون على الحقائق، ويجيشون الرأي العام لصالحها ضد خصم لا يختلف عنها بشيء.
مع الأحترام والتقدير.


8 - السيد المحترم لبيب سلطان 3
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 6 / 15 - 00:53 )
الرقص على طبول الحرب ليس من مهام أصحاب الرأي الحر، بل واجبهم كشف أسباب الحروب، وتبصير الرأي العام بدوافع كل طرف من أطرافها، لتطويق أثار النشاط غير النبيل لكتاب يهيجون الرأي العام لصالح طرف من أطرافها من منطلقات إيديولوجية بحتة، ويرفعون في ذات الوقت شهادات براءة زائفة من أية إيديولوجيا، فيما هم يروجون للإيديولوجيا المبنية على نظرية نهاية التأريخ، وأن قدر البشرية هو الخضوع لمراكز القوة الرأسمالية الغاشمة، التي تزعز الأستقرار، وتثير النزاعات في كل أنحاء العالم حفاظا على ما تعتبره حقوقا منتزعة، على الآخرين الآقرار بها.
يتبع ..


9 - هذا اخونه شناوه يحجي يخني عصمنلي مزنجر تماما لايفي
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 6 / 16 - 02:55 )
لايفيد معه الا اعادة تثقيث بعيدا عن الثلاثي القذر الاسلامي والقومي والطبقي -تحياتي


10 - ((صادق الكحلوائي))
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 6 / 16 - 13:09 )
شكرا لك، لأن تعليقك هذا المرة أقل حدة وتجاوزا لحدود التهذيب من سابق تعليقاتك.

اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا