الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السبهلله (15)

محمد أبو قمر

2022 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


كان من الممكن للسادات أن يكتفي بالتحالف مع الاسلام السياسي لضرب مناوئيه ، فهذا إجراء سياسي تلجأ إليه السلطة التي لا تؤمن بوجود صوت آخر أمامها ، وهذا الإجراء هو أحد أدوات القمع التي تقوم بها السلطات القمعية في مختلف الدول العربية وفي دول كثيرة حول العالم.
لكن تغيير السادات للدستور في 71 وإضافة نص يقول ( مبادي الشريعة الاسلامية مصدر للتشريع يوحي بأن المسألة لم تكن فقط ضرب المناوئين .
تغيير مرجعية التشريع من الشعب إلي الدين هي انقلاب ضد حياة الشعب المصري بأكمله وتلاعب قصدي متعمد بمصيره ، هو عصف بمستقبل هذا الشعب الذي وثق فيه ، ضد ثقافته ، وضد مصالحه ، لأن القوانين التي تنظم حياة الناس يجب أن تنبع من المصالح المتغيرة ، ومن الحياة المتغيرة ، القوانين ينبغي لها أن تكون مرنة ومستجيبة لتطور المعاملات والعلاقات والمصالح لكي يمكنها أن تدفع الحياة إلي الأمام .
حين تكون مرجعية القوانين دينية فإن ذلك يؤدي إلي إعادة تدوير الماضي ووقف حركة الحياة وتجميدها عند مرحلة زمنية مر عليها ما يزيد علي 14 قرنا من الزمان.
الخطوة الثالثة التي كانت جريمة كاملة الأركان ارتكبتها سلطة السبعينات ضد الشعب هي السماح لجيش من الدعاة والمشايخ بالهجوم الوحشي المنظم والمتزامن علي ضمير الإنسان المصري وتفريغه من محتواه ، ثم حشو عقله بخرافات دموية وجنسية بدعوي أنها تمثل سيرة المسلمين الأوائل ، ثم تسفيه العلم وشيطة المرأة التي طالما لعبت أدوار عظيمة في بقاء هذا الوطن والمحافظة علي وحدته ، ثم إشاعة جو من الكراهية والتكفير وإشغال المصريين بتوافه حياتهم ككيفية دخول الحمام وحفظ دعاء الركوب ونواقض الوضوء وعدم تهنئة الأغيار بأعيادهم والنوم علي الجانب الأيمن وعدم ارتداء الساعة في معصم اليد اليسري ، ثم ضرب قيم السلام الاجتماعي في مقتل وتحطيم القيم الأخلاقية المتوارثة وترتيب نسق أخلاقي آخر غاية في الانحطاط والتردي ، الأمر الذي أصاب الحياة المصرية بالشلل التام ، وتحول المجتمع المصري من مجتمع مبدع ومنتج إلي مجتمع خامل كسول ينتظر أن تمن عليه السلطة بأرغفة العيش وفي نفس الوقت يظن أنه أفضل مخلوق عند الله وأن البشرية كلها مخلوقة فقط لخدمته وإنتاج كل ما يحتاجه من سبل الرفاهةوالحفاظ علي صحته.
قد يقول قائل إن السادات تحالف مع الاسلام السياسي لتحقيق الاستقرار لأن مصر كانت علي وشك الدخول في حرب تحرير الأرض ، وأن هجوم مشايخ الصحوة كان سيتم رغما عن أنف السلطة لأن هذا الهجوم كان ينطلق من مؤامرة كبيرة أعدتها المخابرات المركزية مع النظام السعودي .
طيب ، يجب أن يعلم هؤلاء أن السادات عاد في سنة 1980 وغير المادة الثانية في الدستور فبعد أن كان النص في دستور 71 يقول ( مباديء الشريعة الاسلامية "مصدر" للتشريع ) جعلها السادات في دستور 1980 ( مباديء الشريعة الاسلامية "المصدر الرئيسي" للتشريع ) ، أي أنه حول مباديء الشريعة من مجرد مصدر من المصادر المتعددة للتشريع إلي المصدر الرئيسي للتشريع.
الملاحظة الأهم هي أننا في سنة 1980 كان انتصار اكتوبر قد مر عليه 7 سنوات ، وكانت معاهدة السلام قد تم إبرامها ، وكنّا في ذلك الوقت مهيئين للدخول في العصر بعد أن أنهينا كل المهمات التي كانت تعوقنا ، انتصرنا وحققنا السلام ، وكنّا في حاجة للانطلاق ، لكن شيئا ما لا أعرفه دفع السلطة لكي تُسقطنا فجأة في هوة معتمة لكي نففقد الاتجاه .
إنك حين تراجع أسماء أعضاء اللجنة البرلمانية التي أعدت التعديلات الدستورية عام 1980 ، وحين تراجع التقرير الذي أعدته هذه اللجنة بشأن هذه التعديلات ، وحين تقرأ ماكتبته هذه اللجنة حول السلام الاجتماعي وإقامة ديمقراطية سليمة وعن حماية الجبهة الداخلية أو ماكتبته هذه اللجنة في ذات التقرير عن استجابتها لارادة الشعب المصري بإجراء هذه التعديلات ، حين تقرأ كل هذه الأكاذيب وكل هذه العبارات التي تشبه طنين الذباب ستدرك أنهم كانوا يطبخون هذا الشعب علي نار هادية لكي يقدمونه كوجبة طازجة للمشايخ والدعاة لكي يسهل عليهم مضغه وبلعه وهضمة ثم إخراجه في الحمام بسهولة ويسر.
التحالف البغيض مع الاسلام السياسي ، ثم تعديل الدستور مرتين ، ثم هجوم مشايخ ودعاة مؤامرة الصحوة ، ثم راح السادات وكأنهم قتلوه لأن دوره في القضاء علي مستقبل هذا الشعب قد انتهي ، ثم وقف مبارك بعد ذلك يشاهدنا من شرفة القصر بينما أحد المشايخ يمسح بأنوفنا التراب وهو يقول لنا إنه صلي ركعتين شكر لله علي هزيمتنا في عام 67 ، أو يقول لنا إن من يموت دفاعا عن وطنه ليس شهيدا ، أو أن اختراع المنديل الورقي أفضل من اختراع القمر الصناعي ، أو أن تارك الصلاة يجب قتله ، أو يقول لنا آخر : إن المرأة اسيرة عند زوجها ، أو يحرم علينا أحدهم ارتداء الساعة في معصم اليد اليسري ، أو يقوم آخر بتحفيظنا دعاء الركوب ، أو يجعلنا داعية تلفزيونجي جميل الطلعة نسير في الشارع نكلم أنفسنا كالمعاتيه لأننا نسينا أن نصلي علي النبي في ذلك اليوم.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى