الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تذوق الموسيقي العربية

عطا درغام

2022 / 6 / 11
الادب والفن


عُرف التذوق الموسيقي في مصر منذ أوائل الثلاثينيات عندما بدأت تتكون بعض جمعيات الجرامفون، وعندما قام بعض العائدين من الخارج من أساتذة الجامعة الذين كانوا يحبون الموسيقي ، بشرح بعض المؤلفات الموسيقية والتحدث عن تاريخ مؤلفها لأعضاء الفرق الموسيقية الجامعية التي كانت مزدهرة في ذلك الوقت، والتي كانت تضم بعض هواة الاستماع من طلبة الجامعة ،كما ظهر أول كتاب باللغة العربية في التذوق الموسيقي من تأليف الدكتور حسين فوزي، وكان كتابًا له قيمته في ذلك الوقت.
وفي عام 1938 قدّم أحمد سعد الدين أول حديث موسيقي بالإذاعة المصرية، وكان عن أوبرا عايدة فيردي وبناء دار الأوبرا عام 1869.
وأخذ الاهتمام بالتذوق الموسيقي يتزايد ويتغلغل في أوساط المثقفين، حتي أنشأت دار الكتب المصرية (مكتبة الفن) سنة 1949 ،وزودتها بعديد من الأسطوانات وأجهزة التسجيل والكتب الموسيقية والمدونات ، كما كانت تقيم فيها ندوات وحلقات للاستماع والشرح والتحليل.
ومن الغريب أن كل هذا الاهتمام بالموسيقي كان منصبًا علي الموسيقي العالمية، ولم يهتم أحد بتذوق الموسيقي والغناء العربي وتحليلها وشرح مما فيها من جمال وفن ،حتي العاملين في حفل الموسيقي العربية كانوا يمارسونها بطريقة وجدانية، دون تفكير في شرحها في برامج تذوق موسيقي ، ويبدو أن عدم الاهتمام بالتذوق الموسيقي العربي، كان مرجعه إلي عدم وجود مراجع قيمة.
وقد أوصي مؤتمر الموسيقي العربية الذي عقد بالقاهرة عام 1932 بالاهتمام بالتذوق الموسيقي العربي، لكن لم يهتم احد.
وأنشات وزارة المعراف العمومية كثيرًا من المعاهد الموسيقية علي مختلف المستويات..وكانت من برامج الدراسة دائمًا مادة التذوق الموسيقي، ولكن الدراسة فيها كانت تنصب علي المؤلفات العالمية دون الاهتمام بالموسيقي العربية

وأخذت الإذاعة تقدم شرحًا للأعمال الموسيقية العالمية،وأهملت هي الأخري شرح الموسيقي العربية، وحتي ما يُقال في شرح الأعمال العالمية، يعتبر عند غالبية الناس نوعًا من الألغاز غير المفهومة؛إذ أنها تقدم بطريقة لا تتفق وروح أو ثقافة أو بيئة المستمع المصري الذي يقضي يومه في سماع الأغاني والموسيقي العربية.
ولم يستفد منها غير قلة من الدارسين، وهؤلاء يكونون عادة في غني عن هذه البرامج؛إذ لديهم الكتب والأسطوانات والنوتات الموسيقية التي تشبع نهمهم سواء من ناحية الاستماع أو الفهم او التذوق.
وظهرت مدرسة للتذوق تنادي بوجوب تبسيط الشرح، وجعله في مستوي متوسطي الثقافة بوضعه في قالب قصصي أو وصفي.وهذا طبعًا لا يتأتي في الموسيقي الوصفيه والقصصية، وهو ما يُسمي بالموسيقي ذات البرنامج ،والتي يزخر بها العهد الرومانتيكي،وتكون هذه هي الخطوة الأولي التي يتم من خلالها تعريفهم بالآلات الموسيقية المختلفة وأنواع الأصوات البشرية والقوالب الموسيقية، ثم تليها خطوة أخري، يأخذون فيها فكرة عن علوم الهارموني والكونتربوينت مما يفتح أذهانهم لتقبل شرح الموسيقي الكلاسيكية البحتة.
وبجانب ذلك لا يجب أن نغفل إطلاقًا التعريف بموسيقانا وأغانينا وتاريخها،وما فيها من فن وجمال وطرب، وذلك بشرح مقاماتها ثم تحليلها ونقدها مع بيان تطورها هي وآلاتها وتاريخ حياة مؤلفيها وما أضافوه إلي الفن في عصرهم وأثر ذلك علي المجتمع الذي عاشوا فيه.
يبقي الأمر علي ماهو عليه، حتي قام معهد الموسيقي العربية واللجنة الموسيقية العليا وغيرهما من الهيئات بجنع التراث وتسجيله بسد هذا النقص علي أيدي بعض كبار الدارسين الجادين،من أمثال محمود كامل مؤلف هذا الكتاب، والذي قدم للمكتبة الموسيقية العربية سلسلة من الكتب القيمة عن أئمة رجال الفن في القرن التاسع عشر من أمثال عبد ه الحامولي ومحمد عثمان وداود حسني ، ثم محمد القصبجي وأم كلثوم من القرن العشرين.
كما حقق بعض الدارسين أيضًا كثيرًا من الكتب الموسيقية القديمة ككتاب "الاغاني" لأبي الفرجج الاصفهاني،و"رسالة الكندي"وغيرهما. هذا بجانب الدراسات العلمية الجادة في تحليل وقياس السلم الموسيقي العربي، التي قام بها الدكتور يوسف شوقي والدكتور محمود مختار والأستاذ غطاس عبد الملك خشبة وغيرهم.
وقامت اللجنة الموسيقية العليا برئاسة الأستاذ أحمد شفيق أبو عوف بنشر كتاب (تراثنا الموسيقي) الذي قدم له الأستاذ محمود أحمد الحفني بعجالة تاريخية للموسيقي في عهد الفراعنة والعرب، وتعتبر من أشمل ما كُتب في هذا الصدد.
كما تقوم إدارة التبادل الثقافي بوزارة الثقافة بنشر أسطوانات مختارة من الموسيقي العربية والشعبية ، سواء ما كان منها بصورته التقليدية أو المتطورة، وهي أسطوانات ذات مستوي رفيع من ناحية الاختيار أو التنفيذ، ومعها شروح لما تقدمه ، وتعمل وزارة الثقافة علي نشر هذه الأسطوانات وتوزيعها في جميع أنحاء العالم للتعريف بموسقانا ومؤلفيها،وهناك جهود أخري كثيرة في هذا الشأن.
إن في هذا الكتاب القيم إلي المكتبة العربية الموسيقة، سدًا لنقص كبير في مجال التذوق الموسيقي الذي يحتاج إليه الموسيقي والمستمع والدارس ،بل وكل مثقف ومتعلم.
والأستاذ محمود كامل مؤلف الكتاب (1917-2000) من مواليد الإسكندرية ،حيث حصل علي شهادة البكالوريا عام 1937، ثم التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية.ودرس الموسيقي العربية بمعهد الاتحاد الموسيقي.
وعمل في مجال الصحافة بالصباح وأخبار اليوم والإذاعة والتلفزيون، ثم تفرغ للتأريخ الموسيقي وجمع التراث الغنائي العربي. ورأس عددًا من الجمعيات الموسيقية مثل "جمعية أصدقاء داود حسني"، و"جمعية أحباء التراث العربي"، و"جمعية أصدقاء سيد درويش.
وأشرف علي العديد من رسائل الدكتوراة والماجستير بكلية التربية الموسيقية. وأصدر العديد من الأطروحات الفنية عن رموز الغناء: عبده الحامولي وكامل الخلعي، ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، ومن أبرز مداخلاته الإذاعية البرنامج الشهير"ألحان زمان".
وفي هذا الكتاب( تذوق الموسيقي العربية ) تناول مراحل تطور الغناء العربي بداية من العصر الجاهلي والعصر الإسلامي والأموي والعباسي مروًا بالعصر الفاطمي ، ثم تناول تعريف الموسيقي وأنواعها.
وأورد نماذج من الأشكال الغنائية كالقصيدة والدور الموشح والطقطوقة والمونولوج والديالوج ، وأنواع التأليف الموسيقي منها ما انحدر إلينا كالبشرف والسماعي واللونجا ومنها ما ابتكره الموسيقيون العرب كالتحميلة والتقاسيم.
وتناول المقامات الموسيقية ، وقد ركز علي الشائع منها ورتبها حسب درجة الركوز والاستقرار كما ذكر نماذج من الالحان التي صيغت منها، وهناك طائفة أخري من المقامات غير الشائعة لم يتعرض لها ،وذلك لندرة الألحان التي صيغت منها، كما تطرق إلي الإيقاع..
ويفسر كثيرًا من المصطلحات الموسيقية الفارسية والتركية المستخدمة في الموسيقي العربيةن ويوضح كيفية تذوقها والتعامل مع أجوائها السحرية الخلابة، حسث تسلسل فصوله الشائقة التي تعرف بالموسيقي العربية منذ نشأتها في أحضان الأراجيز وصولًا إلي داود حسني وزكريا أحمد وسامي الشوا، ولكأن هذا الكتاب الإيقاعي تكملة لكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أو كأنه نسخة عصرية له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا