الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوق الشيوخ .. أصل المندائيين.

سنان سامي الجادر
(Sinan Al Jader)

2022 / 6 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تُمثّل مدينة سوق الشيوخ أقدم مناطق تواجد المندائيين في بلاد الرافدين. وحيث أنّ هذه المدينة لاتبعد سوى 30 كيلومتر عن مدينتي أور وأريدو, والتي توجد بها أطلال لمعابد أنكي ملاك الماء وهو الذي علّم البشر الحكمة كما تقول النصوص المترجمة عن السومريين, وهو نفسه تمت تسميته أيا لدى البابليين, وأنّ الشواهد الآثاريّة من تلك المعابد وطريقة عبادتهم وطقوسهم المائيّة هي من أكبر الأدلّة على التشابه والتوافق مع العبادة لدى المندائيين, وبالتالي فهي تأكيد لإصولهم الرافدينيّة (مصدر1), ولكن نهر الفُرات الذي كان يمر سابقاً بهاتين المدينتين كان قد حوّل مجراه ولهذا فقدت المدينتين قوتهما السُكانيّة, بينما بقيت سوق الشيوخ على نهر الفُرات.

أن القِدم المندائي في مدينة سوق الشيوخ يعود لكونها مُحصّنة بحماية طبيعيّة وهي الأهوار, ولهذا فهُم كانوا يَحتمون بها بعد سقوط مدنهم الكُبرى خلال الإحتلالات المُتعاقبة من الفُرس إلى اليونان والرومان, وحيث أن مُدن الناصريّة والعمارة هي حديثة نسبياً.

فسوق الشيوخ كانت محميّة عبر العصور داخل هور الحمار وهو أكبر الأهوار العراقيّة الآن, وأمّا سابقاً فكان يُمثل عُمق الأهوار ولأنها كانت مُتصلة مع بعضها البعض. وهذه الحماية الطبيعيّة هي التي حَمَت المندائيين من بطش الإحتلال الروماني, والذي كان يقتل كُل من لايتحوّل إلى المسيحيّة في جميع البُلدان التي أحتلتها تلك الإمبراطوريّة العنيفة. ورُغم ذلك فأن كثير من المندائيين في مدينة بابل وفي أماكن أخرى على طول نهر الفُرات لم يكُن لهم من خيار سوى الهجرة إلى مدينة حرّان, والتي كانت ضمن الدولة الفارسيّة ولهذا فلا تصلهم الجيوش الرومانيّة.

وهذه هي الهجرة المندائيّة التي كانت تتحدّث عنها أحدى الكتابات المندائيّة الغير موثّقة وهي مخطوطة حرّان كويثا, حيث أنّ المستشرق ماكوخ وهو مبعوث الكنيسة اللوثرية كان قد جلب مصور لتلك المخطوطة من الفاتيكان, وهي عبارة عن تدوين بخط رجل دين مندائي ضمن الهوامش (أزهار) التي كتبها خلال عملية نسخه لأحد الكتب الدينيّة المندائيّة, وهو أحد أجزاء كتاب الترسر الخاص بالتوجيهات التي تُعطى لرجال الدين. المهم هو أنّ ماكوخ حاول تحريف مايقوله الأزهار الذي يتحدث عن الهجرة من جنوب العراق إلى مدينة حرّان, بينما فسرها ماكوخ على أنها كانت من فلسطين والتي لايرد أسمها ولا توجد لها أي أشارة في ذلك التدوين أو في غيره.

ولا علاقة لنا بفلسطين الحاليّة ولا يوجد تشابه معها أو مع عادات وعبادات أهلها, ولا يوجد ذكر جُغرافي لمناطقها في كُتبنا (مصدر2), وجميع تلك الكتابات حول الأصول الغربيّة للمندائيين هي لغرض إعطاء أهميّة تاريخيّة لليهود ولتلك المدينة الصغيرة في ذلك الزمان والتي تُسمى القُدس الآن.

وبعد سقوط مملكة ميسان في القرن الثالث الميلادي بيد الساسانيين الفرس, فأنّ تجمعات المندائيين هُناك أصبحت بين مُدن متعددة, بعضها قريب من التجمعات الفارسيّة ومدنها, ولهذا فكان المندائيون يُعانون من بطش الفُرس بالقتل والسرقة وغيرها من وسائل الظُلم والحيف! خلال تلك العصور وصولاً إلى العصر الحديث, وحيث تَذكُر بعض المجازر التي حَدَثت في مدينة شوشتر في القرن الثامن عشر, كيف أبادوا المندائيين فيها (مصدر3) وفي مُدن كثيرة أخرى, حيث يذكر هذا المصدر عن الباحث الفرنسي مورغان التالي:
(الفرس ارادوا الحصول على الكتب الدينيه للمندائيين ولكنهم لم ينجحوا بالحصول عليها لا عن طريق الشراء ولا عن طريق السرقه.لذلك قاموا بأعتقال قادتهم ولكن المندائيين قالوا لهم انهم يتبعون الديانه المندائيه عن طريق التقليد عند القيام بالطقوس المندائيه الدينيه خوفا على كتبهم ,عند ذاك تم رمي قادتهم الدينين في السجن وتحت التعذيب, ولكنهم استمروا في انكار وجود اي كتاب مندائي لديهم ولكن الفرس هددوا الكثير من قادة المندائيين بالقتل , ثم بدأوا بذلك فالبعض خوزقوا واخرون مزقوا ,احد المعذبين المندائيين تم قطع اطرافه الواحد بعد الاخر بدأ من اصابع الارجل ثم الايدي, بعض قادتهم تم جلدهم احياء والاخرين تم احراق اعينهم بوضع سيخ الحديد الحار في اعينهم, ثم بعد ذلك تم ذبحهم ,والبعض الاخر تم احراقهم احياء.)

وعلى أثر تلك المذبحة وغيرها, فقد هاجرت بعدها عوائل مندائيّة كثيرة من مدنهم في إيران إلى مدن جنوب العراق, وأنضمّت إلى عوائل من مندائيي العراق وتصاهروا معهم, وهذا الموضوع وغيره يؤكّد بأنّ حالة المندائيين في العراق كانت أفضل من أقرانهم في إيران خلال مُعظم العصور.

ففي العهد الإسلامي كان المندائيون في العراق مُقدّرون لدى الخُلفاء والحُكّام وكانت لبعضهم وظائف مُهمّة, وبعد ذلك وفي عهد الإحتلال العُثماني للعراق في القرن السادس عشر كان المندائيون في بلاد الرافدين محميين بالأهوار الطبيعة المُنعزلة, وكذلك بتحالفاتهم مع كثير من العشائر العربيّة المُسلمة وخاصة مع تلك التي ترتبط بالصداقة مع المندائيين, مثل بني أسد والسعدون وكنانة والسواعد وغيرها, وهُم كانوا يَهبّون للدفاع عن المندائيين ضد أي تعدّي يصدر عليهم وفق ما يُعرف عشائريا بالجرش. وطبعاً في تلك العصور لم تكن الحالات الأمنيّة في مناطق المندائيين بأفضل منها لدى المسلمين الذين يعيشون هناك, وكانت حالات الإجرام بالسلب والنهب وسبي النساء موجود في جميع المناطق, وهذا الخطر تُعاني منه المُجتمعات العشائريّة في المناطق النائيّة لغاية زمن قريب, وكذلك فأن الإحتلال العُثماني كان فاسداً وظالماً حد النُخاع.

وحيث أنّ الإضطهاد ضد المندائيين في العراق هو حقيقي, ولكن التضخيم الخارجي له من قبل المستشرقين كان لأهداف سياسيّة بالدرجة الأولى, فعند دخول الإنكليز للعراق بغرض أستكشافه, وهُم الذين بدأوا بذلك مُنذ القرن التاسع عشر, عبر تقديم المُساعدة التكنولوجيّة للعُثمانيين بالنقل النهري في دجلة والفرات وكذلك بجلب التلغراف وخدمات البريد المتطورة وغيرها من أوجه عصر الصناعة, وعندها بدأوا بمُحاولة تصوير الوضع في العراق على أنه كارثي, وأنّ العُثمانيين الذين يحكمون وفق الشريعة الإسلاميّة كانوا يضطهدون باقي الأديان وخاصّة المسيحيّة (ولهذا أطلقوا على المندائيين تسمية مسيحيي يوحنا المعمدان), وذلك لغرض كسب تأييد المجتمع العالمي والدول الغربيّة المسيحيّة, وتصوير انفسهم على أنهم مُحررين لهذه الشعوب ضد الإستعمار العُثماني الإسلامي, وبهذا يُخفون سببهم الرئيسي وهو الطمع بخيرات تلك البُلدان.

المصادر

1 كتاب: الصابئة المندائيون في العراق وإيران, دراور

2. مقالة: قُرب بابل كانت أورشلام, سنان سامي الجادر

https://mandaean.home.blog/2020/02/06/%d9%82%d9%8f%d8%b1%d8%a8-%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d9%84-%d9%83%d8%a7%d9%86%d8%aa-%d8%a3%d9%88%d8%b1%d8%b4%d9%84%d8%a7%d9%85/?fbclid=IwAR2nZ-HAKmRztRg_RMJiugR1dmY9HP1tG4mqzfLsTO4dP7Zg9W1owm2ot1Q

3. Jean de Morgan (mission scientifique en Perse ) volume5








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط