الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول قانونية ودستورية الدراسات والموافقات الأمنية

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2022 / 6 / 12
حقوق الانسان



يكابد المواطنون، اليوم، ومن جملة ورزمة ما يكابدون، في حياتهم اليومية، معضلة هامة وصعبة جداً، وهي قضية الدراسات الأمنية، والموافقات الأمنية، لأدنى نشاط، والمحصورة بأجهزة الأمن، أي نخبة "الجناح العسكري" المنتخبة بالدولة، والمقرّبة، عادة، من دوائر القرار العليا، أدت هذه الظاهرة، فيما أدت، وتؤدي، إلى شلل تام بالحياة، وتعطل كامل للمصالح،، وتوقف كلي للكثير من الأعمال والنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والتجارية، وعلى صعيد وطني أشمل وأخطر، أدت وتؤدي إلى تطفيش وتهجير وهروب المواطنين ونزيف بشري لا يحتمل، وتركهم الجمل بما حمل، مع كل ما يترتب على ذلك من مشاكل وتداعيات لا يمكن حصرها في هذه المساحة الضيقة.
ويمكن تفهـّم جانب كبير، أحياناً، حول ضرورة هذه الموافقات، بسبب ظروف الحرب، وتداخلها مع الإرهاب، والصدام المجتمعي العريض، وحالات الانقسام والتشرذم الوطني، لا بل، وفوق ذلك كله، أطالب بوجود جهاز أمن سري، كما هو الحال في كل الدول المحترمة، يختص بقضايا أمن الدولة العليا والتجسس، والأمن الخارجي (طبعا لا يختص وليس عمله محصوراً بكتابة تقارير كيدية وكاذبة عن مواطنين مغتربين) والتدقيق بحالات بعينها وتتبع الشخصيات العامة وترشيحها ووضعها العام وحركة رؤوس الأموال ووو، هذا مطلب وطني، لكن ما لا يمكن تفهمه، أو تبريره هو ما هي جدوى استمرار هذه الدراسات والموافقات "المبتذلة" والسخيفة والتافهة والتي لا قيمة أمنية، حقيقة لها، كأن يتم مثلاً إشغال جهاز الدولة وجنرالاته وأفراده بقضية توظيف "حارس" معتر ومشحر، أو بواب على بلدية ومعرفة نواياه وعلاقته بالدوائر الإمبريالية والصهيونية، ومدى خطره على أمن الدولة والصراع مع العدو، وهو بالكاد يفك الخط، ولا يجد قوت يومه، أو تقييم المواطن بأنه صهيوني مثلاً، أو مشبوه (رجاء ممنوع الضحك) وعميل لجهات خارجية وهو لا يملك ثمن "جرابات"، كون تلك الآليات لم تفلح سابقاً، ولم تتمكن من ضبط المجتمع والتحكم به، وإدارة الدولة وفق المنظور الأمني المنشود، والتحكم بحركة الأفراد وأنشطتهم، وعجزت عن مواجهة الانفجار، ومنعه من الأساس بل ربما كانت أحد أهم أسبابه، بما سببته من قهر وإزعاج وإحباط وتداعيات فردية ومجتمعية على غير صعيد ومستوى اعتقد "الأمنيون" أنها ستكبح المواطن وترهبه وتروضه وتدجنه، هذا يصنف في باتب التهريج وتبديد جهد ووقت الدولة ولا يمت للعمل الأمني بأية صلة، ولدينا آلاف الأمثلة والشواهد على فشل ومهازل"أمنية" حقيقية حصلت وتحصل اليوم، حيث يساق، مثلاً، شاب عاطل مسكين لأفرع الأمن لكتابته ثلاث كلمات على "السوشال ميديا"(يفش فيها قهره)، فيما يراكم وضيع ومشبوه وأزعر خارج عن القانون عشرات المليارات دون أن تسأل ذات الجهة الأمنية التي اقتادت ذاك الشاب الفقير لقبو مجهول عن مصدر ثروة هذا الحوت والـ"Tycoon". والسؤال الأهم هل ستفلح، مستقبلاً، في ضبط والتحكم فيمن تبقى تحت سلطة الدولة، أم ستؤدي إلى ذات الممر الإجباري الذي وجد المواطنون أنفسهم فيه؟
وبفرض أن المناطق الخارجة عن سيطرة وسلطة الدولة فيها مشبوهون، وإرهابون، ومطلوبون للعدالة، وحالات أخرى لا يمكن حصرها، تتطلب "التدقيق" و "المتابعة" الأمنية، لكن ما هي ضرورة وجدوى هذه الموافقات والدراسات في مناطق سيطرة النظام فيها موالون وقفوا مع الدولة ويعيشون بشكل طبيعي من دون أية شبهات، وليست لهم سوابق، وما هي الغاية والهدف منها سوى التضييق على المواطن، وزيادة همومه، وشجونه، والتنكيد والتضييق عليه، تمهيداً ربما، وإعداداً لعملية "انفجار" مجتمعي جديد؟ والأهم هل هذه الدراسات والموافقات الأمنية في مناطق سيطرة الدولة قانونية ودستورية من الأساس، مع التسليم بضرورتها في مناطق خارجة عن سيطرة "النظام"، حيث لا يمكن الكلام هنا عن وجود "دولة"؟
من المسلم به، والمعروف، أن للمواطن "النموذجي" حقوقاً يتمتع بها في أي مجتمع صحي وطبيعي، والعكس هو الصحيح بحرمانه من هذه الحقوق في المجتمعات غير الصحية والمأزومة وغير الطبيعية. فحق العمل والتملك والزواج والسفر والتعلم والتعليم والبيع والشراء ووو مكفولة بالقانون والدستور للمواطن الطبيعي والعادي، وإذا انتقلنا لمستوى أعلى، أيضاً، فحرية التعبير والكلام، والاعتقاد، واللاعتقاد، والعمل السياسي والحزبي هي حقوق طبيعية للمواطن لا ينازعه عليها أحد، ولا ينبغي أن تخضع لـ"دراسة" و" موافقة" أمنية، للسماح للمواطن بممارسة والتمتع بحق من حقوقه،(مثلاً تشترط المنطومة الأمنية على الشخص أن يكون "بعثياً" حصرياً للتمتع ببعض الحقوق الوطنية والعمل وهذا تمييز غير قانوني ولا دستوري وانتهاك للدستور الذي لا يتضمن أية مادة بحصرية الانتماء وانتهاك لحرية الاعتقاد والانتماء والتفكير)، فلا يجوز، قانونياً ودستورياً، والحال، فرض تلك المعايير والشروط المسبقة لـ"صرف" الحقوق، فكيف تكتب في دستورك وتتغنى بحرية التعبير والاعتقاد والكلام والانتماء السياسي ثم تفرض انتماء حصرياً على مواطنك لكي يعمل ويعيش في وطنه وتوظفه بـ"الريجي" و"الإسكان؟ هذا انفصام عقلي وسلوكي، وانتهاك دستوري، لا ينتمي لعمل أمني وحق وطني في أي مكان. والأهم من ذلك كله، لماذا تمييز رجل الأمن عن باقي المواطنين وإعطائه مزايا "إكسترا"، ورأيه يصبح قانوناً و"قراره" حكماً قضائياً، ورؤيته ناجزة ؟ هل هو معصوم، وفوق الشبهات ومنزه، وقراره منزل؟ ألم يظهر هناك "أمنيون" كبار كخونة وجواسيس وانقلبوا على النظام السياسي وانشقوا عن الدولة وتحالفوا مع الأعداء وتورطوا بمشاريع الشرقنة وتعاونوا مع الإرهاب وتسببوا بالكثير من الدمار والدماء؟
أما إذا كان المواطن مداناً بجناية أو جرم شائن، وعليه أحكام قضائية، وصاحب سوابق، فهنا يمكن الاكتفاء، والحال، بوثيقة "لاحكم عليه"، أو كما تسمى "خلاصة سجل عدلي"، مدون فيها الوضع القانوني لهذا المواطن، وبناء عليه يمكنه الشروع فيما يريد بناء على خلو هذا السجل العدلي من أية أحكام. أما أن تخضع حياة المواطن لـ"مزاجية" رجل أمن شبه أمي (لا يوجد، كما هو معروف، معاهد ومدارس أمنية حقوقية متخصصة يتخرج منها أكاديمياً منسوبو الأمن، بل شبه قطعات عسكرية يخضع فيها المنتسب لدورات عسكرية تامة بدون أية خلفية وثقافة ومحاضرات حقوقية وقانونية ودستورية ومن هنا تبدأ مأساة العمل الأمني)، كما تخضع تلك الدراسات، وكما هو معلوم، لاعتبارات سياسية، وحزبية، ومناطقية وتقييمات ربما "عرقية"، وأحياناً عشائرية، وفي مرات "طائفية"، وبكل أسف، وفي حالات "عائلية"، وشخصية ونفعية و"قياسية" (أي إذا كان أحد أقرباء أو معارف أو أصدقاء طالب الموافقة مطلوباً أو "مشبوها" أو معارضاً للنظام السياسي فكل الغضب الأمني سيحل عليه)، وهذا انتهاك مزر ومخجل ومريع للكرامة الإنسانية (عملية التجريم الجماعي)، ولحقوق الإنسان وللمواطن. فطالما أن المواطن يتمتع بكامل حقوقه، وسجله العدلي نظيف، فيحق له التمتع بكل حقوق ومزايا المواطنة دون الحاجة لـ"موافقة" و"سماح" و"رضى" من أية جهة ومن أي كان، كما لا موجب ولا ضرورة لأية دراسة أمنية، فالتاريخ "الوظيفي" والسمعة، والسيرة الحسنة، وخلو "السجل العدلي" من أية أحكام وبلاغات قضائية تصدرها محاكم مختصة وفق إجراءات قضائية وعدلية قانونية، كل ذلك يخول المواطن ويؤهله للتمتع بكافة حقوق المواطنة، وليس عبر "فرمان" أمني و"تقرير" كيدي يخرب بيت المواطن ويدفعه للهجرة والهرب واستعداء الدولة والنظام السياسي القائم بناء على "الشبهات" والظنون، وأمزجة رجال الأمن والمخابرات.
عملت وتوظفت واستغلت في أكثر من بلد غني، شرقي وغربي، عربي وأجنبي، وبوظائف راقية وعالية، وبعضها حساس، (تدريس وعمل إعلامي رفيع)، دون أن أحتاج لموافقة من أحد، ودون أن أخضع لدراسات أمنية، ومراجعة مراكز أمنية، ولم أدخل يوما، مخفراً، ولم يطالبني أحد بكتابة "استمارة" فيها أسماء أقاربي "النصيرية الحيدرية" من الدرجة العاشرة، وماذا "تزهرنت" و"تزقمت" يوم الثلاثاء، وكنت أشتري السيارات وأفتتح الحسابات البنيكة وأعبر الفيافي والأجواء دون أن أخشى من وجود بلاغ في إحدى المطارات "الإمبريالية" و"الرجعية" والصهيونية، ودون أن يساءلني أحد من أنت ولماذا تفعل ذلك وأين تسكن وبماذا تفكر وإلىأي حزب تنتمي وما هو ولاؤك السياسي، وحين قررت العودة لبلدي والعمل فيها ووجهت بسيف أمني مسلط فوق رأسي، لاعتبارات مجهولة، لم أستطع فيه الحصول على عمل في وطني كما وضعت بإقامة جبرية و"منع سفر" لعشر سنين دون ارتكاب أي جناية وجرم، ومنذ سبعة عشر عاماً وأنا أتسكع عاطلاً بشوارع المدن والقرى النصيرية.
ختاماً، واختصاراً، الدراسات، والموافقات الأمنية، غير قانونية وانتهاك صارخ وفاضح للدستور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا