الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نادية في -رهائن العبث- 6

عبدالإلاه خالي
(Abdelilah Khali)

2022 / 6 / 12
الادب والفن


تبخر الحب وذاب معناه في قلبي. صرت أبحث عن مبتغاي في أحضان البغايا.. أقيم في جسد كل واحدة منهن مزارا أتهجد فيه وأمارس شعائري اللذيذة.. وبمرور الأيام ألفيت نفسي ملكا لشهواتي، عبدا لرغائبها ونزوات مزاجها..
لا عليك يا جبريل! فالجنس وسم صبغ جذرك كما صبغ جذر كل خليقة، ولم يتحول "طابوها" كريها إلا حينما غدا مصدرا للثراء ووعدا أخرويا فجلب البلاء لنا جميعا.. كم من ملف يربض على مكاتب القضاة وكم قضية مكومة في الأدراج داخل مراكز الشرطة، تفوح منها ومنه رائحة الجنس القبيح..
لا عليك يا جبريل!
انس نادية!
انس ماضيك!
دعك من الجنس الطابو!
دعك من الجنس البغيض!
تمرد عليه! دمره! اسحقه!
عريه! افضحه..
مساء وقفتُ أمام المرآة. حلقت ذقني. تأنقت وخرجت.. تجاهلتُ الأغاني السخيفة في الحوانيت والبيوت المجاورة. مررت على سينما "الشعب" بؤرة الحشاشين وصعاليك المنطقة. اقتنيت حشيشا من النوع الرديء ومضيت. دخلت إلى "جنان السبيل".. اسْتَرْخَتْ أعصابي بفعل الخضرة والياسمين..
بين الأشجار كانت جالسة.. ثوب منقوش وشعر متهدل. لون أبيض وعينان زرقاوان كأنها بعثت من أصقاع بولندا. راقبتُها فتيقنتُ أنها لوحدها. تقدمت وجلست على المقعد بجانبها..
وسرعان ما كان القبول.. وبالهمس الرقيق نشأت الألفة.. وعن طريق اللمس الحاني استوى عود المودة..
رُحْنا نتهادى من وردة لأخرى كفراشتين يستنشقان الأريج. بعد حين توقفت وقالت متأملة نطاقا بأعلى الأشجار:
ـ « أنصت تغاريد الطيور! إنها تحيينا.. »
قلت:
ـ « كأنها راضية عنا.. »
استفهمت بعتاب خفيف:
- « كأنها؟.. »
ثم نكزتني بإبهامها في دلال وأعلنت:
- « بل هي كذلك بالتأكيد.. ومن رضيت عنه الطيور رضيت عنه الآلهة.. »
ما أجملها من خليلة! مثقفة.. واعية.. ذكية.. لبقة..
تلونت السماء بلون الغروب وفاح في الجو عبق الرياحين. خفت حركة الزوار ولم يبق في المنتزه سوى عشاقا يتأملون حمرة الشمس المتوارية خلف الأفق. بعد لحظة دوى رنين الصافرات في الجنبات.. لقد حان وقت الإغلاق.. تأففت زميلتي غير راضية وقالت:
- « ما رأيك أن نلتقي هنا غدا في نفس الوقت؟ »
وهل يقوى الحصان المهتاج على الانتظار.. وهل تقوى الأنثى المثارة على تعليق خوالجها يوما كاملا..
خرجنا من الباب الكبير.. تركنا الجانب العامر من الشارع المؤدي إلى ساحة "بوجلود" وانعطفنا يمينا نحو بساتين "واد الزبل" حيث امتدت أحراش تحلو فيها الخلوة للمغرمين. كانت صاحبتي تمشي إلى جانبي ومظاهر الرغبة تعلو محياها تعبيرا عن مشاعر شهوة مكبوتة.
خلف ربوة جلس شاب وفتاة ممسكان ببعضهما يتأملان النجوم وينتظران أن يرخي الليل أستار ظلمته.. قصدنا مكانا منزويا غير بعيدين عنهما.
لم نكد نستوي في جلستنا حتى شاهدتُهما يقومان ويطلقان ساقيهما للريح! لم أدر ما حصل..
قالت فتاتي منزعجة:
- « ماذا جرى لهما؟ »
- « لست أدري.. »
لم نأبه للأمر وانشغل كل منا بالآخر. كان الخدر يسري في جسدينا.. استدعت حبيبتي أنوثتها فألهبت نيران الشبق في أعماقي..
فجأة انتصب أمامنا خمسة رجال كأن الأرض قد انفتقت وقذفت بهم في وجهنا.. خمسة بلباسهم الرسمي وقفوا في عجرفة أمامنا..
بلهجة آمرة طلب أطولهم:
- « البطاقة! »
ثم قال وهو يحدجني بنظرة احتقار:
- « ماذا تفعل هنا مع هذه؟ »
لم يترك لي فرصة للرد. بسرعة كَوَّنوا دائرة وجعلونا داخلها. كأنهم متفقون على إذلالنا. شعرت بيد أحدهم تندس خلفي وتمسك بحزام سروالي.. حركة بغيظة قيدتني وأبطلت كل نواياي في الهرب..
أخرجتُ بطاقتي ومددتها في ارتباك بينما ظلت رفيقتي مشدوهة، وجهها أصفر ويداها ترتعشان.
ـ « المهنة، تلميذ.. » قالها الرجل الطويل متهكما ونظره على بطاقتي، ثم وجه خطابه إلى الفتاة:
- « وأنتِ يا آنسة.. ألديك بطاقة؟ »
ردَّتْ في تلعثم واضح:
- « لا أحملها معي.. »
سألها ويده اليمنى تشير إلي:
ـ « ومن يكون هذا؟ »
أجْهشَتْ بالبكاء وقالت:
- « أرجوك، إنها غلطة.. غلطة ولن تتكرر.. »
أخذونا إلى دائرة "بوجلود". كان المكان ممتلئا: نشالون فاشلون.. شبان وشابات ضُبطوا متلبسين بما سمَّوه سوء الآداب.. مخمورون متهمون بشرب الكحول على قارعة الطريق.. بائعون متجولون تجرأوا على عرض بضائعهم في الفضاء العام..
في الصباح أطلق سراح الجميع ببدل يختلف حسب خطورة الحالة. رفيقتي منحت المدير عشرة دراهم وساعة يدوية فكان ذلك مهر فراقنا الأبدي..

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا