الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
لاث محطات مربدية (المحطة الاولى )
عادل علي عبيد
2022 / 6 / 12الادب والفن
ثلاث محطات مربدية
(المحطة الاولى )
نسف المربد بمهمته الادبية المبدعة مشهد عكاظ ، وثار على كل صور الجاهلية بعدما سكن العرب الامصار ، ليشخص بموقعه الاستثنائي الذي لم يكن في قلب المدن مثلما بقية الاسواق ، وراحت دكاكين الفكر تستقبل المتبضعين الوافدين من عرب البادية ، وتكسر قاعدة البيع والشراء التقليدية التي جبلت عليها بقية الاسواق العربية ، ليكون الشعر شاهدا ماثلا يتصدر قائمة البضاعة الرائجة ، وعنوانا لكل من حمل بضاعة الادب والنقد والمقالة والرواية .. وسجل وجسد ورسخ حضورا لهوية البصرة التي تميزت بضاعتها عن غيرها ، واشتهرت على انها سلع فكرية ثقافية فلسفية قبل غيرها من انواع وسلع ومواد الاسواق الاخرى ، وهكذا يحط الناس الرحال في هذا المربد - المحبس للابل والمطايا - وغيرها من ما يمتار عليه ويتزود به في رحلة الفكر الطويلة .
السوق الذي ينزوي عن البصرة بثلاثة اميال او يزيد ، يؤلف مجموعة حلقات للتباري ، وعروض لمشاهد وفعاليات الشعر والادب لاسيما والمتبضعون هم وجوه جديدة تتوق الى لنيل الغنيمة والرجوع ، لتترك اثرا وشاهدا في هذا السوق الذي يزخر بالقدرات والقابليات مختلفة التوجه ، وبما يمثل مدنها ، ويثقف الى قبائلها ، ويصدر نزعات وثقافات عشائرها . لكنما محطة عامرة مشرقة ينتظرها الجميع ستجمع هذا المحفل الكبير بعدما يلتقي رواد هذه السوق ويجتمعون في حلبة واحدة لا محالة ، بعيدا عن مباريات النقود والخطب واللغة .. حلبة تحبس الكلام في الحناجر ، وتلزم المفردات بالصمت .نعم ، فهناك اذ تشخص حلبة الحسم التي تجمع فحلين لطالما تميز وضج بهما هذا المكان ، وعرفتهم سوح ومضامير المبارزة والمنازلة والسجال .. انهما جرير والفرزدق اللذين يضفيان على مساحة المكان القا جديدا ، وشعورا بالفخر والفخار ، او الذل والانكسار ! ليجعلا من هذا المربد محجا وكعبة للشعراء والادباء ، وكل من غلب بضاعة العقل على بضاعة البطن .
كانت هذه المباريات المبارزات المساجلات النقائض قصائد هجاء تحتمل المدح والذم ، وهي بحقيقتها معارك شعرية لأثبات هوية القبيلة التي يؤلف الشعر اهم مزاياها ، ناهيك ان كلا الشاعرين من تميم ! ومعروف ان هذه النقائض قد دامت الى ان مات الفرزدق سنة 114 هجرية ، وافصح جرير عن حزن واسف للشاعر الند الذي يساجل قصائده ، ليثبت للملأ ان هذه النقائض لم تفسد الود بين الشاعرين ، ونعتقد ان قصيدته في رثاء الفرزدق تفصح عن ذلك ، وتثقف على ان هدف الشعر بعيد يتعدى مساحة الافق ورحابة الادب .
نعم ورث المربد عكاظا ، لكنه لم يرث قبليته وبدويته وطبيعته القديمة ، فثار على طقوسه ،ونسخ العديد من برامجه ، فكان التجديد شاهدا على المربد الذي اضاف وجوها جديدة ، وانطلقت من ازقته الرحبة اسماء وعناوين كسرت حاجز ورتابة القديم . فلقاء جرير والفرزدق اسس لبداية المنبر الحر في التباري والتناظر ، ونشر ثقافة الاختلاف والقبول بالرأي والرأي الآخر ، بعيدا عن التزمت والالغاء ، اذا ما عرفنا ان الشاعرين من مدينة كانت تحتدم بالحركات السياسية والفكرية والدينية . انها البصرة التي تميزت بطابعها الثقافي الذي انتقل من دائرتها الى مدن واصقاع عربية معروفة ، لا سيما في ذروة عطائها الفكري في القرن الاول الهجري الذي شجع على انبثاق العصبية القبلية من جديد ، وهو العنوان الذي حفلت به قصائد الشاعرين المتناقضين .
والمربد اليوم هو مربد الحب ، وملتقى الشعراء والادباء والكتاب الذي يجتمعون هنا في البصرة ليجسدوا صميم ذلك الحب ، وليعززوا رابطة الانتماء للثقافة والادب في بصرة الابداع والشعر والتألق .. انه الشعر الذي لطالما اضطلع بمعاناة الامم وجسد تطلعاتها لنيل السلام بعيدا عن كل برامج الالغاء والتسلط ، الشعر الذي راح يخلف مساحات مشرقة في هذه الحاضرة التي تفتح افقا واسعا رحبا لكل من يتطلع الى البناء وينشد القيم التي تقول : المجد للإنسان صانع الحضارة والتاريخ والامل .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني
.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء
.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في
.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/
.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي