الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل وعداؤها الشديد لمنظمات حقوق الإنسان

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2022 / 6 / 13
حقوق الانسان


نهاد أبو غوش
يُذَكّرنا الموقف الإسرائيلي الرسمي من حقوق الإنسان، بذلك الموقف المنسوب لمسؤول نازي ألماني عن الثقافة والذي جاء فيه " كلما سمعت كلمة ثقافة، تحسست مسدسي"*، ولعل من الغرائب أن ينشا في بلد ما، إجماع كهذا على معاداة مفهوم حقوق الإنسان والعاملين في هذا المجال، كما هي الحال في إسرائيل التي وصل بها الأمر إلى ما يشبه الرُهاب (الفوبيا) من حقوق الإنسان، حيث تتفق المؤسسات الرسمية السياسية والعسكرية، الحكومة والمعارضة، وحتى المؤسسات القضائية ووسائل الإعلام على النظر بعين الريبة والشك لكل ما يصدر عن منظمات حقوق الإنسان. ويجري تصنيف منظمات حوق الإنسان، حتى الإسرائيلية منها، في خانة أعداء إسرائيل التي تضم خليطا واسعا من العرب والمسلمين واليسار المتطرف والإسلام المتشدد، ومنظمات حقوق الإنسان التي توصَف فروعُها الإسرائيلية بأنها "كارهة لذاتها".
موقف الحكومة الإسرائيلية الرسمي من تقرير لجنة التحقيق الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لم يفاجىء أحدا، وكان يمكن توقعه مسبقا حيث صدرت مواقف مشابهة تجاه تقارير منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية في مطلع العام 2021، وتقرير "هيومان رايتس ووتش" في نيسان/ ابريل من نفس العام، ثم تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) في شباط/ فبراير من العام الجاري، ففي أول رد رسمي إسرائيلي على تقرير اللجنة المكلفة من مجلس حقوق الإنسان برئاسة الجنوب افريقية نافي بيلاي، قالت الخارجية الإسرائيلية أن التقرير "مُتحيّز وأحادي الجانب وملوّث بالكراهية لإسرائيل".
قبل يوم واحد فقط من نشر التقرير، ناقش البرلمان الإسرائيلي مشروع قانون يقترح فرض نظامين قانونيين متمايزين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نظام للفلسطينيين يقوم على القوانين العسكرية التي فرضتها إسرائيل، وآخر للمستوطنين الذين يعيشون في الحيّز الجغرافي عينه، سقط المشروع الذي أسماه نواب القائمة المشتركة "مشروع قانون الأبارتهايد" ليس بسبب عنصريته، بل بسبب تكتيكات المعارضة لإسقاط الحكومة، وأيّد هذا القانون نواب حزب "ميريتس" اليساري الذي تأسس في الأصل اعتمادا على الموقف من حقوق الإنسان، وقال عوفر كسيف عضو القائمة المشتركة عن هذا الموقف أن زعيمي ميريتس التاريخيين شولاميت الوني ويوسي ساريد يتقلبان في قبرهما غضبا من تصويت أعضاء حزبهما على القانون.
لجنة التحقيق المشار إليها تشكلت لتقصي الحقائق بشأن المواجهات العنيفة التي اندلعت في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال شهري نيسان وأيار من العام الماضي، وخصوصا ما عرف بمعركة سيف القدس أو الحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة. وقد عارضتها إسرائيل فور تشكيلها وأعلنت أنها لن تتعاون معها، ولن تُمكّنها من الاضطلاع بمسؤولياتها، بما يشمل أذونات دخول الأراضي المحتلة، وحرية التنقل واستجواب المسؤولين المرتبطين بالأحداث والشهود وجمع الأدلة وخلاف ذلك، لكن اللجنة نجحت في تنظيم لقاءات في كل من جنيف والأردن، وأجرت مشاورات مع الجهات المعنية بما في ذلك مع ممثلي منظمات حقوق إنسان فلسطينية وإسرائيلية، وجمعت من الأدلة ما يكفي لإصدار تقرير مفصل، والقول بشكل صريح وقاطع أن الاحتلال والتمييز هما السببان الجذريان المسؤولان عن كل دورات العنف وعدم الاستقرار وإطالة أمد النزاع في المنطقة.
يُوجّه التقرير بعض اللوم لفصائل المقاومة في قطاع غزة بسبب إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل واستهداف المدنيين، كما ينتقد السلطة الفلسطينية بسبب استخدامها الاحتلال كذريعة لمواصلة الانتهاكات في مناطق سيطرتها في الضفة، وعدم إجراء الانتخابات. لكن هذه الانتقادات تبدو أمرا ثانويا يسيرا إذا قورنت بالانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل وتشمل جميع جواب الحياة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويحاذر التقرير من الانزلاق إلى مساواة الجاني بالضحية فيتحدث بوضوح عن مسؤولية إسرائيل الرئيسية عن كل ما يجري، وعن الطبيعة غير المتكافئة للنزاع، لا بل يمضي إلى ما يشبه تفسير العنف الفلسطيني بالإشارة إلى أن سياسة الإفلات من العقاب تذكي الشعور بالاستياء وتزيد من التوترات المتكررة.
ويعرض التقرير تفاصيل الانتهاكات الإسرائيلية من عمليات تهجير قسري للسكان كما في حي الشيخ جراح، وهدم المنازل، وحصار قطاع غزة، وبناء المستوطنات وتوسيعها، علاوة على العنف الممارس من قبل المستوطنين، وعدم احترام قوانين الحرب، والتجاوزات الفردية والجماعية لحقوق الإنسان وانعدام المساءلة عنها، كما يتميز التقرير بأنه لا يقتصر على فحص ملابسات المواجهات العسكرية الأخيرة، بل يغوص عميقا في أسباب ومظاهر سياسات السيطرة والهيمنة التي تمارسها جماعة قومية / إثنية هي ضد جماعة قومية /إثنية أخرى، وهو ما ينطبق بشكل مؤسسي ونظامي على الفلسطينيين سواء كانوا في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، أو في الأراضي المحتلة عام 1948 وتشمل الفلسطينيين الذين فرض عليهم حمل الجنسية الإسرائيلية .
الميزة الرئيسية الكبرى لهذا التقرير أنه لم يَحِدْ قيد أنملة عن تشخيص المشكلة الجوهرية في الشرق الأوسط وهي قضية الاحتلال، فكل ما جرى وما زال يجري في الأراضي المحتلة هو نتاج الاحتلال، مع أن كثيرا من التقارير والمواقف الأممية التي أصدرتها دول ومنظمات وهيئات إقليمية ركزت انتقاداتها على ممارسات الاحتلال وانتهاكاته البشعة من قتل وهدم واعتقالات وتشريد وليس على الاحتلال نفسه، وكأنّ بالإمكان الوصول إلى احتلال مُلطّف يترفع عن مثل هذه الانتهاكات الفظيعة.
ولعل الطامة الكبرى التي يعيد هذا التقرير تذكيرنا بها فهي عدم ورود ذكر الاحتلال، ولا جرى التطرق إلى هدف إنهائه، في جميع الاتفاقيات الثنائية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ويشمل ذلك اتفاقيتي أوسلو والقاهرة وبروتوكول باريس، وسلسلة التفاهمات والاتفاقيات الجزئية التي جرى التوصل لها خلال ربع القرن الماضي، والتي ركزت على مسائل عامة ومبهمة مثل إجراءات بناء الثقة، والوصول إلى حل نهائي من خلال المفاوضات، وإطلاق عملية سلام ذات مغزى!
من المفترض أن يُقدّم التقرير الكامل الذي اصدرته اللجنة للاجتماع العادي لمجلس حقوق الإنسان المقرر في الثالث عشر من حزيران/ يونيو 2022. والتقرير في حد ذاته يجب ألا يدفع الفلسطينيين إلى الإفراط بالتفاؤل عن إمكانية سير العدالة بشكل تلقائي من قبل الهيئات الدولية وصولا إلى إحقاق الحق وملاحقة المحتلين، فدون ذلك تعقيدات وموازين قوى مختلة في غير صالح الفلسطينيين. لكن التقرير يوفّر سلاحا إضافيا مهما للفلسطينيين وبخاصة أنه صادر عن هيئة دولية مرموقة ومحايدة ومهنية، لكن الاستفادة منه مشروطة بتوفر الإرادة السياسية الفلسطينية للمضي في استخدام أدوات القانون الدولي المتاحة لملاحقة المحتلين ومجرمي الحرب الإسرائيليين حتى النهاية ومن دون اية خشية من عقوبات وسحب امتيازات، ودون أن تلوح في الأفق ميول لإبرام صفقات بناء على وعود او إغراءات، إلى تضافر كل أشكال النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني والجماهيري، بما يُمكّن من مراكمة المزيد من الإنجازات الكفيلة بزعزعة مكانة إسرائيل، وتدفيعها ثمن سياساتها العنصرية، وجعل احتلالها لفلسطين الأرض والشعب أمرا بالغ الكلفة وعبئا على المحتلين أنفسهم.
---------------------------------------------------------------------------------
*ينسب هذا القول في الغالب لوزير الدعاية جوزيف غوبلز، واحيانا للزعيم النازي هتلة عينه، لكن الأرجح أن هذه العبارة وردت أولا في مسرحية للشاعر الألماني المؤيد للنازية هانس يوست ( Hanns Johst ) ثم انتشرت لتعكس موقف الحكم النازي من الثقافة والمثقفين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تاريخ من المطالبات بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في ا


.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم




.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية


.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال




.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال