الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوعات اقتصادية - الإقتصاد الموازي

الطاهر المعز

2022 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الدّور الإجتماعي للإقتصاد المُوازي

يمكن تعريف الإقتصاد الموازي أو غير الرسمي بأنه نشاط اقتصادي لا يخضع للرقابة الحكومية، ولا تُسَجَّلُ نتائجه (المدخلات والمخرجات) في الحسابات الرسمية، فهو خارج التشريعات، وبدون دفاتر نظامية، وتجري عمليات الشراء والبيع والمعاملات المالية خارج مؤسسات الجباية والتّأمين والرقابة الصّحّيّة والمالية، ولا يسدّد رسومًا أم ضرائب، ولا يُقدّم أي بيانات، ما يمكنه من تنويع النشاط ليشمل إنتاج وترويج السّلع والخدمات العادية، كما يمكن أن يشمل تهريب السّلع أو الآثار أو البشر عبر الحدود، وتجارة السّلاح أو المُخدّرات، وقد يشمل أيضًا دكاكين أو مصانع غير مُرَخّصة، أو تأجير مسكن أو محل تجاري أو تدريس الطّلاّب بدون ترخيص، وغير ذلك بهدف تجنُّب تسديد الضرائب وتجنُّب الإلتزام بمعايير مُحَدَّدَة، ويستفيد الإقتصاد المُوازي من البُنية التّحتية ومن الخدمات التي يتحمّل نفقاتها الأُجَراء ورُسُوم الإقتصاد العلني النّظامي...
يُعرّف صندوق النّقد الدّولي (مرجعية رأس المال) الإقتصاد "غير الرّسمي"، ويُسمى كذلك الإقتصاد الموازي أو اقتصاد الظِّلّ، بأنه اقتصاد يضم أنشطة ذات قيمة سوقية من شأنها زيادة الإيرادات الضريبية وإجمالي الناتج المحلي إذا تم تسجيلها، وقدّرت منظمة العمل الدولية، إن حوالي مليارَيْ عامل، أو 60 % من سكان العالم العاملين ( أي من الطبقة العاملة، أو من "قُوّة العَمَل"، أو الأشخاص البالغين من 15 إلى 64 عامًا)، يعملون بدوام كُلِّي أو جُزْئي في القطاع غير الرسمي الذي يُمثّل حوالي ثُلُثَ النشاط الإقتصادي في البلدان "ذات الدّخل المنخفض والمتوسّط" (بتعريف البرنامج الإنمائي الأمم المتحدة) وأكثر من 17% في الإقتصادات الرأسمالية المتطورة،
يتزايد الإقرار بأن ارتفاع نسبة العمل غير الرسمي واستمراريته، لا سيما في اقتصادات البلدان الفقيرة يُمثل عقبة أمام تحقيق التنمية المستدامة، فالشركات غير الرسمية لا تساهم في القاعدة الضريبية، وهي في معظمها شركات صغيرة منخفضة الإنتاجية، ويظل العاملون بها في حالة فقر، لا يحصلون على الرواتب التي يُحدّدها القانون وهم محرومون من الحماية الصحية والإجتماعية، ما يُوَسِّعُ فجوة عدم المساواة...
تعزّز الإقتصاد المُوازي خلال أزمة 2008/2009، ثم منذ بداية جائحة كوفيد-19، وارتفع بالتالي عدد العاملين الفُقَراء وعدد السكان الذين بقوا (أو أصبحوا) خارج منظومة الحماية الصّحّيّة والإجتماعية، ولذلك يقترح صندوق النّقد الدّولي والبنك العالم "تأمينًا اجتماعيا للجميع"، أي أن الدّولة تتكفل بتوفير الحدّ الأدنى من الحماية الصّحّية، من المال العام، بدل تسديد أرباب العمل المبالغ المُسْتَحَقّة، وبدل تمويل برامج الحماية الصحية من الأرباح الضّخمة للقطاع الخاص الذي استفاد من خصخصة القطاع العام (المختبرات والمُستشفيات الخاصة وصحّة الرّفاهة كزرع الشّعَر أو جراحة التّجْمؤيل...)، وأظْهرت التجارب أن صندوق النّقد الدّولي يربط بين تعميم الرعاية الطبية وخصخصة قطاع الصحة، ومَنْح القطاع الخاص إعفاءات ضريبية وحوافز مالية (من المال العام) باسم "تحفيز الإستثمار"، مع إلغاء حُقُوق العاملين، باسم ضرورة "إلغاء القواعد المُتشدّدة، والبروقراطية" وباسم "إزاحة العراقيل، ومُرُونة التّشْغيل"...
يقع الاقتصاد الموازى أو اقتصاد الظل أو الإقتصاد غير الرّسمي ضمن الحَيّز الخارج عن إحصاءات الدّولة، ولذلك فهو غير مدرج فى الناتج المحلِّي الإجمالي (أو مجموع ما ينتجه أي بلد من سلع وخَدَمات) ويتراوح حجم الإقتصاد الموازي في البلدان العربية ما بين 40% و 50% من حجم الناتج المَحَلِّي للدّول، ويشمل الصناعات الصغيرة (تحويل مواد خام محلّية إلى مواد مُصنّعة) وقسم هام من الإنتاج الفلاحي، والتّجارة (منها البيع على الأرصفة )، ويُشكّل العمل الموازي مَخْرَجًا لتلبية حاجات المواطنين، لكنه لا يحترم معايير الصّحّة والسلامة، كما يُشكّل ضغطًا على رواتب العاملين بالقطاع الرّسمي، وعلى أسعار السّلع، ويستغل القطاع الخاص هذا النّشاط الموازي، للضّغط على الحكومات لكي تَضُخَّ مزيدًا من المُساعدات، بذريعة "جَبْر الضّرَر الذي يلحق الإقتصاد الرّسمي، جراء انتشار إنتاج الإقتصاد غير النِّظامي..."
لا يقتصر نشاط الإقتصاد الموازي على البلدان الفقيرة، بل يتعدّاها إلى العديد من البلدان الأوروبية الغنية، مثل هولندا أو إيطاليا أو بريطانيا، حيث يميل النظام الضريبي إلى تشجيع الشركات على توظيف العمال بعقود هشّة، غير مستقرة وبدوام جُزْئِي، بدلاً من تثبيت العاملين الذين تضطرهم الهشاشة وصعوبة العثور على عمل يُلَبِّي حاجياتهم المادّية ويحترم حُقُوقهم الإجتماعية، إلى العمل بالقطاع الموازي...
أظْهَرت دراسة نُشرت في كانون الثاني/يناير 2019، وغطت 28 دولة نامية وناشئة، ارتفاع نسبة العاملين الفقراء الذين يحصلون على أقل من 3,10 دولارات في اليوم، في القطاع غير الرسمي، مقارنة بسنة 2016، وتظهر هذه الدراسة أيضًا أن الأشخاص من أصل متواضع يضْطَرُّون في كثير من الأحيان إلى ممارسة نشاط غير رسمي كَمَدْخل إلى سوق العمل، لأن العديد من الوظائف غير متاحة لأبناء الفقراء، حتى لو كانوا مؤهلين، فالحصول على وظيفة لائقة يتطلب الإندماج في شبكات تُقْصِي أبناء الفُقراء، كما تتطلب بعض النّفقات، للتنقل وتحسين المَظْهَر ومجمل النفقات المتعلقة بالعثور على وظيفة. كما يضطر ملايين الموظفين إلى البحث عن نشاط غير رسمي ثان لاستكمال دخلهم (المنخفض) من راتب العمل المعلن، والعاملون غير النّظامِيِّين ليسوا بالضرورة "طبقة عاملة" أو "محرومين"، ففي جميع دول العالم، يلجأ المعلمون إلى تكملة دخلهم من الدروس الخاصة لأبناء الطبقات المتوسطة أو المَيْسُورة.
يحدد الاقتصاد الموازي عيوب النظام الاقتصادي، قبل اختيار مجال نشاطه، ويؤدي بذلك وظيفة اجتماعية يعترف السكان بفائدتهان وعلى سبيل المثال، تشير دراسة أجرتها جامعة بانكوك إلى أن 87% من المستهلكين في العاصمة التايلاندية يشترون الطعام يوميًا من الباعة الجائلين غير المصرح لهم بالعمل.
يتكون الاقتصاد غير الرسمي من أعمال تجارية غير مسجلة لدى السلطات ويُشغِّلُ عمالًا بدون عقد عمل، لينتجوا سلعًا وخدمات لا تخضع لرقابة السلطات، فلا ضرائب أو رسوم ولا مساهمات في صناديق الحماية الاجتماعية، لأن العمل غير الرسمي يعني عدم تطبيق قانون العمل، في غياب أي حماية نقابية واجتماعية.
يقدر مكتب العمل الدولي (ILO) حصة الاقتصاد غير الرسمي، على المستوى العالمي، بحوالي ثلث إنتاج الثروة العالمية، وأكثر من ثلثي العمالة. أما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فيمثل الاقتصاد غير الرسمي حوالي 62% من الناتج المحلي الإجمالي للعديد من الدّوَل، ويمكن أن تصل العمالة غير الرسمية إلى 90% من العدد الإجمالي للعاملين، وتصل النسبة إلى 50% في المكسيك، أحد كبار مُصدِّرِي السِّلَع بأمريكا الجنوبية، وتوظف بعض القطاعات عمالاً "غير مصرح بهم" أكثر من غيرها، منها قطاع إنتاج الفاكهة في تشيلي وجنوب إفريقيا، والجلود في كينيا، والهواتف المحمولة في الصين والهند، والملابس في تايلاند والفلبين، وكرات القدم والمُعدّات الرياضية في الصين والهند وباكستان ...
من التّجارب الإيجابية التي مَكّنت من إدماج العُمال غير النظاميين في الدّورة الإقتصادية الرسمية، في سوق مدينة "دربان" بجنوب إفريقيا، دعمت إحدى المؤسسات الخيرية مشروع اندماج الباعة الجائلين والتجار المسجلين (النظاميين) في مشروع مُشترك، مكَّنَهُم من التّعرُّف على حقوقهم، ثم ساهموا جميعا في إعادة تصميم البنية التحتية للسوق بشكل يخلق تكاملاً بين كافة العاملين بالسّوق، وضربوا مثالاً على تطوير المشهد الحَضَرِي (أو عِمْران المدينة)، وعلى اندماج عمال الاقتصاد المُوازي في الإقتصاد النّظامي، والإستفادة من مزايا العمل القانوني والحماية الإجتماعية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان