الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
محاولة تبسيط بعض مفاهيم الإقتصاد السياسي
الطاهر المعز
2022 / 6 / 14مواضيع وابحاث سياسية
ارتفعت أسعار الطاقة والمواد الأساسية منذ سنة 2021 – أي قبل حرب أوكرانيا - ما رَفَعَ نسبة التّضخّم، فيما لم ترتفع رواتب الأُجَراء ودَخل الكادحين، من صغار الحِرَفِيِّين والمزارعين، بل انخفض دَخْلُ هؤلاء، بفعل ارتفاع الأسعار الذي "تُعالجه" المصارف المركزية برَفْعِ سِعْر الفائدة (تكلفة اقتراض الأموال)، وهو إجْراءٌ يُؤَدِّي إلى خَفْضِ قيمة الأُجُور، وتدمير الوظائف وتحميل العاملين وطأة أزمة التضخم، وهذا ما أَقَرَّهُ بنك الاحتياطي الإتحادي الأمريكي الذي صَرَّحَ رئيسُهُ "جيروم باول" يوم الجمعة العاشر من حزيران/يونيو 2022، أن أسعار الفائدة المرتفعة ستحد من طلب التوظيف في الشركات وتؤدي إلى انخفاض الأجور، وهي فرصة لخفض التضخم، وخفض الأجور، مع تجنب الركود وإبطاء الاقتصاد.
كانت الدّعاية الرأسمالية تدّعي أن ارتفاع الأجور يُؤَدِّي إلى التّضخّم، وثَبَتَ أن الزيادات في الأجور لم تتمكن أبدًا من مواكبة ارتفاع الأسعار، وبذلك سقطَ هذا الإدّعاء، وثبتَ أن قرارات الاحتياطي الفيدرالي تُفيد الشركات والأثرياء من مالكي الأسهم وتضُرُّ الكادحين، كما ثَبَتَ – خلال أزمة 2008/2009 - أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أنفقَ مبالغ ضخمة من المال العام، لإنقاذ المصارف وشركات النفط والغاز والشركات الكبيرة، من خلال شراء سنداتها ومن خلال إقراضها مبالغ كبيرة بأسعار الفائدة مُنخفضة جدًّا، وكرّر نفس السّياسة خلال أزمة انتشار وباء كوفيد-19، ضمن "خطّة الإنقاذ"...
رفَع الإحتياطي الإتحادي سعر الفائدة ثلاث مرات خلال ثلاثة أشهر، بهدف تقويض بعض المكتسبات التي حَقّقها العاملون بعد الإضرابات التاريخية لصَيْف 2021 وربيع 2022، وتمكّن آلاف العاملين من التخلي عن الوظائف الهشة وذات الرواتب المنخفضة، والعمل في وظائف ذات رواتب أعلى، وتمكن العمال من تحقيق مكاسب تاريخية، فبلغ التفاوت في الأجور أدنى مستوياته منذ أربعين سنة، خصوصًا في قطاعات اشتهرت بسوء ظروف العمل وبالرواتب الهابطة، مثل المطاعم والفنادق، حيث زادت الأجور بأكثر من 10% خلال سنتيْن...
يُمكن مكافحة التضخم من خلال رفع معدل ضريبة أرباح الشركات، وفَرْضِ ضريبة على أرباح رأس المال، بدل خفض القيمة الحقيقية للأُجُور، فالتضخم (الزيادات في الأسعار) يفوق نمو الأجور لمعظم العمال، ويؤثر بشكل أكبر على ذوي الدخل المنخفض. أما زيادة أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي والمصارف المركزية الأخرى في جميع أنحاء العالم فتُساهم في أزمات الديون في البلدان الفقيرة، وفي تقويض الأمن الغذائي، فضْلاً عن طرد العمال ذوي الأجور المنخفضة من وظائفهم، وخفض أجور العمال في العالم، ويتزامن رُكود أُجُور العُمّال مع ارتفاع رواتب المديرين التنفيذيين للشركات، إلى أعلى مستوى لها، وفق تقرير معهد دراسات السياسات (IPS) الذي فَحَصَ رواتب الرؤساء التنفيذيين في ثلاثمائة شركة أمريكية، حيث استفاد المديرون التنفيذيون من ارتفاع ارباح الشركات، فاتسعت فجوة رواتبهم، التي ارتفعت سنة 2021 بنسبة 31%، مع رواتب العمال التي تراجعت في العديد من الشركات عن معدلات التضخم، وأصبح متوسط معدل رواتب الرئيس التنفيذي يعادل 670 مرة متوسط الراتب السّنوي للعمال، وسجلت 49 شركة فجوة بلغت ألف مرة متوسط راتب العامل، وفاقت الفجوة ألف ضعف في شركات اللمجات الرديئة والتّبغ والإتصالات وخدمات الدفع الرقمية، وتجارة التجزئة والإلكترونيات، ووصلت حدّ 6500 ضِعف في شركة أمازون
نشرت صحيفة "غارديان" نتائج تحقيق (استنادًا إلى وثائق لجنة الأوراق المالية وأسواق الأسهم) أظْهر الأرباح الخيالية التي حققتها حوالي ثلاثمائة شركة، من خلال الزيادات الإضافية في الأسعار، حيث تجاوزت الأرباح معدلات التضخم بكثير، ومن خلال تجميد الأُجور، ومحو القدرة التفاوضية للعمال وجعلهم أكثر استعدادًا لتولي وظائف ذات ظروف عمل متدنية، بما في ذلك الأجور المنخفضة، ونستنتج من مجموعة من التقارير الأمريكية أنه تمَّ تجاهل تلاعب الشركات الكُبرى بالأسعار، وتم تجاهل الرواتب الباهظة للمديرين التنفيذيين، واتساع الفجوة بين رواتب العمال ورواتب هؤلاء المديرين، وإهمال ذكرها كأحد عوامل ارتفاع نسبة التضخم، كما يتم تجاهل الأضرار التي لحقت العُمّال والكادحين منذ أزمة 2008/2009، والإغلاق الإقتصادي خلال انتشار وباء كوفيد-19، بينما استفادت الشركات من المال العام، من خلال سياسات "التيسير الكمي"، ثم من خلال ارتفاع الأسعار والتضخم، فتجاوز الزمن مطلب العمال لرفع الأجر الأدنى ساعة العمل إلى 15 دولارا (منذ 2015)، وأصبحت 15 دولارًا تُعادل تقريبًا 7,25 دولارا، كقيمة لشراء نفس السّلع، كما تم إهمال الإنفاق الحَرْبي الذي ما فَتِئ يرتفع مهما كان الوضع الإقتصادي، فالتّقشُّف لا يمكن أن يشمل مُجَمّع الصناعات العسكرية الأمريكية والأوروبية
استخدمت جميع الشركات التضخم لتبرير رفع أسعارها إلى مستوى لا يتناسب مع مقدار التضخم الذي يحدث حاليًا في الاقتصاد، وتجني هذه الشركات أرباحًا طائلة وأظهرت الدراسات أن حوالي 60% من التضخم الحالي يُعزى إلى التلاعب بالأسعار
كما ساهمت إجراءات سياسة الاحتياطي الفيدرالي في التضخم من خلال سياسة التيسير الكمي، إذ تمت طباعة 60% من إجمالي المعروض النقدي المتداول حاليًا في الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، واستفاد الرأسماليون من الدّعم الحكومي (من المال العام) لتكثيف استغلال العاملين والإستحواذ على القيمة الزائدة التي يخلقها العاملون الذين انتفضوا سنتَيْ 2021 و 2022.
تمكّن كارل ماركس من تحليل وتفكيك هيكل الاستغلال الرأسمالي، ليُثْبِتَ أن العمال يُنتجون "قيمة" (سلعة أو خدمة) لِغَيْرِهم، أي لصالح الرأسمالي (فَرْد أو شَرِكَة) الذي يتحكم في متوسّط وقت العمل، وفي مقدار ما يتم إرجاعه إلى العامل في شكل راتب، أي أن الرأسمالي يوفِّرُ السّلعة والآلة، ويستأجر جُهْدَ العامل لفترة تُمَكِّنُهُ من "إضافة قيمة" للمواد الخام، لتصبح إنتاجًا يُمْكِنُ بيعُهُ في السّوق، وبذلك لا يتحكّم العامل في ما يُنتجُهُ، بل يستحوذ الرأسمالي على الإنتاج، مقابل أَجْرٍ يُسلّمه للعامل ليشتري بها سِلَعًا أنتجها عُمال آخرون وحِرفِيّون ومُزارعون. أما الرأسمالي فيُحَوِّلُ أموالَهُ إلى سلع جديدة يبيعها بفائض فيجمَعَ الرأسمالي مزيدًا من المال، بينما ينفق العامل راتبَهُ لشراء بعض، وليس كل ما يحتاجه...
يمكن لهذا الوضع أن يتغير لو تمكّن العُمّال (كمجموعة أو طبقة، وليس كأفراد ) من التّحكّم في عملية الإنتاج الصناعي، وتنفيذ بعض الأعمال الإدارية، وتعيين اختصاصيين من قبل لجان عمالية، كما يُمكن للمزارعين استغلال الأرض للإنتاج بشكل جماعي، والتحكم بعملية التّسويق والتّوزيع للقضاء على الوُسطاء والمُضارِبِين، لترتفع حصّة المنتجين من ثمار العمل، ويستفيد المجتمع (من خلال القضاء على المضاربة والإحتكار) لتوجيه عملية الإنتاج نحو تلبية الحاجيات الأساسية، ولتنفيذ أشْغال البُنية التّحتية وصيانة المصانع ومُعدّات الإنتاج وبناء مصانع جديدة، وتلبية الاحتياجات المشتركة للمجتمع مثل الرعاية الصحية والتعليم والتّرفيه والثقافة ورعاية المُسنين...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - ماركس يفترض فقط
منير كريم
(
2022 / 6 / 15 - 18:56
)
الاستاذ الطاهر المعز المحترم
يفترض ماركس ان قيمة السلعة بالعمل المتجسد فيها . لماذ؟ اين البرهان على ذلك ؟
ثم يفترض ماركس ان قوة العمل تنتج اكبر من قيمتها . لماذ؟ اين البرهان على ذلك ؟
نقطة الضعف الاخرى بفكرة ماركس هي ان السلع تباع بما لا يتناسب مع العمل المتجسد فيها
قيمة السلعة بمنفعتها الذاتية اي بقيمتها الاستعمالية وهذا مايتضح عند البيع والشراء
بقي ان اقول ان فرضيات ماركس ذات غرض سياسي وهو
ان العامل ينتج كل القيمة ولالزوم لبقاء الراسمالي والحرية الاقتصادية
هذا يصيغ فكرا عبوديا
شكرا لك
2 - والتحضيرات جاريه مع التطبيق بسلاسه لاسبوع العمل 4
الدكتور صادق الكحلاوي
(
2022 / 6 / 16 - 03:51
)
لاسبوع العمل 4ايام بدل ال5 مع الابقاء على نفس الاجور وهذا تلبية لجاجة الناس في بلدان الغربلسعادة اكبر ف3ايام عطله اسبوعيه خير من يومين-الرجاء من معتنقي الافكار القديمه البائسه ان يعيدوا تثقيف انفسهم ففي بلاد الغرب تحكم الدوله حكومه وبرلمان وهيئات منتخبه من المجتمع ولايحكم اصحاب المصانع والمشاريع الاقتصادية الاخرة ان هؤلاء ايضا اختفوا في غالب الحالات وحل محلهم الاسهم ومن يشتريها -تحياتي
.. رويترز عن مصادر أمنية: 36 قتيلا بقصف إسرائيلي على حلب بينهم
.. شعارات الحملات الانتخابية..جدل الإنجازات وسخاء الوعود
.. المرصد: الغارات الإسرائيلية على حلب استهدفت مستودعات أسلحة ت
.. مسؤولون أميركيون: أضعفنا قدرات الحوثيين لكن الحرب ضدهم لم تن
.. كيف نراقب الوزن في شهر رمضان؟ |#رمضان_اليوم