الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البكاء على الوهم الأندلسي المفقود

كوسلا ابشن

2022 / 6 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


الإنهزامات التاريخية المتلاحقة للفكر العرقي العروبي و فشل الزمرة الفاشستية منذ الخمسينات من القرن الماضي في إنجاح المشروع الأبارتهايدي الأعرابي في شكله الناصري و البعثي و اللاهوتي بسلطتها السياسية المطلقة و إستبدادها الإيديولوجي و البوليسي. مني المشروع بالفشل الذريع في تكريس الإيديولوجية العرقية و واقع الأحادية الثقافية واللغوية و الدينية, و تأسيس دولة موحدة عرقية (الوطن العربي) في أوطان الشعوب المحتلة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا.
في هذا الزحم من الإنكسارات و الإنهزامات و الأزمات الإقتصادية و الإجتماعية التي أدخلت مجتمعات الهيمنة السلطوية العروبية, غرف الإنعاش بسبب التخلف الإجتماعي و ضعف النمو الإقتصادي و ماضوية الحقل الثقافي, أضف الى ذلك سياسة التمييز العنصري في إدارة ثروات البلاد و توزيعها, السياسة التي نتج عنها الإضطهاد القومي و الإجتماعي و السياسي و الثقافي, وهو العامل الذي زاد في التمرد و رفض المشروع القومي العروبي الإستبدادي و الإستغلالي و العنصري. في حالات الهزائم المأساوية و التخلف اللامنتهي يجد المهزومون العرقيون مواساتهم و مفاخرهم الوهمية في الرجوع الى الفردوس الوهمي الأندلسي المفقدوس بسبب الفتنة "البربرية" المزعومة, و التي أعادها التاريخ للتأمر ضد "النهضة" و "الوحدة" القومية العروبية في التاريخ المعاصر.
البكاء على الوهم الأندلسي, يطرح أكثر من سؤال حول الغزو العربي لهيسبانيا و الحكم العربي للمنطقة و الحضارة العربية المزعزمة لهيسبانيا؟.
تاريخيا ما ذكرته المراجع, أن الحرب الأهلية, و ظروف الثورة الشعبية في هيسبانيا, ضد إستبداد الحكم القوطي الغربي, إستغل الجيران (الأمازيغ) في العدوة الجنوبية (شمال افريقيا) لظروف الفوضى و الإقتتال, فأجازوا البحر, و إحتلوا البلاد الإيبيرية في غياب المقاومة الشعبية للإحتلال, وهذا ما ساعد على القضاء على الحكم القوطي الغربي للمنطقة, و بروز حكم إستعماري جديد.
أغلبية المراجع تحدثت عن غزوة الجيش "البربري" بقيادة البربري طارق بن زياد لهيسبانيا, و عندما وصل الخبر لموسى الجلاد لما حققه طارق من إنتصارات و "فتوحات", أسرع الى إجازة البحر للإستلاء على الغنائم و معاقبة طارق لإتهامه بإخفاء الغنائم عنه. موسى المجرم, المنتقم لتاريخه العبودي, حولته النزعة العرقية العروبية الى بطل و "فاتح" هيسبانيا, و ما عرف عن تاريخه, عرف نهايته هو وأبناءه.
كل ما كتب عن تاريخ هذه المرحلة من (القرن 8) يضل سرابا في غياب مصادر تاريخية المكتوبة في نفس فترة الأحداث, فأقدم ما كتب عن غزو هيسبانيا في أواسط القرن 9م عبارة عن شعر لمستعربة هيسبانية مسيحية (تعيش تحت الحكم الإسلامي), تحاكم التعامل الوحشي للمسيحيين من طرف المسلمين. أو بعض إشارات لمحمد بن موسى الرازي في كتاب (الرايات) المفقود, والذي يرجع الى هذه المرحلة ( القرن 9م), أي بعد أكثر من قرن من غزوة هيسبايا (711م) المفترضة, أما كتابات القرن الرابع عشر و الخامس عشر التي تحدثت عن هذه الغزوة و الحكم الإسلامي للأندلس, هي مراجع بعيدة كل البعد عن أحداث الغزوة المفترضة في سنة 711 م. لا يوجد أي مصدر تاريخي يرجع الى القرن الثامن يتحدث عن "فتح" هيسبانيا.
قراءة للمراجع الموجودة, فالعرب ليسوا هم من "فتح" الأندلس, بل هذا " الفتح" كان من صنع الغزات الأمازيغ, أما في غياب المصادر التاريخية من مخطوطات ترجع لنفس المرحلة, وغياب آثار أركيولوجية و مسكوكات, قد تدل عن هذه المرحلة (العملة المتداولة في الأندلس لما بعد الغزو المجهول التأريخ, كانت بزنطية أو بكتابة لاتنية على وجه جهة من العملة و عربية على الواجهة الثانية و هذه الآخيرة كانت متداولة في افريقية, واللغة العربية كانت لغة رسمية للأمازيغ بعد إعتناق الإسلام), في غياب الآدلة و الإثباتات لا يمكن الجزم بحصول غزو لهيسبانيا في القرن 8. الغزوة المفترضة قد حصلت في زمن متأخر, ربما في عصر الحكم الصنهاجي (القرن 11), و من غير الممكن أن تكون غزوة عربية في ذلك الزمن, أضف الى ذلك أن جميع الهجرات الجماعية الى الأندلس كانت أمازيغية بعد الغزوة الأندلسية المفترضة لطارق و جيشه الأمازيغي, و إلتحقت بهم قبائل الريف التي جازة العدوة مع المفترض أن يكون عبد الرحمان الداخل لدعمه و مساندته للوصول الى الأندلس, و تأتي الموجة الثالثة من القبائل الأمازيغية التي إستقدمها ابن عامر من العدوة الجنوبية لدعم سلطته في قرطبة, أما الموجهة العارمة فكانت غزوة الجيش الصنهاجي المرابطي و إحتلال الأندلس و تبعه الجيش المصمودي الموحدي و الزناتي المريني, وهجرات جماعية كثيرة ذكرها إبن خلدون. كانت لهجرات الجماعية الأمازيغية تأثير كبير في النسيج المجتمعي الأندلسي, وكان للأمازيغ تأثير بارز في الحضارة الأندلسية. من إستقراء المراجع النسبية, يتضح أن العرب في الأندلس كانوا أقلية أجنبية قليلة مقارنة مع الأغلبية الأمازيغية الأجنبية كذلك, وأن حكموا العرب الأندلس أو حكموا بعض مدنه فكان لفترة قصيرة مقارنة مع الحكم الأمازيغي للأندلس, و كيلا الفترتين كانتا مرحلتان إستعماريتان لبلاد هيسبانيا, و لا تستوجبان الإعتزاز بتاريخيتهما المؤقتة و الإفتخار بوهمية التسامح الإسلامي, و لا البكاء عن فقدان الفردوس الأندلسي الإفتراضي. منطق الطبيعة و التاريخ و الواقع لعب لصالح الشعب الهيسباني (إرادة الشعوب لن تقهر), كان الواقع المزري و اللاتسامح و اللاتعايش مع المكونات الغير إسلامية, من سمات المجتمع الأندلسي الإسلامي, الذي كان فيه اليهود و المستعربين المسيحيين مجرد رعايا من الدرجة الثانية, فكان تقسيم العمل و الوظائف يعتمد على الهوية الدينية, و كان الشعب الهيسباني المسيحي أكثر تعرضا للفقر والتمييز من جميع الأنواع و الإستغلال و القهر الديني حتى إقتربت المسيحية من الإختفاء في القرن الخامس عشر. يتضح أن كل ما يروج عن التسامح الديني في الأندلس مجرد تضليل أيديولوجي, فالمجتمع الإسلامي المؤمن أن "دين الله هو الإسلام" و أن المسيحية و اليهودية هما شرك بالله, يستحيل أن يتعايش و يتسامح معهما في ظل الحكم الإسلامي. الحروب الإسترجاعية المفترضة وإستلاء إيزابيلا ملكة قشتالة وفرديناند الثاني ملك أراغون على آخر معقل للإستعمار الإسلامي (غرناطة) في يناير 1492, حررت هيسبانيا من العبودية و الإستغلال الفاحش و التمييز العرقي و الديني و أرجعت لإسبانيا المعاصرة هويتها الثقافية و الحضارية.
عندما سلم حاكم غرناطة, محمد 12, مفاتيح المدينة, وغادر المستوطنون الأمازيغ نحو بلادهم الأصلية شمال إفريقيا, كما غادر محمد فردوسه, و في الطريق ألقى أخر نظرة على غرناطة و هو يبكي على فردوسه المفقود, وخاطبته أمه عائشة:" لا تبكي مثل النساء, على ما لم تستطيع الدفاع عنه مثل الرجال". عملية البكاء هي سمة المنهزمين على الفشل التاريخي. فما العبرة و الدروس من بكاء العرب على فقدان الفردوس الأندلسي الوهمي, هل من أجل تجنب الهزائم المتكررة, أو العمل على توحيد الأوهام الغير القابلة للوحدة؟ لقد صدقت عائشة بقولها, متزمتي العرو-إسلام يعيشون عن وطر الأحلام الماضوية الوهمية, و من اللاتاريخية يصنعون أمجاد الأحلام, وفي كل نكسة واقعية تاريخية, تكون مؤامرة الأعداء هي السبب (الفرس و اليهود في الشرق و الأمازيغ في الغرب). المؤامرة مرجعية ثابتة للإيديولوجية العرقية العرو- إسلام, في فشلها في إماتة الهويات الثقافية و اللغوية لشعوب الأوطان المحتلة بقوة الإيديولوجية الإستلابية و قوة السياسي, كما أن فشل قادة العرقية العروبية في عمليات الوحدات العرقية أرجع الى مؤامرة الأعداء المفترضين, والسؤال المطروح كيف أفشلت مؤامرة الأعداء وحدات القادة العرقيون, أبطال العروبة القهرية, ( وحدة مصر وسوريا سنة 1958 و الوحدة بين مصر وسوريا وليبيا سنة 1971 و وحدة ما سمي ب ( المغرب العربي ) 1989).
الإعتقاد بهلوسة " خير أمة أخرجت للناس", و الإيمان بتميز العرب و علويتهم عن البشرية, كما قال ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (1, 419): ( أن جنس العرب أفضل من جنس العجم, عبرانيهم وسريانيهم, روميهم وفرسيهم وغيرهم ), والتزمت لهذه الأفكار العنصرية الفاشستية لم تقدم لأصحابها إلا الهزائم و النكسات, عسكريا ( حرب 6 أيام), إقتصاديا و إجتماعيا, لم تنتج الأقوال و الصرخات القوميون إلا التخلف و التبعية و إستهلاك بضائع الآخرين و إستهلاك التكنولوجية الغربية و ثقافيا, لم يعمل العرب إلا على إعادة الماضي المتخلف بأساليب عصرية أكثر تعصبا للأوهام و أكثر تزييفا للواقع الموضوعي.
الدروس المستنتجة من الوهم الأندلسي, يمكن أن يستفيد منه القوميون المتعصبون للعروبة القهرية, هو البحث عن مكمن الخلل في الفكر القومي العروبي, البحث في الذات و ليس في الآخر, فكراهية الشعوب الغير عربية ( الفرس و الكرد و اليهود و إيمازيغن), لا يقدم حلول سحرية ناجعة للتخلف العربي المجالات السوسيو-إقتصادية و الثقافية, و التحريض ضد غير العرب لا يفنيهم. وعلى المتعصبين للقومية العروبية القهرية أن يفهموا " أن الشعب الذي يضطهد شعبا آخر, فهو نفسه مضطهد" إنجلس. الإستعمار لا يسقط بالتقادم, و أن الصراع بين قوى الاستعمار وقوى التحرر, قد يطول زمنه, وهناك أمثلة كثير من التاريخ القديم و المعاصر, من بينها "الفردوس الأندلسي" الذي ظل 8 قرون مغتصب و مع ذلك تحرر الشعب الإسباني من نير الإستعمار الإسلامي. الإستعمار كيفما كان دينه و عرقه و جبروته لا يمكن أن يدوم الى الأبد, رغم الإستلاب الثقافي و اللغوي و الإستبداد السياسي, ما دام هناك إرادة شعبية مكافحة من أجل حريتها الذاتية و إستقلال بلدانها و تقرير مصيرها بنفسها. التجارب التاريخية علمتنا أن إرادة الشعوب في التحرر لن تقهر, و الهويات الزائفة لا تمكث في الأرض المستعمرة, فزوالها أمر حتمي و لا يبقى الا الهوية الاصلية الأصيلة, الضاربة في أعماق الزمن التاريخي.
من يحلم بالأندلس "العربية الإسلامية" الوهمية, هم أنفسهم من يقتاتون اليوم من بقايا موائد الإسبان, أحفاد المنتصرين في الحرب الإسترجاعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة