الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن آراءِ مصطفى بنُ إسماعيل

مهدي شاكر العبيدي

2022 / 6 / 15
الادب والفن


يضطلع الأديب السوري محمد كامل الخطيب بإعداد سلاسل ودوريات تتناول موضوعات تبحث في شؤون الحضارة والتقدم وعلاقة الشرق بالغرب لكـُتـابٍ برزوا في الزمن الماضي منذ مبتدأ النهضة وحتى الوقت الراهن الذي شهد تطوراً ملحوظاً في آدابنا من ناحية الشكل والمضمون والقالب والمحتوى على يد الأدباء التالينَ لهم ممن تكيفوا هم ومستجدات العصر وتفهموا مقتضياته ، فبداهة أن تختلف كتاباتهم في أساليبها وطرائق تناولها لموضوعاتها ومدى شغفهم واهتمامهم بها بعض الاختلاف عن سابقيهم ممن غبروا قبل وقت قصير ، ولا يدع الخطيب هذه النتاجات الفكرية والأدبية والتي تدنو من الشأن السياسي وتمسه عن كثب دون مراجعة وتدقيق في توجهها ونزوعها إن لم يجل ِ جدواها وفائدتها لتجميل حياتنا وتشذيب ما يلابسها أحياناً من أدران وعواسج ، فيعرف بها من خلال تقديماته لها ما وسعه من إحاطة وإلمام بمعارف ثرة وجوانب ذات صلة بها ، مبيناً مدى احتياجنا لها ونحن نسلك طريق النهضة ونتوق إلى التغيير واللحاق بركب الإنسانية كصوى ومعالم نستهدي بها ونستدل على الصواب فلا نحيد أو ننحرف بعيداً عنه ، وكل ذلك نلحظه على شاكلة تبعث على الإعجاب بموسوعيته وانفتاحه وسعة أفقه ونشاطه المعرفي الجمّ عن أدبيات رواد الثقافة الأوائل في القرن التاسع عشر أمثال : أديب اسحق ، ونجيب الحداد ، وسعيد الشرتوني مثلاً والأخير لم يسمع به الأدباء الجدد على الرّغم من أهمية دوره في التعجيل بنهضتنا وسوقنا لتجديد طرائقنا الكتابية وهدينا للأسلوب الصحيح والمطبوع والخالي من التقعر والركاكة والإسفاف والتبذل وليس ما يزينه غير الترسل ونقاوة العبارة والتعبير عن الغرض والقصد بأوفى ما يكون من السلاسة والعفوية ، إلى كتابات المتأخرينَ عنهم كسلامة موسى ، وإسماعيل مظهر ، ومحمد حسين هيكل ، ومصطفى صادق الرافعي ، والأخير تشي عنوانات موضوعاته في أغلبها بتحفظه وانكماشه وتردده المطلق عن قبول الجديد مما دخل حياتنا نتيجة تأثرنا بالغربيين ، وكأنـه - أي الخطيب - يبغي بهذا التباين في اختياراته من ناحية التوجهات والنوازع حمل قارئه على التدبر أن للحقيقة أكثر من وجهٍ وأكثر من لون ، وانـه حر فيما يؤثر ويختار وعليه أن يطرح عنه رداء التعصب والانغلاق والتحجر والجمود على رأي أو فكرة.

أطرف ما يستهوي مشرب المرء المجبول على التفكه والتظرف من اختياراته لكتاب (الشرق والغرب) ج / 1 ـ من سلسلة (قضايا وحوارات النهضة العربية) مقالة بعنوان (تغيير الزي الأوربي) كتبها من يدعى مصطفى بن إسماعيل منقولة عن كتاب (الهدية الأولى للملوك والأمراء في الداء والدواء) وهي تسمية غريبة والأغرب منها تعريفه لنفسه بأنـه مصريٌ مولداً ، وأباضيٌ مذهباً ، ومن ثم إعلانه كونَ هذا السفر مطبوع بالمطبعة البارنية بالجودرية بمصر ولكن بدون تاريخ ، والمقالة لا توحي منذ استهلالها بأن صاحبها غير عارف بمقومات الكتابة وشرائطها ومكونات المقالة الأدبية التي تعالج موضوعاً وتعنى بدقائقه وتحيط بعناصره وأسبابه ، وإفراغه في قالب لفظي وصياغته ببيان آسر ، بحيث يشوق القارئ ويجتني المتعة بما يزدان به من طلاوة العبارة وسحر البيان ، فضلاً عن الرغبة في الأداء بطواعية وتلقائية ملموستين ِ دلالة الاستيعاب الذهني لشَياتِ هذا الموضوع وملابساته ، لا فسياق هذه المقالة يشي بانفتاحها على المعاصرة والحداثة وأخذه منها بأوفر نصيبٍ من ناحية صياغتها وتجردها عن التنميق والتكلف واستكراه اللفظ على أن يقر في موضع من المقال لا يوائمه ويجانسه ويتصل بشكله.

ولي أن أزُج به في عداد أعلام النثر في القرن التاسع عشر أمثال : عبد الله النديم ، ونجيب الحداد ، وسليم البستاني ، وفرنسيس مراش الحلبي ، إلى حدٍ ممن تنبي نتاجاتهم عن انفلاتهم من أسار الصنعة وحذلقة البيان وتجريب قدراتهم وطاقاتهم وتطويعها لقدر من الترسل والعفوية كبداية لتفنن الكاتبينَ في التعبير عن خوالجهم ومقاصدهم وتنوع الأساليب وصور الإبانة والإفصاح عنه في مرحلة تالية أو على ما نلمسه من تجويدهم وتناهيهم في الإبداع مؤخراً.

غير أن مرامي مصطفى بن إسماعيل تجيء مشوبة بالخلط ومسرفة في الارتجاع وتجاهل صاحبها لقيم العصر وتعاميه عن مستجداته ، واستغراقها في التخلف والجمود وانطلاقها من نظرة ضيقة ومقتها لكل ما يغري بالتجدد وتلاقح الثقافات وانتقال المعارف من أمة إلى غيرها بحيث يلغي هذا التوجه والإزماع منه بعض الالتماعات الذهنية الصائبة التي تتخلل كتاباته ، وتنفي منها مشروعيتها وتضن عليها بالتصديق والواقعية والحق.

لا ننكر أن الحضارة الغربية الحديثة التي اتصلنا بها لأول مرة في أعقاب الثورة الفرنسية مما سُمي بالنهضة الحديثة التي واكبها ألفتنا للمطبعة والجريدة وبعض المتغيرات في نظام العيش وخطة الحكم ومجاراة الأوربيينَ في احتذاء تقاليدهم وعاداتهم ومضاهاتهم في مجالس لهوهم وسمرهم وترسمهم في كيفية تزجية أوقات فراغهم ، استتبعها تفشي كثير من الأوبال والمفاسد وسط مجتمعنا قادَ إلى استشراء المجادلات الحادة بين مثقفينا ومتعلمينا وأهل الرأي منا حول ما نأخذه من مظاهرها وما يحسن أن نعافه ونزهد فيه ، وجرؤَ فريق أو رهط من الناس على أن نأخذ بأسباب هذه الحضارة بألوانها ووجوهها كافة الضار والنافع ، الفاسد والصحيح معاً.

لكن مصطفى بن إسماعيل إذ يحذرنا أن تعم مساوئ مدنية الغرب ربوعنا وينهانا عن التأثر بها ، وينصح لنا باجتناب الخمور والزنى والفسق ، ويدعو إلى تعفية مخابئها وأوكارها من المدن ، ويحض على الالتزام بالشريعة الغراء وما تغري به من الرشد والاستقامة والصلاح والهداية ، وهذا وحده هو عين الصحة والمشروعية والعقل ، لكنـه يقع بعده في السخف وينحدر إلى هُوة الفهاهة إذ ينجر في التفصيل والإطناب حول أزيائنا وملابسنا التي يخال أنـها تؤثر في ثقافتنا وتحدد ضروب تصرفنا وعاداتنا ، يقول : " يا للعجب كيف لم تحسوا يا أيها الناس وكلـكم من الحيوان الحساس بأضرار هذه البنطلونات والفساتين وأدواتها من تلك الملابس الضيقة التي أزهقت الأرواح ، واستوقفت الدمَ في مجراه في مناطقنا هذه الملتهبة وذهبَت برونق الهيبة والوقار وتساوى فيها الجليل براعي الخنازير والحمار ، وحملت المسلمينَ على استصعاب النظافة والوضوء وساعدتهم على ارتكاب السهو عن العبادة والصلاة ورجعَت بهم إلى النجاسة الكلابية المطلقة باستحسان التبول وقضاء الحاجة وهم بلا استطابة ولا استبراء ، وألجأتهم إلى نبذ الآداب التي ازدهَت الحنفية بجمالها ، وتطهرَت بكمالها ، وازينت بمكارمها الحسناء ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا