الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 70

ضياء الشكرجي

2022 / 6 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثَ إِلى نِسائِكُم هُنَّ لِباسٌ لَّكُم وَأَنتُم لِباسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختانونَ أَنفُسَكُم فَتابَ عَلَيكُم وَعفا عَنكُم فَالآنَ باشِروهُنَّ وَابتَغوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُم وَكُلوا وَاشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيلِ وَلا تُباشِروهُنَّ وَأَنتُم عاكِفونَ فِي المَساجِدِ تِلكُ حُدودُ اللهِ فَلا تَقرَبوها كَذالكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَّقونَ (187)
وبعد الآية الاعتراضية آنفا، يعود بنا القرآن في هذه الآية ليكمل أحكام الصيام. وهي تتناول أحكام الممارسة الجنسية أثناء شهر الصيام، والغريب إن القرآن يصف الجماع بالرفث، والرفث هو القول القبيح أو الفعل القبيح، أي الفحش، بعدما اصطلح الإسلام على الزواج بالنكاح بمعنى النَّيْك، فإذا كانت الممارسة الجنسية بعقد شرعي كأن تكون بين زوجين، فلماذا يا ترى توصف هنا بالقبح؟ كما تتناول الآية مواعيد الإمساك والمباشرة بيوم الصيام ومواعيد إنهاء الصيام بالإفطار مساءً، ثم تعود لتتناول حكم الممارسة الجنسية أثناء عبادة أخرى مستحبة وليست واجبة، هي عبادة (الاعتكاف). كان المسلمون يعتقدون حرمة الممارسة الجنسية طوال شهر رمضان، وكان بعضهم يخالف هذا الحكم (يختانون أنفسهم)، فنزلت هذه الآية لتخفف عنهم، وتنبئهم بأن الله قد علم مخالفتهم هذه لما يعتقدونه محرما «عَلِمَ اللهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختانونَ أَنفُسَكُم»، ولينبئهم بحلية هذه الممارسة، التي اعتقدوا بحرمتها، في غير فترة الصيام من نهار أيام شهر رمضان، واقتصار حرمتها على الفترة التي يجب عليهم الإمساك فيها عن الطعام والشراب، من هنا فإن ما يجب أن يمسك عنه الصائم في نهار رمضان ثلاثة أمور أساسية، الطعام، والشراب، والممارسة الجنسية. ثم بعدما تبلغهم هذه الآية بهذا الحكم تصف العلاقة بين الرجال والنساء (الأزواج والزوجات) وصفا رومانسيا جميلا، فتقول «هُنَّ لِباسٌ لَّكُم وَأَنتُم لِباسٌ لَّهُنَّ»، وهذه من الآيات القليلة التي تذكر ثمة علاقة بين الرجال والنساء على نحو التكافؤ. وهذا التوصيف، وبقطع النظر عما عنى به المؤلف، يمكن أن تستوحى منه معان جميلة:
1. فاللباس هو ألصق شيء بجسد الإنسان، ولا يرتاح الإنسان عادة بأن يلتصق به شيء غريب عنه، مثلما يلتصق لباسه بجسده.
2. اللباس الذي يلبسه الإنسان يكون عادة على ذوقه.
3. يلبس الإنسان عادة من اللباس ما يمكن أن يظهر به إلى الناس ويري نفسه به.
4. اللباس يكون مريحا بمقدار ملاءمته للطقس، ففي الصيف يرتاح الإنسان للملابس الخفيفة والفضفاضة وذات الألوان الفاتحة، بينما يرتاح في الشتاء إلى ما يكون سميكا يدفئ جسده، ويكون لصيقا بجسمه ويفضل أن يكون داكن اللون.
5. هناك ساعات يخلع الإنسان الملابس عن جسده، مما يعني مهما يكن الزوجان أو شريكا الحياة أو الحبيبان قريبين من أحدهما الآخر، تبقى لكل منهما أوقات يريد أن يختلي بنفسه، أو تكون له اهتماماته ونشاطاته ورغباته الخاصة به وحده.
وعودا إلى بقية أحكام الصيام والاعتكاف في هذه الآية، نراها تحدد بداية الإمساك عن الطعام والشراب والممارسة الجنسية بالفجر، بقول «وَكُلوا وَاشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ»، واختلفوا في تحديد الفجر، فذهب بعض الفقهاء إلى التمييز بين ما يسمى بالفجر الكاذب والفجر الصادق، وفي كل الأحوال فالفجر الشرعي في الإسلام، حسب المناطق وفصول السنة، هو غالبا في واقع الحال من الليل، وليس من النهار. أما استمرار الصيام فيكون لغاية الليل، كما تعبر الآية، والليل يعني انتهاء النهار، وانتهاء النهار يكون حسب المفهوم العربي آنذاك وحسب المفهوم الشرعي في الإسلام سقوط الشمس من الأفق الغربي، وذهب معظم فقهاء المذهب الشيعي الاثناعشري إلى أن المغرب الشرعي لا يتحقق إلا يغروب الحمرة المشرقية، ومنهم من بالغ حتى جعل المغرب عندما تملأ الغشاوة الرمادية السماء كلها، ومن يدري لعل ذلك أقرب إلى تحقق معنى (الليل) في الآية بقول «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيلِ». وتعود الآية إلى موضوعة الممارسة الجنسية التي علمنا أنها مما يجب على الصائم الإمساك عنها إلى جانب الطعام والشراب، لكن أضافت الآية حرمة الممارسة إلى جانب حرمتها أثناء الصيام وقت الاعتكاف في المساجد، بقول «وَلا تُباشِروهُنَّ وَأَنتُم عاكِفونَ فِي المَساجِدِ»، والاعتكاف عبادة مستحبة وليست واجبة، وهي أن يعتكف المؤمن لثلاثة أيام في المسجد، منقطعا للصلاة، وربما مضيفا إليه الصيام. والغريب إن الآية تنهى عن الممارسة الجنسية أثناء الاعتكاف في المساجد، ولا يمكن أن نتصور شخصا يمارس الجنس في مكان العبادة، سواء كان مسجدا أو كنيسة أو أي معبد، وسواء كان المتواجد في المسجد أو المعبد معتكفا أو مارا للتعبد أو لأي شأن آخر. «تِلكُ حُدودُ اللهِ فَلا تَقرَبوها»، والحدود تأتي بمعنى الأحكام الشرعية، أي الحلال والحرام والواجب. وتعتبر الآية إن دقة الالتزام بها من التقوى، بقول «كَذالكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَّقونَ»، أي لعلكم تستشعرون مخافة الله ورقابته لكم، لتكونوا أشد وأدق التزاما بأحكامه المفترضة، حسب اجتهاد مؤسس الإسلام، من أداء للواجب واجتناب للحرام، بل المتقي يأتي بالمستحب ويجتنب المكروه ويحتاط فيما غير متأكد منه، وقال البعض ترك الاحتياط خلاف التقوى، دون الالتفات إن المبالغة بالاحتياط هو خلاف اليسر، حسب الآية «إِنَّما يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرِ».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟


.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني




.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي