الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوكرانيا: لشركات الغرب مصلحة في الحرب

مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)

2022 / 6 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


تزاوج أفاعي البزنس المشبوه وثعابين السرقة الصريحة

كتب العالم الاقتصادي الروسي المتخصص في المجال المالي فالنتين كاتاسونوف مقالة هامة جدا حول مافيا الغرب الجماعي المتمثل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاء الدولة العميقة التي بنت ولا تزال -إمبراطوريتها المالية بفضل الحروب والتسلح والقرصنة والبلطجة وكل ما يتميز به "المجتمع الدولي المتمدن" اليوم من خصال "حميدة".
قال كاتاسونوف: لا بد عندما تسمع أو تقرأ أخبار توريد الأسلحة والمعدات العسكرية إلى أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها من أن تتذكر الاقتصادي الإنجليزي الشهير جون مينارد كينز (1883-1946) صاحب المدرسة الكينزية المعروفة في الاقتصاد، وبخاصة أشهر أعماله وهو "النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال" (1936).
في هذا الكتاب له وفي أعماله الأخرى، ذكر كينز أن السوق (الذي وصفه الاقتصادي الإنجليزي آدم سميث بالمنظِّم التلقائي المثالي للاقتصاد) يتسبب حتمًا بجريرة الاستغلال الشنيع للعاملين المنتجين في تأخر الطلب الفعّال (أي الطلب المعزز بالقدرة على الدفع) عن المعروض من السلع. وهذا يؤدي حتما إلى ما يسمى بأزمات فائض الإنتاج.
للحفاظ على الرأسمالية (التي بنيت بالذات على أفكار آدم سميث وممثلين آخرين للاقتصاد السياسي الإنجليزي الكلاسيكي)، اقترح جون كينز بعد أزمة الكساد الكبرى أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي أن تتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية. ففي رأيه، يمكن وينبغي أن تعوض الدولة عن عدم كفاية الطلب الفعال، وتتحول إلى مشترٍ لأي أعمال وسلع وخدمات ينتجها رأس المال الجشع.
ويمكن للدولة حتى أن تدفع تكاليف بناء منشآت لا يحتاجها أحد سوى أصحابها بعد وفاتهم، مثل الأهرامات المصرية. ويمكنها شراء أسلحة وسلع عسكرية أخرى ضرورية فقط لشن حروب القرصنة والنهب. فهذه المنتجات لا تلبي أي احتياجات بشرية حيوية. لكن شراءها من قبل الدولة ينقذ المجتمع من الأزمات. وهكذا، بعد الحرب العالمية الثانية، تبنت الحكومات الغربية المذهب الكينزي لتبرير سباق التسلح وعسكرة الاقتصاد الرأسمالي بغية حمايته من الأزمات الدورية الحتمية.
وأدت نهاية الحرب الباردة في مطلع الثمانينيات والتسعينيات إلى حرمان الغرب من حجته الرئيسية التي استخدمها لصالح استمرار سباق التسلح ألا وهي تدمير الاتحاد السوفياتي من الداخل. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة، التي كانت دائمًا مسؤولة عن نصيب الأسد من كل الإنفاق العسكري في الغرب الجماعي، زادت المخصصات في الموازنة للأغراض العسكرية على مدى العقود الثلاثة الماضية، إلا أن حصة هذه المخصصات في إجمالي نفقات الموازنة وفي الناتج المحلي الإجمالي (GDP) قد انخفض في هذا الوقت.
فقد وصل الإنفاق العسكري بحسب تقديرات وحسابات فالنتين كاتاسونوف إلى مستوى قياسي نسبيا في الولايات المتحدة في عام 1945. في ذلك الوقت، تم إنفاق 93. 7 مليار دولار على الدفاع، أي ما يعادل 41٪ من الناتج المحلي الإجمالي و 79٪ من نفقات الموازنة العامة للدولة. بينما في مطلع الثمانينيات والتسعينيات، تدني الإنفاق العسكري الأميركي إلى 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أي بمقدار 13 مرة كقيمة نسبية وليس مطلقة طبعاً. وفي مطلع العقد الماضي وخلال العقد الحالي، انخفض هذا الرقم إلى أدنى مستوى له على الإطلاق ليصل إلى 3. 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
بالنسبة للشركات التي تشكل جزءًا من مجمع الصناعة العسكرية الأميركي، لم تكن العقود الثلاثة الماضية هي الأفضل. و هي، من أجل الحفاظ على دخلها على مستوى لائق، بحاجة إلى طلب متزايد باستمرار على منتجاتها من الطائرات والمروحيات والسفن العسكرية والمركبات المدرعة والمدفعية والصواريخ الاستراتيجية والتكتيكية والذخيرة ومعدات الاتصالات والأسلحة الصغيرة، إلخ.
ومثل هذا الطلب لا يمكن أن يخلقه إلا صراع عسكري كبير إلى حد ما. وفي الوقت نفسه، من المرغوب فيه، بالطبع، ألا يؤثر هذا الصراع بشكل مباشر على الولايات المتحدة، وأن يطول أكثر ما يمكن (بل يفضل أن يكون صراعاً أبديًا). ومن وجهة النظر هذه، أصبحت المعارك الحالية على أراضي أوكرانيا هدية حقيقية للمجمع الصناعي العسكري الأميركي.
الشركات العسكرية في دول الناتو الأخرى ولدى حلفاء الولايات المتحدة الآخرين تفرك هي أيضًا يديها بانتظار الطلب على منتجاتها. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار الصراع العسكري في أوكرانيا مجرد "هدية" لمجمع الصناعة العسكرية هبطت عليه من السماء. فهناك الكثير من الأدلة القاطعة على أن الولايات المتحدة وحلفائها المقربين كانوا يستعدون لمثل هذا الصراع منذ زمن وهم استفزوا اندلاعه في فبراير من هذا العام.
فها نحن نرى، والعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا جارية، كيف أن الرئيس الأميركي جو بايدن طلب في نهاية شهر مارس من الكونغرس الأميركي للسنة المالية التالية (التي ستبدأ في 1 أكتوبر 2022) مخصصات للدفاع، تعتبر قياسيةً مدى كل تاريخ هذا البلد.
فقد تقدم الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الكونغرس بمشروع موازنة بقيمة 5. 79 تريليون دولار تشمل الإنفاق الدفاعي بمبلغ 813 مليار دولار. وفي فبراير، سرت هناك شائعات تقول أن بايدن قد يطلب ما يقرب من 800 مليار دولار من الاعتمادات للدفاع، واتضح أن المبلغ المطلوب المعلن في الكونغرس كان أكثر. وقد خاطب بايدن الكونغرس بحجة مقنعة لزيادة الإنفاق العسكري:
"إنني أدعو إلى أحد أكبر الاستثمارات في تاريخ أمننا القومي، بتخصيص الأموال اللازمة لضمان بقاء قواتنا المسلحة أفضل جيش تدريباً وتجهيزاً في العالم. بالإضافة إلى ذلك، أدعو إلى استمرار الاستثمار للرد بشكل حاسم على عدوان بوتين ضد أوكرانيا بدعم الولايات المتحدة وتلبيتها الاحتياجات الاقتصادية والإنسانية والأمنية لأوكرانيا ".
لقد اقتنع "نواب الشعب" بحجج الرئيس، ودعموا مسألة تخصيص مبلغ 813 مليار دولار. وكجزء من موازنة الدفاع للسنة المالية المقبلة، من المقرر أن يتلقى البنتاغون 773 مليار دولار، وثمة 40 مليار دولار أخرى سيتسلمها مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة الطاقة والإدارات الأخرى.وتمت زيادة موازنة الدفاع بمقدار 35 مليار دولار، أو نسبة 4. 5٪ مقارنة بالسنة المالية السابقة.
لمعلومات القارئ أن روسيا هي أدنى بكثير من الولايات المتحدة من حيث الإنفاق العسكري. فوفقًا لتقديرات معهد SIPRI (معهد استوكهولم للسلام ونزع السلاح)، احتل الاتحاد الروسي في عام 2021 المرتبة الخامسة في العالم من حيث الإنفاق العسكري (بعد الولايات المتحدة والصين والهند والمملكة المتحدة)، وكان إنفاقه العسكري أقل بـ 11,7 مرة منه في أميركا.
وبالفعل ذكر الناتو، في 27 فبراير، أي بعد بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أن دول الحلف تكثف "دعمها العملي" لكييف. وتم توضيح أن بلجيكا وألمانيا واليونان وكندا ولاتفيا وليتوانيا وهولندا والبرتغال ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وجمهورية التشيك وإستونيا "نفذت بالفعل أو تطالب بـ" توريد معدات عسكرية إلى الأراضي الأوكرانية".
كان معروفًا أن أوكرانيا، حتى قبل اندلاع الأعمال العدائية فيها، كانت تتلقى بالفعل "أسلحة مهمة جدا" من دول التحالف، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات وأنظمة الصواريخ المضادة للدبابات المعروفة بـ Javelin.
في 7 فبراير، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا: "تتلقى أوكرانيا . . . دعمًا متزايدًا اليوم. وقد تجاوز الحجم الإجمالي للدعم خلال الأسابيع والأشهر الماضية [سقف] الـ 5.1 مليار [دولار] الأسلحة المسلّمة هي بوزن إجمالي يزيد عن 1000 طن. وإن مستويات الدعم القياسية لها آثار سياسية مهمة. فهي تعزز موقف اوكرانيا على طاولة المفاوضات ".
في بداية هذا العام، أدرك الكثيرون أن إمداد أوكرانيا بالأسلحة سيحول العملية العسكرية حتما إلى حرب. لذلك، قال المقدم التلفزيوني الشهير تاكر كارلسون في نهاية شهر يناير، على الهواء في برنامجه على قناة فوكس نيوز:
من الذي يستفيد من الضغط المستمر على واشنطن لتخوض حرباً مع روسيا؟ نادرا ما نسأل هذا السؤال. من الواضح أن الولايات المتحدة ليس لديها ما تكسبه. فلماذا يفعلون ذلك؟ هذا سؤال صعب. الغطرسة، والغباء، والانحرافات النفسية لقادتنا، والرشاوى الضخمة من قبل السياسيين الأوكرانيين عبر جماعات الضغط، ومجمع الصناعة العسكرية في أميركا. كل من هذه العوامل يلعب دوراً ما. . . من المرجح أن تكون الحرب مع روسيا مربحة للغاية".
لذلك، كان مجمع الصناعة العسكرية الأميركي، من خلال جماعات الضغط التابعة له في واشنطن، يستعد بنشاط للحرب في أوكرانيا.
في مارس، قالت العضوة السابقة في مجلس النواب الأميركي تولسي غابارد (Tulsi Gabbard) في مقابلة مع مقدم البرامج في قناة فوكس نيوزFox News تاكر كارلسون: "من أجل منع اندلاع حرب في أوكرانيا، كان يكفي بايدن أن يضمن ألا تنضم أوكرانيا إلى الناتو، لكن مجمع الصناعة العسكرية الأميركي لا يحتاج إلى ذلك. يحتاج الصناعيون العسكريون الأميركيون إلى عقوبات صارمة ضد موسكو ليبدأوا حربًا باردة ستجلب الكثير من المال".
وبحلول بداية نيسان (أبريل)، زادت المخاوف العسكرية الأميركية بنسبة 20-30٪ منذ بدء العملية الروسية الخاصة. فوفقًا للمحللين، ارتفعت قيمة الأوراق المالية لشركة Lockheed Martin Corporation في الفترة من يناير إلى مارس بنسبة 30٪، ولشركتي Northrop Grumann و General Dynamics - بنحو 20٪، ولشركة Raytheon - بنحو 10٪. ولكن حتى 24 فبراير، لم تظهر مؤشرات على بوادر نمو أسهم شركات مجمع الصناعات العسكرية أو هي حتى تراجعت إلى حد ما.
من الصعب تحديد كميات الأسلحة التي جاءت إلى أوكرانيا حتى الآن من الولايات المتحدة ودول أخرى في الغرب الجماعي. فقط تتوفر بيانات مجتزأة حولها. وفيما يلي فقط عدد قليل من الأنباء المنتقاة حول هذا الموضوع.
في 26 فبراير / شباط، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين أنه سمح بمبلغ 350 مليون دولار كمساعدة عسكرية، بما في ذلك "الأنظمة المضادة للدبابات والطائرات، وأسلحة صغيرة وذخيرة من عيارات مختلفة، وسترات واقية ومعداتٍ مرافقة".
وفي 20 آذار (مارس)، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن "إجمالي المساعدة الأمنية التي نقدمها لأوكرانيا تبلغ أكثر من 2 مليار دولار" و "في الأسبوعين الماضيين فقط زودنا أوكرانيا بمعدات عسكرية تزيد قيمتها عن 300 مليون دولار"، وثمة كذلك" 800 مليون دولار وقع عليها الرئيس مؤخرًا "كحزمة مساعدات عسكرية"، مضيفًا قوله إن مدربينا كانوا منذ عام 2014 "في أوكرانيا، جنبًا إلى جنب مع بعض حلفائنا الآخرين"، وإن والولايات المتحدة "لم تقدم المعدات فقط"، لكن الجيش الأوكراني "على استعداد لاستخدام هذه المعدات بمجرد وصولها إليه".
بالإضافة إلى ذلك، أكد استعداده لمساعدة سلوفاكيا ودول أوروبا الشرقية على إرسال أنظمة صواريخ إس-300 المضادة للطائرات إلى أوكرانيا، مضيفًا "إننا سنواصل العمل معهم ومع الحلفاء والشركاء الآخرين ليس فقط لتهيئة الظروف لتقديم مثل هذه المساعدة، ولكن أيضًا للعمل على ضمان أن تتاح لهم [في كييف] الفرصة لحماية سمائهم في المستقبل",
وفي 13 أبريل، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستحول 800 مليون دولار من المساعدات إلى أوكرانيا. وهي، على وجه الخصوص: 200 ناقلة أفراد مدرعة من طراز M113، و 11 طائرة هليكوبتر من طراز Mi-8، و 300 طائرة بدون طيار Switchblade، و 500 صاروخ Javelin، و 10 رادارات مضادة للبطاريات AN/TPQ-36، و 18 مدافع هاوتزر M777 عيار 155 ملم.
وفي 2 مايو، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها قررت نقل 5000 نظام صواريخ جافلين إضافي مضاد للدبابات إلى كييف.
في 7 مايو، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة سترسل حزمة مساعدات عسكرية هي عبارة عن أسلحة جديدة بقيمة 136 مليون دولار لأوكرانيا. وستشمل حزمة المساعدات هذه أيضًا صواريخ يمكن إطلاقها من طائرات الهليكوبتر، بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار Switchblade المستخدمة لضرب المركبات المدرعة والمشاة. بالإضافة إلى ذلك، سيشتري البنتاغون طائرات بدون طيار من طراز بوما لأوكرانيا.
وأضاف كاتاسونوف: أعتقد أن المبلغ الإجمالي للأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى أوكرانيا منذ اندلاع الأعمال العدائية في 24 شباط (فبراير) يقاس بعدة مليارات من الدولارات. لكن هذه ليست سوى البداية. وتساءل كاتاسونوف عن آخر مبادرات الرئيس بايدن والكونغرس الأميركي، والتي ينبغي أن تزيد بشكل كبير من تمويل المساعدات لأوكرانيا، وعن مصير الأسلحة التي تم تسليمها حتى الآن إلى أوكرانيا. فقال إن جزءاً منها، كما يقول الخبراء، يذهب على الفور إلى السوق "الرمادية" وحتى "السوداء". والمشترون النهائيون للمنتَج ليسوا واضحين تمامًا. وقد تم تدمير جزء آخر من الإمدادات العسكرية من قبل القوات المسلحة الروسية. ها هي، على سبيل المثال، معلومات وزارة الدفاع الروسية في 8 مايو.
تم، في المجموع، منذ بداية العملية العسكرية الخاصة تدمير 157 طائرة، و 116 طائرة هليكوبتر، و 768 مركبة جوية بدون طيار، و 298 منظومة صواريخ مضادة للطائرات، و 2933 دبابة ومركبة قتالية مصفحة أخرى، و 336 قاذفة صواريخ متعددة، و 1411 مدفعية ميدانية وقذيفة هاون، وكذلك تم تدمير 2758 وحدة مركبات عسكرية خاصة عائدة لأوكرانيا.
بالطبع، بعض المعدات المدمرة كانت تمتلكه أوكرانيا قبل بدء العملية العسكرية (بما في ذلك أسلحة الحقبة السوفيتية). لكن المعدات العسكرية القديمة دمرت في الغالب في الشهر الأول من القتال. والآن، يتم تدمير معظم الأسلحة "الجديدة" التي تم إحضارها خلال الشهرين الماضيين ونصف الشهر. وأخيرًا، غالبًا ما لا يمكن استخدام الأسلحة التي ينتهي بها المطاف في أيدي القوات المسلحة الأوكرانية بشكل فعال، لأنها ليست مألوفة للجيش الأوكراني.
ولكن ليس مهماً بالنسبة لأولئك الذين يزودون أوكرانيا بالسلاح مدى فعالية استخدامه. الشيء الرئيسي هو أن يتم الدفع مقابل التسليم، وأن يتم تلقي طلبات جديدة من الأسلحة. فشركات المجمعات الصناعية العسكرية تحتاج إلى حروب طويلة الأجل، والأفضل حتى أن تكون حروباً أبدية. في ضوء ما ورد، يمكن افتراض أن تبذل جماعات الضغط التابعة للشركات العسكرية في واشنطن قصارى جهدها لضمان استمرار الصراع العسكري في أوكرانيا لأطول فترة ممكنة.
ولكي لا ينتهي الصراع من الضروري، في النهاية، ألا ينتهي المال. وعلى الرغم من أن الموازنة العسكرية ستتجاوز في السنة المالية المقبلة، كما أشار الخبير الروسي كاتاسونوف أعلاه، الـ800 مليار دولار، سيكون على البنتاغون، كزبون شارٍ للأسلحة والمعدات العسكرية، أن يحسب الأموال جيداً.
بعد كل شيء، يذهب نصيب الأسد من الموازنة العسكرية للصرف على الأفراد العسكريين (الرواتب بشكل أساسي)، ومعاشات قدامى المحاربين، والرعاية الطبية للأفراد والمتقاعدين العسكريين، والبحث والتطوير، وصيانة وإصلاح المعدات العسكرية الموجودة في الخدمة، وبناء الالمنشآت العسكرية.
في السنوات الماضية، شكل شراء الأسلحة والمعدات العسكرية نسبة حوالي 15-18 في المائة من الموازنة العسكرية. لذلك، يمكن افتراض أن حجم الطلبات العسكرية في السنة المالية المقبلة سيكون في حدود 130-140 مليار دولار.
وفي ما يتعلق بالتصعيد الحاد للتوترات الدولية، يدعو البيت الأبيض والكونغرس الأميركي إلى التحديث العاجل للمعدات العسكرية في القوات المسلحة الأميركية. وبالنظر إلى مهام التحديث العاجل والواسع النطاق، فإن الاعتمادات العسكرية للسنة المالية 2023، وفقًا للخبراء الأميركيين، لم تعد تبدو مبالغ فلكية.
في أوائل شهر مايو، ظهر مقطع فيديو لمقابلة مع داكوتا وود من معهد أبحاث مؤسسة التراث حول "حالة الجيش الأميركي the State of the U.S. Military".
وفقًا للخبير، هذا الوضع يثير القلق، لأن معظم المعدات العسكرية الحالية - المركبات المدرعة والطائرات والسفن – قد عفا عليها الزمن بشكل ميؤوس منه معنويًا وماديًا. وبالإضافة إلى ذلك، انخفضت الكميات إياها. وكتبت الصحيفة أن معظم المعدات كان قد تم شراؤها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتقلص عدد قطع المعدات إلى النصف أو الثلث فقط بسبب البلى.
ويشير الخبير قائلا: "قد نأسف على هذه الأمور، لكن تظل الحقيقة هي أن أميركا ستضطر، في حالة حدوث صراع كبير، إلى الاعتماد إلى حد كبير على مصادرها العسكرية، وما يجب أن تعتمد عليه هو ِظلُّ ما كانت عليه في المرة السابقة، عندما واجه [الأميركيون] مشاكل على نطاق عالمي ".
الاستنتاج إياه يوحي بأن أميركا بحاجة ماسة إلى بناء قدراتها العسكرية التقنية، من حيث الكم والنوع على وجه الخصوص.
مع وضع هذا في الاعتبار، أصبحت أوكرانيا مَنفذًا ممتازًا للبنتاغون: ففي أثناء تحديث القوات المسلحة الأميركية، يمكن إرسال المعدات القديمة ماديًا ومعنويًا إلى هناك (ومع ذلك، منذ بداية العام، كان هذا النوع من " القمامة " العسكرية بالذات هو الذي تم توريده بشكل أساسي عبر المحيط إلى أوكرانيا). ويمكن، جزئيًا، توفير "الخردة" العسكرية بشكل عام في شكل مساعدة مجانية، أو بالأحرى بالشروط التي استخدمها الأميركيون قبل ثمانين عاماً، أي خلال الحرب الوطنية العظمى للشعب السوفياتي ضمن إطار الحرب العالمية الثانية.
وأضاف كاتاسونوف: إنني أشير هنا إلى برنامج الإقراض والتأجير الأميركي، الذي بدأ عام 1941. والمتلقون الرئيسيون للإمدادات بموجب قانون الإعارة والتأجير هم دول الكومنولث البريطاني والاتحاد السوفياتي. وقد تم دفع تكاليف جميع عمليات التسليم من قبل وزارة الخزانة الأميركية. وتم تقديم بعض منها (طعام، ملابس، أدوية) كمساعدة مجانية. وكان لا بد من دفع تكاليف التزود بالسلع الأخرى، وبتقسيط كاف. وللقيام بذلك، كانت الولايات المتحدة تلجأ حتى إلى تقديم قروض طويلة الأجل (وفي بعض الأحيان بدون فوائد).
أخيرًا، كان من المتوجب إعادة الممتلكات العسكرية والمدنية التي بقيت في حالة جيدة أو مُرضية إلى الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب. فدفع اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية مقابل الإعارة والتأجير الأميركي مدى فترة طويلة جدًا. وتم الوفاء بالالتزامات الأخيرة بموجب ما سمي Lend-Lease من قبل الاتحاد الروسي بوصفه خليفة الاتحاد السوفيتي في عام 2006.
وفي هذا العام، عقد الكونغرس الأميركي جلسات استماع عاجلة بشأن قانون إطلاق برنامج الإعارة والتأجير لأوكرانيا. ففي 9 مايو، وقع الرئيس جو بايدن مشروع القانون ليصبح قانونًا يفترض فيه أن يعطي زخما للإمدادات العسكرية لأوكرانيا.
في موازاة ذلك، يناقش الكونغرس الأميركي الآن مسألة تخصيص أموال إضافية لمساعدة أوكرانيا في الموازنة الحالية. وقدم الطلب إياه الرئيس الأميركي جو بايدن وبمبلغ 33 مليار دولار، لكن "ممثلي الشعب" أبدوا روح مبادرة وأضافوا 7 مليارات دولار أخرى. وقد صوّت دعما للمبادرة في مجلس النواب الأميركي 368 نائبا (ضد - 57).
وسيحال مشروع القانون الآن إلى مجلس الشيوخ. وفي حال الموافقة، سيتم تقديم هذه الوثيقة إلى بايدن ليوقع عليها. وإن ما يقرب من ثلثي هذا المبلغ مخصص لدفع ثمن الإمدادات العسكرية. وهذا يعني أن أميركا ستكون قادرة على إمداد أوكرانيا بأكثر مما تم تسليمه من السلاح حتى الآن في غضون الشهرين ونصف الشهر اللذين مضيا.
أظن أن الكرم غير المتوقع من لدن "ممثلي الشعب" بشأن تقديم المساعدة لأوكرانيا يرجع إلى الخطط التي تمت مناقشتها خلف الكواليس ولم يتم نشرها على نطاق واسع حتى الآن. وجوهر هذه الخطط بسيط للغاية - مصادرة احتياطيات النقد الأجنبي الروسية، التي جمدها الغرب الجماعي في أواخر فبراير - أوائل مارس. ثم إرسال الموارد المصادرة لمساعدة أوكرانيا على محاربة روسيا.
بالمناسبة، ليس من المتوقع فقط مصادرة احتياطيات النقد الأجنبي للاتحاد الروسي، ولكن أيضًا مصادرة أصول الأفراد الروس. حتى اللحظة يتم تجميدها. ولا توجد تقديرات دقيقة لقيمة هذه الأصول المجمدة في جميع أنحاء العالم. لكن هناك العديد من التقييمات المجزأة.
فقد أعد الاتحاد الأوروبي معلومات حول الأصول الروسية المحتجزة اعتبارًا من 5 أبريل، بناءً على البيانات المقدمة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس جميعها. لا توجد منهجية تقييم مشتركة، فكل دولة تقيّم الموجودات بطريقتها الخاصة. وقد تبين إجمالاً أنها بلغت 36,3 مليار يورو (أو ما يقرب من 40 مليار دولار). وقد احتلت فرنسا المركز الأول – 23,6 مليار يورو (65٪ من الإجمالي). تليها (بالمليار يورو): بلجيكا – 10,0. إيطاليا – 1,16 ؛ أيرلندا – 0,84 ؛ هولندا – 0,52.
وهذا تصريح وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس. في 24 مارس، تفاخرت بأن لندن جمدت منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أصولًا روسية بقيمة 500 مليار جنيه إسترليني، بما في ذلك 150 مليار جنيه إسترليني من ممتلكات الأوليغارشيا الروسية.
يعتقد الخبراء أن الأرقام التي قدمتها ليز تروس مبالغ فيها. على الأرجح، كانت تعني مقدار الأصول التي يمكن أن تجمدها لندن. ولكن قيمة الأصول المجمدة اليوم للأفراد والشخصيات المعنوية الروسية تساوي على الأقل، وفقًا للعديد من الخبراء، قيمة احتياطيات النقد الأجنبي المجمدة العائدة للدولة الروسية. وعلى الأرجح تجاوزتهم. وهذا يعني أن الغرب الجماعي لديه "صيدة" محتملة لا تقل عن 600-700 مليار دولار.
بالمناسبة، في اليوم التالي تقريبًا لتجميد الاحتياطيات الروسية، طالبت كييف بصوت عالٍ بإرسالها لمساعدة أوكرانيا. وخلال شهر مارس والنصف الأول من أبريل، استجابت الولايات المتحدة وحلفاؤها بشكل ضعيف لهذه الدعوات من جانب كييف. بالطبع، منذ البداية، أراد الغرب الجماعي عدم "تجميد" الاحتياطيات الروسية (حجزها، توقيفها)، بل مصادرتها (سرقتها). لكنه لم يستطع فعل ذلك لسبب بسيط – أن التشريع الحالي لا يسمح بذلك. فهو يحتوي على قواعد وبنود تحظر السرقة الصريحة والعربدة الوقحة.
الآن يعمل "ممثلو الشعب" في كل من الولايات المتحدة وأوروبا بجد لتعديل التشريعات القائمة بغية السماح بمصادرة الاحتياطيات الروسية ثم استخدامها لتحقيق النصر في أوكرانيا. ويتوقع أن يتم بحلول بداية الصيف إنشاء القاعدة التشريعية لنزع الملكية هذا. عندها سيكون لدى كل من الولايات المتحدة وأوروبا الكثير من الأموال التي يمكن توجيهها لتحقيق الأهداف "النبيلة" ألا وهي محاربة "البرابرة الروس".
وفقًا لتقديرات تقريبية، من أصل الـ300 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي الروسي التي تم "تجميدها"، جُمّد حوالي 100 مليار دولار من قبل واشنطن. وأوقف الاتحاد الأوروبي الاحتياطيات المقومة باليورو أي ما يعادل أكثر من 150 مليار دولار، وعليه يتوقع العالم المتحضر في شخص الولايات المتحدة "اقتناص" 100 مليار دولار، وفي شخص أوروبا 150 مليار دولار.
أما باقي الاحتياطيات المجمدة فهي بالجنيه الإسترليني والين والعملات الاحتياطية الأخرى. وفقًا لذلك، يمكن لبريطانيا واليابان وكندا وأستراليا وسويسرا المطالبة ببقية "جلد الدب الروسي".
بأخذ كل هذا في الاعتبار، سيبقى الغرب الجماعي، كما كان، يخصص الأموال مقدمًا للمساعدة (العسكرية بشكل أساسي) لأوكرانيا. وفي وقت لاحق، بعد مصادرة الاحتياطيات الروسية، سيكون هذا الغرب بقرصنته الموصوفة قادراً على تعويض التكاليف المتكبدة. ففي 22 أبريل، صرح رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافتسكي صراحة أنه لا ينبغي لنا انتظار مصادرة الأصول الروسية، بل يجب أن نبدأ على الفور في جمع الأموال التي تقابل هذه الأصول. على وجه التحديد، اقترح إصدار سندات مدعومة بأموال مجمدة عائدة لروسيا ولمواطنيها:
"يجب الاستفادة من هذه الأموال اليوم. وإذا تعذر تنفيذ المصادرة بسرعة، ونحن، على سبيل المثال، في بولندا نعمل على اتخاذ قانون خاص بذلك، يمكننا الانتظار، وفي هذا الوقت إصدار السندات. المفوضية الأوروبية ليس لديها مشكلة في إصدار السندات. وبعد ذلك يمكن سداد هذه السندات بسرعة بفضل الأموال المصادرة من الاتحاد الروسي والأوليغارشيا الروسية".
يبدو أن فكرة رئيس الوزراء البولندي سُمِعت في بروكسل. فأعلنت المفوضية الأوروبية عن خطط لإصدار الاتحاد الأوروبي سندات دين جديدة لتغطية احتياجات أوكرانيا. جاء ذلك في 9 مايو في الطبعة الأوروبية من صحيفة بوليتيكو الأميركية . وبحسب الصحيفة فإن هذه الاحتياجات تقدر بنحو 15 مليار يورو في الأشهر الثلاثة المقبلة.
ومن خلال إصدار سندات الدين، يتوقع الاتحاد الأوروبي جمع 10 مليارات يورو (يجب توفير الـ5 مليارات المتبقية من قبل الولايات المتحدة). ومن المقرر طرح مشروع السندات للاكتتاب العام في 18 مايو. من الواضح أنه يجب سداد السندات. على ما يبدو، بحلول الوقت الذي يقترب فيه تاريخ الاستحقاق، تتوقع بروكسل أن تتم مصادرة الأصول الروسية وستكون هناك وفرة من المال.
من الواضح أن المستفيد من كل مخططات "المساعدة" هذه لن يكون في النهاية أوكرانيا، بل "الغرب الجماعي". وبشكل أكثر تحديدًا، الشركات العسكرية الغربية، التي ستتلقى حساباتها مليارات الأموال الروسية المسروقة. وهكذا نحن أمام تكافل وتضامن عصابات تقوم بأعمال مشبوهة وسرقات صريحة.

المصدر:
موقع الدراسات الاستراتيجية الروسية "روسسترات Rosstra"

https://zavtra. ru/blogs/biznes_kollektivnogo_zapada_zainteresovan_v_vojne_na_ukraine








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في