الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية أكسفورد.. خافيير مارياس

وليد الأسطل

2022 / 6 / 17
الادب والفن


التدريس في أكسفورد، في واحدة من أشهر الجامعات في العالم، يمكن أن يبدو من الخارج على أنه إنجاز.

أكسفورد. أكسفورد. يستحضر هذا الإسم عالماً مكرسًا بالكامل للمعرفة. تعيش المدينة فقط في حرمها الجامعي، ويسكنها مدرسون من الدرجة العالية وطلاب يتم اختيارهم بعناية، وتكتظ مكتباتها بالمراجع المتراكمة على مر القرون. يوفر هدوءها الريفي من حيث المبدأ جوًا يفضي إلى العمل اليومي، والمهام طويلة الأمد، والتعمق. سوف يتخيل الأجانب بسهولة جوهر الجو الإنجليزي قليلاً: متجهم، مسالم، مع احتفالية ثابتة، وتقاليد، وغرابة الأطوار. الصمت والكدح.
أكسفورد قلعة قديمة، مركز تقدم، وبالنسبة لرجل اليوم، فهي أداة للانسحاب والتراجع. إن التدريس هناك يعني مواجهة الغياب الحاسم للترفيه – وبالتالي للتسلية – الذي يشكل أساس أي مشروع كبير. لكن للأسف، من دون مشروع، من دون بحث، من دون كتابة، هذا الغياب نفسه يتحول إلى تجربة وجودية من الملل، مقدمة للانهيار، مما يؤكد قول باسكال “ملك بلا ترفيه هو رجل مليء بالبؤس”.

استخلص الكاتب الإسباني خافيير مارياس، الذي عمل أستاذا في أكسفورد، استنتاجات قاتمة من تجربته، في قصة سيرته الذاتية هذه بعنوان رواية أكسفورد. ليس نصه تأبينا للمدينة، إنه بالأحرى الملاحظة اليقظة للفراغ المتماثل، حسب قوله، مع هذه الجامعة، أو بعبارة أخرى، حياة ميتة يحتفظ بها في شكل متصدع. تظهر هذه النظرة خواءها الداخلي على المدينة.

دعونا نحدد منذ البداية أن الراوي إذا قدم تشابهًا واضحًا مع المؤلف، فلن يعرّف نفسه به أبدًا؛ سيبقى اسمه مخفيا. يقدم خافيير مارياس هذا التقرير، الذي يعتبر ساخرا بقدر ما هو محبط، جوا زائفا يذكرني بروايات ديفيد لودج التي تسخر من الحياة الأكاديمية، وبروايات الحرم الجامعي المرغوبة لدى العالم الأنجلو ساكسوني.

هناك تداخل لا ينفصم بين جزء من الخيال وجزء من الحقيقة، غرسها المؤلف في واقع تجربته، بنسبة غير قابلة للتقرير.

لا يهم قارئ اليوم، بعد مرور 33 عامًا على نشر هذه الرواية، معرفة الشخصيات الحقيقية التي تختبئ وراء شخصيات هذه الكوميديا الأكسفوردية. فحتى لو كانت رواية بمفاتيح، فإن القارئ سيحبها دون أن يحاول فتح القفل.

كنت أقول إن التدريس في أكسفورد كان من الناحية النظرية إنجازًا، لكن بالنسبة لخافيير مارياس، الأمر على العكس من ذلك، فإن هذه الإقامة في أكسفورد مدموغة بالنقص، بعدم الإكتمال، إذا كان بإمكاني استخدام هذا المصطلح.

تتشابك المؤامرات الفرعية دون أن تعطي الانطباع بأن عليها أن تؤدي إلى أي شيء. يضيع خيط الحكاية نفسها بين مشاعر متنافسة من الملل والعبثية. لقد جاء الراوي لتعليم الأدب الإسباني، لكنه يعلم بشكل عشوائي، يزيد، بل ويتضاعف، فهو يتعمد تقديم تفسيرات خطيرة، وملاحظات سخيفة، وعلم أصول كلمات وهمي.

وهو يحاول لبعض الوقت الاندماج في الحياة نصف الرهبانية نصف المهيكلة لمجتمع التدريس الصغير؛ تتفكك محاولته في وجبة جماعية مرحة، مشدودة باتفاقيات سخيفة وساخرة.
يريد أن يقضي وقت فراغه في تعميق معرفته بالأدب الإنجليزي. يتجول في المكتبات المستعملة في المدينة، باحثًا عن أعمال مؤلفين لن يتمكنوا من إثارة اهتمامه، باستثناء أنهم مثله، كائنات ضائعة.

ما الذي يجب أن يفعله لتسلية نفسه؟ هل يبدأ في إضفاء الإثارة على حياته العاطفية بعلاقة مع باحثة جذابة؟ قصتهما التي ولدت من الكسل، تتفكك في حشوة أكسفورد. انفصالهما، في شكل مضاد للذروة، هو اختناق غامض، حتى دون هزة نهائية. حتى المرض والموت، اللذان يصيبان شخصيتين ثانويتين، لا يبدو أنهما نتيجة هذه الوفيات المتوقعة – والتي تم الإعلان عنها من السطر الأول من الكتاب – تترك شعوراً بعمل غير مكتمل، أحدهما لأنه مبكر للغاية، والآخر لأنه لا يتبعه العمل الموعود بعد وفاته.
الشخصية الغريبة والتاريخية لجون غاوسوورث، هذا الكاتب الذي ينهي حياته المغامرة كمتشرد مدمن على الكحول، لا يوقظ حتى الرواية.

كل يوم أحد، يتجول الراوي في شوارع أكسفورد، يتجول بلا هدف، مغمورا بكسله. لذا فهو يخترع مع شخصية أو أخرى من الشخصيات الغريبة في أكسفورد، أجزاء من القصص، شظايا لا يستطيع حتى بذل جهد لتصديقها، كما هو الحال مع هذا الجهاز القديم الرائع المنفتح على الماضي والذي يستعيد كل يوم لحظة مختلفة من حياته. الوجود غير المولود. من هذا الجو من الانهيار المرضي إلى حد ما، ستقول لي سينبع بشكل منطقي الملل فقط.

أكسفورد، “ford-of-oxen” باللغة الإنجليزية، بلد بقري، غائم، عالم من اللامبالاة والكسل. يؤدي هذا النقص في الطاقة إلى نوع من التفاعل الكيميائي المخدر في نفسية الراوي. يكافح من أجل ثلاثمائة صفحة ضد تهديد أوكسفورد، وخطر الانهيار، والغوص الأخير. ومع ذلك، من هذا الجو النائم، يرسم الكاتب بعض اللآلئ، سلسلة جميلة من المسارات المرسومة والشخصيات المرسومة بسخرية لطيفة. كل ما عليه فعله هو ترك قصته تنتقل من لقاء إلى آخر، بلا نهاية، من دون حكم. وهكذا فإن الجزء الأول بأكمله من الكتاب يستذكر من خلال نظرته الغريبة ونبرته، الشؤون غير الضارة لأبطال الجامعة المعادين للأبطال الأعزاء لديفيد لودج، الذين شعرت تجاههم عندما كنت في بدايات قراءاتي الأدبية بعاطفة مرحة لا أنكرها.

يبدو لي أن رواية خافيير مارياس ستروق بلا شك لمحبي السيد لودج، بأصواتها المتتالية للأحداث الساخرة، وسلسلة من الحياة اليومية المريحة في الحرم الجامعي، والكتب، والعواطف الغريبة. مشهد الوجبة في الكلية على الطاولة العالية العتيقة، يكشف في بضع صفحات، وبشكل منهجي عن التقاليد الجامعية القديمة في نقطة تفككها الميكانيكي. يمكن لكل فرد من الضيوف – الذين أغلبهم من المهووسين والمملين إلى حد ما – أثناء انتظاره أن يكون ثملاً، و أن يتحدث لمدة خمس دقائق فقط مع محاوره الأيسر، ثم في الدقائق الخمس التالية، مع الضيف الذي على يمينه. الميكانيكا الجميلة التي تتخللها ضربات المطرقة، كما هو معتاد، من قبل حارس متقلب وممل، تنتهي بكارثة مرحة.

الراوي، لأنه يفشل في أخذ طقوس أكسفورد على محمل الجد، يضفي عليها بالضرورة طابعًا هزليًا.
تنبع أطرف اللحظات في الرواية من هذه النظرة البعيدة عن المركز لمواطن من مدريد إلى عالم لا يمكنه الانتماء إليه، والذي لا يسعى إلى الاندماج فيه.
في حين أن الحبكة الرئيسية تدور بشكل فضفاض حول قصة غير جادة – بين الراوي وعشيقته كلير بايز – فهي تتفرع إلى عدد من الحبكات الفرعية غير المكتملة، والتي تشكل النسيج الرئيسي لسرد لا معنى له عن عمد. قصة البروفيسور كرومر بليك تستحضر الشخصية التي تحمل اسم رافيلشتاين من تأليف شاول بيلو (2000). إذا لم يتم ذكر اسم مرض البروفيسور مطلقًا، فيبدو واضحًا، نظرًا للسياق – الثمانينيات – أنه الإيدز. نجد نفس النوع من التكريم الحنون كما في رواية بيلو. يعود نجاح اللوحة إلى صدقها وطابعها المؤثر حتى نهايتها الدرامية.

ومع ذلك، على طول رواية أكسفورد هذه، يسود الانفصال، فلا تزال هناك فجوة غير سالكة بين الراوي والعالم الذي يصفه، ففي مناسبة موت الرجل الذي يقدره ويحترمه، يكافح الراوي للتغلب على وضعه كمراقب ماكر إلى حد ما، ممزق بين إحساسه بالسخرية والاحترام الذي يدين به لرجل ميت.
الراوي غريب في الأساس بالمعنى الكاموي(البير كامي) للمصطلح، خارج هذه القصة، خارج أكسفورد، خارج إنجلترا. لا نراه قادرًا على المشاركة في أي وقت من الأوقات، ربما باستثناء تحقيقه الأدبي القصير والرائع عن الكاتب الويلزي آرثر ماتشلن والمتشرد غاوسوورث. ديكور أكسفورد تخيلي. والدليل على ذلك هو العمل الشهير والثوري -الذي بُشِّرَ به كثيرًا – للبروفيسور ريلاندز في الرحلة العاطفية ل ستيرن، والذي لم يبدأ أبدًا.

تبدو رواية أكسفورد كقصة غير مكتملة، فهي تتكلم عن لقاءات متعددة فائتة أو مُجهضة أو ساخرة. وعلى الرغم من بعض الجهود التي يبذلها الراوي للانخراط، إلا أننا نجده على طول الرواية يسخر بدقة، وينقل مزاجه الخاص إلى العالم من حوله، معتبرا أكسفورد مجرد أسطورة، واجهة مضللة تخفي بشكل سيء فراغه الوجودي.

تكمن قوة خافيير مارياس في هذه الرواية في قدرته على تشكيل واستخلاص شيء من هذه التجربة التي مر بها كل واحد منا في وقت ميت(مستقطع).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز


.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن




.. هنا تم دفن الفنان الراحل صلاح السعدني


.. اللحظات الاولي لوصول جثمان الفنان صلاح السعدني




.. خروج جثمان الفنان صلاح السعدني من مسجد الشرطة بالشيخ زايد