الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوعات اقتصادية

الطاهر المعز

2022 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


الولايات المتحدة بين الثّراء الفاحش والفَقْر المُدْقَع

قدّرت البيانات الرسمية ( التي تُخَفِّض معايير الفَقْر) عدد من يعيشون تحت خط الفقر بنحو 37 مليون أمريكي، سنة 2021، أو ما يُعادل 11% من سكّان البلاد، فيما يعيش أكثر من 140 مليون مواطن أو ما يزيد عن 40% من السّكّان بدخل مُنخفض، يزيد قليلاً عن خط الفقر الرّسمي، وتُقَلِّلُ وسائل الإعلام الأمريكية السّائدة من أهمّيّة ارتفاع أعداد الفُقراء وذوي الدخل المنخفض (وهم مواطنون يعملون بعقود هشة وبرواتب منخفضة) في إحدى أغنى دول العالم، عندما تنشر تحقيقات أو مقالات عن التّضخّم وارتفاع الأسعار، فلا تُدْرِجُ "ذوي الدّخل المُنخفض" ضمن أعداد الفُقراء، لأن وسائل الإعلام ملْكٌ للأثرياء الذين يتذمّرُون من تأثير ارتفاع الأجور على أرباح الشركات، خلال موجة إضرابات 2021 و 2022، بحسب تقرير أصدره مصرف "مورغان ستانلي"، ويتجاهل التقرير رُكود الرواتب لسنوات عديدة، ويعتبر ارتفاع أسعار الأسهم وأرباح الشركات (التي ترتكز على إبقاء الرواتب منخفضة) من أهم المؤشّرات الإقتصادية الإيجابية، بغض النّظَر عن الظروف الحياتية العسيرة لنحو 43% من سُكّان البلاد الذين لا يكفي دَخْلُهم للإنفاق على المسكن والغذاء والدّواء، فيضطرون إلى الإستدانة من أجل العلاج وشراء الأدوية...

أظهرت تقارير أمريكية عديدة تَوَسُّعَ الهُوّة بين الأثرياء والفُقراء، بمن فيهم العاملون، إذ يبلغ متوسّط الدّخل السّنوي للرؤساء التنفيذيين للشركات الكبرى نحو 670 ضعف متوسّط الدّخل السّنوي للعامل في الشّركات التي يُدِيرُونَها، ووجب على بعض العُمال من ذوي الدّخل المنخفض العمل لمدة ستة قُرُون ونَيِّف للحصول على الدّخل السّنوي للمدير التنفيذي بنفس الشركة.

اقترح بيتر دراكر ( 1909 – 2005) وهو أحدُ مُنظِّري الإقتصاد الرأسمالي، في كتابه "أسس الإدارة كنظام علمي" ( 1953 ) أن لا تتجاوز الأُجور والتعويضات والحوافز التي يحصل عليها أي مسؤول تنفيذي بالشركات الكبرى 25 ضعف ما يكسبه عُمّالُهُم، لِتَجَنُّبِ التأثير السلبي للفوارق الكبيرة في الأجور بين الرئيس التنفيذي والعامل، مع الإشارة أن النقابات كانت قوية، خلال العقدَيْن اللذين أعقبا الحرب العالمية الثانية، ما جعل قبل رؤساء الشركات الأمريكية يقبَلُون هذا المبْدأ، وفي سنة 1965، كان كبار المديرين التنفيذيين للشركات الأمريكية يحصلون في المتوسّط على 21 ضعفًا للأجور التي كان عمالهم يتقاضونها...

ورَدَ في التقرير السنوي لمعهد الدراسات السياسية، بعنوان ( Executive excess ) أن متوسط أجر الرئيس التنفيذي لسنة 2019، في ثلاثمائة شركة أمريكية كبرى يبلغ 10,6 ملايين دولارا، أو ما يُعادل 670 ضعف متوسط أجر العامل البالغ 24000 دولار سنويًّا، وأدّى هذا التّفاوت الكبير إلى إضرابات في العديد من الشركات من أجل رفع الرواتب التي انخفضت قيمتها بعد ارتفاع نسبة التّضخّم، وسبق أن كتَبْتُ في مناسبات سابقة عن أسباب هذه الإضرابات ونتائجها...



حلقة من نضالات العاملين بالولايات المتحدة

إضرابات 2021/2022

يتسم نظام الرعاية الصحية، وخاصة نظام الوقاية والصّحّة الأولية، في الولايات المتحدة، بعدم التكافؤ والمَيْز ضد الفُقراء والسُّود، وجميع أسر الطبقة العاملة في المُدُن، وظَهَر ذلك بجَلاء خلال انتشار جائحة "كوفيد 19"، في مراحل الإختبار وتوزيع اللقاحات، فضلاً عن نظام التّأمين وارتفاع ثمنه، ما يُقْصِي ملايين المواطنين من المُعَطّلين عن العمل والفُقراء وسُكّان المناطق الريفية، فيما يضطر العاملون الذين لديهم تأمين مرتبط بالعمل، إلى تقديم تنازلات على مستوى الرواتب والحوافز، للاحتفاظ بالتأمين...

تُشكّل الرعاية الصحية في كاليفورنيا قطاعًا ضخمًا، تستفيد منه شركات (تُتاجِرُ بالمَرض) توظف مئات الآلاف، وتحقق أرباحًا بمليارات الدولارات، وتُعَدُّ "كايزر برمَنِنْت" (Kaiser Permanente )، إحدى أكبر المؤسسات غير الربحية في الولايات المتحدة وفي ولاية كاليفورنيا، موطن انطلاق نشاطها (أربعة آلاف موظف بمصاتها بالولاية)، وتمتلك تسعة مستشفيات و39 مصحة وسبعمائة منشأة طبية، وتوسّع نشاطها (بفعل الأرباح الضّخمة) إلى ولايات واشنطن وأوريغون وهاواي وكولورادو وماريلاند وفيرجينيا وجورجيا، وقُدِّرَتْ قيمتها بنحو 43,3 مليار دولارا، وفاقت أرباحها سنة 2020، نحو 6,4 مليارات دولارا، ويعمل بها حوالي ثلاثمائة ألف عامل، من بينهم 80 ألف ممرض وطبيب، وتُعالج أكثر من ستمائة ألف مريض سنويًّا، يُتَوَقَّعُ أن يصبحوا ثمانمائة ألف بنهاية 2022، في ولاية كاليفورنيا ونحو 12 مليون مريضًا في مجمل الولايات المتحدة، وفقًا لإدارة كاليفورنيا للرعاية الصحية، وبلغت رواتب وتعويضات مائة من المديرين التنفيذيين 231 مرة رواتب مجمل بقية العاملين الذين يتذمّرون من نقص الاستثمار في التوظيف الذي يُؤَدِّي إلى عدم تلبية احتياجات المرضى، وإلى نقص الرعاية الصحية للمرضى النفسيين الذين يحتاجون رعاية صحية خاصة وطويلة الأمد ومُكلفة...

انطلقت مفاوضات نقابة العاملين ومؤسسة "كايزر" بولاية كاليفورنيا، منذ تموز/يوليو 2021، وقدّمت النقابة عددًا من المقترحا، لكن مُمثِّلي مؤسسة "كايزر" لا يقدمون مقترحات مُضادّة ولا يستجيبون لمطالب الموظفين، لذلك أقَرَّت نسبة 91% من إجمالي ألْفَيْن من العاملين في مجال الصحة العقلية بمشتشفيات مجموعة (Kaiser Permanente ) بكاليفورنيا، بأواخر شهر أيار/مايو 2022، إضرابًا، بدعمٍ من الاتحاد الوطني لعمال الرعاية الصحية (NUHW)، وذلك بعد بضعة أيام من إضراب استمر ثلاثة أيام في "هاواي"، بنفس المجموعة العملاقة، حيث تظاهر علماء النفس والأخصائيون الاجتماعيون والممرضون وغيرهم من العاملين بالرعاية الصّحّيّة في طوابير اعتصام للاحتجاج على النّقص الحادّ للعاملين بمختلف الإختصاصات في العيادات ونقص المرافق الطبية، وظروف العمل، رغم الأرباح الضخمة لمؤسّسة "كايزر" الصّحّيّة التي تدّعي أنها "غير هادفة للربح ولا تهتم سوى بصحّة ورفاه المريض"، لكنها ترفض بتعنّت شديد، تلبية الحد الأدنى من متطلبات التوظيف (التي تفرضها لوائح الدولة والقانون) وتَفْرِضُ ظروف عمل مُحبطة للعاملين، ومُعَرّضَةً مرضى الصحة العقلية للخطر. كما أضرَبَ نحو 80% من إجمالي العاملين بمستشفيات الأمراص النفسية والعقلية التابعة لمؤسسة "كايزر برمَنِنْت" (Kaiser Permanente )، خلال شهر آذار/مارس 2022، في مستشفة "فونتان فاللي"، كما أضرب نحو 1400 من المعالجين التنفسيين ومساعدي التمريض وفنيي المختبرات وفنيي غرفة العمليات وفنيي الصيدلة وفنيي الأشعة بنفس الولاية،

شهدت الولايات المتحدة، منذ صيْف 2021، حركة إضرابات واسعة، شملت المعلمين وبعض قطاعات الصناعة وعمال صناعة القهوة وعمال المستودعات وتجارة التجزئة وقطاع الرعاية الصحية، وهي موجة تَلَتْ مُباشرةً أزمة "كوفيد -19"، وارتفاع الأسعار والتّضخّم وارتفاع مستوى العُنف المُسلّح الذي استهدف المدارس، ما يُؤَدِّي إلى زيادة القلق وارتفاع عدد من يُعانون من الإضطرابات النفسية والعقلية، لأن مَرْضى الصحة العقلية بالولايات المتحدة (كما في بلدان أخرى من العالم) فهم من ضحايا العُنف في المجتمع والحروب العدوانية الأمريكية والأزمة التي عمّقها انتشار وباء "كوفيد-19" والعوامل الإقتصادية التي زادت من قلق المواطنين وأضْعَفَتْ مُقاومتهم، وتعمل نقابات العاملين بالصحة النفسية والعقلية على ربط الصّلة بأُسَر المرضى للتنسيق وتدوين الشّكاوى التي ارتفعت بنسبة 20% سنة 2021، مقارنة بسنة 2020...



من المسؤول عن ارتفاع الأسعار؟

ارتفعت أسعار الطاقة والمواد الأساسية منذ سنة 2021 – أي قبل حرب أوكرانيا - ما رَفَعَ نسبة التّضخّم، فيما لم ترتفع رواتب الأُجَراء ودَخل الكادحين، من صغار الحِرَفِيِّين والمزارعين، بل انخفض دَخْلُ هؤلاء، بفعل ارتفاع الأسعار الذي "تُعالجه" المصارف المركزية برَفْعِ سِعْر الفائدة (تكلفة اقتراض الأموال)، وهو إجْراءٌ يُؤَدِّي إلى خَفْضِ قيمة الأُجُور، وتدمير الوظائف وتحميل العاملين وطأة أزمة التضخم، وهذا ما أَقَرَّهُ بنك الاحتياطي الإتحادي الأمريكي الذي صَرَّحَ رئيسُهُ "جيروم باول" يوم الجمعة العاشر من حزيران/يونيو 2022، أن أسعار الفائدة المرتفعة ستحد من طلب التوظيف في الشركات وتؤدي إلى انخفاض الأجور، وهي فرصة لخفض التضخم، وخفض الأجور، مع تجنب الركود وإبطاء الاقتصاد.

كانت الدّعاية الرأسمالية تدّعي أن ارتفاع الأجور يُؤَدِّي إلى التّضخّم، وثَبَتَ أن الزيادات في الأجور لم تتمكن أبدًا من مواكبة ارتفاع الأسعار، وبذلك سقطَ هذا الإدّعاء، وثبتَ أن قرارات الاحتياطي الفيدرالي تُفيد الشركات والأثرياء من مالكي الأسهم وتضُرُّ الكادحين، كما ثَبَتَ – خلال أزمة 2008/2009 - أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أنفقَ مبالغ ضخمة من المال العام، لإنقاذ المصارف وشركات النفط والغاز والشركات الكبيرة، من خلال شراء سنداتها ومن خلال إقراضها مبالغ كبيرة بأسعار الفائدة مُنخفضة جدًّا، وكرّر نفس السّياسة خلال أزمة انتشار وباء كوفيد-19، ضمن "خطّة الإنقاذ"...

رفَع الإحتياطي الإتحادي سعر الفائدة ثلاث مرات خلال ثلاثة أشهر، بهدف تقويض بعض المكتسبات التي حَقّقها العاملون بعد الإضرابات التاريخية لصَيْف 2021 وربيع 2022، وتمكّن آلاف العاملين من التخلي عن الوظائف الهشة وذات الرواتب المنخفضة، والعمل في وظائف ذات رواتب أعلى، وتمكن العمال من تحقيق مكاسب تاريخية، فبلغ التفاوت في الأجور أدنى مستوياته منذ أربعين سنة، خصوصًا في قطاعات اشتهرت بسوء ظروف العمل وبالرواتب الهابطة، مثل المطاعم والفنادق، حيث زادت الأجور بأكثر من 10% خلال سنتيْن...

يُمكن مكافحة التضخم من خلال رفع معدل ضريبة أرباح الشركات، وفَرْضِ ضريبة على أرباح رأس المال، بدل خفض القيمة الحقيقية للأُجُور، فالتضخم (الزيادات في الأسعار) يفوق نمو الأجور لمعظم العمال، ويؤثر بشكل أكبر على ذوي الدخل المنخفض. أما زيادة أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي والمصارف المركزية الأخرى في جميع أنحاء العالم فتُساهم في أزمات الديون في البلدان الفقيرة، وفي تقويض الأمن الغذائي، فضْلاً عن طرد العمال ذوي الأجور المنخفضة من وظائفهم، وخفض أجور العمال في العالم، ويتزامن رُكود أُجُور العُمّال مع ارتفاع رواتب المديرين التنفيذيين للشركات، إلى أعلى مستوى لها، وفق تقرير معهد دراسات السياسات (IPS) الذي فَحَصَ رواتب الرؤساء التنفيذيين في ثلاثمائة شركة أمريكية، حيث استفاد المديرون التنفيذيون من ارتفاع ارباح الشركات، فاتسعت فجوة رواتبهم، التي ارتفعت سنة 2021 بنسبة 31%، مع رواتب العمال التي تراجعت في العديد من الشركات عن معدلات التضخم، وأصبح متوسط معدل رواتب الرئيس التنفيذي يعادل 670 مرة متوسط الراتب السّنوي للعمال، وسجلت 49 شركة فجوة بلغت ألف مرة متوسط راتب العامل، وفاقت الفجوة ألف ضعف في شركات اللمجات الرديئة والتّبغ والإتصالات وخدمات الدفع الرقمية، وتجارة التجزئة والإلكترونيات، ووصلت حدّ 6500 ضِعف في شركة أمازون

نشرت صحيفة "غارديان" نتائج تحقيق (استنادًا إلى وثائق لجنة الأوراق المالية وأسواق الأسهم) أظْهر الأرباح الخيالية التي حققتها حوالي ثلاثمائة شركة، من خلال الزيادات الإضافية في الأسعار، حيث تجاوزت الأرباح معدلات التضخم بكثير، ومن خلال تجميد الأُجور، ومحو القدرة التفاوضية للعمال وجعلهم أكثر استعدادًا لتولي وظائف ذات ظروف عمل متدنية، بما في ذلك الأجور المنخفضة، ونستنتج من مجموعة من التقارير الأمريكية أنه تمَّ تجاهل تلاعب الشركات الكُبرى بالأسعار، وتم تجاهل الرواتب الباهظة للمديرين التنفيذيين، واتساع الفجوة بين رواتب العمال ورواتب هؤلاء المديرين، وإهمال ذكرها كأحد عوامل ارتفاع نسبة التضخم، كما يتم تجاهل الأضرار التي لحقت العُمّال والكادحين منذ أزمة 2008/2009، والإغلاق الإقتصادي خلال انتشار وباء كوفيد-19، بينما استفادت الشركات من المال العام، من خلال سياسات "التيسير الكمي"، ثم من خلال ارتفاع الأسعار والتضخم، فتجاوز الزمن مطلب العمال لرفع الأجر الأدنى ساعة العمل إلى 15 دولارا (منذ 2015)، وأصبحت 15 دولارًا تُعادل تقريبًا 7,25 دولارا، كقيمة لشراء نفس السّلع، كما تم إهمال الإنفاق الحَرْبي الذي ما فَتِئ يرتفع مهما كان الوضع الإقتصادي، فالتّقشُّف لا يمكن أن يشمل مُجَمّع الصناعات العسكرية الأمريكية والأوروبية

استخدمت جميع الشركات التضخم لتبرير رفع أسعارها إلى مستوى لا يتناسب مع مقدار التضخم الذي يحدث حاليًا في الاقتصاد، وتجني هذه الشركات أرباحًا طائلة وأظهرت الدراسات أن حوالي 60% من التضخم الحالي يُعزى إلى التلاعب بالأسعار

كما ساهمت إجراءات سياسة الاحتياطي الفيدرالي في التضخم من خلال سياسة التيسير الكمي، إذ تمت طباعة 60% من إجمالي المعروض النقدي المتداول حاليًا في الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، واستفاد الرأسماليون من الدّعم الحكومي (من المال العام) لتكثيف استغلال العاملين والإستحواذ على القيمة الزائدة التي يخلقها العاملون الذين انتفضوا سنتَيْ 2021 و 2022.

تمكّن كارل ماركس من تحليل وتفكيك هيكل الاستغلال الرأسمالي، ليُثْبِتَ أن العمال يُنتجون "قيمة" (سلعة أو خدمة) لِغَيْرِهم، أي لصالح الرأسمالي (فَرْد أو شَرِكَة) الذي يتحكم في متوسّط وقت العمل، وفي مقدار ما يتم إرجاعه إلى العامل في شكل راتب، أي أن الرأسمالي يوفِّرُ السّلعة والآلة، ويستأجر جُهْدَ العامل لفترة تُمَكِّنُهُ من "إضافة قيمة" للمواد الخام، لتصبح إنتاجًا يُمْكِنُ بيعُهُ في السّوق، وبذلك لا يتحكّم العامل في ما يُنتجُهُ، بل يستحوذ الرأسمالي على الإنتاج، مقابل أَجْرٍ يُسلّمه للعامل ليشتري بها سِلَعًا أنتجها عُمال آخرون وحِرفِيّون ومُزارعون. أما الرأسمالي فيُحَوِّلُ أموالَهُ إلى سلع جديدة يبيعها بفائض فيجمَعَ الرأسمالي مزيدًا من المال، بينما ينفق العامل راتبَهُ لشراء بعض، وليس كل ما يحتاجه...

يمكن لهذا الوضع أن يتغير لو تمكّن العُمّال (كمجموعة أو طبقة، وليس كأفراد ) من التّحكّم في عملية الإنتاج الصناعي، وتنفيذ بعض الأعمال الإدارية، وتعيين اختصاصيين من قبل لجان عمالية، كما يُمكن للمزارعين استغلال الأرض للإنتاج بشكل جماعي، والتحكم بعملية التّسويق والتّوزيع للقضاء على الوُسطاء والمُضارِبِين، لترتفع حصّة المنتجين من ثمار العمل، ويستفيد المجتمع (من خلال القضاء على المضاربة والإحتكار) لتوجيه عملية الإنتاج نحو تلبية الحاجيات الأساسية، ولتنفيذ أشْغال البُنية التّحتية وصيانة المصانع ومُعدّات الإنتاج وبناء مصانع جديدة، وتلبية الاحتياجات المشتركة للمجتمع مثل الرعاية الصحية والتعليم والتّرفيه والثقافة ورعاية المُسنين...



أوكرانيا - ما وراء الحرب – التنافس لإعادة الإعمار

بعد أيام قليلة من بداية الحرب الروسية الأوكرانية، سارعت حكومات الدول الغربية إلى فرض عقوبات استثنائية، غير مسبوقة على روسيا، وتدابير واسعة النطاق بهدف شَلّ الإقتصاد الرّوسي، لكن بعض الدراسات تُشكّك في نجاعة العقوبات التي لم تُشكّل، لوحدها، عامل تغيير سياسي جوهري، في أي بلد تستهدفه العقوبات، باستثناء جنوب إفريقيا، حيث كانت العقوبات جُزْءًا من الآليات المختلفة لوضع حدّ لنظام الميز العنصري الذي أصبح مكلفًا، وعملت الدّول الإمبريالية على إنهائه، بعد الحملات الشعبية ضدّه، لكن لم يُفلح الحظر في إسقاط نظام كوبا أو كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا، وفي حالات أخرى، كما في سوريا والعراق وليبيا، لجأت الإمبريالية إلى التّدخّل العسكري المُباشر واحتلال هذه البلدان

شمل الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة وحلفاؤها على مختلف البلدان، الغذاء والأدوية (بما فيها لقاحات الأطفال) والمعدات الطبية وقطع الغيار، ما أدّى إلى عواقب خطيرة على الشعوب، وإلى عمليات إبادة جماعية للمدنيين وللأطفال في العراق، وكذلك في قطاع غزّة، وفي اليمن وسوريا، وفق منظمات الإغاثة وبرامج الأمم المتحدة

تميزت العقوبات على روسيا بسُرعتها واتّساع نطاقها، ما يُبيّن أن القرار كان جاهزًا، قبل يوم 24 شباط/فبراير 2022، فانسحبت الشركات الأوروبية والأمريكية بسرعة، لكن لم تتمكّن أوروبا من التوقف عن شراء الغاز والنّفط الروسيّيْن، وتسديد الثّمن بالعملات الأجنبية، ما يُساعد روسيا على تحمّل ثقل العبء المالي للحرب.

من جهة أخرى، بدأت الدّول والشّركات العابرة للقارات تتنافس لتنظيم المؤتمرات للبحث في "إعادة إعمار أوكرانيا"، وتَقاسم المشاريع، ودعت هذه الأطراف إلى مؤتمر بسويسرا، بمشاركة إحدى وأربعين دولة وتسع عشرة منظمة دولية، بما في ذلك البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي والأمم المتحدة، في فترة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، للبحث في تمويل برنامج إعادة إعمار أوكرانيا الذي قُدّرت قيمته، بنهاية شهر أيار/مايو 2022، بأكثر من ستمائة مليار دولارا، وقد يتجاوز تريليون دولارا، بنهاية الحرب، وطرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل إعادة الإعمار، ورغم تأييد الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لمقترح زيلينسكي، فإن المُقترح غير واقعي، بسبب العقبات القانونية التي قد تترتب على مصادرة الممتلكات...

كانت إعادة الإعمار أحد عوامل سيطرة الولايات المتحدة على أوروبا منذ حوالي خمس وسبعين سنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE