الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف قرن من الصراع في الصحراء الغربية 5

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


تشكل قضية الصحراء الغربية بالنسبة للأمم المتحدة واحدة من الصراعات المجمدة التي ظلت مسؤولة عنها منذ أكثر من أربعين سنة. ومع ذلك ، فإن عملها طل مقيدا بالحفاظ على "الستاتيكو" الذي يفيد المغرب في الواقع اكثر من غيره. كما أنها تعاني من اللامبالاة العامة بشأن مصير اللاجئين الصحراويين ، من الخلاف المستمر بين المغرب والجزائر ، ومن ضجر الدول الأعضاء في مجلس الأمن والمانحين الإنسانيين في منطقة تحولت الأولويات الآن إلى منطقة الساحل.

ومن المعلوم أن ملف الصحراء الغربية ظل مطروحًا على طاولة الأمم المتحدة قبل خروج إسبانيا من الباب الخلفي في سنة1975. ففي 1965 ، وضعت "الجمعية العامة" الصحراء الغربية على قائمة الأراضي التي سيتم إنهاء استعمارها ، أو ما يسمى "غير المتمتعة بالحكم الذاتي" أو "التي لم يتمتع سكانها بعد بالحكم الذاتي الكامل" من منظور قرار الجمعية العامة 1514 (د -15) المؤرخ 14 ديسمبر 1960 الذي يعلن أن "لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير". بناء على طلب المغرب ، ناقشت محكمة العدل الدولية ، في 16 أكتوبر 1975 ، حقيقة أن روابط الولاء القانونية القائمة بين سلطان المغرب وبعض القبائل التي تعيش على هذا الإقليم "لا تثبت وجود أي رابط السيادة الإقليمية بين أراضي الصحراء الغربية من جهة ، والمملكة المغربية أو الكيان الموريتاني من جهة أخرى "وبالتالي ، لا يمكن سحب، من سكان الصحراء الغربية، حقهم في تقرير المصير (المشار إليه في الميثاق للأمم المتحدة في الفصل الحادي عشر).

لكن هذا لم يمنع المغرب من ممارسة سلطته على هذه المنطقة و تنظيم "مسيرة 350 ألف شخص لوضع اليد على الصحراء الغربية" ، حسب تعبير المندوب الدائم لإسبانيا لدى الأمم المتحدة عندما دعا لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن. وأعلن هذا الأخير بقراره 380 في 6 نوفمبر 1975 عن "أسفه" عن "تنفيذ المسيرة وطلب من المغرب سحب كل المشاركين في المسيرة من اقليم الصحراء الغربية".

وبناءً على طلب الجمعية العامة ، قام الأمين العام للأمم المتحدة ، "خافيير بيريز دي كوييار" ، منذ 1985 وبالتعاون مع منظمة الوحدة الأفريقية –OAU - بمهمة المساعي الحميدة التي أسفرت عن مقترحات للتسوية وقبولها من حيث المبدأ من قبل المغرب وجبهة البوليساريو في 30 غشت 1988. وتم تضمين هذه المقترحات في تقرير للأمين العام ( عدد S / 21360 ، 18 يونيو 1990) والذي وافق عليه مجلس الأمن (القرار 658 في 17 يونيو 1990). . وهذه هي "مقترحات لتسوية عادلة ونهائية لمسألة الصحراء الغربية (...) ، من خلال تطبيق وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء يهدف إلى السماح لشعب الصحراء الغربية ، بممارسة حقه في تقرير مصيره عبر الاختيار، دون قيود عسكرية أو إدارية، بين الاستقلال أو الاندماج في المغرب ". ولتنفيذ خطة التسوية هذه ، قرر مجلس الأمن ، في 29 أبريل 1991 - في قراره رقم 690 - إنشاء بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو - Minurso).


تغطي سلطة "مينورسو" منطقة أمنية تبلغ 266000 كيلومتر مربع على جانبي الجدار الرملي. وتتمثل مهمتها فيما يلي:
- مراقبة وقف إطلاق النار؛
- السيطرة على تقليص القوات المغربية على التراب ؛
- الإشراف على تبادل أسرى الحرب ؛
- تحديد وتسجيل الناخبين المؤهلين ؛
- إجراء استفتاء حر ونزيه وإعلان النتائج.

لكن تم الاقتصار على المهمة الأولى فقط - من المهام الأربعة على مر السنين - والتي أضيف إليها الحد من مخاطر انفجار الألغام وغيرها من المتفجرات من مخلفات الحرب ودعم تدابير بناء الثقة تحت قيادة المفوض السامي لشؤون اللاجئين. بالإضافة إلى ذلك ، تم تقسيم المهام بين عمل المفاوضات السياسية والاتصال بالأطراف على أعلى مستوى بقيادة المبعوث الشخصي للأمين للأمم المتحدة ومراقبة وقف إطلاق النار الذي تقوم به البعثة – مينورسو- على الأرض.

منذ عام 1991، نفذت الأمم المتحدة خطة السلام التي وضعتها واقترحتها على أطراف النزاع. وركز عمل بعثتها - بالدرجة الأولى - على تنظيم ] حسب التعبير الحرفي للأمم المتحدة [ "استفتاء حر ونزيه وغير متحيز لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية" ، وفقا لأحكام قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن. وكان من المقرر إجراؤه في البداية في يناير 1992 ، وتم تأجيل الاستفتاء باستمرار ، على الرغم من التقدم (الفوضوي إلى حد ما) في عملية تحديد هوية الناخبين. ويرجع ذلك إلى الصعوبة الفنية المرتبطة بتحديد الناخبين في منطقة تتميز بالتقاليد البدوية للقبائل والتحركات السكانية الكبيرة ، وكذلك بسبب الصعوبة السياسية المرتبطة بغياب الإرادة المغربية والخوف من انفلات أمور هذه العملية من يد المغرب. ومع ذلك ، فقد تم الانتهاء من تحديد هوية الناخبين في / ديسمبر 1999 بنشر لجنة تحديد الهوية في "مينورسو" القائمة المؤقتة التي تضم 86425 ناخبًا - رغم تعذر فحص حوالي 134000 طعن. لكن تجميد معالجة الطعون ، ووضع معايير جديدة لتحديد الهوية ، وعدم وجود اتفاق بين الأطراف بشأن القائمة الانتخابية ، أدى إلى التفكيك التدريجي للجنة تحديد الهوية وإغلاقها في مارس 2004.

أدت العوائق المتكررة لأطراف النزاع، فيما يتعلق بتنفيذ خطة التسوية، إلى رغبة الأمين العام الجديد "كوفي عنان" - في اليوم التالي لانتخابه - في إعطاء دفعة جديدة للعملية السياسية من خلال تعيين مبعوث شخصي له في مارس 1997 - وزير الولايات المتحدة الأسبق "جيمس أ. بيكر"- والذي اقترح، كأساس جديد للتفاوض، طريقة ثالثة ، ويتمثل في منح حكم ذاتي كبير للصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية. وهذا يعني التخلي - بحكم الواقع - عن خطة التسوية وتنظيم استفتاء لتقرير المصير.
لم تكن خطة الحكم الذاتي هذه أكثر حظا من الخطة السابقة. وأدى فشلها إلى تجميد مستمر لم يستطع الاقتراح المغربي بشأن حكم ذاتي واسع لعام 2006 ولا "المحادثات غير الرسمية" في 2009-2012 التي تلت ذلك أن تحل المشكل. ثم تشكلت مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية (فرنسا ، روسيا ، إسبانيا ، المملكة المتحدة ، الولايات المتحدة) على مستوى مجلس الأمن لمساعدة ممثلي الأمين العام في حوارهم مع الأطراف ، شريطة موافقة الدول الأعضاء فيها. في الواقع ، انتقلت الأمم المتحدة تدريجياً من عمل الوساطة إلى إجراءات التيسير ، التي تقع مبادرتها على عاتق أطراف النزاع وحيث أصبح المبعوث الشخصي مجرد وسيط.

لقد تطورت طبيعة المهمة بمرور الوقت، و تحولت البعثة بشكل شبه حصري إلى مراقبة وقف إطلاق النار على جانبي الجدار الرملي. ويتم ذلك من المقر الرئيسي للبعثة في مدينة العيون ، و مكتبا اتصال -الداخلة وتندوف في الجزائر ، حيث يوجد اللاجئون الصحراويون وتسعة مخيمات، وينطلق منها المراقبون في دوريات برية وجوية. وهم وحدهم المخولون بتفتيش المواقع العسكرية للطرفين وعبور الجدار عبر أحد المعابر الثمانية المحددة سلفا. وكان ضمن البعثة عناصر مدنية مكلفة بتقديم التقارير إلى مجلس الأمن وبالعلاقات مع السلطات المحلية والمنظمات المدنية - والدعم الإداري واللوجستي للبعثة.

تعتمد أنشطة المراقبين العسكريين على حسن نية الطرفين. على الجانب المغربي ، إن "مينورسو" غير مصرح له بالمراقبة تحت مستوى فرقة المشاة بقيادة نقيب أو زيارة أماكن الحياة على طول الجدار. من جانب البوليساريو ، يتم في بعض الأحيان فرض قيود على حرية حركة المراقبين. وبهذا الخصوص ، تم تعزيز أمن حق المرور منذ أن أصبحت منطقة الساحل منطقة ينعدم فيها القانون. ويتساءل الكثيرون عن فائدة هؤلاء المراقبين العسكريين في وسط الصحراء ، خاصة عندما تكون حريتهم في المناورة محدودة للغاية. ومع ذلك ، فإن "مينورسو" يساهم في الحفاظ على وقف إطلاق النار والوضع الراهن على الأرض: أهون الشرين في مواجهة احتمال استئناف القتال دائمًا. إن "القبعات الزرق" هم قبل كل شيء أعين المجتمع الدولي على هذا الصراع "المنسي" والذي يبدو أن المجتمع الدولي تنصل منه.

كما نفذت "مينورسو" ، اعتبارًا من عام 2008 ، نشاطًا رئيسيًا لإزالة الألغام على طول أكبر حقل ألغام مضاد للأفراد في العالم ، وكان الهدف الأصلي منه هو تسهيل عودة اللاجئين. وكانت خمسة عشر سنة ضرورية للقضاء على المكامن الرئيسية لتلك الألغام.
وعملت البعثة أيضًا منذ عام 1998 مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن تدابير بناء الثقة ، مثل لم شمل العائلات التي شتتها الجدار ، والتي بدأت بالفعل في عام 2003. ثم أقامت الأمم المتحدة "جسورًا إنسانية للعائلات المشتتة"، " تدابير تقوية الثقة " كضرورة لتهدئة الناس و" لتخفيف محن المنفى ". وبين عامي 2004 و 2010 ، قامت تلك المفوضية و"مينورسو" بتشغيل أربعة مراكز للاتصالات الهاتفية المجانية بين مخيمات اللاجئين بالقرب من تندوف والصحراء الغربية الخاضعة للسيطرة المغربية ؛ وقد تم إجراء ما يقرب من 140.000 مكالمة هاتفية، إلى أن توقف هذا البرنامج في عام 2010 بعد انتشار الهواتف المحمولة. كما نفذت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية ، بدعم من "السلطات المغربية" و"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" ، سياسة تبادل في شكل زيارات عائلية. أولئك الذين يمكنهم الاستفادة منها هم الأشخاص الذين تربطهم روابط قرابة من الدرجة الأولى (الآباء ، الأطفال): وأحصت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حوالي 5600 أسرة من جانب تندوف و 3700 من جانب العيون استوفت هذا المعيار. وبين عامي 2004 و 2013 ، تمكن ما يقرب من 20 ألف شخص ، معظمهم من النساء وكبار السن والأطفال من الاستفادة من هذا البرنامج. في هذه المناسبة ، يتلقى كل مستفيد أيضًا مصروفا بقيمة 50 دولارًا. لكن قوائم الانتظار ظلت طويلة. إذ تم تسجيل ما يقرب من 45000 شخص للاستفادة من هذا البرنامج.

كما تمت دراسة تدابير أخرى لبناء الثقة الأخرى. منها ندوات ثقافية حيث يتم الحديث فيها عن كل ما من شأنه أن يلم ولا يفرق، وقد أقيمت في إسبانيا أو البرتغال. كما تم السماح بالقيام بالزيارات العائلية عن طريق البر ، وبالتالي زيادة عدد المستفيدين ، ولكن التحديات اللوجستية لهذا النوع من التعهدات ليست ميسرة . كما كان يُتوخى إقامة مخيمات ترفيهية مختلطة تجمع الأطفال من كلا جانبي الجدار. لكن كل هذه المقترحات الجديدة كان يجب أن تخضع لمفاوضات صعبة وعسيرة ، وتخضع لتقلبات المساعدة المالية الدولية وحالة العلاقات بين الأمم المتحدة والسلطات المغربية.

منذ البداية ، كان للأمم المتحدة دورين أساسيين في قضية الصحراء الغربية:
- على المستوى السياسي ، السعي للحفاظ ، بطريقة محايدة ، على الحوار مع الأطراف لإيجاد مخرج من هذا الصراع المجمد ؛
- من الناحية الأمنية ، التدخل ومراقبة وقف إطلاق النار.

وقد اعتبر البعض - لا سيما منذ تفكيك مخيم "أكديم إزيك" الاحتجاجي في نوفمبر 2010 ، ظل يفتقر إلى التفويض بمراقبة احترام حقوق الإنسان ، وهي مهام تقع على عاتق معظم عمليات حفظ السلام في ولايتها. وهذه النقطة الحساسة للغاية بالنسبة للسلطات المغربية هي النقطة التي ركز عليها النقاش ، حيث اقترحت الولايات المتحدة ، لدهشة الجميع ، إدراج مثل هذه المهمة في مشروع القرار الذي يجدد ولاية البعثة في أبريل 2013.

في عام 2014 ، عقب تقرير الأمين العام الذي أشار إلى الطبيعة غير المستقرة للوضع النهائي للمنطقة والذي أشار مرة أخرى إلى "القيود التي لا تزال قائمة فيما يتعلق بحرية تفاعل "مينورسو" مع جميع محاوريها"، علق المغرب كل المشاركة مع الأمم المتحدة بشأن هذا الملف حتى يناير 2015. وقد استغرق الأمر أكثر من ستة أشهر قبل أن يأذن الممثل الخاص الجديد للأمين العام ورئيس البعثة ، الكندي "كيم بولدوك" ، بتولي منصبه في العيون وتعليق تعاونه مع المبعوث الشخصي "كريستوفر روس لبضعة أشهر". كل هذا يوضح إلى أي مدى تكون مساحة مناورة الأمم المتحدة و"مينورسو" مقيدة بشأن هذه القضية ، التي تقع "تسويتها" خارجهما إلى حد كبير.

بصرف النظر عن "قمم التوتر" هذه ، فإن "مينورسو" تبدو مهمة منسية إلى حد ما في نزاع مجمّد لمدة ما يناهز نصف قرن ، وذلك جراء ب انعدام الأمن في منطقة الساحل. كما أن مأزق العملية السياسية ، والتوترات المستمرة بين المغرب والجزائر ، يزيدان من مخاطر انزلاق السكان الذين يشعرون على الجانب الغربي بأنهم أضحوا "أقلية" ، محبطين ومحرومين من الحقوق المدنية ، ويشعر الجانب الشرقي بأنه منسي ومهين ومعتمد على السخاء الإنساني والمساعدات الخيرية للعيش. وأضحى "المجتمع الصحراوي" منقسم سياسيًا بشدة بين الداعين للاستقلال الذاتي ضمن المغرب من جهة، والانفصاليين من جهة أخرى. ومع ذلك ، فإن السياسة المغربية المتمثلة في الاستيطان والانفتاح والتنمية الاجتماعية والاقتصادية لـ "الصحراء المفيدة" جعلت المسيرة الإجبارية نحو الحكم الذاتي داخل المملكة كأنها "حتمية" ، خاصة وأن "المجتمع الدولي" اليوم ، غير مستعد وغير راغب مع وضع وحالة " بناء دولة جديدة" في المنطقة. ولم يبق أمام "مينورسو" ملاحظة منحى جريان الأمور مع الاقتصار على دوره في المراقبة العسكرية ، وهذه هي النقطة الوحيدة التي تتفق عليها الطرفين.
____________________ يتبع ___________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل