الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العين الحمرة … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2022 / 6 / 18
الادب والفن


تزوجها .. لكنه لم يحكمها يوماً .. يشعر أمامها دائما بأنه ضعيف منهار ، ولا يدري سر هذا الضعف ، وسر هذا الخنوع .. لم تكن تحترمه ولم تكن تقيم لرأيه وزناً .. حتى أصبح في بيته ذليلا .. ليست له كلمة ، ولا يُسمع له رأي .. وبات الاحساس بصغر شأنه ، وبضآلته يعذبه .. لقد أساءت له كثيراً .. ولا يدري لماذا تفعل ذلك ؟ رغم انه كان زوجاً .. طيبا .. محبا .. حنونا كصدر أم .. !
لقد تزوجها كما يفعل بقية الناس .. زواجا تقليديا لعبت فيه الصدفة دوراً حاسماً .. رآها .. وكانت نظرة واحدة كافية .. فاعجبته برشاقتها ، وبجمالها الذي يدير الرؤوس ، فطلب من أمه أن تخطبها له ، وهكذا كانت الخطبة ثم الزواج .. وبدء حياته معها زوجاً .. رقيقا هادئًا كعصفور .. مسالما وديعا كقط اليف مستسلم !
كان يهتم بها ويدللها ويطيعها .. وكان يصمت ليدعها تتكلم .. الرأي رأيها ، والكلمة كلمتها .. يبدو انها استغلت هذه الطيبة ، وهذا الخضوع ، وسيطرت عليه .. والغت شخصيته تماماً .. !
وعندما حاول أن يقاوم سيطرتها ، ويستعيد شخصيته .. لم يستطع .. فالوقت كان قد فات ..
لم يكن ضعيفا في بيته فقط .. بل حتى في عمله ، وبين زملائه ، وفي كل مكان .. والدنيا لا تمشي إلا بالعين الحمرة .. هكذا كان أبوه يردد أمامه هذه الحكمة الشعبية دائما :
— حمّر عينك ، ابني .. وأكل حلاوة .. !
ثم يُكمل كأنه يُطلعه على سر خطير :
— اسمع ابني مرتضى .. ثلاثة لا يمشون إلا بالعين الحمرة : المرأة والجندي والطالب .. ضع ذلك في حسابك !
حتى قرر يوماً أن يهجرها في الفراش عقاباً لها .. وفعلاً هجرها .. ومر أسبوع وأسبوع آخر ، وهي غير مهتمة وغير مبالية .. تأتي الى الفراش كل ليلة ، وهي تدندن بلحن سوقي خفيف مستفز .. وترتدي قميص نوم شفاف يبرز من جسدها أكثر مما يستر ، ونهديها المهتزين يتقدمانها بصلف قبل أن تدخل .. وتتعطر بالعطر الذي يحبه .. تتمدد بجانبه على السرير ، ويشم عبق جسدها المثير والشوق يطحنه .. فهي تعرف بذكاء الأنثى كيف تجد اللمسة التي تتسلل بها الى ضعفه .. ! .. ثم تستدير وتعطيه ظهرها .. وتنام .. !
حاول أن ينام هو الآخر .. جسده متعب .. منتفض من فرط الرغبة وجائع .. يحتاج الى رفقة .. الى ملامسة .. الى حضن ، ولكنه لم ينم .. ينفذ عطرها المنعش ويتسلل الى انفه ويملأه ، ويدغدغ أعصابه ويحطم مقاومته .. يشم رائحة الايام الخوالي معها وليلتهم الأولى .. ويظل يتقلب في الفراش حراً طليقاً .. ولم تكن اجفانه المسهدة تلتقي إلا قرب الفجر .. وفي الصباح يذهب الى عمله محطماً مهدوداً ، وعيناه منتفختان .. تحيطهما هالات سوداء !
صحيح أن الدين .. يا صديقي قد أوصى الرجل بتأديب الزوجة بهجرها في الفراش .. لكن .. في حال عنده من النساء غيرها : مثنى وثلاث ورباع .. أما أنت أيها البائس المسكين ، فليس عندك غيرها .
فاصبح صاحبنا كذاك الذي ينطبق عليه المثل : طباخ السم يذوقه ، وبدلا من أن يعاقبها .. عاقب نفسه ..
فعاد اليها ذليلا مكسوراً مهزوماً مهيض الجناح .. مد أصابعه يبحث عن ازرار قميصها ، ثم تركها تتابع طريقها بحرية ، وتتسلل الى أماكن تعرفها وتحفظها عن ظهر قلب .. تداعبها وتضغط عليها ، وهو يلعن الضعف وأبو الضعف .. استسلمت بصمت وابتسامة خبيثة ذات معنى تترنح فوق شفتيها .. فزادت من سطوتها عليه وتهكمها منه ومن ضعفه .
حتى كان يوم ..
سمع فيه أحد المختصين في علم النفس أو الاجتماع لا يذكر .. يقول : لا يوجد انسان ضعيف وانسان قوي .. القوة موجودة عند الاثنين ، وهي قوة كامنة احتياطية يمكن أن يستعملها شخص .. ويمكن أن يهملها أو يتجاهلها آخر .. ضنا منه انها غير موجودة فيه .. ومن يستعملها ويستفيد منها هو ما نطلق عليه بالقوي ، والعكس صحيح .
لمعت الفكرة في رأسه عندما سمع هذا الكلام ، وادرك ان الضعف ليس شيئًا أصيلاً متأصلاً فيه كما كان يتصور .. بل هو ظرف طارئ .. وهو من استسلم له بكامل ارادته ، وتركه يتحكم فيه .
يجلس وحيداً منزوياً .. وعقله يحاوره .. يتحدّث مع نفسه ، ويلوّح بيده في الهواء كأنه يحارب الطواحين .. يتخيل نفسه ، وهو يواجه زوجته المغرورة المتسلطة بتحدٍ .. ثم يصفعها .. ويجرى بخياله الى الغد ، وما الذي سيقوله لها .. ثم أخذ يرتب كلماته ، ويعيدها مرات ومرات حتى لا يتعثر أمامها .. !
كأنه بذلك قد بدأ يقرع طبول الحرب .. ويعد العدة والعتاد لها .. دارت معركة نفسية حامية في داخله .. توصل من خلالها الى قناعة بأن يأخذ بنصيحة أبيه ويريها العين الحمرة .. كآخر الدواء .. الكي .. بعد أن لم يعد في قوس الصبر منزع ، وبمجرد دخوله عليها شعر بحماس غريب ، وبدأ يردد مع نفسه : لن أكون ابداً ضعيفاً بعد اليوم .. لن أدعها تهزمني .. ثم هتف في صوت جاف خشن كأنه يصدر امراً :
— اعملي لي قهوة ..
اجابته بلامبالاة ، وبصوت بارد :
— اعملها بنفسك ..
ثم أشاحت بوجهها ..
هو لا يريد قهوة ولا حتى شاي ، ولكنه بيّت أمراً خطيراً ، وقد عزم على تنفيذه .. !
لملم أطراف شجاعته ، وشد نفسه ، وصفعها .. صفعة قوية جمع فيها كل ما كان يحمله من ثورة وغضب مدفون .. وعواصف من أحاسيس مكبوتة .. تعصف في صدره منذ سنين ..
اتسعت عيناها كأنها فوجئت ، ثم رفعت يداً مرتعشة ، ووضعتها على مكان الصفعة ، ونظرت اليه نظرة انكسار ودهشة .. كأنها لم تراه من قبل ، ثم قالت في خضوع ورقة :
— حاضر … !

( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا