الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 71

ضياء الشكرجي

2022 / 6 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَلا تَأكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ وَتُدلوا بِها إِلَى الحُكّامِ لِتَأكُلوا فَريقًا مِّن أَموالِ النّاسِ بِالإِثمِ وَأَنتُم تَعلَمونَ (188)
يفترض أننا انتهينا من موضوع الصيام ومنزلة شهر رمضان، وما يتعلق بهما، إذ ينتقل بنا المؤلف، إذا كان الانتقال منه، وليس من جامعي القرآن من بعده، إلى موضوع أخلاقي وحقوقي، ثم يعود إلى الأهلة التي يفترض أن لها علاقة بشهر الصيام، وما كان ينبغي أن يكون فاصل بينها وما قبلها من مواضيع الصيام وشهر رمضان وأحكامهما، ثم لا يلبث أن ينتقل إلى القتال. هذه الآية تنهى المسلمين عن أن يأخذ بعضهم من أموال بعض بغير حق، كما تنهاهم عن إرشاء القضاة من أجل أن يحكموا بغير حق لصالح الراشي في النزاعات المالية. وهذه من محرمات الإسلام ذات البعد الأخلاقي والإنساني، فالمال كان دائما عامل نزاعات وخصومات، فالجشع يجعل الكثيرين من ميتي الضمير يمارسون الاستغلال والاحتيال والغش وخيانة الوعود والعهود والعقود. لكن بالرغم من أن الدين شجع على الإنفاق وكره البخل، ونهى عن الربا والخيانات المالية، استطاع عبر تاريخ كل الأديان أن يمارسوا السرقة والاحتيال ونقض العهود والاستغلال بمخارج شرعية أو ما يسمى بغطاء شرعي أو حيلة شرعية. وأحسنت الآية في وصف هذه الممارسات بـ«الإِثمِ» و«العُدوانِ». ثم في القرآن ما يمكن فهمه أن هذه الأحكام الأخلاقية إنما هي واجبة حصرا بين المسلمين بعضهم البعض، وفيه ما يمكن تأويله إلى شمول غيرهم بها، جوازا أو استحباب أو وجوبا.
يَسأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُل هِيَ مَواقيتُ لِلنّاسِ وَالحَجِّ وَلَيسَ البِرَّ بِأَن تَأتُوا البُيوتَ مِن ظُهورِها وَلاكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وَأتُوا البُيوتَ مِن أَبوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ (189)
كما مر ذكره ينتقل القرآن بنا إلى آية تتناول الأهلة (الحساب الزمني القمري)، وذلك بمقدار ما تتعلق بحساب أشهر العبادات والأعياد الدينية، كالصيام والحج، كما تذكر الآية، وأضافت إليها فرقة من فرق المسلمين أشهر العزاء والبكاء والندب على حوادث جرت على أسرة نبيهم، مضى عليها أربعة عشر قرنا. وعندما تستهل الآية قولها بعبارة «يَسأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ»، أي عن تحولات القمر في السماء من هلال إلى نصف قمر إلى بدر كامل ثم يتناقص ثانية ومرة أخرى بالتدريج إلى أن يختفي، لينتظر ظهوره مجددا هلالا، فالمتوقع أن يشرح لهم هذه الظاهرة الكونية أو الآية الإلهية، ثم ينتقل إلى اعتماد هذه التحولات في الحساب التقويمي للشأن الديني. وهذا يشبه وصف النجوم بحصرها في مهمتين، مهمة تزيين وتجميل السماء، ومهمة رجم الشياطين. المهم يأتي الجواب مستنَزلا من الله أن «قُل [يا محمد للمؤمنين بك] هِيَ مَواقيتُ لِلنّاسِ وَالحَجِّ». وبعد إعطاء هذا الجواب المقتضب جدا، ليفاجئنا بالانتقال إلى تعليم أتباعه أدب دخول البيوت بقول «وَلَيسَ البِرَّ بِأَن تَأتُوا البُيوتَ مِن ظُهورِها»، مما يدل على أن الكثيرين من أتباعه لم يكونوا يحسنون الالتزام باللياقات والآداب الاجتماعية، فيفاجئ بعضهم البعض بالدخول عليهم في بيوتهم من الخلف ودون استئذان أو إشعار بطريقة ما، فكان لا بد عليه أن يعلمهم آداب دخول بيوت غيرهم، ولم يعلمهم ذلك بواسطة حديث نبوي أو نصيحة أو موعظة، بل لعلمه أن ذلك ربما لا ينفع معهم، فاستنزل أمرا من الله، ليبلغهم «وَلاكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وَأتُوا البُيوتَ مِن أَبوابِها»، ولم يكتفِ بقول «وَلاكِنَّ البِرَّ أَن تَأتُوا البُيوتَ مِن أَبوابِها»، بل جعل الالتزام بهذه القاعدة التي ينبغي أن يدركها بالبداهة كل صاحب ذوق وأدب، جعلها من شروط التقوى بقول «وَلاكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى [...]»، وأكد الأمر بالتقوى بقول «وَاتَّقُوا اللهَ» بالتزامكم بأدب دخول البيوت، وجعل ذلك من أسباب الفلاح في الآخرة بقول: «لَعَلَّكُم تُفلِحونَ». كل هذا وغيره من نصوص القرآن يدل على أن معظم أتباعه كانوا ذوي سلوك غير متحضر.
وَقاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم وَلا تَعتَدوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ (190)
وتأتي قفزة أخرى، وستتوالى القفزات، إلى موضوع القتال في أربع آيات، ثم سيتناول في بضع آيات أحكام الحج، وهكذا تتنقل سورة البقرة، ومثلها معظم سور القرآن، لاسيما الطويلة، من موضوع إلى آخر، وأحيانا تتناول موضوعا ثم تنتقل إلى غيره، ثم تعود إلى الموضوع السابق، وتتكرر أحيانا أكثر من مرة حالات العودة هذه إلى موضوع جرى تناوله في آيات سابقة من سورة ما.
فعل (القِتال) على وزن (فِعال) من الفعل (قاتَلَ يُقاتِلُ فهو مُقاتِلٌ)، هو من أفعال المقابلة أي أن يُقاتِل ويُقاتَل، وبالتالي هو ممارسة فعل القتل المتبادَل، والمقاتِل هو البادئ بالقتال، بينما لو جاء الفعل على (تَفاعَلَ يَتَفاعَلُ تَفاعُلاً فَهُوَ مُتفاعِلٌ)، لا يكون إلا بالتكافؤ والتشارك بالفعل، مفيدا كان كالتعاون والتحابب والتراحم والتناصح، أو ضارا كالتقاتل والتباغض والتعادي والتحايل، ولذا فهو يستوجب دائما وجود طرفين أو أكثر. لكن القتال كونه جاء دائما أمرا موجها إلى المسلمين، فقد جاء دائما على وزن (فاعَلَ يُفاعِلُ فِعالاً أو مُفاعَلَةً فهو مُفاعِلٌ)، حتى لو كان القتال دفاعيا، عندما يقال «قاتِلُوا الَّذينَ يُقاتِلونَكُم» كما في هذه الآية. ورغم أن القتال أمر ممقوت، فإن هذه الآية لعلها من أكثر آيات القتال عقلانية وإنسانية، فهي تدعو المسلمين إلى القتال بقول: «قاتِلوا [...] الَّذينَ يُقاتِلونَكُم»، إذن القتال موجه في هذه الآية على الأقل حصرا تجاه الذين بدأوهم بالقتال، ولا تكتفي بذلك بل تنهى عن تجاوز حدود ما يتطلبه الدفاع، بقول «وَلا تَعتَدوا»، ثم تؤكد كراهة العدوان بقول «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ»، والمؤمن الحق بلا شك سيرتدع عما يجعله من الذين لا يحبهم الله، ولو إن الوازع الأخلاقي والنزعة الإنسانية ينبغي أن يكفيا الإنسان أن ينهي نفسه عن العدوان غير المبرر. وحثتهم الآية أن يكون الدافع للقتال «في سَبيلِ اللهِ»، وبالتالي ليس في سبيل مصالحهم الذاتية، كأن يكون بدافع الغنيمة، أو دافع الانتقام، أو دافع الحصول على السمعة والإطراء والمديح. فمن الذين كانوا يقاتلون تحت راية نبيهم بلا شك يختلفون في درجات إيمانهم ونزعاتهم، فمنهم من كان مؤمنا إيمانا عميقا بالله ورسوله واليوم الآخر، ولذا فالموت في سبيل الله محبب إليه، ومنهم من أجل الغنائم، أو بدافع عدوات شخصية له مع بعض المقاتلين في الطرف الآخر. الحث في أن يكون القتال «في سَبيلِ اللهِ» يرتقي بالمقاتل فلا يكون قتاله بدوافع ذاتية، طبعا إذا كان القتال فعلا في سبيل الله، لأن مصطلح «في سَبيلِ اللهِ» يعني قرآنيا في سبيل الإسلام وفي سبيل نبي الإسلام، وتبقى الأعمال بالنيات. وكان - وما زال في زماننا - من المقاتلين «في سَبيلِ اللهِ» إنما يفهمون ذلك أيضا من خلال النفع الذاتي، ولو النفع الأخروي، فهم لا يستحضرون رضا الله لذاته، بل يتطلعون إلى الجنات بكل نعيمها ولذاتها وإلى متع الجنس بلا نهاية مع الحور العين، اللاتي لا يُعدَدنَ ولا يُحصَينَ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س