الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السمات التشكيلية في رواية طوفان من الحلوى

سعاد زريبي

2022 / 6 / 18
الادب والفن



تعيش الشعوب اليوم أزمة عميقة مثلت الاشكال الرسمي للفلسفة المعاصرة التي عبرت عن هول الكارثة الإنسانية التي يعيشها الانسان المعاصر الذي لم سقط في الهاوية ،في فضاءات قبح معممة ،تشويه لأساليب الحياة . هذا الوضع الكارثي تجعل من المفكر يواجه مسؤولية انقاض وجه الحياة أو خلق سبل مغايرة من أجل انصافها ،نحن البشر الذي لا نملك بديلا عن هذا العالم يقول جون لوك نانسي ليس هناك عالم اخر و ليس لنا بديل عن العالم بل حسبنا أن نرسم خرائط داخل الأزمة مليئة بخطوط الإفلات و بالأفكار العشبية الكثيفة حيث لا الأصل و لا الذاكرة و لا أي هوية يمكننا أن نعول عليها من أجل بناء أي شكل من أشكال الخطاب في هذا الاطار الاستطيقي تشتغل الكاتبة التونسية أم الزين بن شيخة في روايتها طوفان من الحلوى في معبد الجماجم على مفهوم "الكارثة" كتحديد مفهوم رسمي للحياة الإنسانية اليوم في عالم الإرهاب : الإرهاب السياسي من طرف الدول التي لم تفلح في تأمين حياة سليمة لسكان الأرض بل وضفتهم كسلع في تجارتها بالبشر بأعضائهم و بعقولهم زادهم الإرهاب الاقتصادي بخلق الفقر و الجوع و التبعية و الاستسلام للسياسات الهيمنة من أجل تأمين قوت الأجساد المتعبة للشعوب البائسة زادها الإرهاب الصحي و النفسي للبشر الذي أفلح في صناعة شكل فظيع من الهشاشة و نمط من ناعم من الطاعة لكل سكان الكوكب الذي بات يعيش في بؤرة الخوف من الموت حيث فقدت الحياة سحرها و شوهت السياسات البائسة الوجود معا في العالم ليتحول الاخر الى نوع من الخطر الذي قد يهلك حياة أي شخص ففر الكل من الكل.
في هذه القماشة التي لم تكن بيضاء تماما بل مملوءة مسبقا بالكليشيهات و الثقوب السوداء حيث ليس ثمة رسم على فضاء أبيض .ينبغي القطع مع كل اكليشيات سابقة على الريشة يقول دولوز "من الخطأ ان يعتقد المرء ان الرسام يشتغل على فضاء ابيض و اعذر . ان مساحة الرسم محتلة سلفا بكل اشكال الكليشيهات التي ينبغي القطع معها" في هذا السياق الفني و الفلسفي و الاتيقي رسمت الكاتبة لوحتها الروائية التي ترحلت فيها بين مسؤولية الدفاع عن الانسان المتبقي بيينا بعد هذا الكم الهائل من الموت الزروع في شوارع مدننا و دولنا وبين أقدام و رؤوس شعوبنا و بين تلك الطفرة التخييلية التي لم منحت لرواية طوفان من الحلوى القدرة على خلق الأمل كإحدى أبرز الأسئلة التي وضعها الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في سؤاله ماذا يمكنني أن أمل قناعة منه بأن الأمل هو سؤال الأسئلة و السؤال الذي تنتهي عنده كل الأسئلة ،ترسم هذه الرواية إجابة لهذا السؤال في إجابة رشيقة نحن نأمل في طوفان من الحلوى، أو بصورة أدق نحن نحلم بطوفان من الحلوى حتى و ان صار العالم معبد للجماجم. عبرت الكاتبة عن ازدواجية مفهومية بين الجماجم و الحلوى في ثنائيات فرعية عديدة كثنائية السأم و الأمل ،الموت و الحياة ،التأبين و العرس ،الحب و العداء ،الثأر و الاعتذار ،الطوفان و القرار الساكن ، ازدواجية تخلخلت في صلب هويات الشخصية للأشخاص بين كوشمار و عبد الباقي ،ميارى وياسمين ، خازوق و عرعار وفي تلك الهويات المتشابكة في عدم الاكتراث بالهوية الأبوية أو الأمومة فكل يعبر عن الكل و كل شخص هو شخص اخر يحمل هويته وقدره و تاريخه أيضا .هذا التشابك هو شكل من التقاطع التشكيلي بين الخطوط أو صراع لوني داخل الرواية أي نوع من اللعب الجمالي بين الذاكرة و المستقبل، بين الهوية الذاتية و الهوية الجماعية ،بين الواقع والخيال، بين الإرهابي الذي يقطع الرؤوس و الرسام الذي يعيد الرؤوس الى اللوحة كنوع من احياء العظام وهي رميم . هذه الازدواجية حولت الرواية الى نوع من اللعب التشكيلي الذي هو بالأساس مهمة بطل الرواية "كوشمار".
كل يرسم احساسه على طريقته يرسم كوشمار الرؤوس المقطوعة بألوانه الخاصة و دوائره و خطوطه و مكعباته الخاصة و ترسم الروائية لوحتها الروائية بكلماتها التي مازجت بين انتقاء اللون و خفة الحركة الخطية بين الهنا والهناك فحررت فعل الكتابة من استبداد النص حيث استعملت الكاتبة الأسلوب الشذري في الكتابة الروائية و كأن النص قد اختنق كاختناق أنفاس العالم تحت وطأة أزمة عالمية في الأوكسيجين بسبب فيروس كورونا و لم يعد بوسع الكتابة سوى ان تكون تقاطعات و جمل متقطعة كخطوط وليست كنص بنائي صارم . تعلن الكاتبة من خلال هذا الأسلوب الشذري النيتشوي عن نهاية سلطة كل أشكال النص ما تبقى هو جمل متقطعة تشبه الخطوط الثائرة في كل صوب و نحو من أجل أن تخلق في الفضاء كثافة كالصدى الذي يملئ الفضاء في أصوات الثائرين في الاحتجاجات الشعبية. تندرج هذه الرواية ضمن جماليات المقاومة و الذي للكاتبة مسيرة علمية طويلة مع نصوص الفلسفة المعاصرة التي تعتبر أن الفن هو أداة للمقاومة من نيتشه الى دريدا ،جاك رنسيار ،جون لوك نانسي ، كل أقطاب مدرسة فركفورت أدرنو ،هوركيمار ، جون بودريار
لقد مثل الجانب الأسلوب في هذه الرواية العنصر الأبرز في اهتمامات النقاد و قراء رواية الكاتبة فإن ذلك لا يخفي البراعة التشكيلية التي اختارت الكاتبة ان ترسم من خلالها اللوحة الكاملة لروايتها . ان هذه الرواية هي رواية فن الرسم وفن الكتابة بالرسم أيضا ترسم الكاتبة لوحتها بالكلمات مثلما يرسم كوشمار لوحاته من الرؤوس المقطوعة كلاهما يحكي على طريقته قصته الموجعة مع الأحداث التي وقعت في جبل المغيلة و الذاكرة السوداء مع الرؤوس المقطوعة يقول جيل دولوز يقول دولوز في كتابه منطق الحس " اننا نرسم ،ننحت ،نؤلف ،و نكتب بأحاسيسنا" . تعج الرواية بمنطق جديد للاحساس الثائر و الموجع من جهة و المتشبث بالحياة من جهة أخرى فكانت الكلمات شهادة على سرعات اللون و كثافة الخطوط فتحولت الرواية الى نوع من رسم تلك الصرخة "أيتها الذاكرة ،أكرهك" كما تقول الكاتبة. ماذا ترسم الكاتبة : انها ترسم كل هذا : وجوه الجياع، رائحة الثورات القديمة ، صياح العاملات ، نظرة الشباب الأخيرة وهم يتدحرجون على سفح نحو الهاوية سطح بلا عمق ،و شعوب بلا وجه و أحشاء مصابة بعسر الهضم ،عطالة الزمن و ضجيج الجموع يتضاءل من شدة الجوع كنوع من استطيقا الفضح للقبح المعمم حيث "يحاصرنا الحضيض من كل صوب" و الذي اختارت الكاتبة أن ترسم خطوط أخرى مصرحة بضرورة أن "افتحوا الممرات" . استطاعت الكاتبة في هذه الرواية أن ترسم هذا الحضيض من جهة و الممرات من جهة أخرى في قصة كوشمار أو عبد الباقي شاب من ولاية سيدي بوزيد الذي أصبح شاهدا برسماته على كل أشكال القتل في مناطق الداخل بالبلاد التونسية وخاصة في جبل المغيلة. من هو كوشمار؟
تنقل كوشمار أو عبد الباقي في رواية طوفان من الحلوى في معبد من الجماجم تحت أسماء مختلفة أو على الأصح تحت مسؤوليات و مهام مختلفة فهو شاب ريفي مهمش ككل شباب المناطق الداخلية التي لم تعرف من الوطن سواء الانتماء الجغرافي للأرض داخل الحدود التونسية أو من عرض أعداد رؤوسها المقطوعة في نشرات الاخبار ،حمل عبد الباقي هذا الإرث الفظيع من رؤوس أخوته و أبيه و أبناء عمه على عاتقه و أصبح باحثا أكاديميا في "الرؤوس المقطوعة" في نوع من البحث عن هوية الأب الذي لم يعرفه و الذي بقطع رأسه عاش مع زوج امه الذي لم ينتمي اليه وفي نوع من " الانصاف" و بحث عن حقيقة قتل "اخوته " الذين لم يفصل بينهم سوى تعدد الأسماء فحين قد اشترطوا في وحدة المصير و قسوة القصة التي تجمعهم في سفوح جبال المغيلة كرعاة اغنام و قطعت رؤوسهم بشكل فظيع من قبل الإرهابيين الذي أصيبوا بلعنة شهوة الذبح من الوريد الى الوريد. تحول عبد الباقي من الريف الى العاصمة و تحول من عبد الباقي بوصفه الناجي الوحيد في عائلته و اخوته من هستيريا الذبح في الجبال الى العاصمة و لكنه لم يعيش حياته كناجي ولكنها عاشها ككوشمار يقطع رأسه و ذاكرته . هو عبد الباقي لكنه فقد رابطة الأبوة باكرا فصار ابن أمه الذي ظل خبزها طعام روحه قبل جسده فحين غذت عقله بروح الحب لإخوته الذي استطاع بذاك الحب نفسه أن يعيد الموتى الى قماشة الرسم رغم سماكة الظلام من حوله وفقدان الألوان في مدينة تعج بسواد المصير و ظلمة أهلها و ظلمهم للرعاة . تحصي الكاتبة على غير هدى أعداد الرؤوس الرأس 9، 7 ، 3، 1، 100 و كأنها تخطئ في عددهم كثرتهم حتى أنه لم يعد بوسعنا العد ، حررت الكاتبة رؤوس المقطوعة من برود نشرات الأخبار وحذلقة السياسيين و تحولت الرؤوس الى كوابيس لا تحصى . بذات الشعور بالسأم الذي كتبت به الروائية فكرتها عن قرية الرؤوس المقطوعة ،أراد كوشمار أن يرسم "قصته الخاصة" و أراد خازوق الرجل الغريب الذي فقد هويته الشخصية فلم يعد بوصعه أن يحدد الى أين و من ينتمي فطلب من كوشمار أن يحدد بالرسم هويته و طلب منه أن يعلمه فن الرسم لكي يرسم نفسه لكن الفرق بين كوشمار و خازوق هو أن عبد الباقي استطاع أن يتحول الى كوشمار ثم يتحول الى رسام استطاع أن يضع في حركة يده وهو يرسم كل تلك الكمية المدمرة من الحزن الخاص جدا به فحين أن خازوق أصبح "ورقة محروقة" في نظر زملاءه سكان الجبال و هواة رياضة القتل و بعد أن وقع القبض عليه و الحكم عليه بالسجن طويلا ثم اطلق سبيله بعد أن أفشى أسرار مجموعته الى الدولة ولم يجد سوى ابن عمته عبد الباقي الذي لجأ اليه من أجل تحريره من هستيريا الضحك المرضي من عقده الطفولة و جرائمه أي من الاغتصاب الى القتل فلم يستطع الا رسم "يوم القيامة" كأبشع عنوان اختاره هو للوحته وقصته الخاصة و لهويته الشخصية التي سماها كوشمار بنهاية العالم . لكن كوشمار استطاع أن يركض داخل ذاكرته كأجمل أحلام تمنى ان يحققها داخل الطبيعة وهو يركض من أجل بلوغ الجبال العالية في قريته الصغيرة لكنه لم يفلح لأن المكان قد صار لغما قد ينفجر في وجهه وبين أقدامه في أي لحظة و تنتهي قصته كما انتهت قصة يوسف ،خالد ،سعيد ، و أبناء داد زعرة خليفة و مبروك السلطاني و رأس الفتاة التي قطع رأسها لأن قلبها قد طفق بالحب .
بكل هذه الذاكرة المشؤمة حول كوشمار منزل أمه الى مرسم للرؤوس المقطوعة انصافا و احياءا لكل الرؤوس المقطوعة في قريته ،تكريما لكل الرعاة المغدورين رسم كوشمار أخوته من غير أمه لكن من ذاته قريته رؤوسهم كشكل من العنف التشكيلي و العنف الروحي أو ضرب من مقاومة سياسة القتل البشع أي نوع من إعادة الحياة للرؤوس و كأننا بكوشمار يقول لنا بلوحاته أن لهذه الرؤوس الحق في الحياة ، لقد أتى الموت باكرا الى قرته و قصف برؤوس الحياة كعاصفة أو كطوفان . رسم كوشمار في هذه الرواية أربع لوحات كجهات جغرافية للوجود الانسان و هي أيضا مراحل تتوالد من رحم بعضها وهي على التوالي : لوحة الراعي الأخير ،لوحة الحلم ينزف ،لوحة ثوب العروس و لوحة طوفان من الحلوى ،لكل لوحة فكرة في رأس كوشمار لكنها جميعا هو ،هويته الخاصة وقصته الشخصية
إن لوحة الراعي الأخير هي أولى لوحاته و هي التي مثلت بالنسبة له لوحة البحث عن الأب المذبوح فتردد في تسميتها فتارة يسميها أبي الذي لم يعد و تارة يسميها هذا ليس أبي و تارة أخرى يسميها هذا ليس أبي في نوع من الحيرة و التيه في تحديد هوية الأب المغدور لكنه يبقى في ذاكرة كوشمار هو الأب كهوية أصلية لكوشمار و رأس الرؤوس أي كأب لكل بقية الرؤوس المقطوعة و هو أب كل الرعاة المغدور بهم ،تناسل الموت في نوع من تسلسل الموت من الأب الى الأبناء. لقد عمر هذا الحزن على الاب و الاخوة طويلا في لوحات كوشمار و كأن الرسم قد أصبح بالنسبة له نزيف الذاكرة التي لم تدفن و جف دمها فإختار أن يرسم نزيف ذاكرته في لوحته الثانية التي اختار لها أن تكون بعنوان الحلم المستحيل أو حلم ينزف "فلقد كان رسم الأحلام أصعب" بالنسبة له في مكان احتلته بشاعة القتل فإختار في ركن منه ان يحافظ على بيت أمه في مواجهة القتل بالرسم و تحويل الدم الذي ابتلت بيه سفوح الجبال الى نزيف فوق القماشة البيضاء . لم يكن كوشمار قادر على الحلم لأنه منهك بذاكرته و بحبه لأخوته فكان الرسم هو الطريقة الوحيدة لأحيائهم فيه و كأنه يسرقهم خلسة من قبوهم و من قدر الموت ولكنه سرعان من يعود الى الاقرار بموتهم ويلطخ القماشة بالأحمر القاني كغضب فيجعل الرؤوس تتدلى كنوع من الشنق التشكيلي المربع ،متفاوتة الحجم ، متشابهة الملامح عموما. تنتمي رسوم كوشمار الى سياسة الرسم في لوحات فرنسيس بيكون حيث يرسم هذا الأخير المنطق المريع من رسم الرؤوس المقطوعة الذي شكل لوحتها في نوع من "العجن" اللحمي للرأس فيتلف الوجه فحين يبقى شكل الرأس مشوها :هناك فرق شاسع بين رسم الوجه و رسم الرأس حسب جيل دولوز الوجه هو تنظيم فضائي في حين يغدو الرأس تابعا للجسد ...بل هو روح بوصفه جسدا أي روح حيوانية : الرأس هو بعبارات دولوز "الروح الحيوانية للإنسان روح خنزير أو روح ثور أو هو روح كلب أو روح خفاش" . هناك نوع من الفتك بالوجه و هزمه و تشويهه و التنكيل به لانه وجه التنظيم و وجه الجهاز و وجه النظام و النسق و المؤسسة لذلك يبدو ان كوشمار مثل بيكون يرسم دوما من أجل العثور على رأس ما تحت الوجه او من اجل إعادة احيائه وهو ما يكتبه جيل دولوز "انه مشروع خاص جدا يتبعه بيكون بوصفه رسام بورتريه :هزم الوجه من اجل العثور على الرأس أو جعله ينبثق من جديد تحت الوجه"
هناك في قصة كوشمار مع فن الرسم ضرب من سياسة المكان فلم يرسم في مدينة بعيدة عن قريته كالعاصمة التي اختار ان يكون طالبا و باحثا في احدى جامعاتها أثناء مزاولته للبحث في قصة الرؤوس المقطوعة في المناطق الداخلية للبلاد التونسية بل اختار ان يكون المرسم في نفس المكان الذي قتل فيه اخوته و ابيه ،في قريته أي في مصادر قصته الخاصة التي كان النزيف الدموي أهم مصدر لوني في لوحاته ، يرسم كوشمار في جبال مغيلة الحلم وهو ينزف و الرؤوس وهي تتدلى في نوع من المواجهة بين القتل و الاحياء أو نوع من سياسة المقاومة في الحق في المكان الذي ينتمي اليه منذ طفولته ويحق له أي يمارس فيه حلمه "الصعود الى الجبال العالية" بوصفها نوع من التحرر النيتشوي من القطعان و التي تتوازي مع حلم كوشمار في التحرر من سياسة الارهابين في تحويل البشر الى قطيع قابل للذبح .
أما بالنسبة للكاتبة فيبدو أنها قد تقول أفكار عديدة في خصوص مسألة المكان في الرواية لكن يمكننا أن نقول أنها تحمل الأثر الفني الى منطقة المواجهة ،الصراع و المقاومة لأن "الفن أكبر من إرهاب سكان الإرهاب" . هناك في الجبال يجب أن يولد الأثر الفني ،يجب افتكاك المكان و عدم التفويت فيه للخراب على هذه الرؤوس أن تبقى معلقة في ذاكرة جبالها و تبقى على قيد الحياة كنوع من الانصاف و الحق في الحياة . ان اللوحة حلم ينزف هي شكل من الشهادة ولكنها نوع من الجسارة التشكيلية التي تخلق "الممرات" لأن الرسم ينتمي الى منطق الصيرورات ،انه رسم الإحساس في مواجهة تعصب الأصل التي يتغذى بها الطرف المقابل للمرسم في جبل المغيلة. لوحة الحلم ينزف هو لوحة ترسم الإحساس بالرغبة في الصراخ تقول الكاتبة في مقال لها حول دولوز و منطق الإحساس "الرسم لا يحكي حكاية بل هو يصرخ"
لكن بدأ كوشمار يتحرر تدريجيا من ذاكرته و يبدأ في رحلته التدريجية نحو رسم الأمل و تحرير الرؤوس من الموت فإختار ان يرسم لوحة جديدة بعنوان ثوب العروس لكن لم يتحرر كوشمار بشكل جذري و كامل من حزنه بما يكفي ليرسم عرس أو عرس بهيج في مرسم الجماجم و الرؤوس المعلقة ،فثوب العروس الأبيض يتقاسم بياضه مع بياض القماشة المليئة بالثقوب الذاكرة السوداء و الكليشيهات و ذات الثوب الأبيض هو بياض قماشة الكفن اللباس الأخير للموتى و الشهداء و في سياسات أخرى هو جريمة "تبييض الإرهاب" .انطلق في رسم هذه اللوحة برسم دوائر في كل مكان على القماشة ثم عاد الى اللون الأحمر ونثره داخل هذه الدوائر "سارسم افكاري لن احاكي أي راس مذبوحة ذلك لن يكون غير تواطؤ مع القتلة سأحرر الرؤوس من ذاكرة سكان الجبل و انصب لهم عالما اخر سأحررهم بالرسم من احتلال الإرهابيين لأرضهم و قبح عالمهم ". يرسم كوشمار نفسه و يرسم مفهوم فن الرسم الذي يجمع بين الحزن على الموتى و ضرورة الفرح بالحياة أي أن الفن هو مزج بين قماش الكفن وثوب العروس. شعر كوشمار اثناء رسمه لهذه اللوحة بالشفقة على اللوحة و التي غاصت فيها دوائر الرؤوس و لطخات الاحمر الدموي وهو حينها يرسم أفكاره و لكن اللوحة طلبت منه ان يتضامن معها و يشفق عليها فرد عليها "ما رأيك في رايك يا صديقي ان اعنون لوحتك ثوب العروس . بدأ كوشمار في هذه اللوحة في التحرر من ذاكرته من فكرة الفن كشهادة على الموت و فكرة المواجهة رأس برأس مع الإرهاب . هذه اللوحة هي القنطرة بين لوحات الذاكرة تنزف بصورة الأب و صورة الحلم النازف و اللوحات القادم من مستقبله الفني و مستقبل العلاقة بين الفن و الإرهاب في سياسات الفن عند كوشمار و التي بدأ في رسم أولى لوحات هذا المستقبل القادم من الاتي و التي اختار ان تكون بعنوان "طوفان من الحلوى" بوصفها لوحة الفرح و قد تحرر من دائرة الموت و القتل و الذبح و النزيف و التشويه . تقول الكاتبة في وصفها للوحة كوشمار الأخير في الرواية و الأولى في المستقبل الاتي هي لوحة" ابداع الاشكال الجديدة من الحلم خارج منطقة الكوابيس" . ماذا رسم كوشمار في لوحته طوفان من الحلوى لتنال شرف ان تكون انتصار للحلم في منطقة الكوابيس و الموت؟
أولا ان الجسارة الأولى للوحة طوفان من الحلوى هو أنها بدأ في رسم خطوط هروب من ذاكرة نازفة و أصبحت تزاحم لوحة كوشمار المفضلة "حلم ينزف" فصارت الحلوى بديلا ممتعا و مشتهى في مخيلة الرسام كوشمار تعود به الى طفولته طفلا و عاشقا صغيرا لفتاة الحلوى التي كانت تدرس معه ، خديجة الطفلة الجميلة و الناعمة و التي كانت تساعده في انجاز واجبه المدرسي فتعطيها أمه الحلوى كتعبير منها على امتنانها لها . رسم كوشمار حبيبته الأولى وتخلى عن حلمه الأخير أو هرب منه فحركة تخييلية سريعة الى جمال أن يكون الانسان طفلا بلا ذاكرة . اختار كوشمار للوحته أجمل الألوان فأحدثت طوفان من الحلوى بكل لون فأزهرت اللوحة تقول الكاتبة "لقد كانت هذه اللوحة بمثابة حلوى الروح في مكان كادت فيه كل الأرواح أن تتحول الى حطب" و كأننا بكوشمار قد امن في نهاية رحلته مع الرؤوس المقطوعة أنه يجب أن نشغل ملكة التخييل لدينا و ان نحرر الحياة من قبضة الإرهاب بكل أشكاله و ذلك بخلق طوفان من الحلوى داخل كل معابد الجماجم و نؤمن بشكل كامل و مطلق بقولة بودلير "ان المخيلة هي التي خلقت العالم و هي التي ينبغي ان تحكمه "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة