الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن وثقافة الصراع

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2022 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


أزمة أو ورطة شعوب منطقة الشرق الأوسط الراهنة، والتي تتبدى في حالة البؤس والشقاء الذي ترزح فيه عموم الشعوب. مع ما يجري من صراعات داخل مكونات الشعب الواحد. والتى نشهد تفاقمها في حالات عديدة، لتأخذ شكل الحروب الأهلية السافرة. فيما يقتصر الأمر في حالات أخرى على حالة قلق وقلاقل دائمة. علاوة بالطبع على حالة التوجس والتحفز والعداء ضد العالم المتحضر.
هذه الحالة أبعد وأعمق من أن تكون مجرد نتيجة لتوطن أيديولوجية معادية للعالم وللحضارة وللحياة برمتها. سواء كانت إيديولوچيا العروبة الفاشية الطابع. أو طوفان الداعشية الذي طفح من عقول شعوب المنطقة. ليجتاحها مهدداً العالم كله.
كما أنها ليست ببساطة أن تكون مجرد نتيجة مباشرة لما تعانيه شعوب المنطقة من فقر يسير في ركابه الجهل والمرض. كما يتصور ويصور هذا كثيرون.
هي مجموعة متشابكة من العناصر، يدخل فيها ما ذكرنا. ويزيد عليها العديد مما يجب أن نكتشفه، عبر دراسات موضوعية علمية جادة.
لكننا نزعم في مقاربتنا هذه، أن قلب مشكلتنا أو جذرها، هو بقاء شعوب المنطقة أسيرة ما يمكن تسميته "ثقافة الصراع".
"ثقافة الصراع" فيما نظن هي أول ثقافة إنسانية. بدأت مع فجر الوعي الإنساني. حين كان الإنسان الأول يهيم منفرداً على وجهه. يبحث عن غذائه، عن طريق التقاط ما يتساقط على الأرض من ثمار الأشجار.
كان الإنسان في هذه المرحلة لا يحتاج ولا يمكن أن يؤدي به أسلوب حياته، إلا لثقافة الصراع. فقد كان في حالة صراع دائم طوال نهاره وليله. مع سائر الكائنات المحيطة ببيئته. سواء كانت حيوانات مفترسة أو حشرات، أو بشر ينازعونه ملكية ما يلتقط ويختزن من غذاء.
مع تطور حياة الإنسان وتراكم خبراته، ما أدى لتطور وسائل الحصول على طعامه، وهو ما نسميه الآن "تطور أساليب الإنتاج"، ودع الحياة الفردية ليعيش في مجتمعات، تقوم حياة الأفراد فيها على الاعتماد المتبادل بين بعضهم البعض. ثم ظهور التخصص في العمل، بداية من العصر البرونزي وما تلاه. لم تختف نتيجة لهذا التطور أو تتلاشى "ثقافة الصراع". ولكن دخل وتداخل معها ما يمكن تسميته "ثقافة المصلحة"، و"ثقافة التعاون والتكامل".
لم يكن هذا نزوعاً أخلاقياً طوباوياً. وإنما سعياً لتحقيق المصلحة المادية الشخصية. عبر ما يحصل عليه الفرد من تعاونه التكاملي مع الآخر.
بقي الصراع موجوداً طوال التاريخ الإنساني وحتى يوم الناس هذا. لكن تحول جزء كبير من دواعي الصراع، إلى أمر يبدو قريباً منه وهو "التنافس". الذي يأخذ صورة "صراع" هادئ مسالم. يحصل فيه كل طرف على أقصى قدر ممكن من المكاسب، دون أن يحلق ضرراً بمنافسه.
هذا ما نسمية لعبة المكسب المتبادل win win game.
كرياضات ألعاب القوى عموماً، والتي قد يحقق فيها جميع المتسابقين أرقاماً قياسية، رغم عدم تحقيقهم الفوز بالمركز الأول.
بدلاً من اللعبة الصفرية zero sum game.
التي يكون فيها مكسب طرف خصماً من حساب الطرف الآخر، ليكون مجموع المكسب الموجب والسالب صفراً.
المجتمعات التي تعيش على الموارد الريعية، ولا تعرف اقتصاد الإنتاج المعتمد على بذل الجهد، لا تعرف التكامل والمشاركة لخلق الثروة. وإنما فقط الصراع للاستحواز أو تقاسم ما هو موجود بالفعل وثابت القيمة. وتكون أي مشاركة لطرف في الكعكة خصماً من أنصبة باقي الأطراف.
أبسط مثال لتصور الحياة لعبة صفرية، هو ما يحلو لنا ترديده دوماً، عما نسميه مصالح (أطماع) غربية بترولية في منطقة الشرق الأوسط. مصورين ومتصورين الأمر نهباً وسلباً لثرواتنا.
نتناول الأمر وكأن ما يجنيه الغرب من مكاسب وما يحقق لنفسه من مصالح، هو امتصاص لدماء وثروات شعوب الشرق.
رغم أن الواقع الواضح لكل ذي عينين لا تملأهما الكراهية والعداء، ولعقل لا تسيطر عليه "ثقافة الصراع"، أن اللعبة هنا لعبة مكسب متبادل win win game. يقوم فيها الغرب بعلمه وتكنولوجيته باستخرج البترول من باطن صحارينا. ليعطينا مقابله ما نقيم به الأبراج الشاهقة عوضاً عن الخيام. ولنركب به السيارات الفارهة والطائرات بدلاً من الناقة والبغال والخيول.
واضح أيضاً أنه بدون هذا التعاون، لن نستطيع استخراج البترول من جوف الأرض. وإن أخرجناه لن نستطيع أن نشربه، إن لم نجد من يشتريه.
وإن كانت مقولة أن الغرب يريد أن يبقينا سوقاً لمنتجاته صحيحة جزئياً، فهذا يعني حرصه على أن نكون قادرين على شراء منتجاته، التي لن يبيعها بالطبع لمتسولين. وهذا يعني ضمنياً أن نكون في حالة اقتصادية وحضارية جيدة. لنشتري منه السيارات والثلاجات وأجهزة التكييف والكومبيوتر وخلافة من منتجات الحضارة.
نفس هذا يقال على رجال الأعمال من بيننا. والذي نتصورهم وفق ثقافتنا الصفرية مصاصو دماء. فهم لو مصوا حقاً دماءنا في سبيل أكبر قدر من الأرباح، فلن يجدوا منا بعد ذلك نحن ذوو الدماء الممصوصة من يشتري منتجاتهم.
هذه النظرة الصراعية للحياة كمعركة صفرية بين مختلف مكونات المجتمع الدولي أو المحلي، هي ما سيطرت على فكر ماركس. الذي رأى من الحياة صراع الطبقات. وعمى عن الحتمية المادية المصلحية لتعاون الطبقات.
وفق "ثقافة الصراع" تكون العلاقة مع الآخر يسودها "العداء"، الذي قد يصل إلى حد اعتبار مواجهتنا معه هي "صراع وجود". وليس مجرد صراع على اقتسام مكاسب أو غنائم. هكذا في "ثقافة الصراع" تروج كل أنواع الأيديولوجيات التي تقوم على العداء للآخر. سواء كانت أيديولوجيات دينية كايديولوجيا الإسلام السياسي. أو سياسية اقتصادية كالماركسية. أو قومية عنصرية كأيديولوجيا العروبة.
فهذه النوعية من الثقافة هي التربة التي تترعرع فيها مثل هذه الأفكار والأيديولوجيات، التي صارت اليوم أشبه بالفيروسات، وهي التي تصيب شعوب الشرق الأوسط بحالة الشلل الحضاري المستديم. والتي تلفت الانتباه وتثير الذعر الآن مظاهرها الساخنة الدموية. ممثلة في ممارسات الجماعات الجهادية الإسلامية باختلاف مسمياتها.
نهدف هنا للفت الأنظار إلى طبيعة التربة، وليس فقط نوعية النباتات، أو بالأحرى الأشواك التي تستشري فيها. أي الأفكار والإيديولوچيات المدمرة.
نوعية الثقافة التي تجعل الناس أكثر قابلية للتجاوب مع هذه الأفكار العدائية، إن لم يكونوا في الحقيقة هم منتجوها. أو على الأقل يبحثون بشغف عن أي أيديولويجية تتوافق وتلبي وتعطي شرعية لروح الصراع والعداء المتمكنة من عقولهم وسكولوچياتهم.
الآن

كيف يمكن تطهير تربة الشرق الأوسط من ثقافة أو روح الصراع؟. . ذلك هو السؤال!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مجرد خاطر
عدلي جندي ( 2022 / 6 / 19 - 21:17 )
فكرك ممكن يكون الصراع ف أوكرانيا وتحليلات الجهابذة ف نظرية مؤامرة ضد الروس بداية حقبة زمنية تشابه ما يجري في الشرق الأوسط..؟
وهل سيتم إستغلال ذلك الصراع في أن ينشغل العالم عن فرض واقع وتغيرات جوهرية في منطقة الشرق الأوسط...؟
طبعا لن تتحول دول الشرق الأوسط إلي دول تشابه الدولة السويسرية او تنتهي الصراعات الإيدولوجيةةوالطائفية ولكن لن يهتم بها العالم كما وكانت في الفرن العشرين وياكش يولعوا ف بعض

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي