الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن قصص - فاكهة بشرية -

هدى توفيق

2022 / 6 / 20
الادب والفن


1ـ حديثنا عن عملك الأخير؟
ج ـ في الحقيقة رغم أن عنوان المجموعة يختص بقصة محددة داخل المجموعة القصصية ( فاكهة بشرية ) ، والتي تمثل اسمين لسيدتين : ( منجة وموزة ) يشكين من سوء أحوال المعيشة ، ويعشن على هامش الحياة سواء الأولى بعد زواجها وطلاقها بدون إنجاب ، ومرضها ، والثانية بعد زواجها وطلاقها ، وتحملها أعباء تربية أولادها بمفردها ، وطموحها أن تعمل في المجلس القومي للمرأة لتنتصر لحقوقها ، وتحاول من خلاله أن تاخذ حقوق أكثر لإبنها المعاق ، وليس مجرد موظفة إدارية في معهد أزهري تلهث وراء لقمة العيش ، وتربية أبنائها الثلاث. لكن عنوان المجموعة ( فاكهة بشرية ). هو مجرد تخييل عن أن الفاكهة الطبيعية تعادل بشكل ما أصناف البشر في باقي القصص، وليس فقط بطلتي القصة : ( منجة وموزة ). في القصة هذه بالذات. حيث يتوالى التطبيق بشكل أو بآخر مع اختلاف الحكايات والتخيلات في بقية القصص الأخرى ؛ بتصوير حيوات أبطال آخرين. نموذج : قصة ( الأصابع الذهبية ). عن صاحب محل كوافير حريمي مشهور في مدينة ما داخل مصر. تحوي قصته مأساة لحياة كاملة عاشها في أيام الشباب والطيش ، والحب ، والخيانة ، والفراق . وقصة ( الجريمة الكاملة ) ؛ التي تحكي عن تلك العوالم السفلية التي تقع تحت وطاة المخدرات ، وحيازة الأسلحة البيضاء ، وكل تلك السلوكيات ؛ كطريقة لمواجهة الحياة بأشكال انحرافية.
ربما يكون البشر مثل كل أنواع الفاكهة الطاذجة أوالتالفة. نحن مثل النبات والزروع التي تنبت الخير والوجود الحي ، ولكن كما تتعرض الفواكه بعد ذلك لعمليات وتحولات تؤدي بها الى القطف ، والحصاد ، والجني ، والبيع والشراء ، وانتقالها من مكان ولادتها إلى أشخاص ، ومصانع ، وتتوزع بين الأماكن ، والأشخاص والأحوال ، وكل ثمرة تسلك لها طريق مختلف حسب الظروف ؛ فنأكلها ونتلذذ بطعمها ولذتها ، أو تتلف ونلقيها. هكذا نحن البشر جميعا. نولد أبرياء لا اسم لنا ، لاشئ ، كالصفحات البيضاء ، كالبذور الطيبة التي لا تعي شرور أو آثام ؛ لتبدأ بعد ذلك التحولات الكبرى في حياتنا ، ونحن نسلك دروب الحياة الوعرة ، ونجد أمامنا تبدلات وتحولات لا نهائية لجميع حيوات البشر حسب المكان والزمان ، والظروف الاجتماعية ، والاقتصادية كل على حسب. نماذج من القصص : ( حلم فرعوني ). عن الرجل الذي حطمه حلمه أن يصبح ثري بعد أن أهدر كل أمواله في البحث عن الكنوز الفرعونية. قصة ( مسرح مصر). عن الطفل المريض بالسرطان ؛ الذي يطمح في رؤية الفنان الشهير مع فرقته على المسرح. قصة ( اكتب أتوبيس ). عن الجدة ؛ التي تريد أن تنجو بحفيدتها من نفس مصير الأب والأم في السجن. قصة ( الثلاثاء الحزين ). عن أمنية الأم ؛ التي تعاني من العجز والكساح ، وتتمنى الموت حتى ترتاح ، وتشتهي ساندوتش الحلاوة الطحينية مع كوب شاي ساخن باللبن ؛ الذي كانت تعشقه قبل مرضها بالسكري ، وأثناء وجود حماتها قبل وفاتها. وقصة (عاصفة التنين ). عن جائحة كوفيد ـ 19( كورونا ) ، وتداعيات التباعد الاجتماعي والاجراءات الاحترازية ... إلخ. إنها في النهاية. حالات ونماذج بشرية لا تختلف كثيرًا عن كل أنواع الفاكهة الحقيقية ، التي تبدأ مشوار الحياة الصعب من بداية زراعتها حتى تذبل وتتلف ، وينتهي أمرها. هكذا حال البشر من يوم ولادته حتى يذبل ويموت. وخلال تلك الرحلة الشاقة من صرخة الحياة حتى الموت نحيا ونعافر بنواح عدة ومختلفة ومتنوعة ، مثل الفواكه كل على شكل ما. مثال : منجة وموزة في قصة فاكهة بشرية .
2ـ كيف تختارين أسماء أعمالك الأدبية ؟
ج ـ لا شك أن عنوان العمل الأدبي يحظى بالنسبة لي على الكثير من الإهتمام ؛ لأنه يمثل عتبة النص ، ولا بد أن يُعبر ويجسد ولو تصور جزئي عن المنتج الأدبي. هذا إن لم يكن بشكل كلي ، ولو إلى حد ما ، واختياره ليس بالشئ الهين. لانه يشير إلى المسار الذهني للكاتب من وجهة نظر محددة. يريد أن يطرحها من مفهوم اللا وعي البعيد في دائرة مغلقة على نفسها ، وتفتح تنظيرات لتلك الرؤية في اختيار عنوان ما. فيحدث صدمة ، وبالطبع هي صدمة فنية أمام المتلقي والناقد ، لكي يستحضر الأسئلة وراء هذه التسمية بالذات دون غيرها ، وإلى ماذا تشير ؟ وما مدى قناعتها ، وما الدور الإيجابي والمعرفي لهذا الاختيار بالذات ؟! فالعنوان يكون بمثابة افتتاحية للقراءة والبحث وراء جذور هذا العنوان . لذلك أبدأ باختيار مبدئي للعمل الإبداعي ، ومثلما تتطور أمور الكتابة داخل البناء الفني ، والمتن السردي سواء للقصة والرواية. تتطور الرؤية والتفاعلات داخل الأفكار والرؤى والحكايات ، ويستجلب التخييل والعيش داخل المادة الإبداعية ؛ الذي أشعر به كائن حي ينمو داخلي يوم بعد يوم حتى تكتمل صورته. لن أقول النهائية فلا يوجد من نهاية للعمل الفني . أنت كلما عدت إليه تشعر أنه يستحق العمل والدأب عليه حتى يخرج بصورة أفضل ، وهذا لا يتحقق ، وإنما ما نحاول الوصول إليه هو الدفع إلى محاولة الاكتفاء الفني حتى ينتهي العمل عاجلًا أم آجلًا. وتبدأ عملية التنظير لإاستخراج عنوان يُعبر عن رؤية الكاتب للعمل ككل ، وتكون هناك اختيارات أقرب إلى ذائقة التناول الفني ، وهذا بالطبع يكون من وجهة نظر المؤلف ؛ التي ربما تتوافق أو تتعارض مع المتلقي والناقد. لكن أرى أن عنوان العمل الأدبي تشكل أهمية كبيرة أمام المؤلف حتى يجذب الجميع لقراءتها وحضورها المبدئي ، وهذا لا ينفي مدى أهمية المحتوى ، والأفكار، والعوامل الفنية والسردية في ترسيخ مهمات الجميع سواء العنوان أو المحتوى والمضمون والحيل الفنية واللغة ، ولحظات الكشف الفني والسردي على السواء. هي عملية متكاملة وهامة من بداية العنوان إلى أخر صفحة في العمل الإبداعي. لذلك تتعدد الاختيارات أمامي حتى أصل للعنوان ؛ الذي يناسب رؤيتي للموضوع ككل ، وهذه عملية صعبة للغاية ، ولكنها هامة أيضًا للغاية.
3ـ ماذا تعلمت من الكتابة الإبداعية ؟
ج ـ الكتابة الإبداعية بالنسبة لي تجسد معنى الحياة كاملاً. كما يعيش كل إنسان تجربته مع الحياة بكل المتناقضات والأحداث سواء داخل نفسه أو خارجها ؛ حتى يحاول في النهاية النجاة من أفخاخ الحياة بأية طريقة ، وهذا كله يتم من خلال معان هائلة في طريقنا مع الحياة بشكل شامل ، و مع كل الوجود على هذا الكوكب. الفرق الوحيد بين هؤلاء البشر الذين سلكوا طرق عدة ليعيشوا ويموتوا في الحياة ، وبين الكاتب أو الفنان بمعنى أشمل . أن نقرأ هذا ونتأمله جيدًا ثم نكتب عنه مع ركيزة التخييل والتكتلات الفنية ؛ التي تعززها الثقافة ، والتجارب ، وتراكم الخبرات ، وأنا أقصد بالقراءة هنا : قراءة البشر ومعرفتهم جيدًا من الداخل ، وتحليل تلك السلوكيات المختلفة بقدر عال من الشفافية ، والصدق الفني ، والموضوعية. ومن خلال تلك التجارب الطويلة التي نظل نقوم بها داخل عقولنا بين قراءة البشر، وتبادل الخبرات ، وتأمل الأحداث واختبار وجهات نظر متعددة. لأن ليس من الضرورة أن نصدر حكم نهائي سواء بالصواب أو الخطأ. إنما طرح من الكتابة يتطور، ويتبدل كلما مرت الحياة بنا إلى سنوات عديدة من الخبرة والمعرفة والثقافة. إنها رحلة شاقة وطويلة وهذا هو معنى الحياة عند الجميع من أجل الصعود ، والتعايش ، وتمرير الأمور الصعبة أو السهلة. هكذا تكون الكتابة الإبداعية بالنسبة لي ؛ هي معنى الحياة كاملًا . أركز فيها على اكتناز وتجميع كل الخيوط ؛ لأجل أن أعيش وأحفر طريقي في الوجود الإنساني ، لأنها الوجه الحقيقي الذي طالما أبحث عنه ليل نهار من أجل أن أعيش. أن أتجاوز. أن أشبع رغبتي دائما في ملأ الفراغات ، والشعور بنفسي ، وبالآخرين من خلال فعل وحيد لا أرى له بديل غير الكتابة ، ومن أجل الكتابة ، من أجل الحياة ، من أجل الصبر والمثابرة. فالكتابة الإبداعية تحتاج إلى الكثير من الصبر والعمل والمناورة حتى تقبض على لحظات تستكشف أسرار أحاجي الفن والإبداع. وهذا يحتاج الى القراءة ، والكتابة كثيرًا حتى تمتلك زمام الامور في التحكم في كل تفاصيل حياتك من أجل الانجاز والتحقق ؛ ما دامت هناك رغبة قوية في الطموح. أظن أن الكتابة الإبداعية أشبه بمعركة طويلة لا يوجد فيها منتصر أو مهزوم ؛ لأنك على الدوام تجد المحفزات التي تنطلق منها من فترة لأخرى ، ولا شئ ينتهي ، ولا شئ نصل به إلى المرجو. ما دمنا على قيد الحياة سويًا : أنا والكتابة ، والكتابة وأنا .
4ـ كيف تقيمين المشهد الإبداعيى المصري؟
ج ـ في الحقيقة العمل يأخذ أغلب وقتي ، ولا أستطيع متابعة الكثير من إبداعات الآخرين من المبدعين ، ولكن أتابع على قدر ما أستطيع. خاصة أن الأمور الآن لم تعد سهلة بعد انتشار وسائل السوشيال ميديا ، والتطبيقات والتصريحات ، وكل القنوات الثقافية واللقاءات عبرالشاشة العنكوبتية ، فمثلا لفت نظري أدب التفاعل الرقمي ، وكم كبير من وسائل التواصل الاجتماعي والأدبي والإبداعي. غير المجالات الأخرى. وقد أصبح المشهد الإبداعي بوجه عام مزدحم وكبير ، وأنا هنا لا أحدد الإجابة على المشهد الإبداعي المصري. بل الإبداعي العربي ؛ لأننا جميعا أصبحنا داخل بوتقة واحدة نتواصل يوميًا على صفحات الفيس بوك ، والواتس ، وغيرها من التطبيقات بكل سهولة ومرونة من خلال الأجهزة الهاتفية أو عبر شاشة الاب ، وغيره من المنتشر في كل النواحي. لذلك أظن أن لم يعد يصلح أن نقول أن هناك مشهد محدد بمصر أو المغرب أو كذا. فالكل أصبح في واحد ، وبذلك تصبح عملية التقييم مسألة صعبة للغاية ؛ خاصة ولوقلنا نظريا هذا يرتبط بمدى قدرة النقاد على الرؤية والتفحص والتحليل ، وإبراز الجيد وما يستحق القول و الاجتهاد والإهتمام ؛ لأن المبدع ليس معني بهذا الدور إلى حد ما . فالعملية الإبداعية تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والتركيز .هذا طبعا بالنسبة لي ، وربما لا ينطبق على مبدعين آخرين . ولأنني مبدعة وباحثة دومًا عن تفعيل ذاتية العمل الفردي ، وابتداع إنتاج بمختلف آلياته كل على حسب. إذًا لا أستطيع أن أقيم المشهد الإبداعي بصورة صحيحة ؛ لأن التقييم يأتي من القراءة والمتابعة المستمرة ، ولو لعدد من الإصدارات الأدبية دومًا، وهذا ما لا أستطيع القيام به. لأنه ليس دوري أولا. وليس لدي من مقدرة على فعل ذلك ، وأنا دائما مشغولة بعوالمي وانشغالاتي الإبداعية. ولكن أحيانا أقوم بقراءة عمل ما ، ويفتح لي رؤية ، أو طرح لقراءة ثقافية حسب الذائقة الأدبية ، ومحاولة تحليل وقراءة معرفية للعمل من وجهة نظري ، وطبقا لتتبع منهج نقدي ما. أجد أنه ينطوي على تأويلات ؛ من أجل تشريح وفك شفرات العمل الإبداعي طبقا لهذا المنهج أو ذاك ، وفي النهاية تدور فكرة التقيييم تحت فكرة النقد الثقافي أو الانطباعي لا اكثر، لأني لست ناقدة أكاديمية.
5ـ كيف تقيمي سياسة وزارة الثقافة ؟
ج ـ بصراحة لا توجد إجابة لهذا السؤال ؛ لأني لا أعلم سياسة وزارة الثقافة ، ولا أعرف كيف تدار أو تدور الأمور ؟ بالتاكيد توجد سياسة ومشروع وخطط تقوم بها وزارة الثقافة ، لكن لا أتابعها وبالتالي لا أعرف عنها شئ ، ولا أستطيع التحدث عن شئ لا أعرفه ، وليس لي من حق في أي تقييم. أولا : لأنه ليس لدي المعلومات الكافية والاحتكاك المباشر. ثانيا : لأن مشروعي ذاتي ، وياخذ كل وقتي ، ويعتمد في الأساس على مجهودي الشخصي ، وقدرتي على الإبداع والاستمرار ، وليس لوزارة الثقافة أي علم أو معرفة بمشروعي. ربما لتقصير مني. أن لا يوجد تفاعل مع أي من أنشطة ترتبط بها . ربما لقلة الوقت ، لضغوط الحياة. أسباب كثيرة ، وهذا ليس عيب فيها أو عيب بي. فالسياسة والخطط والمشاريع الثقافية أبوابها مختلفة ومتنوعة بالطبع ، ولو لحد ما عن مشروع المبدع ، وخطط التعامل معه ؛ لأن المبدع في سباق كبير بينه وبين إبداعة ومشروعه وطموحه وأشياء كثيرة. على العموم أعتبر أن لا توجد إجابة ؛ لأن ليس من حقي أن أقيم أي شئ دون الاحاطة الكاملة بتلك الخطة أو السياسة ، وبالتالي لا يوجد سؤال لأجيب عنه .
6ـ كيف أثرت الثورات عليك إنسانيًا وإبداعيًا ؟ وكذا على المتلقي ؟
ج ـ تأثير الثورات ياتي على جميع البشر في أي وطن ، والثورة تحدث نتيجة تفاقم الأمور، واضمحلال في جميع مجالات الحياة التي يعيشها المواطن بشكل عام ، والتخلف في اللحظة الراهنة عن مواكبة سير وتطور العلم والثقافة ، وتفشي السوء والفساد والظلم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ، واعلاء شان المحسوبية والاقطاعيات والشللية فوق الكفاءة والقانون والحدود الواجبة للردع وتنفلت زمام الامور، ويغوص المجتمع بجميع اطيافه في براثن القهر والانسحاق والتردي إلى الأسوأ لتراكم عقود من الزمن تحت وطاة لافتة : حرية ـ عدالة ـ كرامة اجتماعية ؛ كلها شعارات لاهبة وساخنة وموجعة ؛ لأنها تحكي عن تاريخ طويل من فساد وخلل أصاب أجيال ، وأنتج ميراث ضخم من الانتهاكات والسوء العام في جميع مظاهر الحياة. الثورة نقطة فاصلة من أجل رؤية الأمور من جديد ، وإعادة الحسابات ، وتفنيد الخطط المحكمة لمحاولة السيطرة على تفشي البطالة والجريمة والسوء بوجه عام. الثورة صرخات تتعدد وتتنوع لأنها تحتاج إلى حلول ، ولكن أيضا الثورة ليست العصا السحرية. كن فيكون ، لأنها تحتاج إلى حلول طويلة الأمد ، وتحتاج إلى رؤية ثاقبة ، وإدارة رشيدة وحكيمة لمواجهة تحديات تحتاج إلى أثمان باهظة ؛ لحل تلك الأمور المعقدة والمتشابكة. في وطن كبير يحوي ملايين البشر ، والمؤشرات والأبواب المفتوحة منذ عقود أمام الارهاب والفساد والجهل ، وعوامل كثيرة وكبيرة لا تحصى. هذا على المستوى الإنساني.
أما على المستوى الإبداعي : الثورات تمثل لحظة تاريخية موثقة لكل الشعوب ، ولها سلبيات وإيجابيات ونتائج نعيشها ونشعر بتداعياتها لحظة بلحظة ، ولا بد أن نسجلها في لحظتها ، وما يتبعها مع توالي السنوات ، وأتذكر أن عند انطلاق ثورة 25 يناير كتبت قصة بعنوان ( أنا اسمي التحرير ). عن حكاية حقيقية حدثت لي في ميدان التحرير مع بعض التخيلات ؛ التي أبدعتها الضرورة الفنية . وفي روايتي ( رقصة الحرية ). كان المشهد الأخير في ميدان التحرير أيضًا . لا شك أن الإبداع تعبير عن الواقع في تشكيلات إبداعية متنوعة ، وتختلف مع الوقت عندما نختبر مدى تأثير هذه الثورة عام بعد عام ، ونرى مدى تطور الأمور، ومدى نجاح أو فشل مطالب الثورة عن تحقيق مطالبها الأساسية التي قامت عليها. الموضوع ليس سهلاً أو هينًا ، وليس ختامي ، وأن من الممكن أن البدايات تتحول إلى الأفضل أو الأسوأ سريعًا بتلك الطوباوية الحالمة . لأن هناك عوامل كثيرة تؤدي بها إلى ذلك ، ونحن المواطنين والمبدعين لا نتحكم في مقاليد الأمور. إنما نحاول أن نعيش ونقرأ الموقف ، ونتابع الأحداث ونتجاوب ونكافح من أجل مؤازرة كل الفاعليات ؛ التي تؤدي وتحقق الأغراض الحقيقية النبيلة لأي ثورة قوية ومعبرة عن طموح الجميع. وهذا لا يقوم ويتحقق بين يوم وليلة أو حتى شهور. بل من خلال خطط ووعي ورؤية لا تقل كما أرى عن عقد من الزمان أو أكثر بالتأكيد. فكما تم التخريب والتفتيت لعقود لا يحل إلا من عقود أمامه. هذا مع الملاحظة الهامة وضع استرتيجية محكمة، ومتقنة الفعل ، وسيناريوهات التوقع والتنبأ ، والأحداث الخارجية للعوالم الأخرى داخل الوطن وخارجه ، فنحن جزء من العالم الخارجي ، ولا ننفصل عن أي تداعيات سيئة أو جيدة تحدث له ، ونتأثر بها مباشرة. لا انفصال عن ذلك.
أما تأثيرها على المتلقي : تأثير واضح وكبير. فالمواطن المصري قبل 25 يناير2011م. لم يعد المواطن بعد مضي حوالي 11 عام على الثورة ، وقد تعرض لصدمات عدة وسجل حافل من الأحداث والتطورات ، وكيفية قدرته على استيعاب هذه التغييرات الجذرية والتفاعل مع الجديد ، ومحاولة مواجهة تلك الظروف الراهنة ؛ التي أصبحت شديدة القسوة على الجميع مع وطاة جائحة كوفيد ـ 19. ثم الحرب الأوكرانية الروسية ، والظروف المعيشية الصعبة ، وكل ما يحيط بالمتلقي من ظروف لا بد أن يقهرها. فهو الآن لا يحتاج إلى ثورة . بل يحتاج إلى بحث وكفاح وجهد بالغ من أجل أن يعيش ويتعامل ويصنع مجده الخاص ، ومشروعه الذاتي ؛ الذي يرتبط بمشروع وتصور كامل عن الوطن. فالفرد جزء من الجميع . كما أن الثورة تشكل صفير انذار من أجل أن يفتح الطريق لنا للعمل الشاق ؛ من أجل الوقوف على أساس وأرض صلبة كبداية للنمو والتطور. بالتاكيد تحقيق مطالب الثورة ليس أمرًا سهلًا اطلاقًا ، لكنه ليس مستحيل مع الرؤية الواضحة والمحددة الأهداف ، والمنهجية القابلة للدربة والمران والتفاعل ؛ تحت أهم قول : العمل والمثابرة والتفكير في قيمة كل ساعة تمر، واقتناصها في شئ مفيد ليل نهار. من المؤكد أن الموضوع شاق ، ويحتاج كل التركيز والتفاني في خدمة مطالب الثورة : الحرية ، والعدالة ، والكرامة الاجتماعية، وكل مطالب حقوق الحياة بشكل إنساني. وما علينا سوى العمل والانتظار والأمل.
7ـ كيف أثرت مواقع التواصل الاجتماعي على ذهنية المتلقي ، وعلى الكاتب ؟
ج ـ لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت تاثير بالغ الأثر سواء على المتلقي والكاتب. ولكن كل وسيلة جديدة وتقنية حديثة لها ميزات وعيوب ، ومن المميزات داخل عوالم التواصل الاجتماعي : سرعة الحصول على المعلومات في مختلف المجالات ، وانتشار الفائدة العلمية والثقافية والسياسية ، وكل شئ لأي شخص يبحث عن المعلومة من عدة مصادر؛ فمثلا في عالم الأدب ظهرت فعاليات وانتشار واسع لمعرفة وقراءة الكثيرين من المبدعيين على الشاشة بسهولة ، والتواصل بيسر بين الأفراد ، وتكوين مجموعات عديدة مثل : أيقونة أدب التفاعل الرقمي ؛ الذي حاز على اهتمام الكثيرين ، وأصبح له متابعين وأكاديمين يقومون بالدراسة والتحليل النقدي ، وملاحقة هذ الظاهرة الأدبية الجديدة ، التي نشات ونمت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي ، وتستحق الاهتمام والمراجعة على يد نقاد ومتخصصين يشغلهم الأمر ، ويدرسون القيمة الأدبية ، وتناول الذائقة النوعية لها . وأنا أتحدث بشكل خاص عن الأدب والإبداع ، ومدى تفاعل المتلقي معه ؛ من خلال ظهور هذه الظواهر الجديدة ، والكثير من المجموعات .. نماذج : الساردون يغردون ، ملتقى الشام الثقافي الأدبي ، القصة القصيرة جدًا ... إلخ .
لكن بالتأكيد توجد مسالب عن مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي. منها الزحمة الشديدة ، وعدم الصدق والأمانة في أحيان كثيرة للإشارة والتوجيه لذلك الكم الهائل من الإنتاج الأدبي . لأن عوامل الشللية والمجاملات تتدخل في الطرح الأدبي . وهذا خطأ كبير جدًا لأن المفروض أن الذي يحكم العمل الأدبي ، هي ذائقة مدربة بقدر ما ، ورؤية واضحة حتى نستطيع أن نقيم العمل ، ولو بشكل انطباعي ، ولكن مؤثر ومفيد للعمل الإبداعي. ونحن هنا لا نتحدث عن الناقد الأكاديمي الذي يمتلك أدوات الطرح النقدي ، و لديه ناصية القراءة الواعية ، وتنوير نقاط النجاح والفشل في المنتج الإبداعي ؛ حتى يستفيد القارئ والكاتب في نفس الوقت .
أما مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على ذهنية الكاتب : أراه تأثير كبير ومهم في مدى تطور سبل التعامل مع هذا الواقع الجديد ؛ الذي يختلف تماماً عن كل السابق الذي كان يعيشه الكاتب وسط النسخ الورقية والطبعات المحدودة ، وأزمة النشر على نفقة الكاتب ، والنشر الحكومي الطويل الأجل. الآن عالم مختلف وجديد تمامًا . وقد أصبح يتعامل معه الكاتب والمتلقي معًا . لكن أظن أنه مازال غير ممهد ومستوفي الشروط في تلك اللحظة الراهنة ؛ لأن أجواء العالم القديم لا زالت تسيطر على بعض العقول ، لكن بالتأكيد هناك طفرة وتطور يحدث على مستوى العالم ، ونحن جزء من هذا العالم الجديد. ولا بد أن نتفاعل ، ونتعامل معه حتى نستطيع أن نستمر في عالم الكتابة والنشر والتواصل والاستمرار ، وخاصة أنه عالم يحمل الكثير من الاستفادة أمام سبل الانتشار بشكل أوسع ، والنشر في مواقع عدة لبلاد مختلفة ، والتعارف ، وتبادل المعلومات، وقراءة بعضنا بعض. لكن طبعا أهم مقياس : هل المنتج الأدبي يستحق أم لا ؟ وما هي عوامل نجاحه وفشله بوجهة نظر واعية ومثقفة وموضوعية ؟ هذا أهم شرط للصدق الفني والثقافة والاجتهاد.
8ـ مع النشر الإلكتروني ، والكتاب المسموع . أم ضد ، ولماذا ؟
ج ـ إن النشر الإلكتروني فرصة ذهبية من الأفضل تعميمها وانتشارها في الواقع العربي ، لأنها خطوة ترفع الكثير من إزاحة عبء الكاتب في النشر الورقي ، ولكن المشكلة أن الأمور في النشر الإلكتروني لا زالت متعثرة بعض الشئ ؛ بسبب أن لا زال الكتاب الورقي يتسيد المشهد الإبداعي ، وما يتبعه من استغلال بعض الناشرين ، وارتفاع ثمن المواد الخام لصنع الكتاب الورقي مثل كل شئ ؛ فالكتاب في النهاية سلعة وتتعرض لموجات من الغلاء طبقا للحالة الاقتصادية التي تفرض حضورها على أي شئ. هذا بالإضافة لشئ هام أن المؤسسات الثقافية لا زالت تعترف بأهمية الكتاب الورقي ، وديار النشر الكبرى ، وحفلات التدشين ، والترويج للكتاب والتوزيع ، والجوائز الرسمية ، وكل المحافل لا زالت تحتفي بالكتاب الورقي . حتى أن بعض الديار ترفض التعامل بالنشر الإلكتروني لعدم سداد المستحقات أو حدوث ملابسات مادية بين الناشر ، ومسؤول النشر الإلكتروني ، وخلافه من المشاكل الفنية بالمصطلح نفسه عن كيفية إدارة الموضوع بشكل صحيح وسليم من كل جوانبه ، ومع كل الأطراف. وقد جربت السؤال عن هذا ، ونصحني الناشر بالنشر ورقيا كالمعتاد لأنه أفضل له ولي. لكن طبعا أنا مع النشر الإلكتروني وأرى أنه المستقبل القادم بدليل أنني منذ سنوات أقرأ إلكترونيا ، وأقوم بتحميل العديد من الكتب في ملفات لعمل مكتبة إلكترونية تناسب ما أحتاج إلى قراءته في أي وقت ، وبسهولة وأحاول في الفترة القادمة أن أتجه نحو النشر الإلكتروني على الأقل للأعمال السابقة التي لم يعد موجود لدي منها نسخ ورقية للديار التي نشرت بها سابقًا.
النشر الإلكتروني فكرة جيدة نظريًا إلى الآن من وجهة نظري ، ولكن صراحة لم أجربها بعد ، وعلينا أن نحكم على الأمر بعد تجربته. ربما تكون التفاصيل صعبة ، وبها محاولات استغلال مثلما يحدث في النشر الورقي. لا اعلم ! لا زال الموضوع موضع تفكير. لكن بالطبع كفكرة رائعة ، ولكن قبول الفكرة من عدمها وتقيممها بالضبط . بالتأكيد لن يكون إلا عندما أعيش التجربة ، وهل استطعت أن أصدر كتابا إلكترونيا أم لا ؟ تلك النقطة الفاصلة لأقرر مدى نجاح أو فشل التجربة معي، وهذا ينطبق على الكتاب المسموع ، ولكن لم أجربه أيضًا، ولا استطيع اطلاق حكم نهائي على كليهما بعد.
9ـ ما هي مشاريعك الأدبية القادمة ؟
ج ـ أتمنى قريبًا نشر روايتي الجديدة ، لكن لا زلت أبحث عن دار نشر تتحمل أعباء النشر بعد تقييم العمل جيدًا .
انظر المصدر : المجموعة القصصية / فاكهة بشرية ، عن دار نشر النخبة للنشر والطباعة ـ مصر ـ القاهرة. ط1: 2021م .
13/ 5/ 2022م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با