الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف قرن من الصراع في الصحراء الغربية 6

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا تدافع الجزائر عن وضع "ستاتيكو" الراهن في الصحراء الغربية؟

إن عدم مرونة الطبقة السياسية الجزائرية بشأن قضية الصحراء مستمرة إلى اليوم ، والخلاف مع المغرب حول مسألة الحدود لم يحل بعد. إلى جانب المسؤوليات التاريخية والصراع على الاضطلاع بدور القيادة الإقليمية منطقة "المغرب العربي" ، فإن هذه المواجهة لها تكلفة على الدولتين الجارتين منذ أن انخرطت في سباق التسلح منذ سنوات خلت. وقد حملت أجهزة الأمن الجزائرية ضغينة عنيدة ضد الطبقة السياسية المغربية منذ سنوات الحرب الأهلية الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي ، ومن خلال معارضتها الدائمة فتح الحدود البرية بين البلدين ، فإنها تعاقب جارها المغربي بشكل مضاعف. في حين أن المجتمع الدولي ، من جانبه ، يعطي الانطباع – منذ مدة- بأنه تخلى عن كل أمل في تسوية نهائية لملف الصحراء الغربية.

بخصوص هذا الملف ، إن موقف الجزائر لم يتغير – ومن الأكيد - لن يتغير. وقد سبق لمسؤول جزائري رفيع المستوى أن قال إن "الحل الوحيد الممكن والقانوني هو احترام خطة الأمم المتحدة للسلام بإجراء استفتاء على تقرير المصير "للشعب الصحراوي". وهذه ليست مشكلة بين الجزائر والمغرب ، إنها هي مشكلة بين ممثلي "الشعب الصحراوي" والمملكة المغربية".

هذا موقف رسمي ظلت الدبلوماسية الجزائرية تدافع عنه منذ خمسة عقود حتى الآن. وظل المغرب من جهته يتهم الجزائر بـ "تسيير " جبهة البوليساريو عن بُعد والتحكم فيها بقبضة من حديد ، وبأنها بالتالي هي صاحب المصلحة الرئيسي في هذا الصراع. ظلت الجزائر تشير وتكرر الإشارة، بشكل منهجي مستدام، إلى احترام القانون الدولي وبالتالي إلى تنظيم الاستفتاء من أجل تحديد مستقبل المنطقة التي كانت خاضعة للسيطرة الإسبانية حتى عام 1975. ولذلك استمرت الجزائر في دعم عمل بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو).

إشكالية الحدود المشتركة
في واقع الأمر، إن أسباب الحزم البين، الذي ظل يرافق الدعم السياسي والمادي والعسكري لجبهة البوليساريو ، عديدة وتظهر بجلاء عبر تسليط الضوء على العلاقات المضطربة المستدامة بين الجارين. وهذه العلاقات المتوترة على الدوام – منذ حصلت الجزائر على استقلالها - هي السبب الرئيس للمأزق في اتحاد المغرب العربي ، الذي تم إنشاؤه في عام 1989 والذي لا يزال قوقعة فارغة على الصعيدين السياسي والاقتصادي والاجتماعي. على سبيل المثال لا الحصر، التجارة البينية المغاربية بالكاد تصل إلى 2٪ من إجمالي التدفقات التجارية إلى أو من بلدان المغرب العربي الوسطى الثلاثة: تونس والجزائر والمغرب، رغم أن اقتصاداتها كفيلة بأن تكون متكاملة وليس تنافسية. فمن الواضح، لا يمكن إحراز تقدم في مجال التكامل الإقليمي المغاربي دون تحسن جذري في العلاقات بين الجزائر والرباط. ومع ذلك ، ظلت مواقف كل منهما متنافرة ، ناهيك عن العداء الشديد المستبطن.

فكيف يمكن تفسير استدامة العلاقات بين الجارين على هذا الحال ؟
من تفسيرات هذا الرفض الجزائري الذي لا يتزعزع لقبول أدنى حل وسط - على سبيل المثال الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب في الصحراء لأقاليمها الصحراوية - تداعيات ما بعد الاستعمار التي لم يتم توضيحها وحلحلتها حتى الآن بين البلدين، وهي تداعيات غالب ما يتم تغييبها - إلا نادرا - في تحليلات هذا الصراع.

في عام 1969 ، كان توقيع معاهدة إفران لتسوية الخلافات الحدودية بين البلدين ومحو آثار "حرب الرمال" التي نشبت في 1963 والاشتباكات التي سبقتها. وبعد سنوات قليلة ، في 15 يونيو 1972 ، تم إبرام اتفاقية ثنائية تصدق على الخط الحدودي بين البلدين. وبموجب هذا النص ، تعهدت الجزائر والرباط باحترام الحدود الموروثة من الفترة الاستعمارية ، متبنين في هذا أحد المبادئ التأسيسية لمنظمة الوحدة الأفريقية OAU ، والتي أصبحت منذ ذلك الحين الاتحاد الأفريقي. بالنسبة للجزائريين ، كان هذا يعني أن النظام الملكي و أيضًا حزب الاستقلال ، يتخليان عن الادعاءات المتعلقة بـ "المغرب الكبير" والذي يشمل موريتانيا وتندوف وبشار و حتى تلمسان.

وهكذا ، عندما طالب حميد شباط ، الأمين العام لحزب الاستقلال ، الجزائر في مايو 2013 لإعادة إلى المغرب مدن تندوف و"حاسي بيضا" (التي كانت أحد أسباب حرب الرمال) ، و"بشار" و"القنادسة" ، ردت السلطات الجزائرية بضراوة نادرة ، نقلتها على الفور الصحافة من جميع الاتجاهات في العديد من المقالات الافتتاحية ، والتي عكست المنظور المعتاد الذي يتم من خلاله التعامل مع نزاع الصحراء. إذ تم التركيز على الفكرة القائلة أن الهدف الرئيسي للمغرب ليس ضم الصحراء بشكل نهائي ، ولكن التشكيك في "الوحدة الوطنية الجزائرية" - وهي الصيغة المعتادة التي تناشد المشاعر والتعبئة القومية للجزائريين.. وحول هذا الموضوع ، يصر العديد من المسؤولين الجزائرية على أن أحد مطالب دبلوماسيتهم لم تؤخذ في الاعتبار من قبل الرباط. فالجزائر ترغب في أن يعترف بالحدود المشتركة والتصديق على اتفاقية عام 1972 بشكل نهائي من قبل البرلمان المغربي والذي لم يقم بذلك إلى يومنا هذا. في حين ظل المغرب يعتبر أنه لا يمكن التعامل مع هذه الملفات بمعزل عن نزاع الصحراء.

بطبيعة الحال ، فإن التاريخ المضطرب في أعقاب الاستقلال لا يمكنه أن يفسر كل التداعيات في المنطقة. في عيون الجزائر إن تسوية قضية الصحراء ظلت مقترنة بالصراع على موقع الريادة في المغرب العربي. هذا، بالرغم من أن الخطاب الجزائري الرسمي لا يخلو من الاتساق عندما يذكر أن الجزائر وقفت دائمًا ، على الأقل حتى وقت قريب ، جنبًا إلى جنب مع شعوب الجنوب التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها. وهكذا تم ربط مصير الصحراويين بالتزامات أخرى ، مثل الالتزامات لصالح الفلسطينيين أو السود في جنوب إفريقيا.

فمن خلال معارضة ضم الصحراء من قبل المغرب و جَرّه إلى صراع لا نهاية له من أجل النفوذ على المستويين الأفريقي والدولي ، فإن الجزائر - الغنية بعائداتها النفطية - قد أعاقت بطريقة ما سيرورة تنمية جارتها. حتى الآن ، لم يتم إجراء أي دراسة مالية شاملة بشأن ما التزم المغرب بتقديمه ماليًا لمواجهة جبهة البوليساريو عسكريًا (بناء "جدران" ، وصيانة جيش كبير في الجنوب ، وشراء معدات عسكرية) ولكن أيضًا لمنع المجتمع الدولي بأسره ، ولا سيما الدول الغربية ، من الانحياز إلى الجزائر، فكل هذه المصارف كانت على حساب التنمية.

إذا كان المغرب دفع ثمناً باهظاً لضم الصحراء الغربية ، فإن الجزائر أيضاً انجرت إلى دوامة مكلفة وخطيرة على السلام في المنطقة. فمنذ نهاية تسعينيات القرن الماضي ، انخرطت في سباق تسلح مثير للقلق ، فقد زاد إنفاقها العسكري من 3.6 مليار دولار في 2004 إلى 13 مليار دولار عام 2015. في المتوسط ، أصبحت الجزائر مستورد رئيسي للأسلحة في القارة الأفريقية (2.5 مليار دولار) ويمثل 3 ٪ من المشتريات العالمية في هذا القطاع ، تقريبًا مثل الإمارات العربية المتحدة (3.8 ٪). وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام –Sipri- ، تعد الجزائر واحدة من أكثر الأسواق جاذبية لموردي المعدات العسكرية (روسيا ، ألمانيا ،الصين ،إيطاليا ،الولايات المتحدة).
إذا كانت الفوضى الليبية وكذلك التدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل ، ولا سيما في شمال مالي ، يبرر جزئيًا سباق التسلح هذا ، إلا أن مواجهة محتملة مع المغرب ظلت تخيم على هذه الديناميكية.

يدرك كل من المغرب والجزائر المخاطر المدمرة التي قد يمثلها الصراع المحتمل بتنهما. وهذا ما دفع المسؤولون إلى سبيل من سبل التقارب يقتضي إجراءات ترابط ملموسة تجعل المواجهة العسكرية مستحيلة. ففي بداية تسعينيات القرن الماضي ، ساعد مرور خط أنابيب الغاز في شمال شرق المغرب من الصحراء الجزائرية والمتجه إلى إسبانيا على تهدئة التوترات الثنائية، وأيضا شبكات الكهرباء في البلدين مترابطة، لكنها تبقى نادرة وغير كافية لإقبار خطر نشوب نزاع مسلح.

في السنوات الأخيرة بدأت تبرز أراء معارضة لوجود "صحراء مستقلة" على الحدود الغربية للجزائر. وقال الجنرال "خالد نزار في 2003: "لسنا بحاجة لمزيد من التجزئة لشمال إفريقيا". كما أيد العديد من الأكاديميين الجزائريين فكرة أن الصحراء المستقلة ستكون بطبيعتها ضعيفة ، وستقوضها التأثيرات الخارجية ، وبالتالي فإنها ستشكل في نهاية المطاف خطرًا على استقرار المنطقة.

ومن المعلوم، أن مسألة الموقف الجزائري فيما يتعلق بالصحراء لم تكن أبدًا موضوع نقاش وطني حقيقي. رسميا ، يسود الإجماع ، باستثناء بعض الاستثناءات مثل الجنرال نزار. غالبية الطبقة السياسية ، بمن فيهم الإسلاميون ، لم تتوقف أبدًا عن المطالبة بحق تقرير المصير للصحراويين بينما تدعو مع ذلك إلى علاقات أكثر سلمية مع "الشعب الشقيق" في المغرب.

هذا الخطاب قد يبدو متناقضا، إلا أن العديد من الجزائريين يتبنون موقفًا محايدًا إلى حد ما ، وحتى غير مبال. فإن هذا الرأي الصامت يميل إلى التصرف كما لو أن هذه المشكلة تخص القادة فقط وليس الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام