الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما يشبه الحوار حول مشروع تدريس الفلسفة للأطفال مع صالح الوائلي

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2022 / 6 / 20
حقوق الاطفال والشبيبة


الفلسفة من بين كل أنساق المعرفة الإنسانية التي تتصل اتصالا حميميا بالإنسان المتجاوز لذاته باستمرار في رحلة البحث عن المعنى ماوراء المعنى وهي إذ جمعت في بنيتها العميقة بين الحب والحكمة فإنها حميمية الصلة بالانسان أنها وليدة اقتران القلب والعقل ثمرة الزواج المقدس بين أقوى وأنبل عاطفة انسانية «الحب» وأسمى وأجل مزية تميز بها الانسان عن الحيوان العقل «الحكمة» وفعل «أحب» اليوناني يعني وافق وانسجم أو تكلم بلغة العقل إلى الحكمة فمن ذا الذي يكره الحكمة قال تعالى«وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» البقرة الاية«216» وقال عزوجل«ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً» البقرة الآية«269».
على أي حال فمهما كانت مواقفنا من الفلسفة فهذا لاينقص من أهميتها وضرورة استيعابها أن اردنا أن نفهم مايدور في عصرنا.إن علاقة الفلسفة بالانسان هي علاقة حميمية لازبة ،إذ هي موقف الانسان الكلي ازاء الكون والحياة والتاريخ وهي نظرة عامة إلى العالم ،هي تجاوز الانسان الدائم لذاته وأني لأرى أن الحقل الفلسفي هو الانسان بما هو علاقة متعددة الابعاد والعناصر وإن كل مشكلة لايمكن تصورها إلى نسبة إلى الانسان وكل مايتصل بالعالم فلسفياً هو العالم الذي فيه الانسان أنها معرفة الانسان بذاته ولذاته.. هي تساؤل الانسان الدائم عن الحقيقة المتخفية وراء مظاهر الاشياء هي سؤال عن المعنى معنى الوجود معنى الحياة ،الزمان والمصير ، والخير والشر ،والعدل ،والحق هي تحليل نقدي للحياة بما هي وجود ومعرفة وسلوك ماذا أكون؟ ماذا أعرف؟ ماذا أفعل؟الفلسفة تساؤل مستمر وتاريخها هو تاريخ تساؤل الفكر النقدي مع ذاته ومع العالم لكن سؤال الفلسفة ليس سؤالاً محايداً ذلك لأن واضع السؤال أي الانسان متضمن وعالق فيه ،وهذا هو سر الدهشة والقلق الملتهب الذي عده أفلاطون أصل كل تفلسف ،ولأن الفلسفة تساؤل والتساؤل تقوى الفكر حسب «هيدجر» فمن السذاجة التبشير بأفول نجمها. فمادام بقي الانسان حياً يرزق وقادراً على مباشرة التأمل والتفكير والتساؤل والاندهاش فالفلسفة في ازدهار ذلك لأنها صبوة الانسان وشغفه المتعطش باستمرار للمعرفة. بيد أن سؤال الفلسفة ليس سؤالاً أبديا مغلقاً طرح مرة واحدة وإلى الأبد بل هو سؤال مفتوح متغير متجدد متجاوز لذاته باستمرار ،ناف لصيغه ومشكلاته القديمة بصيغ ومشكلات جديدة بقدر مايقرر التطور التاريخي من مشكلات ومهمات جديدة وتحديات مستفزة للعقل والوجدان.
وفي كل عصر يعاود الناس السؤال عن معنى الفلسفة وجدواها بوصفها منهجاً للفكر الذي يفكر ولمن يفترض تعليمها ؟ هل للكبار أم للشباب أم للأطفال؟ للرجال أم النساء؟ أم لكل فئات الشرائح الاجتماعية؟ تداعت تلك الفكرة إلى ذهني وأنا اقرأ مقال الدكتور صالح الوائلي عضو المجمع الفلسفي العربي ورئيس مؤسسة الدليل العقدية في العراق . إذ كتب محذرا من مشروع تدريس الفلسفة للأطفال قائلا" طرح في الفترة الأخيرة مشروع الفلسفة للأطفال، وأجد هناك متحمّسين لهذا المشروع من شخصيات مهتمّة بالفلسفة، ويبدو أنّ هناك دولًا عربيةً أبدت استعدادها لاحتضان ورعاية هذا المشروع؛ ظنًّا منها أنّه سيخرجها من مأزق التطرّف والتمرّد على السلطة، وستستتبّ من خلاله سلطتها وسطوتها على المجتمع الرافض لسياستها.
والمشكلة أنّ المنظّرين لهذا المشروع تغافلوا عن نهج الحكماء وطريقتهم في تعليم الفلسفة وتحذيرهم المستمرّ بعدم تعليمها لغير مستحقّها، ومن الطبيعي أنّ الطفل غير مؤهّلٍ ذهنيًّا لمثل هذه المعارف الدقيقة مهما حاولت تبسيطها، وما سمعته من تبريرات بعض الأساتذة حضّار مؤتمر الفلسفة للأطفال الذي أقيم مؤخّرًا على الفضاء المجازي، بأنّ الطفل أصبح اليوم يستطيع التعامل مع وسائل التكنولوجيا بكلّ ذكاء، وأنّ الأطفال يسألون أسئلةً فلسفيةً، وبالتالي توجد لديهم القدرة على تفهّم مسائل الفلسفة"( صالح الوائلي، مشروع الفلسفة للأطفال أم مشروع التربية الفكرية؟ المجمع الفلسفي العربي2022) هكذا كتب صاحب مؤسسة الدليل للبحوث والدراسات العقدية في العراق الحبيبة. ولما كنت أحد المهتمين بمشروع تدريس الفلسفة للأطفال فقد استفزني هذا المقال وجعلني أعيد التفكير في هذه الدعوة الجديرة بالنقد والتقييم. وقد لمح الكتاب إلى المؤتمر الدولي الأول الذي عقده أتحاد الفلاسفة العرب ورئيسه الدكتور محمد عرفات حجازي عبر الفضاء الافتراضي بتاريخ 24 ـ 25/ 5/ 2022م وقد تشرفت بحضور جلساته مع نخبه متميزة من الأكاديميين والباحثين العرب المهتمين في مشروع تدريس الفلسفة للاطفال من النوع الاجتماعي إذا كانت مشاركة الباحثات أكثر من الباحثين فضلا عن حرصهن على حضور معظم جلسات المؤتمر ومداخلاتهن الرائعة التي تنم عن وعي عميق بموضوع المؤتمر وأهميته وربما كان ذلك يعود إلى غريزة الأمومة وحس الاهتمام والرعاية التي تتميز به النساء على الرجال فضلا عن قلق التربية والمستقبل في عالم شديد الاضطراب والتسارع. إذ كتب الوائلي بالحرف الواحد " وما سمعته من تبريرات بعض الأساتذة حضّار مؤتمر الفلسفة للأطفال الذي أقيم مؤخّرًا على الفضاء المجازي، بأنّ الطفل أصبح اليوم يستطيع التعامل مع وسائل التكنولوجيا بكلّ ذكاء، وأنّ الأطفال يسألون أسئلةً فلسفيةً، وبالتالي توجد لديهم القدرة على تفهّم مسائل الفلسفة. هذه التبريرات غير مقنعة وليست واقعية، وغير مبنية على أسس علمية بالمطلق" ولا أدري من أين أتى الوائلي بمثل هذه الأحكام القطعية؟ لقد استمعت مثله إلى مداخلات فكرية مهمة قدمها المشاركون في المؤتمر والمشاركات من واقع خبراتهم /تهن/ العملية ومنهم محمد السيد صاحب كتاب التفكير الناقد الذي تم اعتماده مؤخرا منهجا لتدريس التلاميذ في وزارة التربية والتعليم السعودية والأستاذ الدكتورة فاطمة إسماعيل من جامعة عين شمس عن أهمية تدريس الفلسفة للأطفال والاستاذة الدكتورة هدى الكافي عن تجربتها العملية في تدريس الفلسفة للأطفال في تونس التي أثبتت فيها نجاعة هذا النمط من التعليم الحواري الفعال. وقد كان مؤتمرا مهما وناجحا بكل المقاييس ووسؤال التربية هو سؤال الحاضر والمستقبل. إذ كيف نربي أطفالنا في عالم متغير وماذا نريد أن نكون في المستقبل؟ أنه سؤال فلسفي استراتيجي بامتياز . ففي عالم تحول السلطة؛ سلطة الأسرة والآباء والامهات والمدرسة والمجتمع والمربين ورجال الدين يزداد القلق على الأطفال التشتت والضياع في خضم السوشل ميديا والمؤثرات الخارجية التي يصعب السيطرة عليها. فلم يعد الأبناء هم أولئك الذين يطيب لهم العيش في كنف العائلات ويتلقون التعاليم والنصائح من أمهاتهم وآباءهم كل صباح ومساء بل صاروا يتفاعلوا مع العالم ويتأثروا بسيل منهمر من المنبهات الإعلامية التواصلية الفضائية في ظل انشغال الآباء والأمهات عنهم بالجولات ومثيراتها. فالأسرة لم تعد مدرسة المشاعر الأولى في تنمية وتأهيل الأبناء كما كانت في جمهورية أفلاطون بل ثمة تحول عميق في سلطتها. والأطفال كما يعلم الوائلي هم أشد الفئات الاجتماعية تأثرا في السوشل ميديا الجديدة إذ أن الجوال الذي يحمله كل طفل بيده ليس مجرد وسيلة تواصل واتصال بل هو العالم كله في متناول اليد؛ مكتبة ومعرفة واخبار واحداث وصور ورموز وتوجهات وثقافات وقيم ومواقف ومثيرات ومؤثرات من كل شكل ونوع والاطفال هم أشد الفئات انجذابا وتفاعلا معها فكيف السبيل إلى تقنينها وجعلها بنائية ايجابية خلاقة في عملية التنمية المستدامة؟ تنمية الذكاءات المتعددة في ذات الناشئة؟ ( الذكاء الوجداني والذكاء المنطقي الرياضي والذكاء الاجتماعي والذكاء البصري والذكاء الايقاعي الموسيقي والذكاء اللغوي والذكاء العضلي والذكاء الوجودي) ففي ذات كل إنسان طيف واسع من المواهب والقدرات المتعددة التي تستدعي التأهيل والتنمية. وتلك هي وظيفة الثقافة في بوصفها الراسمال الذي يبقى بعد نسيان كل شيءٍ! السنا في حاجة إلى الفلسفة اليوم أكثر من أي وقت مضى؟ وبحسب عبد الجبار الرافعي " ينتجُ التقدمُ المتسارع حالةَ لايقين شاملة، تطول: القيمَ، والمعتقدات، والثقافات، والاقتصادات، والنظم السياسية، والسياسات المحلية والإقليمية، والعلاقات الدولية، والعلاقات الاجتماعية، وكلَّ شيء في حاضر الإنسان ومستقبله.كلّما تضخم اللايقينُ واتسعت مدياتُه اتسعَت الحاجةُ لحضورٍ فاعلٍ للعقل الفلسفي. الأسئلةُ الوجودية الكبرى وأزماتُ العقل والروح ليست من اختصاص العلم، ولا تقع في فضاء المادة والتجربة. 
‏‏ لم يولد العلمُ إلا ‏في أحضان الفلسفة، تظلّ الفلسفةُ تواكبُ العلم، تتغذّى بأسئلته الحائرة ومشكلاتِه وأزماته خارجَ حدود المادة والتجربة، وترفده وتغذّيه بالأجوبة والحلول والرؤية لما تنتجه تطوراتُه من تساؤلاتٍ ومشاكلَ وأزماتٍ روحية وأخلاقية ونفسية وعقلية، سواء أكانت هذه المشاكلُ والأزمات فرديةً أو مجتمعية" ( ينظر، عبدالجبار الرفاعي والحاجة إلى الفلسفة 2022" وأول ما استوقفني ادعاء الوائلي ب" أنّ هناك دولًا عربيةً أبدت استعدادها لاحتضان ورعاية هذا المشروع؛ ظنًّا منها أنّه سيخرجها من مأزق التطرّف والتمرّد على السلطة" والسؤال ما هي الدول العربية التي تحتضن مشروع تدريس الفلسفة للأطفال؟ إذ بحسب علمي لا توجد دولة عربية واحدة تتبنى هذا المشروع التعليم والتربوي الجديد الذي آخذ يزدهر في كثير من دول العالم المعاصر. وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الأمم المتحدة للفنون والآداب والعلوم اليونسكو، قد سبق وناقشت موضوع تدريس الفلسفة في اجتماعها المنعقد بباريس سبتمبر 1951م.( اليونسكو، الفلسفة مدرسة الحرية، تعليم الفلسفة وتعلم التفلسف: وصف الحالة الراهنة واستشراف المستقبل 2009) وأتذكر أنها أصدرت حزمة من القرارات الهادفة إلى تعزيز الدرس الفلسفي حيثما كان موجودا في دول العالم ودعوة الدول التي تمنح تدريسها إلى ضرورة تمكينها بوصفها حقا إنسانيا أساسيا من حقوق الانسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الانساني ديسمبر1948 الصادر عن منظمة الأمم المتحدة. وجاء في البيان الصادر حينذاك؛ أن تعلم وتعليم الفلسفة للتلاميذ يعد حقا من حقوق الحرية الانسانية( عادل عواء، أهمية الفلسفة، 1980).في هذا السياقي التاريخ الواسع يمكننا فهم ومعنى أهمية وحيوية مشروع تدريس الفلسفة للأطفال الذي بدأت فكرته وتطبيقها عند عالم التربية الأمريكي، ماثيو لبيمان،  من خلال مؤلفاته العديدة، من بينها؛ التفكير في التربيةو"الفلسفة في الفصول الدراسية، ورواية اكتشاف هاري ستوتلميير)وغيرها من الكتب الأخرى، التي عمل فيها ماثيو ليبمان على إبراز دور وأهمية تدريس الفلسفة للأطفال. أن مشروع تدريس الفلسفة للأطفال ليس مشروعا عربيا ابدا بل هو مشروع عالمي أممي ظهر منذ أكثر من نصف قرن يادكتور صالح الوائلي. وأول من نادى به هو عالم التربية الأمريكي ماثيو ليبمان 1923-2010). وكان أستاذاً للمنطق بجامعة كولومبيا عندما بدأ النظر في الحاجة إلى تغيير منهجية التدريس في ذلك الوقتوبشكل أكثر تحديداً، كان ذلك أثناء حرب فيتنام، عندما لاحظ قدرة محدودة من معاصريه لالتقاط الأفكار المعقدة والتعبير عن آرائهم. وكما هو معلوم أن الحرب الأمريكية في فيتنام ونتائجها الفاجعة في المؤسسة العسكرية الأمريكية قد شكّلت عقدة نفسية في الضمير الأمريكي العام وأثارت أمواج عاتية من النقاش والجدل في الرأي العام، وحينما كان ماثيو ليبمان يستمع ويشاهد ويتأمل المداولات الصاخبة والنقاشة المحتدمة بين الباغين من افراد مجتمعه حول أزمة فيتنام وغيرها من المعضلات المجتمعية الأخرى التي كانت تشغل أفق حاضره الحي المباشر_لاحظ الفيلسوف وهو سليل الفلسفة البرجماتية، وفلاسفتها الكبار امثال: شارل بيرس ووليم جيمس وجون دوي إذ تشير الدراسات الى أن المصادر الفكرية التي استند اليهاليبمان، في صياغة مشروع تدريس الفلسفة للأطفال هي مصادر متعددة "تتراوح بين المذهب الإنساني المعاصر و الفلسفة الجذرية (نظرية الوعي المشترك) و السلوكية و البنائية)، لكن دانييل تؤكد أن أهم مصدر له تأثير مباشر على تشكل الفلسفة للأطفال عند ماتيوليبمان هو البراجماتيىة كما بلورها كل من شارل ساندرس بيرس و جورج هربرت ميد و جوستوسبوشلر)، و خصوصا جون ديوييتجلى التأثير البراجماتي في عدة جوانب خاصة منها: فكرة مجموعة البحث و التركيز على النشاط و الخبرة و المساءلة التي هي صورة للشك البراجماتي و الديمقراطية و الربط بين التعلم و الحياة و ما إلى ذلك فضلا عن تخصصه العلمي في منطق التفكير العقلاني(ينظر،مصطفى بلحمر،  الطفل و الفلسفة: هل هناك فلسفة قاصرة ؟ الحوار المتمدن 2015) انطلاقا من هذا البرادايم الثقافي العام لاحظ ليبمان،أن هناك خللا خطيرا في التفكير أصاب المجتمع الأمريكي، إذ بدى وكأن الناس لا يعلمون عن ماذا يتحدثون؟! ولما كان مدركا بأن هذا الداء الوبيل المستشري في أنماط تفكير البالغين قد فات الزمن لا تقويمه وإصلاحه، وبعد طول تأمل وتفكير في كيفية الخروج من تلك المعضلة المستعصية اهتدى الى فكرة التكوين، أي المدرسة حيث تتكون المعتقدات والأفكار والاتجاهات والمواقف والتفضيلات والمشاعر.كتب مايكل بريتشارد: في اواسط الستينات من القرن العشرين انتابت الحيرة الفيلسوف ماثيو ليبمان، إزاء انخفاض نوعية النقاش الذي كان يدور بين مثقفين بلاده بشأن حرب فيتنام وأمراض المجتمع الاخرى ولأنه مقتنعا بإن تدريس المنطق يجب أن يبدأ بمدة طويلة قبل الجامعة حاول أن يتصور ويصيغ طريقة جديدة لتحفيز اهتمام الأطفال للمرحلة العمرية 10-12 سنة وهو المشروع الذي ترك جامعة كولومبيا من أجله، وأسس معهد لهذا الغرض في كلية مونتكلير عام 1970)(مايكل بريتشارد، فلسفة الأطفال، ترجمة، سميرة أحمد بادغيش، موسوعة ستانفورد، موقع حكمة، 2018/7/19م) انطلاقا من الفكرة التي تقول: إذا تكّون ذهن الإنسان على نمط من انماط الاعتقاد صار من الصعب تغييره. وفي ذات السياق كتب فيلسوف التربية الفرنسي"يجب أن نبتدئ بالمدرسة _ سوف يتكون مجتمع الغد في المدرسة أو لن يتكون"المدرسة والفلسفة هي كلمة السر المفتاحية في فهم مشروع ليبمان الداعي الى ضرورة تدريس الفلسفة للأطفال. وكانت روايةاكتشاف هاري ستوتمايرعام 1974م كأول رواية فلسفية تستهدف الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 10- 11 سنة، تلك الرواية هي اللبنة الأولى في مشروعه الاستراتيجي البالغ الحيوية والأهمية في اعادة تنمية وتأهيل العملية التربوية والتعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم أجمع. وعلى أثر تلك الرواية وما صادفته من نجاح منقطع النظير أسس معهد النهوض بالفلسفة للأطفال. تم تطبيق منهجه لأول مرة في العديد من المدارس العامة في ولاية نيو جيرسي، وبعد سنوات من التجربة الناجحة في اختبار نظرية تعليم الفلسفة للأطفال في بعض مدارس ولايته. سرعان ما شاع صيتها في عموم الولايات المتحدة الامريكية التي اخذت في تجريبها وتطبيقها في مدارسها بحماسة واهتمام. إذ لم تمض بضع سنوات على ميلاد الفكرة والمشروع حتى صارت جزاءً اساسيا من برامج المناهج الدراسية الابتدائية والمتوسطة في معظم مدارسها أن لم تكن جلها. ومنذ بداية القرن العشرين انتشر هذا النمط الجديد من التعليم الذي اقترحه ليبمان انتشار العطر بالهواء في كثير من دول العالم ليشمل أكثر من خمسين دولة، كل تلك النجاحات للمشروع وإنجازاته حدثت أمام انظار صاحبه، ماثيو ليبمار الذي وافاه الأجل في 26 ديسمبر 2010 في ويست أورانج بنيو جيرسي موطن مولده.هذا أولا وثاني ينطلق صالح الوائلي في تحذيره من مخاطر تدريس الفلسفة للأطفال من ما اسماه " منهج الحكماء وطريقتهم في تعليم الفلسفة وتحذيرهم المستمرّ بعدم تعليمها لغير مستحقّها" ( ينظر، صالح الوائلي، مشروع الفلسفة للأطفال أم مشروع التربية الفكرية؟، المجمع الفلسفي العربي 2022) تلك الفكرة التي تستعيد التذكير بالتقليد القديم في تقسيم الناس إلى العامة والخاصة وخاصة الخاصة عند الغزالي
في المظنون به على غير أهله إذ كتب الوائلي ما يلي" لذا أحذّر وبشدّةٍ من التورّط في هذا المشروع غير المدروس، وينبغي التوقّف عنه فورًا، ثمّ علينا أن نسأل أنفسنا لماذا لم يبادر الفلاسفة والحكماء السابقين لهذا المشروع؟ خصوصًا ونحن ندرك مدى اهتمامهم بتعليم مجتمعاتهم الفلسفة. من المؤكّد أنّهم أدركوا عبثية هذا التعليم للأطفال، ومن هنا حذّر العالم النفساني جان باجيه من تعليم الفلسفة للأطفال، فالطفل غير مهيّـإٍ لمثل هذه المعرفة، فكأنّك في هذا الحال تعطي غذاءً يناسب الكبار لرضيع، أو أن تشرح لطفلٍ بعض مختصّات البالغين الجنسية"( صالح الوائلي، المجمع الفلسفي العربي) نعم ارتبطت الفلسفة عبر تاريخها الطويل بصورة نمطية للرجل الكهل الحكيم الذي يبدو منهمكا في التأمل والتفكير في مشكلات العالم الميتافيزيقية (ما وراء الطبيعة) وتطالعنا الأنثربولوجيا الفلسفية منذ القرن السادس قبل الميلاد، في اليونان القديم بنماذج بالغة الرمزية والدلالة للصور النمطية التي اكتسبتها الفلسفة والفلاسفة ورموزها الفاعلة (سقراط، أفلاطون، ارسطو، الفارابي، والغزالي وابن رشد، ديكارت، كانط، هيجل ..الخ) ويعد افلاطون أول من صاغ نظرية للتربية في جمهوريته الفاضلة ونادى بتربية الانسان وتنمية قدراته العقلية عبر نظام تربوي وتعليمي صارم على مدى خمسين عاما في خمس مراحل تبدأ بالتربية البدنية وتنتهي بالتربية الفكرية الفلسفية. إذ وضع التربية الفكرية في قمة الهرم الذي يتربع عليها الملك الفيلسوف. ربما كان السياق التاريخي وشروط قواه الفاعلة التي تستند على عناصر القوة المادية الفجة؛ قوة الاجساد والسواعد وقوة الجماعات المنظمة والعتاد العسكري، ذلك السياقالبطريركي الذي شكل التاريخ الإنسانيحتى عهد قريب هو ما يفسر هيمنة النموذج الأفلاطوني الذكوري في التربية والتعليم العام. ويطلعنا تاريخ الأفكار بأن الفكر اليوناني لم يعبأ كثيرا بالأطفال و تربيتهم فلسفيا وأن انشغاله الرئيس إنما كان منصبا على تربية الكبار. فالطفل بالنسبة لهم هو حيوان صغير فحسب لا يكف عن الضجيج و الحركات الفوضوية، فيما يرى أفلاطون أن الطفل عاجز عن تجاوز المحسوسات و غير قادر على التطلع إلى عالم المعقولات والمُثل، فهو لا يختلف عن الرعاع و العامة ممن بقوا سجناء عالم المادة في كهفهم المظلم. و يذهب أرسطو إلى ن الطفل لا يختلف في شيء عن الحيوان بما أنه يظل سجين الحس والجسد. و هو غير قادر لا على استعمال العقل ولا على اكتساب الفضيلة وبالتالي السعادة. إن الطفولة هي مرحلة شقاء في الوجود وهي في حياة الإنسان، تقابل الجزء الشبقي من النفس أي الجزء اللاوعي والمفتقر إلى الاستقرار والاعتدال. وقد هيمنت تلك الصورة السلبية المتعلقة بالطفولة وتعلم الفلسفة على أفق الفلسفة الوسيطة( المسيحية الإسلامية) ففي العصور الوسطى كان القديس أوغسطينSaint Augustin يربط بين الطفولة و اللإكمال ويلصق بالطفل الخطيئة الأصليةLe péché original للبشرية جمعاء. واعتبر بوسوييهBossuet أن الطفولة هي الظلام والإثم والحياة البهيمية.أما فلاسفة الإسلام أمثال الغزالي وابن سينا وابن خلدون وغيرهم. فقد حفلت نصوصهم بالعناية بالطفل وتربيته جسديا ونفسيا ولكن بهدف تكوينه كائنا مطيعا ومندمجا في المجتمع وليس بهدف اطلاق قدراته العقلية ومواهبه الفردية. وهي بذلك لم تخرج عن المنظور التقليدي من جهة اعتبار الطفل قاصرا أن ذهنه صفحة بيضاء يمكن أن تنقش فيها المعارف منذ الصغر. وقد استمرت هذه الصورة السلبية عن الطفل حتى بداية الفترة الحديثة حيث نجد فيلسوفا كديكارت ما يزال يرى أن الطفولة هي الخطأ L’erreur و أن الطفل عاجز عن إدراك الحقيقة لأنه غير قادر، بعدُ، على إحكام قيادة عقله أو استعماله الاستعمال الحسن، وكل ما هو متطور لديه إنما هو الحواس.
ربما بدأ التحول التدريجي لهذه الصورة النمطية السلبية عن الأطفال والفلسفة مع حلول القرن السابع عشر ابتداء من جان جاك روسو، في المتوحش النبيل ستبدأ صورة جديدة للطفل والطفولة في التشكل و التبلور، وهي صورة الطفل الطيب الطبيعي الذي يتوفر على قوى وقدرات يتعين إطلاقها وتنميتها إذ كتب روسو في نقد نظام التربية التقليدي" يولد الأطفال أذكياء بالفطرة ثم نقوم نحن بتحويلهم أغبياء بالتربية" لكن روسو وأمثاله ممن تحدثوا عن براءة الطفل وطبيعته لم يجرؤوا على اعتباره كائنا ميتافيزيقيا قادرا على التفلسف بذاته.ربما كان أوضح فيلسوف دعا إلى تعليم الفلسفة للأطفال هو الفرنسي مونتين إذ أكد" أن الأطفال قادرون على تعلم الفلسفة ومن جهة ثانية، أن الفلسفة ضرورية في تربية الأطفال . فإذا كانت غاية التربية إعداد الأطفال للحياة فالفلسفة هي السبيل إلى هذا الإعداد، و حيث إنه لا توجد سن محددة للشروع في تعلم العيش بل الأمر يتعلق بالعمر كله فكذلك الشأن بالنسبة لتعلم التفلسف، فهو خاصية إنسانية من الصغر و حتى الكبر. إن الفلسفة جديرة بتعليم الأطفال الحذر اللازم لحياة سليمة و تقيهم من كثير من الصعوبات و المشاكل، على أن مونتين يرى أن ثمة مجالات في الفلسفة لا تلائم الأطفال (الجدل مثلا) كما أن هناك مجالات بسيطة مفيدة لهم. لذا يتعين اختيار ما هو مناسب من مواضيع و نصوص لتعليمهم تبعا لسنهم".ولا ينحصر تعلم الفلسفة من قبل الأطفال لدى مونتين على القراءة فحسب، بل يتعداه إلى الكتابة، أيضا.غير أن دعوات هؤلاء الفلاسفة ظلت مجرد دعوات لم يتبعها سعي حقيقي إلى فتح باب تعلم الفلسفة أمام الأطفال، و كان علينا انتظار القرن العشرين لنشهد بداية النضال من أجل النزول بسن تعلم الفلسفة إلى ما قبل المراهقة أو ما قبل السنة الثانية باكلوريا. و كان علينا انتظار تطور العلوم الإنسانية و خاصة منها الدراسات السيكوسوسيولوجية التي أبانت عن أن الطفل كائن ذو شخصية متميزة و قادر، في سن مبكرة، على التفكير المجرد و التفكير النقدي. و زيادة الوعي بحقوق الطفل بما فيها حقه في التفكير الحر و التعبير المستقل. وذلك هو حققته هذه ثورة تدريس الفلسفة للأطفال التي تزامنت بين فرنسا وامريكا إذ تشير الدراسات الى أن فرنسا على وجه الخصوص كانت مسرحا لهذا الدعوة. إذا تشكلت هناك مجموعة للدفاع عن تعلم الفلسفة و توسيع نطاق تدريسها و عملت على تقويض الحجج التي استند عليها دعاة الإقصاء و هذه الحركة مشهورة باسم الكريفGREPH الذي هو اختصار لمجموعة الأبحاث في تعليم الفلسفة Groupe de recherches sur l’enseignement de la philosophie .تأسست مجموعة الكريف سنة 1974 برئاسة الفيلسوف جاك دريدا و ضمت عددا من الفلاسفة أشهرهم فلادميرجانكلفيتش، و التحق بصفوفها جل الباحثين في الفلسفة و مدرسيها بالجامعة و الثانوي و شارك في ندواتها فلاسفة كبار من أشهرهم بروني R. Brunet و دوزانتيJean-Toussaint Desanti و شاتليFrançois Chatelet و دولوزGilles Deleuze و كولومبيلJeannette Colombel و غيرهم. و قد تقوت الحركة عندما تحولت إلى جبهة لمقاومة الإصلاحات التي أعلن عنها وزير التربية الفرنسي المشهور روني أبي René Haby و التي كان من بين أهدافها الرئيسة إقصاء الفلسفة من التعليم الثانوي التأهيلي.المسيوهابي شغل وزيرا للتربية الوطنية في حكومة جاك شيراك و حكومتي ريمون بار الأولى و الثانية و ذلك ما بين 28 ماي 1974 و 5 أبريل 1978، و كان الرئيس الفرنسي، آنذاك فالري جيسكارديستانغValéry Giscard D’estaing 1974/1981 يتحدث عنه كخبير و تقني في البيداغوجيا. أصدر المسيوهابي سنة 1975 إصلاحا عرف طريقه إلى التصديق سنة 1977، يتمركز هذا الإصلاح على فكرة نظام الإعدادية الوحيدة Collège unique و بالتالي توحيد التخصصات و المسالك، و يقوم، فيما يخص الفلسفة، على إدراجها في السنة الأولى ثانوي بمعدل 3 ساعات أسبوعية، لكنه يجعل تعلمها قي القسم النهائي للباكلوريا أمرا اختياريا optionnel... لقد نزل هذا القرار كالصاعقة على المشتغلين بتعليم و تعلم الفلسفة إذ نجم عنه تقليص كبير في حصص تدريسها و تجميد لتوظيف مدرسي المادة لسنوات خلافا لكل التوقعات لم تتحقق في فرنسا و إنما في الولايات المتحدة الأمريكية باسم تيار تعليمالفلسفة للأطفال.لقد اعتمد صالح الوائلي في تحذيره من مخاطر تدريس الفلسفة للأطفال من فرضية قصور الأطفال وعجزهم عن فهم الأفكار المجردة إذ كتب " في الواقع موضوع الفلسفة ومسائلها من المحال على الأطفال إدراكها، والسبب هو أنّ المسائل الفلسفية تحتاج إلى بلوغ ونضوج عقلي، والطفل إلى ما بعد سنّ المراهقة لا تتوفّر لديه هذه القابلية، فهو يدير دفّة مدركاته بالحسّ والخيال والوهم، وليس لديه قدرة التجريد وإدراك مسائل ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا) التي هي مجال البحث الفلسفي.إقحام عقل الطفل في مسائل الفلسفة يعني تشويهًا للفلسفة وإرباكا لذهن الطفل؛ لأنّه سيضطرّ لأن يجسد هذه الأفكار بشكل خيالي وهمي، وهو خلاف الهدف من التفلسف، كما أنّ الطفل سوف ترسخ في ذهنه مفاهيم مخطوءة من الصعب اقتلاعها بعد ذلك، ولعلّ هذا النوع من التعليم للأطفال سينتج لنا أجيالًا غريبةً في تفكيرها وسلوكياتها" وهذا الاعتقاد في عدم كفاءة الأطفال لتعلم وفهم الأفكار المجردة صار من مخلفات الماضي إذ جرى الاعتقاد جرى ترسيخ الاعتقاد أن الطفولة هي مرحلة عمرية في حياة الكائن الإنساني تأتي بعد المهد والفطام وتمتد من السنة الثالثة حتى الثالثة عشر.تعقبها المراهقة حتى البلوغ في الثامنة عشر من العمر. وتعد هذه المرحلة العمرية في حياة الإنسان مرحلة القصور العقلي التي يستدعي الرعاية بالتربية والتعليم من الراشدين. غير أن هذا الاعتقاد لا يعدو كونه ترسيما إيديولوجيا تاريخيا وليس من طبائع الأمور كما ترسخ في تاريخ الثقافة الذكوري الطويل، وتلك هي مفارقة المعتقد بحسب(بورديو،الهيمنة الذكورية، ترجمة سلمان قعفراني، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 2009م) وقد بينت بعض الدراسات "أن مفهوم الطفل كما نتداوله حاليا أي ككائن بشري في سن محددة تسبق المراهقة و ذي شخصية متميزة ومستقلة _هذا المفهوم عن الطفل لا يتجاوز عمره المائة سنة، و حتى عندما تشكل مفهوم الطفولة تدريجيا ولاحقا في الفترة المعاصرة ظل مسرحا لأكبر التناقضات النظرية حيث نجد الباحثين يختلفون في تعريفه كما يختلفون في تحديد المدة الزمنية للفترة العمرية المسماة طفولة و يختلفون، كذلك، في ضبط معايير الانتقال من مرحلة الطفولة إلى ما بعدها، و كذا المعيار المعتمد في تحديد هذا الانتقال أهو نفسي أم جسدي أم عقلي وفي كثير من المجتمعات لا يتحدد الانتقال من مرحلة الطفولة إلى المرحلة التي بعدها اعتمادا على السن و إنما بحسب طقوس معينة تعرف في حقل الأنثربولوجيا بطقوس المرور أو الانتقال Les rites de passage أي بعد النجاح في القيام بطقوس معينة كاستظهار متون خاصة أو تأدية رقصات محددة أو القيام بأفعال لصالح القبيلة أو الختان أو الصيام أو ما إلى ذلك.ومن جهة ثانية، ذهب باحثون آخرون إلى أن ما يسمى بالطفل أو الطفولة إنما هي فكرة للراشدين يتداولونها فيما بينهم لتحقيق أهداف سياسية أو إيديولوجية دون أن ترتبط حقيقة بواقع الطفولة، هذا ما جعل، مثلا، باحثا كبرونرBrauner يعلن أن "كتبنا عن الأطفال قد كذبت" و ذلك بعد أن استفاق على البون الشاسع بين واقع الطفل و الدراسات التي أنجزت عنه أو الكتب التي ألفت عن الطفولة"( ينظر، مصطفى بلحمر،  الطفل و الفلسفة: هل هناك فلسفة قاصرة ؟ الحوار المتمدن) .وهناك جدل كثير لا يتسع المجال لعرضه هنا. وبالنسبة لأغراض هذه الدراسة نجمل القول: بأن مصطلح الأطفال يراد به التلاميذ والتلميذات الذين/تن/ يتلقون تعليمهم النظامي في المدرسة من الابتدائية حتى الثانوية. وقد أثبتت التجارب المخبرية أن هذه النمط من التعليم حيثما وجد قد افضى إلى التعليم الى:
1- تربية وتنمية ثقافة السؤال والحوار العقلاني في المدرسة من خلال الانطلاق من أسئلة الأطفال نفسها وإشراكهم في التفكير بالمشكلات الحيوية.
2- حث الأطفال على كتابة نصوص سردية تتمحور حول انتماء الطفل إلى شخصيات وحالات (تستحضر البعد الإنثربولوجي).( ماثيو ليبمات،اكتشاف هاري ستوتلميير 1974).
3- تحفيز التفكير الذاتي عند الأطفال وتخصيص حيز للكلام وتبادل الأفكار معهم بشأن  المشاكل الحيوية التي تحيط بهم ويعشونها في حياتهم اليومية المباشرة  فضلا اثارة النقاش حول المشكلات الفلسفية العامة الحرية والعدالة والأنانية والايثار والخير والشر والقبح والجمال والعقل والكلام و البيئة، الفقر، المساواة  والعنف والتطرف.الخ. وتكون المناقشة حرّة، شريطة استحضار النقد والدليل والحجة. ويرى الفيلسوف البرجماتي جون ديوي: "تخولنا وجهة نظر التربية  أن ندرك المشاكل الفلسفية حيث تنشا وتنمو في عقر دارها، حيث آلـ "نعم" والـ "لا" تعبران عن معارضة عملية" وإذ ما رأينا في التربية تكوين النزعات الأساسية الفكرية والوجدانية التي تتعلق بالكون والله والعالم والتاريخ والإنسان والحياة والموت والخير والشر والجمال والقبح  لعرفنا أهمية تربية العقل وتنمية ملكة التفكير النقدي عند الأطفال. في الواقع يحتاج مشروع تدريس الفلسفة للأطفال، أكثر من هذه العجالة، فهو جدير بالمزيد من البحث والدراسات المعمقة لما ينطوي عليه من أفكار بالغة الأهمية على صعيد الدراسات التربوية والتعليمية. فمن ماذا تخاف يا شيخ صالح الوائلي؟ لاسيما ونحن نعلم أن مشروع تدريس الفلسفة للأطفال لا يعتمد تدريس الأفكار الميتافيزيقية المجردة التي يعجز عن فهما الكبار بل يهتم بتعليم القيم والمواقف الإنسانية المعاشة بطريق الحوار والاشتباك مع المواقف والمشكلات الحيوية التي يعيشها الأطفال في حياتهم اليومية. إذ يقوم المشروع على تبسيط الفكر الفلسفي باستخدام ادوات جديدة في التعبير والتصوير والحوار، تستلهم الفن والأدب عبر السرد القصصي للشخوص والمواقف والاتجاهات والمعضلات.وقد أثبتت الدراسات الميدانية والتغذية الراجعة من المدارس التي استنتجت مدخل ليبمان في تعليم الفلسفة للأطفال فروقا ايجابية قابلة للقياس بين الأطفال الذين تلقوا هذا النمط من التعليم وغيرهم الذين لم يتلقوه، من حيث الذكاء والقدرات المنطقية والروية الكلية للعالم ومشكلاته.ويدل انتشار هذا النمط الجديد من التعليم في عدد واسع من دول العالم المتقدمة على ما ينطوي عليه من ممكنات تربوية وتعليمية واعدة في تأهيل وتنمية عقول الأجيال الصاعدة على أسس فكرية إنسانية عقلانية سليمة وواعدة.
ختاما: تستدعي أزمة التربية والتعليم في العالم العربي اليوم الاستفادة الملحة من هذا المشروع التربوي التعليمي والشروع التدريجي بتطبيقه في مدارسنا بابتداع الأدوات والسبل المتناسبة مع ثقافتنا.تجدر الإشارة إلى أن غياب الفلسفة وتهميش العلوم الإنسانية والاجتماعية في عدد من الدول العربية والتي لازالت بعضها تحرم تدريس الفلسفة في جامعاتها. قد أفضى إلى شيوع ثقافة التعصب والتطرف والعنف والإرهاب، وتشير دراسة علمية حديثة أعدها الخبير البريطاني مارتن روز، كبير مستشاري المجلس البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعنوان ( تحصين العقل) 2018م الى أن معظم المنجذبين للتطرف والإرهاب هم من اولئك الشباب المتخرجين من التخصصات العلمية البحتة كالطب والهندسة والذين لم يستنهجوا الفلسفة والعلوم الإنسانية. وفي تفسيره لهذه الظاهرة صاغ مفهوم العقل الهندسي بوصفه عقلا منمطا على بعد واحد للمعنى هو الخطأ والصواب على عكس العقل النقدي الذي ينظر الى الحقيقة من منظور احتمالي نسبي( ينظر، سمية متولي السيد، التخصصات العلمية للجماعات الإرهابية موقع رسالتنا 2016/5/8). فهل آن الأوان لتوطين وتمكين أشرف العلوم؛ محبة الحكمة في الدول العربية المعاصرة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال