الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف قرن من الصراع في الصحراء الغربية 7

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


مدى فاعلية المجتمع الدولي
يبدو أن هناك عنصران مهمان وجب اعتبارها لفهم الموقف الجزائري اتجاه ملف الصحراء. الأول مرتبط بوجود ضغينة عنيدة مستدامة في صفوف أجهزة الأمن الجزائرية تجاه الجار المغربي. وهذا لا يتعلق بالأساس بحرب الرمال أو إشكالية الحدود ، وإنما بما حدث خلال الحرب الأهلية الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي - "العقد الأسود". إلى اليوم تتهم الجزائر المغرب بغض الطرف - على الأقل إلى حدود غشت 1994 ، تاريخ هجمات مراكش - عن تصرفات الجماعات الداعمة للحركة الإسلامية (1). منذ ذلك الحين ، أراد العديد من المسؤولين الجزائريين باستمرار "معاقبة" الرباط. عقوبة تأتي في تسلسلين. الأول هو تفضيل الوضع الراهن في الصحراء ، حتى لو كان ذلك يعني التسبب في تدهور الوضع ويأس السكان اللاجئين في مخيمات تندوف. الآخر يعارض بشكل مطلق فتح الحدود البرية. افتتاح من شأنه أن يعطي نفسا من الهواء النقي للمناطق الشرقية من المغرب بفضل تدفق السياح الجزائريين.
-------------------
(1) عملية تفجير في فندق أطلس أسني في مراكش بتاريخ 24 غشت 1994. أظهرت التحقيقات أن الهجوم هذا تم التخطيط له بالموازاة مع عدة هجمات مماثلة. وهي أول عملية إرهابية فوق التراب المغربي، حيث استهدف مسلحون جزائريون الفندق أطلس إسني بمدينة مراكش السياحية. حينها اتهم المغرب المخابرات الجزائرية بالضلوع وراء الهجوم الإرهابي وفرض تأشيرة على الجزائريين وردت الجزائر بإجراء أكثر راديكالية، وذلك بإعلانها إغلاق الحدود البرية من طرف واحد بين البلدين، وهو الإغلاق الذي ما زال مستمرا إلى اليوم. وقد قادت التحقيقات التي أجرتها السلطات المغربية بتعاون مع السلطات الفرنسية، إلى التعرف على جزائريين كانوا وراء تدبير ذلك الحادث، وتم اعتقال ثلاثة أشخاص جزائريين حاصلين على الجنسية الفرنسية هم "هامل مرزوق" و"استيفن آيت يدر" و"رضوان حماد"، حيث تم إدانة اثنين بالسجن المؤبد وواحد بالإعدام. كشف "كريم مولاي" معلومات خطيرة حيث صرح لجريدة "القدس" إن «مديرية المعلومات والأمن الجزائرية –DRS- هي التي خططت للهجوم ، ولتوضيح مزاعمه قدم هذه المعلومة الدقيقة المثيرة: "أنا شخصيا من كلف بالجانب اللوجستيكي لهذه العملية التي لم أكن أعرف أن هدفها هو تنفيذ هجوم". وأشار العميل الجزائري السابق أيضا إلى أنه استفاد، في إطار مهمته اللوجستيكية، من تواطؤ موظفين مغاربة وعملاء يشتغلون لحساب المخابرات الجزائرية.
----------------------------------------

أما العنصر الثاني الذي يفسر استمرار أزمة الصحراء لا يتعلق بالجزائر فقط. ففي الوقت الذي ظل فيه الطرفان الأساسيان المعنيان غير عازمين فعليا على التفاوض بجدية من أجل التوصل إلى حل شامل لصالح المنطقة بأسرها، تجدر الإشارة إلى أنه لم يوجد أي شريك مغاربي رئيسي ، ولا أوروبي ولا الولايات المتحدة ، ولا حتى من دول الخليج، أراد الانخراط في مبادرة كبرى فعلية لجلب الجزائر والمغرب إلى طاولة المفاوضات. وفي فبراير 1989 ، أدى العمل الدبلوماسي للمملكة العربية السعودية بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا ، في سياق انفراج بين الغرب والاتحاد السوفيتي ، إلى ولادة اتحاد المغرب العربي وإعادة فتح الحدود البرية بين الجزائر والمغرب. بعد ستة وعشرين عامًا ، وبينما لا يزال العالم العربي يهتز من تداعيات انتفاضات 2011 ، يبدو الأمر كما لو أن المجتمع الدولي قد فقد كل أمل في التوصل إلى تسوية نهائية لمسألة الصحراء الغربية.

الشباب الصحراوي والخطاب السياسي في المغرب
لقد اتضح بجلاء أن شباب الصحراء الغربية هم أكثر من مجرد وزن ديمغرافي فسب ، أكثر من فئة اجتماعية، في السنوات الأخيرة ، أصبحت ضمن اللاعبين السياسيين في الركح السياسي المغربي، وقد أثرت درجة استقلاليتهم بشكل لا يمكن إنكاره على تطور الصراع . وبالتناغم مع التغييرات في مجتمعهم ، فإنهم يشكلون قوة ديناميكية معقدة بقدر ما هي متعددة الأوجه.

لقد تم تصنيف الصحراء الغربية على أنها "منطقة غير مستقلة" من قبل الأمم المتحدة ، وهي مستعمرة إسبانية سابقة تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع ، "تدار" بقبضة من حديد من قبل المغرب منذ عام 1975 ولكن جبهة البوليساريو تطالب باستقلالها بدعم من الجزائر. ويعيش هناك ما يقرب من 540 ألف شخص صحراوي ، أكثر من نصفهم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة.

لفرض سلطتها، قررت الدولة المغربية منذ السنوات الأولى الاعتماد على الوجوه القبلية والأعيان في الصحراء الغربية. وتم منحهم جملة من الامتيازات (تراخيص الصيد في أعماق البحار ، النقل، والتجارة...) ، وعبر مجرد التعيين المباشر، منحت مناصب عليا في الإدارة لأفراد العائلات الأكثر نفوذاً في الإقليم لضمان ولائهم. لكن فيما يتعلق بالنشطاء الانفصاليين المتعنتين ، اختارت الرباط بين عامي 1975 و 1999 مواجهتهم بالإجراءات الأمنية القمعية، الشرسة أحيانا كثيرة، وتم تصنيف الكثير منها بالأخطاء الجسيمة في مجال حقوق الإنسان.

تم وقف إطلاق النار سنة 1991 بين المغرب وجبهة البوليساريو في سياق داخلي تميز بتهدئة العلاقات بين النظام الملكي من جهة وأحزاب المعارضة من جهة أخرى. ولم تفلت الصحراء الغربية من هذا النوع من "الاسترضاء" الذي ظهر في سياق دولي اتسم بسقوط جدار برلين وانحسار الأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية ونهاية الحرب الباردة. وظهر فاعل جديد على الركح السياسي في هذه المنطقة التي تهيمن عليها البنية القبلية التي ظلت- بشكل أو بآخر- تحكم السلوك الفردي والديناميكيات الاجتماعية: إنهم شباب الصحراء.

لقد قدموا أنفسهم على امتداد عدة سنوات على أنهم يشكلون و"فاعل سياسي جديد" خارج الدوائر القبلية، بل منافس لها تنافسي . لقد أحدثوا زعزعة في الآليات الكلاسيكية للمطالب الاجتماعية والتعبير عن الاحتجاج السياسي والاقتصادي والثقافي. فبعد أن تمكن العديد منهم للوصول إلى الجامعات المغربية وولوجها – كلها كانت تقع خارج الصحراء (2) - سرعان ما أصبح هؤلاء الشاب مستقلين ذاتيًا ، سواء عن الشخصيات القبلية الوازنة أو عن السلطة "القائمة على الإدارة") ، وهذا بعد أن عاينوا وعلموا باستشراء نظام الزبونية والعلاقات غير المتكافئة التي أقامها النظام لعقود في الصحراء.
------------------------------------------------------
(2) لتجنب مخاطر الاضطرابات ، لم تقم السلطات المغربية بإنشاء جامعات في مدن الصحراء الغربية. وبالتالي ، فإن حاملي البكالوريا كانوا يواصلون دراستهم عام في جامعات في وسط المغرب والكائنة في مدن غير صحراوية.
-------------------------------------------------------

وجاءت القطيعة
في مايو 2005 ، أدت الاضطرابات الاجتماعية التي اتسمت بالعنف إلى تحريض الشباب الصحراوي ضد الشرطة في المدن الكبرى في الصحراء الغربية ، وخاصة العيون ، حيث تم التلويح بأعلام البوليساريو بشكل غير مسبوق. أربعة عشر ناشطًا ، معظمهم من النشطاء الانفصاليين - بمن فيهم "أمينتو حيدر" ، و"محمد متوكل" ، و"محمد سالم تامك" ، الذين حوكموا وحُكم عليهم بالسجن ، أصبحوا في غضون أشهر قليلة رموزًا للاحتجاج "الصحراوي الجديد". لذلك فإن هذه الأحداث ظلت تعتبر بمثابة لحظة تمزق عميق غير مسبوق.

في مارس 2006 ، بعد مرور أقل من عام على أحداث العيون ، قام الملك محمد السادس برحلة رسمية إلى مدينة العيون ، التي تعتبر مع السمارة واحدة من فضاءات الاحتجاج الصحراوي الساخنة. ودعا في خطابه إلى "إقامة حكم رشيد يقوم على توسيع فضاء المشاركة في إدارة الشؤون المحلية ... وظهور نخب جديدة قادرة على تحمل المسؤوليات". إن اللهجة والصيغ المستخدمة في هذا الخطاب أثارت آمالاً كثيرة في التغيير ، وأعطت الانطباع بأن آليات التمثيل المحلي ستتطور نحو شفافية وديمقراطية أكبر. في هذه الأجواء ،تم إنساء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس) (3) الذي لم يتم انتخاب أعضائه ولكن تم تعيينهم جميعًا بمبادرة من القصر الملكي.
------------------------------------------
(3) المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية هو هيئة استشارية مغربية أنشأها الملك محمد السادس لمساعدته سياسياً واقتصادياً في مسألة الصحراء الغربية. عين الملك خليهن ولد الرشيد رئيسا له. وقد حل محل مجلس آخر يحمل نفس الاسم ، كان قد شكله الملك الحسن الثاني في أوائل تسعينيات القرن الماضي. كما تم تأسيس هيئة "الإنصاف والمصالحة" المكلفة بإنهاء سنوات الجمر والرصاص ، وتحسين أوضاع الصحراويين بشكل ملموس وجميع المغاربة بشكل عام. فقد تأسس (كوركاس) بعد اندلاع مظاهرات من قبل الانفصاليين في العيون في عام 2005. وتم أيضا اقتراح طريق ثالث على الصحراويين بين الضم والاستقلال ، وهو الحكم الذاتي ، حيث يحتفظ المغرب بالدفاع الوطني والشؤون الخارجية والعملة.
--------------------------------------------

لقد طال انتظار القطيعة مع "استراتيجية الزبونية" ، التي تحابي أعيان القبائل على حساب الشباب المهمش بسبب عدم المساواة والبطالة (حوالي 30٪ وفقًا للأرقام الرسمية) ، لكن لم تحدث. وقد رأى البعض أن إزالة "أمراء الصحراء" (4)، أو محاولة إضعافهم بشكل كبير ، من شأنه أن يؤدي إلى التشكيك في اقتصاد بأكمله قائم على الإيجار والعلاقات والإحالات.
--------------------------------------
(4) "أمراء الصحراء" – الأعيان الذين "يتمتعون (...) بتراخيص مهمة لاستغلال المقالع الرملية والصيد في أعماق البحار. ومن بينهم قادة سابقون في البوليساريو انضموا إلى المغرب ، مثل "جمولا بنت إيبي" و"هباتو ماء العينين" أو من أعيان الصحراء مثل "حسن الدرهم" أو عائلة "ولد الرشيد"...
-----------------------------------

منذ ذلك الحين ، أضحى "كوركاس" مرادفًا لعدم الكفاءة والجمود ، وهو عبارة عن قوقعة فارغة، "المجلس اليوم في حالة سبات ، إنه يعاني من عدم المصداقية" ، هذا ما صرح به في وسائل الإعلام في يناير 2013 ، أحد أعضائه السابقين ، أستاذ العلوم السياسية "مصطفى نعيمي". في خطاب ألقاه في نوفمبر 2010 ، دعا الملك إلى "هيكلة عميقة للكوركاس" ، ولكن دون متابعة وظلت دار لقمان على حالها ...
____________________ يتبع _________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر