الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بغدادان تلتقيان

حسن مدن

2022 / 6 / 21
الادب والفن


في رواية الأديبة العراقية إنعام كجه جي «النبيذة» رجال كثر، لكن أهمهم الفلسطيني منصور البادي، الذي به يكتمل الثلاثي الأساس في الرواية: تاج الملوك، وديان، وهو.

وجد منصور نفسه لاجئاً في لبنان، بعد النكبة الفلسطينية عام 1948، وحين أدرك أن الحكاية ستطول قصد بغداد، التي «لو خيّروه في كل عامٍ تالٍ من أعوام عمره لما اختار غيرها». ولكن عرضاً للعمل في دار الإذاعة العربية بكراتشي، التي افتتحت للتو أخذه إليها ليلتقي هناك مع تاج الملوك التي أتتها هاربة من مكائد السياسة في بغداد، لتعمل مذيعة في الإذاعة نفسها.

لم تكن بغداد، يومذاك، مقتصرة على أجواء النخبة السياسية التي اقتحمتها تاج الملوك، «ففي السراديب تنشط حركة يسارية تبشر بأفكار يسمونها هدّامة». والمفارقة أن تاج الملوك كانت تجد نفسها أكثر مع الفنانين والمثقفين الشباب غير البعيدين عما في تلك السراديب من أفكار.

عاشت المرأة في العالمين النقيضين. وفي اللحظة التي هاج فيها العراقيون غضباً من معاهدة بورتسموث التي فرضها الإنجليز، وجدت نفسها في مسيرة تشييع الشهداء الذين سقطوا بالرصاص. هناك شاهدت محمد مهدي الجواهري على أكتاف المشيعين يلقي بصوته الهادر: «أتعلم أم أنت لا تعلم/ بأن جراح الضحايا فم».

في صباح اليوم التالي كانت صورتها وسط المتظاهرين على الصفحات الأولى للجرائد الموضوعة على طاولة نوري السعيد، ولم يكن لها من مفر سوى انتزاع نفسها من بغداد إلى كراتشي، لتلتقي مع الشاب الفلسطيني اللاجئ مثلها، وهناك تنشأ قصة حب لا تكتمل. تظل مثل القوس المفتوح حتى النهاية.

لم يطل المقام بهما هناك. وشاية أنهت خدماتهما. انتهي الأمر بمنصور مهاجراً إلى فنزويلا، ليصبح فيها أكاديمياً ومؤلفاً لكتب سياسية مهمة يقع أحدها في يد الثائر السجين، يومها، هوجو شافيز الذي سيستعين بخبراته بعد أن انتخب رئيساً. أما تاج الملوك فقد قصدت عبادان في إيران، قبل أن ترحل إلى محطتها الأخيرة باريس وفي رحمها جنينها الأول.

في باريس ستقتنصها الاستخبارات الفرنسية؛ لأنها شعرت بأن كنزاً من المعلومات في رأسها. مسؤول استخباراتي كبير يقترن بها رغبة في استكشاف ما في الكنز، واستدرجها إلى مهام جاسوسية.

كانت تاج قد أصبحت أرملة حين التقت وديان الهاربة إلى باريس من طغيان «ابن الشيخ»، المهمومة بترميم روحها المنكسرة. بغدادان مختلفتان تلتقيان، لينبسط أمامنا التاريخ الدامي للعراق القريب من القلب، فيما يظل حاضراً طيف الفلسطيني منصور البادي، الحب المستحيل، المهموم بفوضى فنزويلا بعد رحيل رفيقه شافيز.

تأسرنا «النبيذة» حتى سطرها الأخير، ببنائها المحكم، وبلغتها الرشيقة العذبة، وبالتوظيف الآسر للأمثال والأقوال الشعبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في